شبكة ذي قار
عـاجـل










لا يوجد بلد في العالم في تاريخه القديم أو الحديث ينطبق عليه بيت عنترة بن شداد، كما ينطبق على إيران في السلوكين الجمعي والفردي، وأنا أختلف مع كل من تأخذه حسن النية في أن إيران يمكن أن تبدل ما تضمره من نوايا حتى في حال تغيير جلدها الناعم بجلد أكثر نعومة، أو خطابها المرن بخطاب متنازل بنوايا الخير لأنها غير مجبولة عليه أبدا، فلإيراني كتاب مقدس هو مَثلٌ يتلقفه الابن عن أبيه عن جده ويصبح دليل حياته كلها ويقول "إذا واجهتك عاصفة، فاخفض رأسك حتى تمرّ"، ويخطئ من يظن أن هناك تيارين في إيران متشدد ومعتدل، أو جناح صقور وجناح حمائم، ويخطئ أكثر من يظن أن بلاد فارس على استعداد لإلغاء دروس التاريخ القديم أو القريب لصالح الجغرافية أو علاقات حسن الجوار، أو أن تستبدل عقد الماضي بلغة المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، فهناك ثلاث هزائم منكرة ألحقها العرب والعراقيون خاصة ببلاد فارس، الأولى هي معركة ذي قار معركة قاد فيها هاني بن مسعود الشيباني قبائل عربية متفرقة لتكسر شوكة ثاني أكبر إمبراطورية في ذلك الزمن، وكانت تمتلك جيشا هائلا ألحق هزائم بجيوش الآخرين، وبالإمبراطورية الرومانية وربما كانت هذه الهزيمة الأكثر مرارة على أكاسرة فارس، والثانية معركة القادسية في خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وتناوب ثلاثة من قادة الفتح الإسلامي على قيادة جيش المسلمين الذي لم يزد عديده عن 30 ألفا في أحسن أحواله، أولهم سيف الله المسلول خالد بن الوليد ثم آلت إمرة الجيش إلى عراقي من قبيلة شيبان هو المثنى بن حارثة الشيباني وكأن التاريخ يعيد نفسه، حتى استقرت قيادة الجيش إلى سعد بن أبي وقاص الذي أنجز المعركة بهزيمة جيش الساسانيين، أما جيش فارس فكان عدده أربعة أضعاف جيش المسلمين على الأقل، وهزم المسلمون الفرس المجوس بإذن الله، فكان من نتائج القادسية الأولى أن انهارت إمبراطورية الأكاسرة وطن الجميع أن الفرس سيشعرون بالامتنان للعرب لأنهم نقلوهم من عبادة النار إلى عبادة الله الواحد القهار، ولكنهم اختزنوا حقدا دفينا في نفوسهم كانت تؤججه معابد النار، ولهذا وجدوا أن مقاومة الدين الجديد في حرب مفتوحة ومواجهة علنية لا يمكن أن يكتب النصر فيها لدين عبدة النار، خاصة بعد أن دخل كثير من سكان بلاد فارس في دين العقل والفطرة السليمة الدين الإسلامي، فراح كهنة معابد النار يخططون لنخر الإسلام من داخله لا بالحرب المعلنة عليه وإنما بالكيد له وتشكيك الناس بعقيدة التوحيد، ومن هنا نجد التفسير المنطقي لمقولة سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال "ليت بيني وبين فارس جبلا من نار"، فأثار الفرس الكثير من الزوابع الصفراء ضد الدين الإسلامي، وطفقوا في تلفيق القصص الموضوعة ما أنزل الله بها من سلطان، واختلقوا البدع وأدخلوا الخرافات، ولكنهم لم يعلنوا عن كل أفكارهم دفعة واحدة، بل احتاجوا إلى مئات السنين ليكرسوا أفكارهم الشيطانية في عقول المغفلين والسذج والجهلة، حتى اعتبرها أتباعهم من الأصول الثابتة في الدين، وكلما أعيت أحدهم الحيلة في تمرير كذبة مفتراة، لم يجد خيرا من القول "عن سين عن صاد عن جيم عن جعفر بن محمد الصادق..." فيضع قصة لا يصدّقها عاقل أو نصف عاقل أو حتى من يمتلك الحد الأدنى من العقل، ومع الأيام ولكثرة التكرار تصبح من أصل المعتقدات التي أدخلها الفرس إلى التشيّع، ومن هنا نجد أسباب كراهية الفرس ومن يتبع دينهم لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب وبقية الصحابة وأمهات المؤمنين لأن أبا بكر والفاروق هما من بدأ بمعركة تحرير العراق، أما الهزيمة الأخيرة فهي ثالثة الأثافي التي كرس فيها جيش العراق الأبي قائد الجمع الكافر روح الله الموسوي الخميني كأس السم في قادسية صدام المجيدة والتي أذل الله فيها الفرس على يد العراقيين أباة الضيم.

فهل يتوقع أحدٌ أن إيران يمكن أن تنسى هزائمها على أيدي العرب؟ وهل تغفر للعراقيين تدمير مجدها الغابر الذي أطفأت نارَه أنوارُ الفتح الإسلامي؟

إنّ ما بين العرب عموما والعراقيين خصوصا وبين الفرس صراعا حضاريا وصراع وجود ومصير، وليس نزاع مصالح اقتصادية أو حدودية يمكن تسويتها عبر حوارات أو مفاوضات بحيث تعتمد مبدأ الحلول الوسط، ولهذا وجدنا إيران أكثر بلدٍ يمزق الاتفاقيات التي يوقع عليها مع الأطراف الدولية مرغما في ظرف ما ثم بعد تحسن ظروفه الداخلية يظن أن فرصته للحصول على شروط أفضل منها، ينقلب على عقبيه، ويبدأ بإثارة الأزمات ويكرس مكاسب في اتفاقيات لاحقة وهكذا تدور عجلة نوايا الشر المقيمة في بلاد فارس.

لو أن إيران دولة تحترم التزاماتها الدولية ما وجدنا من بأس في التعامل معها على أساس المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، ولكن بلدا يتصف بالجبن نراه يميل إلى الخديعة، ولهذا نرى إيران اليوم تجنّد مخالب الشر المرتبطة بها لتحسين وضعها التفاوضي وامتلاك مفاتيح ضغط على الدول والأطراف الأخرى بهدف ابتزازها والحصول منها على أكبر قدر من التنازلات، هذا ليس مع العراق فقط وإنما مع جميع دول العالم الصغير منها والكبير، لأنها وببساطة شديدة لا تمتلك القدرة على المواجهة المباشرة فتعتمد أسلوب الخديعة والمناورة، فتارة نراها تتحدث بلهجة متشددة عندما تعتقد أن هذا الأسلوب هو أكثر ربحية من سواه، ولكنها تتحول إلى حمل وديع عندما تجد أنها محصورة في زاوية حرجة وأن خياراتها ضاقت عليها، فتعود إلى لعبتها المفضلة زاعمة أن هناك تيارين يتصارعان القرار السياسي متشدد ومعتدل ويجب تعزيز مكانة المعتدلين في الداخل من خلال تنازلات خارجية كما حصل وأن انطلت هذه اللعبة على وفود 5+1 في مفاوضات الملف النووي الإيراني، في حين أن العالم أجمع ومن عرف إيران عن قرب يعرف جيدا أن ما يسمى بالولي الفقيه هو الحاكم بأمره وهو ظل الله في الأرض وله ولاية مطلقة ولا يستطيع أحد أن يجادل من يحكم نيابة عن الله في أرضه، ويفرض أوامره عن طريق الحرس الثوري الإيراني.

إيران ليست دولة بمقاييس القانون الدولي ولن تكون، لأنها مشروع لتدمير الإسلام باسمه، وبالتالي فهي أخطر من إسرائيل صاحبة المشروع الصهيوني الذي يعتمد شعار "دولتك يا إسرائيل من النيل إلى الفرات" ولأن الصراع بين العرب والإسرائيليين صراع خنادق متقابلة، والصراع بين العرب وإيران صراع خنادق متداخلة، فحدود إيران لا تقف حتى عند حدود كوكب الأرض إن استطاعت، ولكنها تريد تنفيذها بأدواتها وعملائها الرخيصي الثمن.

إيران مشروع توسعي تدميري يبدأ بزرع الفتن والمشاكل حيثما سنحت له الفرصة ثم يقدم نفسه وسيطا منقذا وحانيا على المتنازعين، وهذا السلوك ليس نتاج ما يسمى بالثورة التي جاءت بالخميني إلى السلطة، وإنما كانت ديدن الأكاسرة وكل من أعقبهم من أكاسرة لاحقين بعضهم بالملابس الفارسية التقليدية وبعضهم بالقبعة الأمريكية وربطة العنق الفرنسية وبعضهم بالعمامتين السوداء البيضاء، ولكن لغتهم واحدة لغة متغطرسة على فراغ وخواء، فهل كان يزدجرد معمما يريد تصدير الثورة عندما اجتاز حدود فارس الجغرافية واحتل العراق واتخذ من المدائن عاصمة لملكه؟ وهل كان إسماعيل الصفوي يختلف في جوهر تحركه عن يزدجرد عندما احتل العراق عام 1508؟ وهل كان محمد رضا بهلوي يختلف عنهما أو عن العائلة القاجارية التي احتلت إقليم الأحواز الذي تزيد مساحته عن 350 ألف كيلو متر مربع، أو عمن جاء من بعده بوصول خميني ومن تبعه إلى موقع السلطة في إيران؟ هؤلاء يخدمون مشروعا فارسيا لا توقفه النوايا الحسنة مهما تشبث بها حسنو النية لأن إيران لا وجود لمصطلح حسن النية في قاموسها الذي يرتدي في كل مرحلة ما يناسبها من أردية، علما بأن الأصل في العلاقات بين الدول لا وجود لحسن النية بل للغة التكافؤ في الحقوق بين الدول صغيرها وكبيرها والمصالح المشتركة والمنافع المتبادلة وعدم التدخل في شؤون الغير سياسيا واجتماعيا بما يهدد الأمن القومي للدول الأخرى.

فأين إيران في جميع عهودها من هذه المبادي ؟
هل غدر العرب بها يوما أم أنها كانت خنجر الغدر المسموم بالقلب العربي؟ وبقدر تعلق الأمر بالعراق هل واجه العراقيون إيران في العصر الحديث ومنذ قيام الدولة الوطنية عام 1920 وحتى وصول الخميني إلى السلطة بموقف عدائي؟ أم أن الخميني هو الذي تحرك بفعل ما يختزنه من سم قتله في نهاية القادسية الثانية هو الذي بادر لرفع شعار تصدير الثورة ونشر التشيّع الفارسي المقيت في كل الأرجاء انطلاقا من العراق مستغلا اسم فلسطين والقدس شعارا لتمرير مشروعه الحقود عندما رفع شعار طريق القدس يمر من كربلاء ثم من بغداد؟.

أما ما يجري في سوريا ولبنان واليمن ويراد له أن يطبق على البحرين والأطماع المعلنة والتي خرجت من مخابئها وسراديبها السرية ولم تعد تكترث لردود الفعل الإسلامية الغاضبة، مثل الحديث الذي ارتفع عن سيطرة إيران على أربع عواصم عربية، وكذلك الحديث المليء بالسم الزعاف عن أن وقت فارس قد حان لتنبش قبري خليفتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وأرضاهما واللذين ما جعلهما بقرب قبره الشريف لولا مكانتهما عند الله ورسوله، نعم ما يجري لم يعد يسمح إلا بأن نجعل من الشك طريقا للوصول إلى اليقين، فإيران لن تستجيب لدعوات التفاهم ما لم يمتلك الطرف المحاور القدرة على أن يرغمها على الالتزام بقواعد الأخلاق ومبادئ القانون الدولي، خاصة في حال انعدام الخشية من الله لدى الذين يزعمون أنهم مسلمون، وتجربة إيران وتنصلها من التزاماتها مع دول كبرى بقوة الولايات المتحدة تعطينا درسا بألا نذهب معها إلى خطوة واحدة لأنها دولة مارقة خارجة على كل ما يجب احترامه من قواعد وقوانين واجبة الاحترام.

صحيح أننا لا نستطيع إزالة إيران من الجغرافيا الطبيعية، بل ولا نريد ذلك انطلاقا من قيمنا العربية الإسلامية التي تتسم بالتسامح، وإنما نريد تغيير نزعتها العدوانية التدميرية في الجغرافيا السياسية، وهي كذلك لن تستطيع إزالتنا من الخارطة الجغرافية الطبيعية، ولكنها لن تتردد في إزالتنا من الخارطة السياسية إذا ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، وقد فعلت الكثير لإخراج العراق من منظومة الأمن القومي العربي، ومنعت تواصله من حاضنته العربية من خلال ما تمتلكه من أذرع وأعوان وعملاء باتوا يفاخرون بتبعيتهم لدولة الفقيه ولم يقتصر الأمر على الشيعة فقط بل بات كثير من سنة العملية السياسية يحجون إلى طهران للحصول على بركة الولي الفقيه أكثر مما ييمموا وجوههم شطر بيت الله الحرام، فأي زمن ردئ هذا؟

متى ما امتلكنا القوة الحقيقية والإرادة السياسية لمنع إيران من مواصلة دورها الهادف إلى ابتلاع العراق واتخاذه منصة انطلاق نحو الوطن العربي والآفاق البعيدة، وتم ردع نواياها الشريرة ومتى ما أوقفناها داخل حدودها فإنها ستتحول إلى حمل وديع من دون قرون ولم يتدرب على النطاح.





الاحد ٧ جمادي الثانية ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أذار / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة