شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ اوائل القرن العشرين ظهرت امكانيات فنية لفنانين هواة كانوا قد خدم بعضهم في الجيش التركي كالضابط عبد القادر الذي لقب بالرسام لانه ابدع بتصوير بعض الاماكن من بغداد و الطبيعة على الطريقة الاوروبية وبالاخص الايطالية الكلاسيكيه القديمه وهو يعد اول من اسس حركة الرسم في العراق ومارس هوايته حتى الثلاثينيات من القرن الماضي. وكان محمد سليم والد الفنان العظيم جواد احد اؤلائك الذين ساهموا بحركة الرسم وبالتالي اندفاع الحركة التشكيلية العراقية المعاصرة، حيث كان الحاج محمد سليم فنان هاوي يحب الرسم ولذلك انجب اولادا اصبحوا من ضمن الحركة التشكيلية العراقية التاريخية المعاصره ( جواد ونزار ونزيهه ) وقد تشرفت شخصيا بالدراسة على يد الفنانة نزيهه السليم في معهد الفنون الجميله عام 1966 إذ كانت انذاك تدرس” فن التصميم والزخرفه”. وكان من ضمن اوائل الحركة التشكيلية العراقية في بداية القرن الماضي الفنان محمد صالح زكي والفنان عاصم حافظ و من ثم الفنان الخالد فائق حسن والفنان اكرم شكري والفنان الخالد جواد سليم حيث تأسست اول جمعية فنية عام 1941 هي “اصدقاء الفن” حيث شارك فيها كثير من الرواد والمحترفين والهواة في ذلك الزمن الجميل ومن ضمنهم فائق حسن وجواد سليم وحميد المحل وغيرهم وهم جميعهم الان في ذمة الخلود الابدي.

لقد ساهم معهد الفنون الجميلة الذي تاسس عام 1939 مساهمة فعالة في نضوج الحركة التشكيلية العراقية حيث اصبح الفنانون العراقيون الذين رجعوا الى وطنهم بغداد بعد انتهاء دراستهم في باريس وروما ولندن اساتذه اكفاء في ذلك المعهد وتتلمذ معظم الجيل الاول من الفنانين العراقيين على يد رواد الحركة التشكيلية العراقية في بداية القرن ” العشرين” الماضي. وبعد ذلك تأسست بجانب جمعية اصدقاء الفن جمعيات اخرى نذكر منها ..جمعية الرواد 1950 وجمعية بغداد للفن الحديث 1951 وجمعية جماعة الانطباعين 1952 حتى استقر الامر بانبثاق جمعية الفنانين العراقيين عام 1951 حيث ضمت جميع الفنانين العراقيين بمختلف اختصاصاتهم ومؤهلاتهم واتجاهاتهم فاغنت الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق وجعلتها في تقدم عظيم، حيث اصبح الفنان العراقي التشكيلي قدوه للفنانين التشكيليين العرب بتقديم فن رائع يضاهي في جودته الفن التشكيلي العالمي وخاصة الفنان العالمي الخالد فائق حسن الذي يعد بحق كمدرسة اكاديمية تأثيرية ليس في العراق والوطن العربي فقط بل على المستوى العالمي بشكل مطلق. ويعده خبراء الفن انه من اوائل العشرة فنانين “مُلونين” في العالم درسوا اللون وتأثره، ومن بينهم مانيه وسيزان ومونيه ورينوارو فان كوخ.

واذكر هنا للتاريخ انني كنت احد المقربين لحياته الشخصية وقد أأتمنني على بعض اسراره الشخصية وكان الله يرحمه يثق بي كثيرا ومن هذه العلاقة كنت لم افارق مرسمه في فترات الاستراحة الخاصة بالطلبه حيث كنت معه بحضور الطالبه الفلسطينية التي كان الفنان العبقري الخالد يعزها بشكل مميز لانها تعطي الشبه بزوجته سوزان الفرنسيه. من هذا المنطلق استفدتُ فنيا كثيرا منه في دراسة اللون وتأثره في الضوء وانعكاسات الضوء على الاشكال والكتل بالوانها اضافة الى الجرأه في طريقة ضرب الفرشاة “الستروك” على الكونفاس بتماسك وقدره.

الفنان عطا صبري ولوحة للفنان النحات العبقري خالد الرحال

. وهنا نذكر ايضا الفنان القدير غالب ناهي مدرس مادة الكرافيك والحفر في اكاديمية الفنون حيث كانت اعماله الفنية الزيتية لها مكانه خاصة ومميزه، وكذلك الفنان كاظم حيدر استاذ مادة الالوان في المراحل الاولى لطلبة الاكاديمية. وحين نتطرق الى جمعية الفنانين العراقيين لا بد من ان نعتز بتقديمها تلك العروض التشكيلية الجماعية والفردية السنوية. كان الفنانون العراقيون يتزاحمون باندفاع ملفت للنظر وبمنافسه تحمل معها كل ماهو ماهروبارع. كانت هناك ثورة فنية منظبطه وعظيمه في نهاية الستينيات وبداية السبعينيات والسبب هو ان مؤسسة كولبنكيان * للفنون كانت بمثابهة من اكبر صالات العرض في العالم وهي تتبرع بمبالغ لا بأس بها للحركة الفنية العراقية بشكل عام وكذلك وجود شعراء ومثقفين على رأس وزارة الثقافة والاعلام في تلك الفتره جعل من “الثوره ” الفنية العراقية كمارد ينتفض من سبات طويل وورود تتفتح بين المجتمع بشكل ملحوظ جدا ومثير للدهشة..كانت الدوله بما فيها وزارة الثقافة والاعلام تشتري لوحات واعمال الفنانين العراقيين والعرب في اي سعر يرغبون ببيع اعمالهم الفنية دون سؤال او مساومه على الاسعار وكان دور القصر الجمهوري والوزارات العراقية ومؤسساتها لا يقل شئنأ من وزارة الثقافة والاعلام والفنادق وكذلك المؤسسات السياحية والاماكن الخاصة بالمنتديات العربية والعالمية وقسم من دور السينما تقوم بشراء اللوحات والاعمال الفنية الاخرى مثل النحت والسيراميك والاعمال اليدوية وقسما منها يتعاقد مع فنانين من مختلف الدرجات للقيام بتزيين اروقة تلك المؤسسات والابنية وكذلك الوزارات ومكاتب الوزراء والمدراء وحتى رؤساء الشعب والاقسام في الدوائر الحكومية اضافة الى الساحات العامه والشوارع الرئيسية في العاصمة بغداد والمحافظات العراقية العديدة. بحيث اصبحت طبقة الفنانين العراقيين من الطبقات المميزة والمتمكنه ماديا في فترة السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. هذا ما جعل الطبقات المتمكنه والوسطى تتهافت على شراء الاعمال الفنية للفنانين العراقيين ففي تلك الفترة الزمنية حيث نشاهد اعمالا فنية في كل بيت ومقهى ومحل تجاري ….الخ.

اخذت هذه الصورة في الصف الثالث شعبة –أ- عام 1966 ويظهر كاتب المقال الفنان عادل ناجي في الامام الثاني من جهة اليمين

وفي نهاية الستينيات شهدت العاصمة بغداد حركة افتتاح جاليريات لفنانين واناس يحبون الفن بشكل موسع ومنتشر في الاماكن المهمه من العاصمه. ونحن نشير الى هذه “الثورة” الفنية الحضارية لا ننسى صدور الصحف والمجلات الخاصة بوزارة الاعلام او بجهات حكومية او غير رسمية التي حرصت جميعها على تعيين فنانين وطلبة فنون تشكيلية للقيام بتزين صفحات تلك المجلات والصحف وذلك بعمل المونتيفات ورسوم الكاريكاتير الاجتماعي والسياسي. وهنا لا بد من الاشارة الى صدور اول مجلة رسمية من قبل وزارة الثقافة والاعلام العراقية لرسوم الاطفال وهي مجلة مجلتي الشهرية برئاسة رئيس تحريرها الصحفي والاداري المرموق الاستاذ ابراهيم السعيد، ومن ثم صدور صحيفة اسبوعية للاطفال ملحقه بمجلة مجلتي اسمها”المزمار”. عين في تلك المجلة الشهرية والجريدة الاسبوعية فنانون يدرسون في معهد واكاديمية الفنون الجميله إضافة الى كتاب وشعراء وصحفيين عراقيين وعرب تواكبوا على النشر في المجلة والجريدة وكانت هذه المبادرة من جانب وزارة الثقافة والاعلام بمثابة النبتة الاولى لصحافة الاطفال في العراق بشكل رسمي حيث لاقت اعجاب اطفال العراق وحتى البالغين.

في الثمانينيات والتسعينات بدأت هذه الحركة التشكيلية التي اسميتها “بالثورة التشكيلية” تأخذ منحى اخر وهو تسييس الفن التشكيلي بما يخدم الاتجاه العام السائد بعد حرب ايران على العراق عام 1980 والعدوان الثلاثيني الذي سمي ب ( حرب الخليج ) الاولى عام 1991 ثم تلاه الحصار التام حيث اثرت هذه الاحداث جميعها على المستوى الفني الذي انتعش في الستينات والسبعينات وبدأ يهبط الى مستوى التسييس والمحاكات التي تذكرنا بالفن الروسي والاشتراكي الذي تبع الثورة البولشفية عام 1917 حتى انتشر في دول الاتحاد السوفيتي والدول السائرة بفلك الاشتراكية الماركسية كما هو الحال في يوغسلافيا مثلا ولكن في العراق هذه المحاكات كانت بائسه ومشوهه حيث ان تلك المحاكات للاحداث في العراق وعملية التسييس جاءت بشكل مشوه وفاقد للعناصر التشكيلية في تكوين الاعمال الفنية الناجحه. وهنا نستثني بعض تلك الاعمال التي قام بها خيرة فنانو العراق كالفنان الخالد فائق حسن و وزملاءه الفنانبن الفطاحل امثال الفنان عبد الغني حكمت والفنان اسماعيل فتاح والفنانه الشهيدة ليلى العطار والفنان خالد الرحال وغيرهم من فطاحل الفن التشكيلي العراقي المعاصر.

لوحة “الجريمة بحق وطن” للفنان عادل ناجي

ان الحركة التشكيلية العراقية المعاصرة مرت بمنعطفات كثيرة جعلها تتنتكس نتيجة الظروف السياسية التي مر بها العراق العربي واهم هذه المنعطفات الخطيره هو الاحتلال الدموي الفاشي والسادي لارض الرافدين عام 2003 وتدمير كل ما يمت بصلة الى التطور الحضاري والاقتصادي.. فنهبت من مبنى الفن الحديث جميع اعمال الفنانين العراقيين العظام وحطم الاحتلال وجلاوزته الجهله معظم التماثيل الحضارية التي كانت تزين شوارع وساحات العراق لفنانين ونحاتين عظام لا يعيد الزمن بمثلهم. حيث كانت عمليات التدمير مبرمجة وحاقدة على كل التراث العراقي الحضاري المعاصر. هذا إذا ما نظرنا الى ما تم على يد الاحتلال النازي الجديد من تدمير وسرقة معظم المتحف التاريخي الوطني العراقي في الاسبوع الامول من الاحتلال. وكانت عمليات اغتيال الفنانين العراقين تسير مع عمليات الاغتيالات السياسية جنبا الى جنب من ما جعلت الاغلبية الساحقة للفنانين العراقيين ومن ضمنهم الفنانون التشكيليون يتركون الوطن ويغادرونه الى دول العالم تاركين ورائهم خيرة اعمالهم الفنية حيث لم يستطيعوا حملها معهم وحياتهم كانت مهددة بشكل سافر. بعد هذا الدمار الذي حل بالعراق من الطبيعي ان الحركة التشكيلية العراقية قد ذاقت الانتكاسات المتلاحقة. اليوم اصبح الفن التشكيلي العراقي يمثل الاساليب العشوائية المنتشرة في العالم حيث يركز الفنان العراقي وهو في الغربة على ابتكار الاعمال الفنية التي يعتاش من ورائها. وهناك محاولات للرجوع الى الاسلوب العراقي في الفن التشكيلي الذي وضع اسسه عظماء الحركة التشكيلية العراقية كجواد سليم وفائق حسن وحافظ الدروبي واسماعيل الشيخلي ولكن هذه المحاولات غير ناضجة وقسم منها استنساخ مشوه بتشكيلات لونية تشبه خلط الحلوى. ان من اهم ركائز اية حركة تشكيلية في بلد ما هو الاستقرار السياسي والاقتصادي ثم تشجيع الدولة ومساندتها لتلك الحركة التشكيلية ماديا ومعنويا. واليوم هذا تماما مفقود في عراق لا زال الاحتلال جاثم على صدره ، والاستمرا في تدمير بنيته الحضارية والاجتماعية والاخلاقية كل يوم.





الاحد ٢٠ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٠ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب عادل ناجي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة