شبكة ذي قار
عـاجـل










بين الخطاب الديبلوماسي وواقع التطبيق السياسي مسافة قد تحتمل الكذب. ولذلك نقول : قل لي كيف تفكر، أقل لك من أنت. ولذلك، ما لم نربط بين الخطاب السياسي وبين المبادئ الأيديولوجية التي تقف من وراء الخطاب، سيقودنا التحليل إلى متاهات وأكاذيب، يمارس فيه من يخطب الخديعة، وعلى من يتوجه إليه بخطابه أن يكون حذراً من الوقوع في أفخاخ الديبلوماسية الناعمة.

وبناء عليه، كيف يمكننا تحليل ما ورد على لسان حسن روحاني، الرئيس الإيراني، قبل جولته على دولتين خليجيتين، عمان والكويت، في 17 و18 من شهر شباط؟

في الوقائع، وقبل ان يتوجه إلى سلطنة عمان والكويت، قال روحاني : إن سياسة إيران "قائمة على حسن الجوار وضمان الأمن في الخليج"، وأن إيران "لم ولن تفكر بتاتاً بأي اعتداء على أحد، أو تدخل في الشئون الداخلية للدول الأخرى، ولا تريد فرض عقائدها الدينية أو المذهبية على الآخرين"، وتابع قائلاً : "وسياستنا طالما كانت قائمة على التعاون المشترك مع الأصدقاء والدول الإسلامية". كما قال : إنه لا بد من أن نفكر في الوحدة، وإن " الرهاب من إيران والتخويف من الشيعة كلها من صنيعة الأجانب".

في تصريحه المذكور، وردت أربعة مبادئ تحتاج إلى مناقشة وتوضيح، قبل أن نحلل نتائج الزيارة المذكورة، والمبادئ هي التالية :

- مبدأ حسن الجوار، وضمان الأمن في الخليج.
- مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ومنها الامتناع عن فرض عقائدها الدينية والمذهبية.
- مبدأ التعاون مع الأصدقاء والدول الإسلامية.
- مبدأ التدخل الأجنبي في تشويه صورة إيران والشيعة.

كلام في المبادئ، وما أجمل وأرقى. إذ صوَّر لنا الرئيس الإيراني النظام الذي يرأسه، وكأنه نظام جادت به الإنسانية من أجل فرض السلام على الأرض. ولأننا قمنا بالرد، ونكرره الآن، إن النظام الإيراني بعد أن أعلن نفسه المرجعية الأولى في التمهيد لقيام ( نظام تصدير الثورة الإسلامية ) الذي سوف ( يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً ) ، تجعلنا نعد أصابع أفكارنا بعد أن نصافح تصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني.

ولكي نعرف مدى مصداقيته، على الرئيس الإيراني أن يجيب، ليس على اتهاماتنا، بل على تساؤلاتنا التالية :

- التساؤل الأول : هل مبدأ ( تصدير الثورة ) يمكن أن يتحقق من دون نشر مبادئ المذهب الذي يدين به النظام الإيراني؟ وإلى من يجب تصديره : هل للدول غير الإسلامية الأبعد عن إيران؟ أم يجب تصديره إلى الدول التي لا تدين بالإسلام، كالمسيحية والبوذية مثلاً؟ أم من المنطقي والواقعي أن يتم تصديره أولاً إلى دول الجوار العربي؟ وإذا لم يكن هذا ولا ذاك؟ ألم يكن الأجدى على الرئيس الإيراني أن يعلن إلغاء مبدأ ( تصدير الثورة ) لكي نصدقه، خاصة إذا قرأنا تصريحات من سبقه من سياسيين إيرانيين أعلنوا أن الإمبراطورية الفارسية قد ضمت حتى الآن أربع عواصم عربية ( بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء ) أليس هذا الضم دليلاً على التدخل في شؤون الآخرين؟ وهل هذا دليل حسن النية؟

- التساؤل الثاني : هل يمكن التصديق بمبدأ حسن الجوار إذا لم يتم إلغاء مبدأ تصدير الثورة؟ وهل يتوافق مبدأ حسن الجوار مع وجود نية تصدير الثورة إليه؟ هل نصدق حسن الجوار مع جار يعمل بكل الوسائل لتصدير ثورته إلى جيرانه بالقوة؟ ولأن مبدأ تصدير الثورة، كما يعتقد به النظام الإيراني هو مبدأ إلهي، فهل سيخالف النظام أوامر إلهية يعتقد بها ويعمل على تنفيذها؟

- التساؤل الثالث : كيف نصدق مبدأ إقامة علاقات الصداقة مع الدول الإسلامية التي تؤمن بقيام دولة دينية على غير مبادئ ولاية الفقيه؟ أليس هناك أمر إلهي، كما يزعمون، بتأسيس دولة دينية تُحكم بشرائع آل بيت الرسول؟ وأليس هناك أمر إلهي بإعادة الحق بالخلافة إليهم؟

- التساؤل الرابع : نحن ضد أي تدخل أجنبي في شؤوننا الداخلية، حتى ولو جاء من الجيران. ومقولة أن التدخل الأجنبي هو السبب في تشويه صورة إيران والشيعة، لهي ذريعة واهية لأن كل الحركات الإسلامية السياسية تتلطى بالذريعة نفسها. وأما السبب فيعود إلى أن تلك الحركات، ومنهم حركة ولاية الفقيه، تعمل على تبرئة نفسها من الخطيئة وإلقاء التهمة على الخارج. ولأن أمراضنا المذهبية هي من إنتاج مصانعنا، وليست على الإطلاق من صنع الخارج فعلينا أن نعيد النظر فيها نحن وليس أحد غيرنا. وأما مسؤولية الخارج فهي أنه يغذي نيران أمراضنا نحن من أجل مصلحته في إبقاء عوامل التفتيت في جسد مجتمعاتنا. فماذا فعل النظام الإيراني في سبيل تخليص المسلمين من وسائل التحريض والتكفير ضد المكونات الدينية الأخرى؟ طبعاً هذا لا يعفي الحركات الأخرى التي تمارس وسائل الحقن والتكفير.

وأخيراً، ولكي نصدق ما قاله الرئيس الإيراني، عليه أن يطفئ فتيل مبدأ تصدير الثورة أولاً، ويلغي أطماعه في نشر ما يزعم أنها ثورة إسلامية. وإذا فعلها، ولن يفعلها، فعليه أن يترك العراق لأهله، وأن لا يمدد أذرع أخطبوطه الأيديولوجي إلى غيره من الأقطار العربية. وبغير ذلك لن تهدأ المخاوف في الخليج العربي وفي غيره.

فيا دول الخليج، بل يا دول العرب، لا تطمئنوا إلى ما صرَّح به الرئيس روحاني، بل انظروا إلى خنجر مبدأ تصدير الثورة المسموم الذي يشهره أو يضمره، ففي ظاهره السلام، وفي باطنه ليس إلاَّ الحرب والدمار.
 





الاثنين ٢٣ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب المحرر الأسبوعي لطليعة لبنان نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة