شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

- " أصبحت أمريكا تشكل بالنسبة للعالم أم المعضلات، وليس لحل المشكلات، وذلك بعد أن نصبت نفسها كإمبراطورية بقوة السلاح وكثرة العتاد ووفرة المال وهيمنة الأعلام وطغيان الغطرسة لفترة نصف قرن وتزيد، وفرضت نفسها الضامن الأوحد للحريات السياسية في العالم والوصية على النظام العالمي، بينما تبدو في ما بعد الحرب الباردة كعامل للفوضى الدولية والأقليمية والمحلية الشاملة، حيثما حلت ووجدت" – الفيلسوف والمؤرخ الفرنسي ( Emmanuel Toad ) .

- " ليس من مصلحة الولايات المتحدة الأمريكية أن تحل أي مشكلة في العالم، لكن من مصلحتها أن تمسك بخيوط المشكلة وأن تحرك هذه الخيوط حسب المصلحة القومية الأمريكية " – هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق - .

قال ( ترامب ) خلال الأنتخابات الرئاسية ( America Is Not Globalist ) أي أن أمريكا لا تمتلك الزعامة العالمية أو ليست عولمية .. وهذا الرأي يؤكد الآتي :

أولاً - إن العالم واسع وشاسع وكبير .

ثانيًا - وإن العالم متعدد ومتنوع الثقافات .

ثالثًا - إن هذا العالم الواسع الشاسع المتنوع الثقافات من الصعوبة أن يخضع لقوة واحدة مهما تجبرت وطغت وتمادت في عدوانيتها الأمبريالية .

رابعًا - وإن مشروع أمريكا في العولمة ( Globalization ) من الصعب أن يسود لا سياسيًا ولا إقتصاديًا ولا ثقافيًا ولا قيميًا .. ومؤشرات ذلك تكمن إحداها مثلاً، في تعامل دول العالم، كبيرها وصغيرها، مع أمريكا بكل مهانة وإحتقار وعدم إحترام ، حتى الحلفاء الأوربيون، وهي الدولة الأقوى والأغنى في العالم .. فيما باتت قوى الشعوب وديمغرافياتها تأخذ طريقها في المقاومة والتصعيد بديناميكية متسارعة ترفض الهيمنة الأمبريالية كما ترفض مشاريع الطغيان الطائفي والعنصري كأدوات للنهج الأستراتيجي الأمريكي .

خامسًا - الفلسفة الفوضوية، التي حشرتها الصهيونية العالمية في السياسة الأمريكية ذات التوجهات الأمبريالية منذ نهاية القرن التاسع عشر ( تفسيخ الفكر المعرفي القويم لدى الشعوب – وتشويه الخيارات الطبيعية وإستبدالها بختيارات أدنى أو أكثر سوءًا – وتكريس الأنحطاط في الأخلاق – وتشجيع إتجاهات اللآغائية أو اللآهدف – وإشاعة بُعْد واحد هو العولمة - الكوسموبوليتية ، والتي ترتكز على ثلاثة أبعاد هي ( المراقبة والسيطرة والتوجيه ) .. وكانت تبطينات نظريات ( هنري كيسنجر ) تكشف هذا المنحى منذ سبعينيات القرن الماضي الذي يترجم نهجه بـ :

1 - تفكيك الحضارات ومن ثم تفسيخ عناصرها ومقوماتها.

2 - تدميرها عن طريق الحروب التقليدية .

3 - وإحلال بديل لها بأسلوب ( الحروب الخشنة ) المباشرة ، التي كلف بإدائها ( بوش الأبن ) ، في حربه العدوانية على العراق وإحتلاله وإسقاط نظامه الوطني والأخلال بالتوازن الأقليمي بأداة فارسية في منطقة تعد من أخطر مناطق العالم، هي منطقة الشرق الأوسط، لتنطلق منها أمريكا في ما بعد إلى العمق الأسيوي.

4 - هنا تلتقي أفكار ونظريات ( هنري كيسنجر ) مع أفكار ونظريات ( زبيغنيو بريجنسكي ) ، لترسم نهج السياسة الخارجية الأمريكية، الذي يتناوبه الحزبان الجمهوري والديمقراطي على إيقاع ( الحروب الخشنة ) و ( الحروب الناعمة ) !!

5 - كان يراد لنهج ( أوباما ) في الحروب الناعمة أن تستمر على يد هيلاري كلنتون .. ولكن ، بات هذا النهج لا يخدم مصالح أمريكا ويهدد بتفكك ما يسمى ( الشراكة الأستراتيجية ) ، التي تسعى إليها أمريكا مع حلفائها الأوربيين وغيرهم .. وإن نهج الحروب الخشنة ، هي الأخرى ، لا تنفع في حشد الشراكة الأستراتيجية .. وبدون هذه الشراكة من الصعب الحديث عن حروب خشنة أو ناعمة .. فهل تسعى أمريكا إلى نهج تزاوج فيه حروبها الأمبريالية ( الخشنة والناعمة ) في آن واحد وحسب المتطلبات؟ ، وهي بهذا النهج لا تخرج كثيرًا عن إستراتيجيتها العظمى كإمبريالية لم تستطع أن تنجز إمبراطورية.!!

6 - إن مبدأ ( أوباما ) في السياسة الخارجية يشير إلى المعميات في المفردات الخطابية ( التغيير ) والذي يعني ( التدمير ) السلس الناعم .. سواء تعلق الأمر بمنطقة الشرق الأوسط أو في أوربا أو بما يلامس مفهوم ما يسمى الأستدارة من المنطقة نحو العمق الآسيوي وخاصة صوب حدود الصين ودول منظمة ( شنغهاي ) من أجل تغيير قناعات أعداء ( العولمة ) ، بمعنى تدميرها والأجهاز عليها ، إمتدادًا للسياسة الأستراتيجية الأمريكية، بعد إنجاز فوضى ( الربيع عربي ) في تونس وليبيا ومصر واليمن والعراق وسوريا ولبنان وبعض دول الخليج العربي ( عدا إيران ) ، وترك هذه الساحات للقتل والتدمير والتهجير القسري. والملاحظ في هذا المرمى الذي يتعلق بإيران :

 - إعتراف النظام الفارسي بأن صناعة الصواريخ الأيرانية قد انتقلت إلى ( سوريا - حلب ) ، وإن حزب الله الأرهابي في الجنوب اللبناني قد استخدم الصواريخ الأيرانية الصنع خلال الحرب الأسرائيلية على لبنان في تموز 2006 .. ومع هذا الأعتراف الصريح على لسان ( محمد باقري ) رئيس هيئة أركان القوات المسلحة الأيرانية ، لم تحرك أمريكا ولا الكيان الصهيوني ولا مجلس الأمن الدولي ساكنًا حيال الخرق الأيراني لأمن المنطقة وإستقرارها الأقليمي .. فمنذ عام 2002 أسس الأيرانيون الصناعات العسكرية في سوريا ، وأمدوا حزب الله الأرهابي بالصواريخ والأسلحة الأيرانية الصنع .. وهي صناعات تأتي ضمن مخطط إيراني ( للتكامل العسكري والأقتصادي ) بين طهران ودمشق .

 - التلويح الفارسي على لسان ( محمد باقري ) رئيس الأركان الأيراني بقوله ( تنازلنا عن قوتنا النووية، ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا قيمة أكبر، أسطول عسكري في بحر عُمان وأسطول آخر في المحيط الهندي وبناء قواعد بحرية على سواحل أو جزر في كل من اليمن وسوريا، وتطوير قدرتنا الأستخباراتية العسكرية من خلال طائرات من دون طيار في إمتداداتنا البحرية ) .. هذا التلويح ينطوي على العجرفة الأيرانية الفارغة من جهة، والرغبة في التمدد البري والبحري، التي قد تصطدم مع الأمكانات والقدرات من جهة ثانية .. ومع ذلك ، يتوجب على دول المنطقة والعالم، الحريصين على الأمن والسلم الأقليميين، أن يضعوا نصب أعينهم حقيقة الصفاقة والتهور الأيراني ، فيما يتوجب أن تأخذ الدول العربية الساحلية قرارها بمنع عبور أي سفينة إيرانية عسكرية أو مدنية إلا بعد السماح لها بالمرور وبعد التفتيش وأخذ الأستئذان بالمرور الآمن .. فالأستراتيجية الأيرانية مبنية على التفوق العسكري وليس على الأنفتاح الأقتصادي ، كما صورالغرب وأمريكا ذلك قبل وبعد مفاوضات الملف النووي بين 5+1، بصورة مخادعة .!!

 - كما كشف الأيرانيون رسميًا عن عدد قتلاهم من العسكريين الأيرانيين الذين بلغوا أكثر من ألف قتيل منذ بدء معارك حلب ، فضلاً عن إعترافات طهران بمقتل جنرالاتها وحرسها ومليشياتها ومرتزقتها من المجندين عند تخوم حلب .. والمعنى ، هو أن إيران تريد أن تظهر بأنها قادرة على الوصول إلى أي مكان في المنطقة وتأسيس مواضع قدم عسكرية من جهة ، وتثبيت ( إستحقاقات ) مصالحها في أي تسوية قد تفرض واقعًا جديًا في سوريا في ظل الرئاسة الأمريكية الجديدة.!!

من أين تبدء التحولات .. هل من القمة أم من القاعدة ؟! :

التحولات الحقيقية تبدء من القاعدة لتفرض ثقلها في التغيير والتحول من حالة نوعية إلى أخرى .. ولكن حين تتحكم الشروط الذاتية في مجرى التحولات قد تستجيب الظروف الموضوعية لذلك .. والأمر ليس سهلاً فمنذ ثلاثة عقود تقريبًا والديمقراطية الغربية التمثيلية تعيش ( أزمة ) ، حاول المعنيون بأمر السياسة والأقتصاد والأمن إيجاد حلول لها، ولكنهم في النهاية ، بعد مخاضات عسيرة جربوا ما يسمى بـ ( الشراكة ) الديمقراطية ووضعوها في اطار حوارات من شأنها أن تشارك في بلورة سياسات لصنع القرار .. ومن هذه المشاركات التصويت على الدستور الأوربي عام 2005 .. ولكن نتائج التصويت كانت الفشل في هولندا وفرنسا والدنمارك والمانيا واسبانيا .

وكان الدافع ( المؤسسي ) المتمثل بهياكل إدارة الدولة القومية خلال ولآيتي ( بيل كلنتون ) و ( توني بلير ) ، الدفع سريعًا بالعولمة . ومن هذه الزاوية أخذت عناصر الكارتلات والأحتكارات والشركات العملاقة عابرة للقارات واللوبيات ورجال الأعمال والأعلام الموجه ، تخترق نظام الأدارة القومية ـ الأمر الذي جعل القاعدة المؤسساتية للدولة القومية الأوربية تفقد إستقلاليتها تقريبًا في صنع القرار المتوازن أو بالأحرى تخفق أو تفشل تحت ضغط عناصر الأختراق غير التقليدية وبالتالي سيطرة الشركات على الحكومات رغم أنها منتخبة بصيغة الديمقراطية الغربية.!!

فأتفاقية ( التجارة الحرة ) مثلاً، لا تنفع أوربا وكذلك يرفضها الأمريكيون ( ترامب ) ، ولكنهم يصرون على المفاوضات .. فيما كان ( أوباما ) يريدها وكذلك ( هيلاري ) ، التي تمثل سياسة وول ستريت ( Wall Street ) بكل ثقله المصرفي وهيئاته المالية الأحتكارية وبورصاته العالمية .. هذا الوضع الوازن هو الذي يصنع بالتوافق مع المؤسسة العسكرية والخزانة قرارات البيت الأبيض.!!

هذا الواقع الثقيل هو الذي حرك ( اليمين المتطرف ) في صيغة حركات راديكالية ظهرت في أسبانيا حركة يسارية، وفي إيطاليا ( بوديموس ) ، وفي فرنسا ( الجبهة الوطنية ) ، وفي بريطانيا حركة ترتبط بحزب العمال مع ( جريمي كوربين ) ، وفي أمريكا حركة يسار الوسط الديمقراطي مع ( بيرني ساندرز ) ، وكذلك اليمين القومي الأمريكي المحافظ مع ( دونالد ترامب ) ، فضلاً عن بروز خليط الـ ( بريكسيت ) .

وخلاصة خلفية هذه التحولات : ان ما كان يجري على أرض الواقع فعلاً في أمريكا وأوربا ، يختلف تمامًا عما تعكسة مؤسسات صنع القرار التقليدية أو الكلاسيكية .

يتبع ..





الخميس ١ ربيع الاول ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠١ / كانون الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة