شبكة ذي قار
عـاجـل










توالت الصّفعات المدوّية التي وجّهها أبناء شعب العراق خصوصا في محافظات الجنوب لوجوه كبار المسؤولين في العمليّة السّياسيّة في عراق ما بعد الغزو والاحتلال، كما تنامت مظاهر السّخط الشّعبيّ للجماهير العراقيّة ونقمتها على الأحزاب الطّائفيّة التي أثّثت المشهد السّياسيّ منذ 13 سنة ، وتنوّعت ملاحقات الجماهير لأولئك السّياسيّين حيث شملت المظاهرات العارمة حينا ومحاصرة أماكن اجتماعاتهم سواء المغلقة أو المفتوحة أحيانا، وطردهم أحايين أخرى.

ويعتبر نوري المالكي أكثر من استهدفته جماهير شعبنا في العراق وخصوصا في محافظات الجنوب معبّرة عن رفضها له وعدم استعدادها للقبول به تحت أيّ دور أو يافطة أو عنوان أو غاية. ولقد شكّل الطرّد المهين الأخير للمالكي سنام هذا الموقف الأصيل والسّلوك الطّبيعيّ الذي ميّز تفاعل المواطن العراقيّ البسيط مع واقعه السّياسيّ بكلّ أبعاده.

في حقيقة الأمر، لا يمكن المرور على تكرّر مثل هذه الحوادث التي باتت تستهدف باستمرار وبشكل دوريّ وتصاعديّ أقطاب زمرة الخيانة والعمالة من أقزام العمليّة السّياسيّة المتآكلة في العراق ومن الذين يعتبرون أنفسهم قيادات في أحزاب العمليّة السّياسيّة الطّائفيّة وعلى رأسهم المالكي. بل لا بدّ من الوقوف عندها طويلا ودراسة دلالاتها ورمزيّتها وما يمكن أن يستشفّ منها.

فمن المعلوم أنّ احتلال العراق سواء بوجهه الأمريكيّ المتغطرس أو الإيرانيّ الفارسيّ الشّعوبيّ قد ارتكز أساسا على ورقة الطّائفيّة لما تمثّله من مطيّة مريحة وخبيثة يمكن عبرها تمزيق النّسيج المجتمعيّ العراقيّ وتلهية العراقيّين عن الواجب الأهمّ وهو مقارعة العدوان ومطاردة المحتلّ وتحرير العراق، ومن المعلوم كذلك أن الجنوب العراقيّ تعرّض لأكبر عمليّات الابتزاز والتّحيّل المبتذل حيث تمّ حصره في زاوية الطّائفيّة ورمي أهله في دائرة التّبعيّة لإيران من حيث استغلال العامل المذهبيّ، وشكّلت فتاوى السّيستاني المجرم إحدى الفصول المقرفة في هذا الصّدد.

ولقد راهن الاحتلال بوجهيه وزبانيته كثيرا على إمكانيّة تحييد قطاعات واسعة من أبناء العراق عن دوّامة الملحمة التّحرّريّة التي تقودها المقاومة العراقيّة الباسلة بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ وحلفائه . والجيش العراقيّ البطل من خلال التّعكّز على الورقة الطّائفيّة.

وعليه فإنّ أعلى المدلولات والرّسائل التي يمكن للمتابع أن يستشفّها من تكرّر الملاحقات والطّرد المخزي والمهين لأقطاب العمليّة الجاسوسيّة القذرة في العراق هي بلا ريب الصّحوة الشّعبيّة العراقيّة العارمة وانقطاع مفعول المخدّر الطّائفيّ فيها وهو الدّخيل والمفروض عليها فرضا. وتمثّل هذه الاستفاقة بصرف النّظر عن توقيتها إيذانا فعليّا لثورة عارمة وشاملة سيؤثّثها أبناء جنوب العراق العربيّ الذي لطالما شكّل حاجر صدّ صلب ومتين بوجه مطامع أعداء العراق والفرس خصوصا، وبأنّه سيكون مقبرة لأحلام الملالي التّوسّعيّة على حساب العرب والعراق العربيّ طيلة التّاريخ.

لكن تبقى لطرد المالكي ولغيره من محافظات الجنوب العراقيّ باستمرار دلالات مهمةّ كثيرة أخرى لعلّ أبرزها :

1- مدى إدراك الجماهير الشّعبيّة في العراق لحقيقة العجز الكلّي لزمرة العمليّة الطّائفيّة الجاسوسيّة في المنطقة الخضراء على التّعاطي مع الشّأن العامّ وبالتّالي افتقارهم للحدود الدّنيا من القدرة على تسيير بلد كبير كالعراق وتحقيق أماني شعبه العظيم.

2- الإحباط المتناهي للجماهير العراقيّة وحتّى تلك القطاعات التي سايرت منها منظومة العملاء بإدراك أو بدونه وتأكّد فشل مواصلة الرّهان على هؤلاء الفاسدين المفسدين بعدما تكشّفت وضاعتهم وغدرهم وعملهم لغير مصلحة العراق بالنّظر لارتباطاتهم الخارجيّة وعدائهم للعراق وشعبه.

3- انسداد آفاق العمليّة السّياسيّة -التي رعاها الاحتلال بوجهيه الأمريكيّ والإيرانيّ- برمّتها وبالتّالي سقوطها شعبيّا سقوطا شاملا لا يقتصر على طائفة أو جهة أو عرق.

4- تيقّظ العراقيّين في الجنوب العراقيّ لحقيقة خطر المشروع الإيرانيّ الفارسيّ الصّفويّ الشّعوبيّ العامل على تمزيق العرب واستهداف العروبة وتنبههم لأنّ دورهم آت لا محالة على لائحة التّصفية والإلحاق القسريّ ببيت الطّاعة الفارسيّ الشّعوبيّ.

5- إفلاس جوقة مديري العمليّة السّياسيّة إفلاسا لا مجال للتّعافي منه، وبالتّالي تآكل كلّ رهانات العدوان وتعثّر أجنداته والتّخبّط الكبير الذي يعانيه الاحتلال والعملاء على حدّ سواء.

هذا وإنّ الاكتفاء بهذه الدّلالات على أهمّيتها سيجعلها منقوصة لأنّ هذه الاستفاقة الحميدة وهذا الفعل الثّوريّ النّقيّ الرّاسخ مم قبل أبناء الجنوب العراقيّ البطل ليست استفاقة عبثيّة ولا اعتباطيّة ولا مفصولة عن واقعها وامتدادها الجغرافيّ. فهي بدون شكّ تتويج لنضالات الطّلائع الثّوريّة المقاومة المجاهدة في العراق ولصمودها الأسطوريّ بوجه أعتى آلات التّدمير والتّذبيح التي نكّلت بالعراق وبشعبه طيلة عقد ونصف من الزّمن بلا هوادة، حيث مكّن العطاء الأسطوريّ للمقاومة العراقيّة بمحاميله المختلفة ومثاباته الأصيلة الصّلبة الصّادقة أبناء العراق وخصوصا في الجنوب من الوقوف على الحقيقة التّآمريّة الشّيطانيّة التي انبنى عليها مشروع غزو العراق ومشروع تفريسه فيما بعد وإغراقه في دوّامة من الفوضى لا تنتهي بفعل الممارسات الإجراميّة الإرهابيّة للميليشيّات الطّائفيّة وأحزاب إيران في العراق ناهيك عن كشف مخطّطات التّغيير الدّيموغرافيّ في العراق، وهي مخطّطات كانت الرّيادة حصريّا لحزب البعث العربيّ الاشتراكيّ في كشفها والتّحذير منها وصدّها ومقاومتها ومقارعتها.

وإنّ هذه الاستفاقة ما كانت لتتحقّق في هذا المدى الزّمنيّ الذي يبقى وجيزا بالنّظر لمستوى التّدمير والتّخريب من جهة وللحملات التّضليليّة المخادعة والحرب النّفسيّة المفزعة التي استهدفت شعب العراق من جهة أخرى، لولا تشبّث حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ بخوض الصّراع ضدّ الأعداء بمختلف الوسائل، ولم يكتف في ذلك بالبنادق والتّكتيكات الحربيّة بل عزّز فعله المبهر ذاك بمواصلة التصاقه والتحامه بالجماهير وتثويرها وبثّ الوعي فيها وحضّها على القطع مع عقيدة الرّكون والاستسلام والوهن والتّكاسل واستنهاض هممها مستندا في ذلك لصدق الخطاب ووضوح الرّؤية وإيمان نقي وعظيم بأنّ النّصر حليف المستضعفين المظلومين والعاملين السّاعين المطالبين بحقوقهم والمنتزعين لحرّيتهم والذّائدين على كرامتهم وحياضهم وشرفهم.

ولمّا تلمّست الجماهير صدق الطّرح والفعل البعثيّ سواء من خلال الأداء السّياسيّ ممثّلا في بيانات الحزب أو بيانات قيادته القوميّة أو تصريحات قائده وأمينه العامّ شيخ المجاهدين الرّفيق عزّة إبراهيم وحواراته، ولمّا قارنت بين حقيقة الوضع في عراق البعث وعراق نظامه الوطنيّ وبين ما آل إليه في ظلّ العمليّة الطّائفيّة، كان لا بدّ لها ان تلبّي نداء الواجب والضّمير والحقّ، نداء العراق الحرّ العربيّ أبدا.. وكان بذلك طبيعيّا جدّا ملاحقتها لنغول إيران ونعال الاحتلال.





الخميس ١٥ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة