شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

- دعونا نفسر الملاحظات الثلاث في ضوء المعطيات الراهنة :

1 - على الرغم من كل السيناريوات ذات التوجه السياسي الأمريكي، سواء كان على المستوى الأقليمي أو الدولي، فأن أمريكا عاجزة عن هدف إحتواء العالم حتى في إطار ما أسمته بالعولمة السياسية والأقتصادية والثقافية وغيرها، أو قيادة العالم لوحدها .. لأن الأمر مرهون بثقافة الشعوب وحضاراتها وموروثها الثقافي الضارب في عمق التاريخ الأنساني .. فهل يستطيع المجتمع الأمريكي مثلاً : أن يتخلى عن ثقافاته وحضاراته المتنوعة والمختلفة، والتي لم تستطع أمريكا أن ( تصهر ) هذه الثقافات في بوتقة المجتمع لحد الآن ومنذ ثلاثة قرون؟!

2 - وعلى الرغم من كل السياسات الأستراتيجية والتحالفات المحورية الروسية، سواء كانت على المستوى الأقليمي أو الدولي، فأن روسيا عاجزة هي الأخرى عن تحقيق هدف إحتواء أو قيادة العالم لوحدها حتى لو راحت تمارس سياسة المحاور - بشروطها الذاتية وظروفها الموضوعية - لأن الأمر مرهون بمصالح الشعوب وحقوقها وسيادتها واستقلالها الوطني وبأمنها واستقلالها .. وهل يستطيع المجتمع الروسي أن يتخلى عن أمنه واستقراره إلى ما لآنهاية من الصراعات بسبب سياسة المحاور أو سياسة الأستقطاب غير المجدية؟ - وسنتحدث عن هذه السياسة الأيديولوجية الروسية التي تجمع بين ( القومي والديني ) لآحقًا - .

3 - ظروف الحرب الباردة في ظل صراع المعسكرين الأمريكي والسوفياتي السابق هي غير الظروف الراهنة التي تحكمها متغيرات من نوع آخر، على المستوى الدولي والأقليمي، فضلاً عن التحولات في المفاهيم التي أملتها طبيعة الصراع والتنافس قي ظل الحرب الباردة البائدة .

4 - ثم أن توازنات القوى الدولية والأقليمية هي الأخرى قد تغيرت، فيما انهارت توازنات قوى إقليمية شكلت خطرًا هائلاً على مجمل السياسات الدولية والأقليمية في آن .. لأن السياسات تحكمها معايير القوة ويحكمها واقع علاقات قائمة على المصالح المشتركة سواء كانت ثنائية أو متعدد الأطراف، وهي مصالح متشابكة ترتبط بالأمن والأستقرار الدوليين .

5 - ثم ، هل هنالك ما يشير إلى إختلال ميزان تعادل القوى بين أمريكا وروسيا؟ ، لقد فقدت روسيا الكثير من عناصر قوتها تحت مناخ الأستنزاف، ولم يتبق لديها غير أداتين إثنتين ، 1 - معادل الردع النووي الشامل المؤكد، 2 - المناورة السياسية - العسكرية التوسعية .. وهذا لا يعني أنهما متعادتان في القوة والنفوذ والمكانة .. وكليهما لا تستطيعان إعلان الحرب بينهما، وربما تفعلانها ( تقليدية ) أو بـ ( الوكالة ) ولن تكون ( نووية ) .. أما خارج معادلة الردع المتبادل، هناك منافسات وضغوط وحروب بالأنابة تأخذ، كما أسلفنا، شكل التنافس السياسي على مواقع النفوذ وترسيخ موقع القدم ( السياسية والعسكرية ) في آن واحد، ليأخذ منحى الفعل العسكري المُسيطر عليه.

والتساؤل هنا ، هل هنالك أزمة في السياسة الخارجية الأمريكية، أم ان السياسة الخارجية الأمريكية تعيش فعلاً في أزمة ( بنيوية ) ؟!

الأمر يتطلب التريث قليلا لمعرفة عناصر الأزمة ومكوناتها ومقترباتها، التي تجعل منها منبعًا للتأزم والتصادم مع محيطها الخارجي، والتي تبدو فيها كفة الحرب القاعدة التي تستند إليها السياسة الخارجية الأمريكية في تعاطيها على المسرح السياسي الدولي.

ولكي لا نستبق وضع الأولويات في معنى تحليل الأزمة والبحث عن مسبباتها، يتوجب الوقوف على عناصر الفشل الأمريكي في سلسلة السياسات الأمريكية على إمتداد العقود الماضية وحتى العقد الراهن .. ويكمن أحد أهم عناصر الفشل في 1 - إخفاق السياسة الأمريكية في تقييم واقع القوى الأقليمية والعناصر الحقيقية المحركة للصراع ، 2 - وضعف إدراكها حجم وقوة ردود الأفعال الناجمة عن هذه السياسة، 3 - وعدم قدرتها على منع إتساع الـ ( ترددات ) الناجمة عن واقع الفعل العسكري الأمريكي والسيطرة عليه، 4 - وعدم القدرة على ( إعادة بناء نظم سياسية مستقرة بديلة وموالية لها ) ، إثر الحروب الأقليمية التي تشعلها تحت مزاعم واهية وكاذبة ومخادعة كـ ( أن النظم ديكتاتورية - تخلو من الديمقراطية وتنعدم فيها حقوق الأنسان - وتشكل خطرًا على جيرانها - أو إمتلاكها أسلحة دمار شامل - أو أن لها علاقات مع الأرهاب ) ، وهي محض مزاعم كاذبة ومضلله ومخادعة .. إذ يشكل هذا ضعفًا قاتلاً في النظام الدستوري الأمريكي الذي لا يتابع ولا يحاسب على هذا الكذب وهذا التضليل .

- إن مسألة الحرب على ( الأرهاب ) ذات وجهين :

الأول : إعتباره أحد أهم عناصر الأستراتيجية الأمريكية الكونية، التي تشاركها فيها إستراتيجيات إقليمية معروفة ( إيران ) وغيرها حسب المهمات والأدوار .. هذا الوجه ليس محددًا ويصعب وضعه في زاوية الحروب النظامية، إنما هو أداة تخريب ومفهومها لم يحدد بعد، كما يصعب وضع سقف زمني لتجفيف ( منابعه ) كما يقال .. والسبب في الأستحالة هو أن معالجة هذه المسألة يتوجب الرجوع الى مسبباتها وليس الى نتائجها .. فمسببات الأرهاب الدولي معروفة للجميع وتتلخص في الأحتلال الأستعماري والأستيطاني، والتجاوز على حقوق الشعوب في حريتها واختيارات انظمتها السياسية والاجتماعية، واستمرار النهب الأستعماري لثرواتها، والذي ينجم عنه الجوع والمرض والتخلف واليأس .. كل هذا الأرث الأستعماري يخلق إستجابة مضادة تأتي في صيغة دفاع عن الوجود الأنساني والهوية الوطنية والقومية، كما تأتي في صيغة مقاومة وطنية مشروعة تسميها امريكا ( الأرهاب ) .!!

الثاني : إعتباره أداة من أدوات السياسة الخارجية للدولة التي تمارس الأرهاب في صيغة جيوش ( موازيه ) ذات نزعة مذهبية - طائفية - اثنية تعمل على تدمير النظم المدنية والعسكرية بـ ( توافق إستراتيجي ) ذو منهج توسعي :

1 - أمريكا تستخدم مليشيات الحشد الشعبي في التدميرعلى أرض العراق، فيما يتولى طيرانها الحربي سماء العراق .

2 - وروسيا تتولى بطيرانها الحربي سماء سوريا، فيما تتولى مليشيات الحشد الشعبي العراقية وحزب الله اللبناني والحرس وفيلق القدس الأيرانيين، مهماتها الأجرامية على أرض سوريا .. هنا يظهر التنسيق بوضوح في النتائج المعلنة في جرف الصخر وصلاح الدين وبيجي والفلوجة والرمادي والشرقاط والكارثة التي تحل الآن في الموصل .. فضلا عن النتائج في المدن السورية وقمة الكارثة التدميرية في حلب .

- إن إنتشار هذا النمط الهدام يحيل الأفراد والجماعات والدول إلى إستنفار مقابل يعلن الدفاع عن النفس .. ومن هذا يولد فعل الأرهاب فعلاً من نوع آخر قد يمارس الأسلوب ذاته في الأتساع والتدمير .. وهنا يختلف الأمر عن المقاومة الوطنية، التي تعتمد القيم والمعايير في حالة الحرب والسلم وتتعاطى المبادئ المعترف بها في المقاومة التي يعترف بها القانون الدولي كعمل مشروع .

- وعلى الرغم من أن الأستعمار لم يعد له وجود عسكري مباشر، إلا أن مثل هذا الأستعمار بوجهه الأستيطاني نجده في شكل إنتشار وتوسع إيراني مسلح ( يُشَيِعْ ) و ( يستوطن ) ، كما نجده في فلسطين العربية يتمثل بإحتلال إسرائيلي جاثم بكل ثقله السياسي والعسكري على شعب فلسطين منذ عام 1948 رغم قرارات المنظمة الدولية، التي تؤكد حق الفلسطينيين في تقرير المصي، وترفض محو الهوية القومية للشعب الفلسطيني، ويرفض تغيير الحقائق التاريخية التي هي حق من حقوق السيادة الفلسطينية على ارض شعب فلسطين ، فأن الاستعمار الاستيطاني الصهيوني ما يزال يتحدى القرارات الاممية والشرعية الدولية ومبادئ القانون الدولي، ويرفض الاذعان لمبادئ الميثاق، ومع ذلك يحظى الكيان الصهيوني بدعم الولايات المتحدة، التي تعلن تغيير العالم على وفق الحرية والديمقراطية وقيم الحياة الامريكية.!!

- إن إشاعة خيار القوة في السياسة الامريكية بطريقة متعجرفة ومتعالية قد تجاوز حدوده باحتلال العراق والعمل المشترك مع الدولة الايرانية لتدميره ومن حوله، كما تجاوز الارث العالمي للاتفاقيات والاعراف التي توصل اليها المجتمع الدولي من اجل تنظيم علاقاته على مختلف الصعد، وممارسة الضغوط بفرض خيارات العولمة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وغيرها على النمط الامريكي دون الاخذ بنظر الاعتبار المشاعر الوطنية والقومية والدينية لشعوب وحضارات العالم المختلفة، والتي تعتز بها وتتمسك بجذورها ومرتكزات وجودها ومستقبلها، الأمر الذي أشاع ردود أفعال شملت عددًا من الأهداف الأمريكية والصهيونية وبطريقة تمثل تحولاً نوعيًا في الفعل ورد الفعل، فيما باتت المعايير المزدوجة حيال قضايا العالم المختلفة تتناقض مع العدالة والديمقراطية، أسلوب تتبعه الأدارات الأمريكية والذي فضح تناقضات سياساتها وأبرز أزمتها عند تعاملاتها المزدوجة مع الملفات الساخنة والقضايا المهمة في مناطق العالم المختلفة.

أزمة السياسة تكمن في تناقضات المعايير المزدوجة :

- كانت أمريكا تزعم انعدام الديمقراطية وحقوق الانسان في ظل الحكم الوطني قبل احتلالها العراق .. ولكنها كانت في الوقت ذاته تقصف بطائراتها الحربية منازل المواطنين العراقيين ( شيعة وسنه، مسلمين ومسيحيين، عرب وكرد وتركمان وغيرهم ) ومزارعهم ومنشأتهم المدنية وترمي طائراتها الخاصة المشاعل الحرارية لتحرق حقول القمح والشعير وهو غذاء الشعب العراقي، كما نشرت ( جرذان المزارع ، وبيوض الآفات الزراعية ومنها بيوض ذباب المواشي الفتاك والجراد والعناكب الحمراء التي تقتل وتدمر غابات النخيل من الجنوب والوسط حتى بغداد العاصمة وشمالها ) .. فهل ان ذلك من دواعي الديمقراطية أو مناصرة الشعوب وحمايتها؟! ، هذا مثال صارخ لا نريد أن نتوسع في أمثلة يعرف الكثير عنها العالم .

- هذه التناقضات والتوجه المزدوج، يكشف عمق أزمة السياسة الأمريكية الفاشلة، رغم مخططاتها المرحلية، ويؤكد أن لا تطابق بين مزاعم أمريكا وأقوالها وبين تصرفاتها الفعلية ونتائج هذه التصرفات، مما جعل قوى العالم المختلفة تدرك خطورة هذا السلوك وتحاول تجنبه أو الأقتراب منه بحذر أو مقاومته بطريقتها الخاصة .

- إن شن الحروب وإحتلال دول أعضاء في المنظمة الدولية يخالف نصوص الدستور الأمريكي في مسائل الدفاع، كما يخالف القانون الدولي، ويعد خرقًا للحقوق السيادية للدول .. ومثل هذا السلوك الأجرامي المنحرف عن القيم قد ارتكب جرائم ضد ليبيا والسودان والصومال وافغانستان والعراق تحت مزاعم الديمقراطية وحقوق الأنسان .. فلماذا تسكت أمريكا الآن عن المذابح التي ترتكبها إيران في العراق وسوريا ولبنان واليمن ؟ ولماذا تسكت على الجرائم التي يرتكبها النظام الأيراني ضد الشعوب الأيرانية وإعداماته في السجون وفي الساحات العامة وقمعه وإضطهاده لهذه الشعوب والعمل على ( تفريسها ) بالقوة؟!

- وبعد إنكسار أمريكا في العراق وهزيمتها العسكرية في الفلوجة وهروبها السياسي بصفقة سياسية تحت مظلة ( التوافق ) مع نظام طهران .. ماذا حل بالأستراتيجية الأمريكية وهي تأخذ مسار التراجع لترميم ما هدمته في بنيتها العسكرية والسياسية المقاومة الوطنية العراقية الباسلة؟ هل أن ولآية ( أوباما ) قد استطاعت وهي تنسحب نحو الداخل، ترميم ما تهدم ؟ وهل استطاعت أمريكا الآن، أن تبلور سياستها الأستراتيجية في ضوء المتغيرات الأقليمية والدولية الصارمة، أم انها ما زالت في مرحلة الترميم ؟! ، أمريكا أمام خيارين لا ثالث لهما .. إما الأنكفاء والتفكك أو تصحيح مسارات تصرفاتها وإلغاء معاييرها المزدوجة .. فهل تستطيع أن تكون دولة غير إمبريالية؟!

- هل تعود الحرب الباردة على المسرح السياسي الدولي؟! :

- حركة الأتحاد السوفياتي الأممية .. وحركة روسيا الأتحادية القومية .. الآيديولوجيا الجديد التي تجمع بين ( القومي والديني ) :

يتبـــــــــــــــــع ...





الاربعاء ٢٤ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة