شبكة ذي قار
عـاجـل










في الوقت الذي تشنّ فيه الإدارة الفارسيّة الصّفويّة عدوانها الوحشيّ وحملتها الإرهابيّة الغادرة على الموصل وباقي مدن العراق ومحافظاته وقراه بأيادي متساقطة خائنة وعميلة ترتبط بغير مصالح العراق ممّن دخلوا العراق مختبئين ببساطيل جنود الغزاة أمريكانا وفرسا وغيرهم، وفي الوقت الذي تتسارع المشاريع الهادفة لتقسيم العراق وتفتيته واجتثاثه واجتثاث عروبته، تطفو إلى السّطح مبادرات قديمة متجدّدة يخطّها معمّمو ايران الموجودون في العراق ويعرضونها للنّقاش في محاولة لتحقيق جملة من المآرب والأهداف السّياسيّة الفئويّة والطّائفيّة الضّيقة.

طلع العميل عمّار الحكيم بورقة سمّاها أوّليّا ب ( مشروع المصالحة الوطنيّة )، وجاءت ورقة هذا الطّائفيّ الذي تبعيته فارسية هزيلة من حيث المضمون ركيكة من حيث الشّكل والمبنى، وحاول القائمون عليها ومن يسهبون في التّرويج لها تضخيمها وتعداد فوائدها باعتبارها دعوة لحوار من أجل مصلحة العراق وشعبه ولتشديدها على ضمانة وحدته التّرابيّة وعزمها على تأثيث المصالحة الوطنيّة.

إلاّ أنّه وبالغوص في نقاط هذه المبادرة المشبوهة – وهي مشبوهة استنادا على مصدرها وعلى ظرفيّتها الزّمانيّة – يتّضح لكلّ من يتصفّحها مكر معدّيها من جهة وازدواجيّة في خطابهم وفي المعايير التي اعتمدوها.

فلقد أكّد أصحاب الورقة على التزامهم العالي بضمانة وحدة العراق وعلى الحفاظ على تماسك نسيجه المجتمعيّ وإعادة مظاهر وقيم التّآخي والتّآزر بين أبناء الشّعب الواحد، وهذا ما لا يمكن تصديقه بحال من الأحوال وذلك لأنّ الحكيم ومن يدفعه لمثل هذه الأدوار هم آخر من يعنيهم العراق ومصالحه وشعبه. بل إنّه كان مع كلّ شركائه الفرقاء في بغداد المحتلّة، حريصين على الإيفاء بتعهّداتهم لأسيادهم بإنجاح وتحقيق أهداف الغزو وهو تقسيم العراق وتحييده عن دوره الوطنيّ والقوميّ العربيّ والإنسانيّ كمقدمة لمعاودة تقسيم الوطن العربيّ برمّته.

إنّ فاقد الشّيء لا يعطيه ..
فعمّار الحكيم وكلّ الذين يحكمون العراق اليوم هم ليسوا سوى بيادق صغيرة لا حول لها ولا قوّة، ارتبطت ارتباطا وثيقا بمشروع الغزو البربريّ الظّالم للعراق وبغاياته، وتفرّقوا فيما بعد واختلفوا في العمالة فدان كلّ واحد منهم بالولاء لجهة معيّنة، وتوزّعوا بين عيون أمريكا وعيون إيران وعيون الكيان الصّهيونيّ وغيرها من القوى الإقليميّة أو الدّوليّة. فكيف لأحد أن يصدّقهم بعد ذلك؟

وإنّ عمّار هذا، شكّل هو نفسه أحد أقطاب العمليّة السّياسيّة الجاسوسيّة القذرة في عراق ما بعد الغزو، ولعب دورا خطيرا في تأثيث مشهد سياسيّ يقوم أساسا على الطّائفيّة السّياسيّة البغيضة، ورعى كما فعل غيره كلّ الجرائم الإرهابيّة التي مورست ضدّ العراقيّين العزّل كما أدار مجموعة من الشّبكات التي سرقت وهرّبت آثار العراق وكنوزه ناهيك عن ثرواته المهدورة، وهي جرائم تعكسها أرقام ثرواته الطّائلة التي كشفتها أكثر من جهة عالميّة. فكيف إذن لمن أثخن جراح العراقيّين وفرّقهم على أساس عرقيّ وإثنيّ ومذهبيّ أن يكون عنصر تجميع اليوم؟

هذا، ولا يمكن للمصالحات وكما يحدّث بذلك التّاريخ، أن تتحقّق على يد القتلة والإرهابيّين والعملاء. فأيّ معنى للمصالحة التي تحدّث بها الحكيم وهي التي تقوم صراحة وتستند دون مواربة على أكثر القوانين تخلّفا وغطرسة وانتقاما في التّاريخ، حيث أطنبت فصول الورقة في استبعاد حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ واستثناء كلّ مناضليه وجماهيره وذلك انضباطا للاجتثاث ولقانون المساءلة وقانون حظر البعث. كما غصّت الورقة ببنود تحريضيّة ضدّ البعث ومقاومته الباسلة ومشروعها التّحرّريّ العملاق، وأمعنت في تشويهه وربطه مجدّدا بالتّنظيم الإرهابيّ داعش وهو الذي نشأ من رحم الاتّفاقيّات الأمريكو - صهيو - فارسيّة.

أيّة مصالحة هذه التي يهذي بها الحكيم وأمثاله وهي التي تستبعد أوسع عدد من جماهير العراق، وتستثني خيرة أبناء العراق، وتتوعّد أقوى الفاعلين في العراق وهم البعث وحلفاؤه ومقاومته الجبّارة؟

بل هل يعقل أن يقود أمثال الحكيم مشروعا للمصالحة الوطنيّة في العراق؟؟

إنّ أيّ جهد حقيقيّ وصادق لمصالحة شاملة في العراق من المستحيل أن يصاغ من خارج دائرة الأطياف والقوى العراقيّة التي تصدّت للعدوان الشّامل على العراق منذ 2003 وما قبلها، وبالتّالي فإنّ صدور هذه الورقة ليست سوى استعراض فنطازيّ سمج ومضحك. وإنّ أيّة مصالحة لا يكون هدفها المحوريّ طرد الاحتلال وكنس مفرزاته وأساسا رؤوس الشّر والعمالة من جواسيس المنطقة الخضراء ومحاسبة كلّ من أجرم بحقّ العراق وشعبه ومقدّراته وثرواته، هي مضيعة للوقت وإهدار للجهود.

ورقة الحكيم ساقطة لسقوط معدّيها، ومبادرات المصالحات المغشوشة لا صدى لها في ضمائر العراقيّين التّوّاقين لاستعادة بلدهم عزيزا مهابا قويّا سيّدا حرّا عربيّا وموحّدا، ولعلّ من أهمّ دلالات سقوطها الأخلاقيّ إصرارها على مزيد تقسيم العراقيّين من حيث ادّعت السّعي لتجميعهم، وذلك بأن دعت فيما دعت إليه، علاوة على استثناء حزب البعث وحلفائه المقاومين، إلى مزيد شيطنة النّظام العراقيّ الوطنيّ والإساءة المغرضة والحاقدة على تجربته الرّائدة.

إنّ ملابسات مصالحة الحكيم المخبول الأخرق، وشبهاتها عديدة يضيق المجال بعرضها وتفصيلها، ولكن يكفي متصفّحها أن يتحسّس بيسر شديد وقوف الإيرانيّين خلفها ليدرك أنّها قدّت لتمرير مشروعهم في العراق الذي يواصلون التّعثّر فيه بالسّلاح وبكلّ الحيل الشّيطانيّة الأخرى من إذكاء الصّراعات الطّائفيّة والتّغيير الدّيمغرافيّ الحثيث وطمس عروبة العراق، فهم من أوعز للحكيم بهذه الحيلة عساهم يحقّقون بالسّياسة ما فشلوا فيه على الميدان بفضل صمود مقاومة شعب العراق بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ والقوى الوطنيّة والقوميّة والإسلاميّة. وإنّ ما من دليل أكبر على ذلك في هذه الورقة المبتذلة، من التّأكيد على ضرورة الإشادة بالمرجعيّة الدّينيّة وهي التي تعاونت مع الغزاة بألوانهم وأفتت بعدم مقاومتهم، ناهيك عن فصل المديح للجماعات الإرهابيّة فيما يسمّى بالعراق الجديد وهي ميليشّيات الحشد الفارسيّ الصفّويّ.

هذا ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ من بين أهمّ ما ترمي إليه هذه الورقة، هو صرف الأنظار عن الفشل الذّريع الذي تجابهه المجاميع الإرهابيّة والجيوب الميليشياويّة الطّائفيّة ونخب الحرس الثّوريّ الإرهابيّ الإيرانيّ في حملاتها الجائرة والعدوانيّة على الموصل الحدباء، حيث ولمّا تيقّن الفرس ونغولهم من استحالة حسم الأمر فيها عسكريّا، أوكلوا لعميلهم الحكيم بما طلع به علينا من مصالحة ملغومة، يرمي فيها أيضا لاستعادة بعض البريق خاصّة بعدما عاناه من إفلاس سياسيّ وقيميّ وأخلاقيّ ملفت منذ مدّة طويلة.

أمّا محاولات التّعمية والادّعاء بطلب الإشراف والرّعاية الدّوليّة لهذا التّمشّي، فإنّ ذلك لن يفيد في شيئ ولن يخدع العراقيّين الذين اكتووا بنار نفاق المجتمع الدّوليّ وهيآته وحسبهم الإشراف الأمميّ على الانتخابات في أكثر من مرّة ومباركة العمليّة السّياسيّة المتهاوية، فالحلّ في العراق لا يمكن إلاّ أن يكون عراقيّا خالصا بأفقه القوميّ العربيّ المخلص والصّادق.





الاربعاء ٣٠ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٣٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة