شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

إن أي نظام عالمي يحتاج لتشكله عقود من السنين، تشترط ( تراكم ) أحداث تتبلور حتى تفجرها ( ذروة ) ، حيث الفاصلة التاريخية تظهر كمرحلة جديدة تتربع على أنقاض مرحلة سابقة، تظل هي الأخرى تقاوم الجديد والتجديد ، وتحاول جر عناصر التجديد إلى الخلف أو تعمل على إجهاض الفعل وتأزم مخاضاته .

إذن ، يأخذ الصراع وجهتين في التضاد ، إحداهما نحو الأمام ، والأخرى جر التحول إلى الخلف على وفق الأبقاء على الواقع القائم .. وهذا ما يحصل على المسرح السياسي الدولي .. حيث يتعرض النظام الليبرالي الذي أخذ بالتشكل منذ خمسينيات القرن العشرين .

 - المطروح الراهن في أمريكا رغبة جامحة في شكلها بأن ( يعاد لأمريكا مكانتها كقوة عالمية ) وليس تجسيدأ لفكرة الجلوس على التل لرؤية العالم كما هو .. بعد أن دفع أوباما بأمريكا إلى العزلة التي فاضت في أرجائها روائح العفن وأنتشرت حتى أصابت العالم ، وبالأخص المنطقة العربية ، بالكثير من الكوارث والدمار الشامل العميق، الذي أصاب البنية التحتية والنسيج الأجتماعي لشعب المنطقة في ترابطه وقيمه وهويته القومية العربية .

 - في الوقت الذي يُعَدُ فيه النظام الليبرالي ممثلاً وقائدًا لخط التجارة والأستثمار الدوليين، الذي يقوم هذا النظام على مجموعة من القواعد والنظم الأحتكارية التي تخدم الفئة المتربعة على قمة الهرم الرأسمالي العالمي المأزوم .. هذا النظام عمل على :

1 - اختفاء الوظائف وفرص العمل بسبب توجه الشركات نحو الأستعانة بالعمالة الأجنبية .

2 - ترشيد الأنفاق وزيادة الكفاءة في الأنتاج وإرتفاع معدلات المنافسة في الأسواق العالمية .

3 - إتساع الأسواق المالية الحرة في أمريكا وأوربا .

4 - ابتعاد النظام السياسي الرأسمالي في أمريكا كليًا عن التمثيل أو الأقتراب الحقيقي من الطبقات الفقيرة والمتوسطة .

5 - خضوع الحزب الجمهوري للمؤسسات التجارية الأمريكية بصورة مطلقة في مجال التوسع العولمي ، فيما انشغل الحزب الديمقراطي بسياسات فئوية واجهية وإأتلافات عنصرية وبيئوية، بعيدًا عن الأهتمام بالحاجات الأقتصادية، فضلاً عن فشل اليسار الأمريكي في عملية التمثيل الأجتماعي وإنغماسه في خط العولمة وإعتماد سياسة تجمع بين الأصلاحية والنهم النخبوي الرأسمالي.

 - ولكن ، التعامل مع الحلفاء الأوربيين والأصدقاء سيتم على وفق شروط جديدة تحكم العلاقات على أساس ( الشراكة الأقتصادية ) في التمثيل والأنفاقات ، وهو الأمر الذي سيزعزع واقع العلاقات الأقتصادية، التي طالما تحملت أمريكا أعبائها منذ قبولها ببرنامج النقطة ( الرابعة ) لأعمار أوربا والدفاع عنها بعد الحرب العالمية الثانية .

 - التحولات ، التي نحن بصددها ، تفصح بأن منبعها هو الداخل الأمريكي والداخل الأوربي على حدٍ سواء .. ولا شيء يهدد من الخارج .. فالعولمة التي أطلقتها أمريكا ارتدت على داخلها وعلى الداخل الأوربي سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا ونظميًا .!!

 - العلاقات الأمريكية – الأوربية ، كما هو معروف ، هي علاقات إستراتيجية حاولت أمريكا أن تقود حلف ( الناتو ) بطريقة أسمتها المظلة النووية .. وفرضت القرار على أساس نسبة المساهمة في الميزانية، التي اعتادت أمريكا على إمتلاك أعلى نسبة ( مساهمات ) من شركائها بحيث تعطيها الأرجحية في صنع القرارات، التي تريدها أمريكا بما يتماشى مع سياساتها .. فأذا استطاعت تقليل هذه النسبة أو فرضت إنفاقات مقابل الحماية، فأنها ستفقد ( زعامتها ) و ( تأثيرها ) على شركائها .. فأمريكا تتكفل بـ ( ثلثي ) ميزانية حلف الـ ( NATO ) .!!

 - لم يكن هنالك أي إستغراب من مطالبة ( ترامب ) دول الحلف الأطلسي بأموال الحماية وتهديده بسحب الحماية النووية عن أوربا في حالة عدم دفعها الأموال المطلوبة .. لأن ( أوباما ) نفسه دعا دول الحلف إلى زيادة مساهماتها في نفقات الحلف . فالقاعدة العامة في العلاقات الأوربية – الأمريكية تعتمد على ( تحالف دفاعي أمني ) يعتبر كخط إستراتيجي، تركيا أحد أهم جدرانه ، تقوده أمريكا .. ولكن ( أوباما ) كان يسعى إلى تهديم الجدار التركي ليعيد حرائق قوس الأزمات لمحاصرة الكرملين ومنعه من العودة ثانية إلى الحرب الباردة، التي تشترط ( الأستقطاب ) الدولي، وإستعادة ميزان تعادل القوى .. إذ ليس بوسع ( أوباما ) ولا ( ترامب ) أن يهدما السياج الأستراتيجي .. وهذا ما تدركه موسكو رغم المراوغات السياسية والحسابات الروسية الخاطئة ، على هامش قطعة شطرنج ( أور - آسيا ) .!!

 - مقابل مطالبات ( أوباما ) ومن بعده ( ترامب ) ، عمدت دول حلف الناتو إلى :

أولاً - وضع خطة دفاعية تعتمد على قوات للرد السريع ( R.D.F ) أوربية التشكيل والتمويل، لا تلغي طبيعة الحلف ولا تنافسه في أسبقيات الرد، ولا هي بديل عنه .

ثانيًا - قوات الرد السريع الدفاعية الأوربية لها خاصية الأنتشار خارج الجغرافيا الأوربية .. ولكن ، ربما تحت خيمة الأمم المتحدة ، كما قيل ، لدواعي حفظ ما يسمى بالسلام العالمي، الذي يلفض انفاسه في عدد من مناطق العالم وخاصة في المنطقة العربية بسيف الفيتو ( الروسي والصيني ) .. وقد تكون هنالك تنسيقات مع قيادة حلف شمال الأطلسي بمعزل عن أمريكا، التي تشترط على أعضاء الحلف زيادة المساهمات وإلا .. لأن التهديد الأمريكي الجدي يتمثل بـ ( رفع الحماية الأمريكية عن أوربا ما لم تدفع ) .!!

ثالثًا - فيما ترد فرنسا على ما تقدم ( ينبغي على أوربا أن تكون قادرة على التحرك لحماية نفسها، ومن الضروري أن يفرض الأستقلال الأستراتيجي نفسه أيًا كان الرؤساء الذين يأتون إلى البيت الأبيض ) .!!

 - ومن باب آخر .. ثمة ترابط : غزل ترامب مع بوتين ، وتهديد ترامب لحلف شمال الأطلسي .. وهو غزل قد يجذب بوتين صدقية ترامب الفارغة .. ولكن ، المرمى هو في الصين حيث التوجه الأمريكي الجديد .. ويكاد يتفق أوباما مع ترامب في هذا التوجه ، ولكن أيضًا ، بأسلوب جديد .. والأشارات لها معانٍ ودلالات قد لا تكون صحيحة . وهذا ما يؤكده تصريح ( أورسولا فون در ليين ) ، وزيرة الدفاع الألمانية ( على ترامب أن يفهم أن التحالف يقوم على القيم المشتركة، وهو ليس مشروعًا تجاريًا وليس شركة .. لا يمكنك أن تقول إن الماضي لا يهم، وإن القيم المشتركة غير مهمة، وتحاول بدلاً من ذلك أن تكسب الأموال من الحلف بقدر المستطاع ) .. فيما أشار ( جان كلود يونكر ) رئيس المفوضية الأوربية بوضوح ( نحن نحتاج إلى عامين لنعلم الرئيس الجديد ما هي أوربا وكيف تعمل ) .!!

يتبع ..





الثلاثاء ٦ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٦ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة