شبكة ذي قار
عـاجـل










( صدر بمجلة صدى نبض العروبة في عددها الثاني بتاريخ 03 / 02 / 2017 )


انسحبت المملكة المغربيّة من الاتّحاد الإفريقيّ سنة 1984 ردّا على قرار القبول بانضمام " الجمهوريّة الصّحراويّة العربيّة " للمنظّمة الإفريقيّة وهو ما اعتبرته تهديدا جدّيا لسلامتها ووحدتها التّرابيّة. وبعد أكثر من ثلاثة عقود يعود المغرب للاتّحاد الإفريقيّ لأسباب عديدة أهمّها اقتناع المملكة بأنّ سياسة المقعد الشّاغر لم تعد مجدية وأنّها قد تضرّ بمصالحها الوطنيّة والقوميّة مستقبلا، ناهيك عن نجاح المغرب في تحقيق اختراقات مهمّة فيما يتعلّق بموقف عدد من الدّول الإفريقيّة التي تراجعت عن موقفها الدّاعم لجبهة البوليساريو لما حقّقه المغرب من نجاحات في المجال الاقتصاديّ حيث بات من القوى المهمّة إفريقيّا، ومنافسا حقيقيّا لكثير من القوى الكبرى التّقليديّة في القارّة السّمراء كمصر ونيجيريا وجنوب إفريقيا، ويراهن من خلال العودة وما سبقها من تحرّكات ديبلوماسيّة واقتصاديّة مهمّة في الدّاخل الإفريقيّ على إمكانيّة مزيد تعديل مواقف كثير من الدّول الإفريقيّة الأخرى المحايدة أو المناصرة للبوليساريو في ظلّ تواصل عدم اعتراف الأمم المتّحدة والجامعة العربيّة ومنظّمة التّعاون الإسلاميّ للآن بالجمهوريّة العربيّة الصّحراويّة.

إلاّ أنّه ومهما تكن أسباب المغرب ودوافعه ورهاناته على هذه العودة، فإنّ واقع الحال يشي بمزيد تصعيد الصّراع بين الجزائر والمغرب حول ملفّ الصّحراء الغربيّة تحديدا. إذ لا يمكن القفز على حقيقة ما شكّله هذا النّزاع من أضرار فادحة على مصالح البلدين الشّقيقين والجارين، وانعكاساته على الجماهير فيهما على مختلف الأصعدة نفسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة.

فلا يمكن الاقتصار في قراءة عودة المغرب للاتّحاد الإفريقيّ على جوانبها الفنّيّة، ولا يمكن تجاوز ردّة فعل الجزائر وتململها والذي نضحت به مواقفها الرّسميّة حيث لم تخف برودها ومعارضتها لهذه الخطوة لولا فلاح المغرب في تحصيل النّصاب القانونيّ الضّامن لعودته مجدّدا.

تدفعنا هذه النّقطة تحديدا لتنزيل ما يتعلّق بالمغرب والجزائر وعلاقة كلّ منهما وخصوصا المغرب بالاتّحاد الإفريقيّ وغيره من الهيئات والمنابر، في إطاره التّاريخيّ والجيوستراتيجيّ.

فباعتبار انتماء كلّ من الجزائر والمغرب للفضاء العربيّ، كانا خاضعين لجور المخطّطات الاستعماريّة الكبرى وخصوصا سايكس بيكو، والتي توصي فوق إبقاء الوطن العربيّ مقسّما بضرورة العمل على منع قيام وحدة بين العراق وسوريّة، وبين مصر والسّودان، وبين الجزائر والمغرب، لما تتمتّع به هذه الأقطار السّتّة من ثقل استراتيجيّ وسياسيّ وبشريّ وتاريخيّ مهمّ.

وفي هذا الإطار تفجّرت قضيّة الصّحراء الغربيّة وغدت صداعا حقيقيّا ومخرزا إضافيّا ينسف أيّ حلم في بناء الوحدة المغاربيّة وهي اللّبنة الأساسيّة لقيام الوحدة العربيّة الشّاملة وإسقاط سايكس بيكو وما تبعها. فالشّعب الصّحراويّ ليس مسقطا من خارج الكوكب، ومهما يكن من انتمائه سواء للمغرب أو الجزائر أو موريتانيا فإنّه يبقى أحد المكوّنات الأصيلة من جماهير الأمّة العربيّة ما يستوجب معالجة قضيّته في الإطار العربيّ الأصيل بعيدا عن المناكفات والحسابات الأنانيّة الضّيقة والرّهانات القٌطريّة المقيتة التي تزيد من هوّة الشّرخ العربيّ وتضرب المصالح الحيويّة والاستراتيجيّة للأمّة في مقتل، وهو الموقف الذي عبّر عنه حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ لحظة تفجّر المشكل الصّحراويّ وقدّر أنّه ولد ميّتا، وعارض إضافة جزء أو دولة جديدة ودعا لإلحاق الصّحراء بأحد الأقطار إمّا المغرب أو الجزائر أو موريتانيا، على خلاف التّهاون العربيّ الرسميّ المتواصل لليوم.

فلا يعقل أن تظلّ الحدود الجزائريّة المغربيّة مسيّجة ومغلقة منذ 19622 وتحول الإرادات والإجراءات الأمنيّة دون تلبية حاجيّات جماهير البلدين وتعوّق العبور بينهما بما يذكّرنا بحائط برلين.

إنّ عودة المغرب للاتّحاد الإفريقيّ لن تحقّق للمغرب – وهو ما ينطبق على الجزائر إذا ما بقي المغرب خارج المنظّمة - أمنه ولا وحدته ولا سيادته ما لم ترتبط رأسا ووجوبا بالمصلحة العربيّة العليا التي ستذيب الجليد بين المملكة والجزائر من جهة وتزيل المشكل الصّحراويّ وما يترتّب عنه من خسائر فادحة من جهة أخرى، بل إنّها ستظلّ عودة عاجزة عن قطع دابر التّدخّلات الأجنبيّة وخصوصا الفرنسيّة والأمريكيّة وحتّى الإيرانيّة في الملفّ الصّحراويّ، وهو ما يحتّم ضرورةً تفعيل العمل العربيّ المشترك وخاصّة على المستوى الجماهيريّ بتصعيد النّضال الشّعبيّ لدفع الأنظمة للإنصات لهموم الشّعب العربيّ وتجلية آلامه وإزالة كلّ ما من شأنه أن يعيق وحدته وفعله الثّوريّ التّحرّريّ الإنسانيّ والحضاريّ.
 





الاربعاء ١٨ جمادي الاولى ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / شبــاط / ٢٠١٧ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة