شبكة ذي قار
عـاجـل










تتواتر التّقارير الصّحفيّة والإخباريّة والتّسريبات عن اعتزام الإدارة الأمريكيّة الجديدة إدراج الحرس الثّوريّ الإيرانيّ على لوائح الإرهاب الأمريكيّة مخلّفة تباينا في المواقف والرّؤى تراوحت بين التّأييد والمعارضة الشّديدة على المستويين الأمريكيّ والعالميّ على حدّ سواء.

يبرّر الأمريكان الرّافضون لهذه الخطوة حال إقراراها خصوصا لما يعتبرونه خدمات جليلة وإسهامات فعّالة لإيران ولحرسها الثّوري في محاربة داعش في العراق وسوريّة، ويتعلّلون كذلك بمسائل فنّية كثيرة أهمّها ما يرافق هذا القرار من تعقيدات قانونيّة ناهيك عن قدرات الحرس الثّوريّ القتاليّة والتّسليحيّة ولثقل منزلته في المعادلة السّياسيّة ومنظومة الحكم القائمة في إيران.

كما عبّرت روسيا ضمنيّا على لسان وزير خارجيّتها في فنزويلا على معارضتها لمثل هذا القرار ونفت عن حليفها الإيرانيّ وحرسه أيّ شبهة إرهابيّة، بينما تعاملت أوروبّا بحذر شديد مع هذه المسألة.

هذا، ويبقى الموقف العربيّ على المستوى الرّسميّ كعادته مبهما وهلاميّا، إذ لم يرتق ليتلاءم مع ما بدأ يعبّر عنه من استياء من أجندات إيران التّوسّعيّة واستشعاره للخطر الفارسيّ التّوسّعي الاستيطانيّ الزّاحف على كثير من الأقطار العربيّة بعد الأحواز والعراق وسوريّة وما تثيره طهران وأذرعتها سيّما الحرس الثّوريّ من قلاقل وتقويض لاستقرار اليمن والبحرين وغيرهما.

ومهما يكن من أمر، وبصرف النّظر عن مدى صدق الإدارة الأمريكيّة في المضيّ قدما في هذا القرار، فإنّ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ يظلّ أحد أكبر المنظّمات الإرهابيّة في العالم بالنّظر لممارساته وسياساته العدوانيّة ونواياه التّوسّعيّة ناهيك عن مئات آلاف الجرائم المدوّية والمفزعة التي ارتكبها ولا يزال في كلّ من الأحواز العربيّة والعراق وسوريّة، وهذه الجرائم ليست محض تخمين أو تكهّنات بل إنّها موثّقة ومسجلّة في سوادها الأعظم.

فنحن لا نحتاج لقرار من إدارة ترامب لندرك أنّ الحرس الثّوريّ الإيرانيّ منظّمة إرهابيّة، بل إنّنا ظللنا نهتف بهذه الحقيقة منذ زمن بعيد يعود لبدايات تشكّل هذا الجيش الذي لم يتورّع جنرالاته وقاداته عن التّصريح علنا عن اهدافهم ونواياهم مدفوعين بعقيدتهم العنصريّة الشّوفينيّة خصوصا تجاه العرب. وإنّ جرائم هذا الجيش الإرهابيّة لا تقتصر على الأمّة العربيّة، ويكفي هنا أن نلقي نظرة بسيطة للدّاخل الإيرانيّ لنلامس حجم الجرائم المدوّية اتي ارتكبها بحقّ الشّعوب الإيرانية غير الفارسيّة، فلقد ظلّ سوط عذاب تسلّطه المنظومة الحاكمة في إيران ضدّ الأذربيجيّين والبلوش والأكراد وغيرها من القوميّات المشكّلة لإيران، وتبقى الأحواز العربيّة أكبر مسرح شاهد على طبيعة هذا الجيش الإرهابيّة.

ولا تقف النّزعة العنصريّة الإرهابيّة للحرس الثّوري الإرهابيّ عند ممارساته المتمثّلة في تدريب وتسليح كلّ الميليشيّات الطّائفيّة العابثة بالعراق منذ الغزو الأمريكيّ عام 2003 لتبلغ ذروتها منذ أواخر 2011، وكذلك سوريّة بدرجة أقلّ منذ ما يزيد عن الخمس سنوات، ولا عند ضلوعه في بثّ نوازع الفتنة الطّائفيّة والعرقيّة، حيث تفنّنت هذه الميليشيّات في ترويع العراقيّين والسّوريّين وترهيبهم وقتّلتهم على الهويّة ودفعتهم للهجرة والنّزوح والتّشرّد، كما لا يكتفي الحرس الثّوريّ بهذا الخصوص عند مجرد الدّعم والتّسليح وإعداد الخطط والتّكتيكات، بل إنّه يحضر يقضّه وقضيضه هناك كلّما اصطدمت ميليشيّاته الطّائفية بالصّدّ واتّسعت ضدّها ضربات المقاومة، وهذه الأمور موثّقة وثابتة لا ادّعاء فيها بل تتحدّث عنها مئات قتلى الحرس الثّوريّ من مختلف المراتب في سوريّة والعراق كما يفصح عنها التّواجد شبه الدّائم للمجرم قاسم سليماني قائد فيلق القدس العماد الفقريّ لهذا الحرس الثّوريّ هذا فضلا عن تصريحات كبار قياداته العسكرية المهدّدة لدول الخليج وتبجّحهم بسيطرتهم على أربع عواصم عربيّة كبرى.

وعليه، فإنّ الإدارة الأمريكيّة وهي أكثر من يعلم بهذا السّجلّ الإجراميّ الإرهابيّ لا للحرس الثّوريّ الإيرانيّ، بل لمنظومة الحكم في إيران برمّتها، لا تحتاج لأدلّة ومسوّغات لتصنيف هذه المنظّمة على لوائح الإرهاب، وهو ما يجب أن يقلّل من اندفاع المتفائلين بهذه التّخمينات الأمريكيّة لأنّهم - أي الأمريكان - يتحمّلون القسط الاكبر من المسؤوليّة في إطلاق العنان للفرس ولحرسهم الإرهابيّ وغضّوا البصر عن تحرّكاتهم وسياساتهم الإرهابيّة الشّعوبيّة لأنّهم يراهنون ويعوّلون عليها كثيرا باعتبارها خدمة أساسيّة لتحقيق المشاريع والمخطّطات الاستعماريّة الأمريكيّة المعدّة للمنطقة العربيّة.

علينا إذن أن نتعامل ببرودة العقل مع هذه التّسريبات، دون أن نسقط جدّيتها وإمكانيّة تحقّقها. وهو ما يحمّلنا نحن العرب كلّ العرب رسميّين وأحزابا وجماهير ومنظّمات ومؤسّسات مسؤوليّة كبرى في تعرية الطّبيعة الإرهابيّة للنّظام الإيرانيّ وأذرعته الأخطبوطيّة سواء الدّينيّة أو العسكريّة أو السّياسيّة وفي تكثيف الحملات لكشف الجرائم الموثّقة حتّى تشكّل وسيلة ضغط مضافة على الإدارة الأمريكيّة التي يتوجّب عليها أن تدرك أنّ ألاعيبها مكشوفة وازدواجيّة الخطاب والتّناقض بينه وبين الممارسة معلوم لدى العرب وأن عهد سذاجتهم قد ولّى، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بطرق كلّ الأبواب الممكنة خصوصا القانونيّة والدّيبلوماسيّة لتضييق الخناق على ولاية الفقيه وملاليها وجنرالاتها وفيالقها العسكريّة، ولا بدّ أن يترافق ذلك مع كلّ اللإجراءات والتّدابير التي من شأنها أن تدفع الأمريكان لتغيير طرق تعاملهم مع العرب واكفّ عن التّآمر عليهم واعتبارهم لقمة سائغة يجوز ابتلاعها من الفارسيّ والصهيونيّ والمنغوليّ والرّوسيّ وغيرهم.

وإنّه لا يعقل في ظلّ كلّ هذا أن يكتفي العرب بمتابعة هذا الملفّ الخطير باعتباره شأنا حيويّا ومصيريّا لهم، وعليهم ألاّ يسقطوا كلّ الاحتمالات وأن يستعدّوا لها أحسن الاستعداد، لأنّ الأمريكان لا يخفون استياءهم من تعاظم النّفوذ الإيرانيّ الذي جاوز ما سمحوا به وما أبدوا موافقتهم عليه.

وعلى العرب أن يحسموا أمرهم ويمتلكوا نواصيهم بيدهم بعيدا عن الارتهان للآخر أيّا كان، وعليهم ان يبدؤوا بالتّعامل وبتصنيف الحرس الثّوريّ الإيرانيّ منظّمة إرهابيّة بما يعنيه هذا القرار من أبعاد وما يستوجبه من استتباعات، كمقدمة لدفع الآخرين للحذو حذوهم.





الاربعاء ١٨ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة