شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

هنالك معيارٌ لا يفسد أبدًا .. هو أن الأفراط في الأشياء، كالأنفاقات العسكرية لأغراض التوسع تؤدي حتمًا إلى التقهقر والتراجع والأنهيار أو الأنكفاء نحو الداخل، وكذلك الغلو في الدين والمذهب، تكون نتيجتهما الحتمية ( الغلو والأفراط ) ، هي الفساد والـتفسخ ( Corruption ) .

إن ذروة الأنحدارالذي أصاب بنية النظام العالمي الليبرالي، عكس إنهيار ( القطبية الثنائية ) وأظهر ( أحادية ) مطلقة عملت منذ تسيدها، على الحروب والأخلال بالتوازن الأقليمي الكائن في قلب العالم المتمثل بالشرق الأوسط .. والذي أنتج هذا الأخلال فراغات قوة ، إستولدت بدورها فراغات سياسة، أكدت فلسفتها إعتماد ما يمكن تسميته بالمرحلة السياسية المفرغة.

هذه المرحلة لم تكن وليدة الصدفة، إنما نتيجة للتخطيط المتأني، الذي أخذ مساره منذ إخراج مصر من دائرة الصراع، إلى إخراج العراق من هذه الدائرة بإسقاط نظامه الوطني وإحتلاله وتسليم مقدراته للدولة الصفوية، إلى مخطط تدمير ( الدولة القومية العربية ) وإرجاعها إلى العصور الحجرية أو الوسطى، التي تفقد فيها كل مقومات البقاء في ظل نزيف الصراعات والحروب الأهلية الطائفية والعرقية، إلى مرحلة تثبيت خرائط جيوسياسية جديدة بعد التدمير المتعمد والمبرمج لهياكل الدولة وقيم شعبها .

أطراف المخطط وأدواتهم مكشوفون على المسرح السياسي الدولي والأقليمي، باتوا يلعبون على المكشوف، وفي مقدمتهم ( أمريكا وروسيا وإيران والكيان الصهيوني ) .. ومن المفيد ، قبل الحديث عن طبيعة سياسات هؤلاء الأطراف وعلاقاتهم بمخاض ولادة النظام الدولي الجديد، ينبغي الحديث بإختصارعن مفهوم العلاقة القائمة بين ( المصالح ) و ( المبادئ ) في سياسات الدول :

- هل تطغي ( المصالح ) على سياسة الدولة أم ( المباديء ) في العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف؟ هذا السؤال لم يأتِ من باب التنظير المحض المجرد، إنما من باب الترابط بين هذين المصطلحين ( المصالح ) و ( المباديء ) .. والطرح الذي يأتي به البعض وكأن توصيف المصالح يقتصر على الدولة أما المباديء فلا تعني الدولة بشيء ، بيد أن عملية الفصل بينهما دقيقة تمامًا . نعم ، ( لا صديق دائم ولا عدو دائم إنما مصالح دائمة ) ، هذا ما قاله تشيرشل رئيس وزراء بريطانيا، إذ يعتمد المفهوم القائم على ( المتغيرات ) ، الأعداء يتغيرون والأصدقاء يتغيرون ، ثم يسكت وكأن المصالح لم تتغير.. المصالح هي الأخرى تتغير بتغير واقع القوة وإستخداماتها، وبتغير التحالفات القائمة على مصالح القوى وإمكاناتها في دائرة الصراع .

- يبني البعض فكرته على أساس ( الأنتهاء من عصر كانت تسيطر عليه ( المباديء ) إلى عصر تسيطر عليه ( المصالح ) المحضة .. فمن أراد أن يستعين بقوة أمريكا في ظل مباديء الرئيس الجديد، مثلاً، عليه أن يدفع الفاتورة.. ومثل هذا القول الذي أطلقه ( ترامب ) يضع الدولة الأمريكية كـ ( Body Guard ) شركة تقدم الحماية لقاء مبالغ ولا تختلف عن شركة ( Black Water ) سيئة الصيت .. وهنا تقع أمريكا والسياسي في فخ نسف أحد أهم مقومات الدولة ومنها ( المباديء ) التي تعكس ثقة الأطراف الأخرى بالعقود والأتفاقات والأتفاقيات والمعاهدات والعهود والوفاء بالعهد والثقة المتبادلة، وكلها تدخل في حقال الـ ( Moral ) الذي يتوجب أن يتعادل مع الـ ( Vesicle ) .. كل هذا ينسف في عالم الأفتراض بغياب المباديء في العلاقات بين الدول وفي العلاقات الدولية على حدٍ سواء - وهنا الحديث لا يتعلق بالأيديولوجيا - .

قد تطغي أحيانًا المصالح على المباديء بصورة فاجعة، كما هي عليه في الظروف الممتدة منذ أكثر من ثلآثة عقود .. ولكن ( لا سياسة مصالح ) بدون ( سياسة مباديء ) يحتكم إليها في بناء العلاقات أولاً وتنميتها وإتساعها وتكريس منافعها المتبادلة على الصعيد الثنائي والمتعدد الأطراف ثانيًا وتثبيت دعائم الأمن والأستقرار في إقرار الحقوق وعدم الأعتداء ومنع التدخل ومن ثم إحلال الأستقرار ثالثًا .. ومن الصعب تصور عالم يستمر بدون ثقة في علاقاته أوتصورعلاقات تنخرها الشكوك، وإتفاقات أو إتفاقيات مبنية على الشك، مثل الأتفاق النووي الأيراني الذي توصل إليه ( أوباما ) مع إيران وبخداع أوربا من أجل إغراق الشرق الأوسط بالدم .!! ، فالأتفاق الذي يتأسس بين دولتين، لا يعني فقط هتين الدولتين، إنما تتأثر به وبنتائجه دول وأطراف أخرى .. فهل أن الأتفاق النووي الأيراني بات مبعثاً للأمن والأستقرار في المنطقة والعالم ، كلا أبدًا؟!

- فـ ( سياسة الأحتواء ) و ( الأحتواء المزدوج ) ، التي تمسكت بهما أمريكا إستراتيجيًا في عقد الثمانينيات قد مزقها ( أوباما ) وترك إيران تعربد في المنطقة تدخلاً وتوسعًا وتهورًا وإضطرابًا .. أمريكا كانت قد أخلت بالميزان حين دمر ركيزته ( بوش الأبن ) ، وتركه ( أوباما ) على حاله بل زاده إيلامًا وقهرًا وإذلالاً .. فهل تبقى سياسة ( ترامب ) على هذا الوضع، خاصة وإن إنعكاسات هذا الواقع تؤثر لا محالة على العالم، والنظام الأيراني ما يزال يرعى الأرهاب ويسعى للأستحواذ على نفط العراق وغازه والسيطرة على موقعه الأستراتيجي من أجل التحكم بمصادر الطاقة ( النفط والغاز والمياه ) ؟!

- وحيال ما حصل بعد فوز ( ترامب ) في الأمنخابات الرئاسية، وكرد فعل سريع، أطلق ( أوباما ) تحذيرًا في جولته الوداعية الأوربية من العاصمة اليونانية أثينا وجهه للأوربيين وغيرهم ( نحن نعلم ما يحدث عندما يبدأ الأوربيون في الأنقسام على أنفسهم .. لقد شهد القرن العشرون سفك دماء، وإن الولايات المتحدة تدرك كذلك مدى خطورة الأنقسام على أسس عنصرية أو عرقية أو دينية ) .!! ، جاء ذلك في إثر فوز ( ترامب ) ، وخروج بريطانيا من الأتحاد الأوربي، وظهور نخب من المتطرفين العنصريين في عدد من الدول الأوربية، وتهديد ترامب لحلف الناتو بسحب الحماية النووية الأمريكية عن أوربا إذا لم تدفع ثمنها .!!

وإزاء هذا التصريح لا بد من ذكر ما يلي :

1- يتناسى ( أوباما ) ، هذا المتحذلق الفاشل والمتردد البائس، الذي يضمر الحقد على العرب والمسلمين، ما فعلته أمريكا في العراق وما فعلته بإحتلاله ولحد هذه اللحظة .. ويتناسى إن بلاده هي السبب الأول لما وصل إليه العراق وشعب العراق من تشرذم وإنقسامات .. ألم تكرس أمريكا أسس الطائفية والعنصرية في العراق ؟ ألم تكن هذه الأنقسامات الخطرة التي يحذر منها أوباما أوربا هي من أفعال الأدارات الأمريكية ونتائجها؟ ألم يكن أوباما من ساعد ودعم إيران على تأجيجها، ليس فقط في العراق إنما في سوريا ولبنان واليمن وباقي الدول العربية ومنها السعودية والبحرين والكويت، ووضع باقي أقطار الوطن العربي تحت رحمة الصراعات والنزاعات الطائفية والمذهبية التي تقودها إيران على الأرض العربية؟ هذا الأحمق وسابقوه من الرؤساء ( بل كلنتون وبوش الأب والأبن ) الذين دمروا العراق ومزقوا شعبه وخلقوا موجات من الهجرة القسرية نتيجة الحروب التي سكت عليها ( أوباما ) بحيث بلغت مخاطرها تضرب العواصم الأوربية .. ومع ذلك ، وبكل صفاقة يحذر أوباما الأوربيين من مخاطر الأنقسامات على أسس عنصرية وعرقية وطائفية .!!

يتبع ..





السبت ٢٦ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة