شبكة ذي قار
عـاجـل










لقد ظن البعض إن عرٌاب المصالحة الوطنية العراقية من داخل العملية السياسية ربما سيكون الدكتور أياد علاوي الذي طرحها كجزء من برنامجه السياسي والانتخابي، ولكنه ظل محاصرا وعاجزا وفاشلاً عن تحقيق مشروعه هذا منذ مؤتمر شرم الشيخ عام 2004 عندما كان رئيساً للوزراء، ولا زال علاوي يراوح في مكانه، ويحتاج هو بنفسه مصالحات وطنية مع مكونات تحالفه السياسي المتشرذم، ومع أطراف العملية السياسية الأخرى، ولا نقول أي شئ يذكر في هذا المجال مع الأطراف الرافضة للعملية السياسية والمقاومين للاحتلال والرافضين للتدخل الفارسي الصفوي في العراق قبل وبعد ظهور داعش.

وعلى الطرف المقابل بقي التقارب والتعاون بين مكونات وشخصيات وأحزاب معارضة للعملية السياسية محتشما ويراوح في مكانه لخلق جبهة وطنية عريضة تواجه الاستبداد ووقف المظالم التي اندفعت واستبدت بها سلطة العملية السياسية وحلفائها بعد الاحتلال.

وإزاء مظاهر العجز التام أمام إطلاق أية مبادرة وطنية جادة لتحقيق المصالحة الوطنية فان العراقيين باتوا يرضون حتى بوضع قضيتهم أمام الأطراف الدولية والعربية لإيجاد الحل الوطني المنشود لإنهاء مأساة التمزق الوطني وانهيار الدولة العراقية وسيادة مظاهر الفساد وفشل أية محاولة للإصلاح.

وأمام واقع حال يعترف به الجميع هو ضعف أدوار المؤسسات الرسمية وغير الرسمية المعنية بالمصالحة الوطنية في العراق، ونظرا لتعقد طبيعة المرحلة الانتقالية ما بعد داعش ولتدهور وضع العراق في مجالات الأمن والاقتصاد والتدخلات الإقليمية والدولية والكوارث الاجتماعية الناجمة عن التهجير والنزوح وخراب المدن والبطالة السائدة والتكالب على النهب والاختلاس وإشاعة الجريمة المنظمة وتسلط المليشيات الطائفية غير المنضبطة يكون على كافة أبناء العراق المخلصين لوحدة وبقاء العراق التفكير مليا لوضع ملف المصالحة الوطنية قبل كل الملفات الأخرى العالقة في مسارات الوضع العراقي المعقد والشائك بالاستعانة بجهد عربي وإقليمي ودولي، كحالات ضامنة لما يتفق عليه خلال المراحل القادمة.

ان حملة شعار المصالحة الوطنية يخطئون حينما يظنون ان المصالحة تسعى للتقريب بين فئات أهلية متنازعة، ويحاولون تطبيقها على العراق، متناسين ان السلطات الحاكمة ما بعد الاحتلال عملت على خلق وهم كبير مثل هذا لتغطية عزلتها عن بقية طبقات الشعب، واضعة نفسها طرفا في التصالح المنشود مع الآخرين لتختزل تمثيل طرف آخر، ليس بالضروري ان يكون معها أو أنه أعطاها يوماً حق التوكيل لتمثيله من خلال انتخابه لها عبر صناديق اقتراع كشفت عنها الحقائق إنها كانت مزورة .

النزاع والمواجهة في العراق تعمق بين قوى وجماعات تسلطت بفضل الاحتلال، ووضعت نفسها ممثلة عن قطاعات اجتماعية وفئات شعبية ومناطق جهوية ليست بالضرورة إنها يمكن ان تأيد أزلام السلطة.
والمفارقة إن السلطة التي تطرح موضوع المصالحة الوطنية تحاول خلق فتنة وحرب أهلية وصدام مع مكون وطني على حساب مكون آخر تدعي السلطة بهتاناً بتمثيله ، ولكنها في الحقيقة تستلب منه حق التمثيل وحق القرار في التصالح مع قوى سياسية معينة، ولهذا لا يمكن طرح الموضوع من قبل أرباب السلطة بالحديث عن قرب تحقيق مصالحة مجتمعية. والدليل على ذلك مظاهر الاحتجاج الاجتماعي التي شملت كافة محافظات العراق .

وإذا ما ذهبنا مع خطأ طرح الحكومة العراقية والسلطات الحاكمة في ان المصالحة ستكون مجتمعية في العراق، كما يطرح حيدر ألعبادي ونظرائه، فعليها التنحي جانبا وتفتح الطريق لحكومة مؤقتة محايدة أو حكومة تكنوقراط تضع شروط ووسائل محددة وفق أجندة زمنية واضحة وبضمانات وطنية وعربية ودولية لحل المشاكل التي تعيشها البلاد وصولا إلى خطوات تحقق فرص المساواة في المواطنة والمشاركة المتساوية في الحقوق والواجبات وتعزيز التعايش السلمي المشترك لكل المواطنين، وبذلك سيكون هناك معنى للحديث عن مصالحة بوجود التجانس الاجتماعي مقترناً بفرص الخيار الديمقراطي للشعب للحاكم والمسئول.

وإنه من الخطأ بمكان أن يضع البعض أنفسهم في موقع حياد زائف طالما ان العلاقات الشاذة التي نشأت بين الدولة والمجتمع بعد الاحتلال الأمريكي للعراق خاصة، جعلت من الدولة والحكومة وأتباعها متراسا لطبقة حاكمة فاسدة تحتكر القرار السياسي وتشن الحرب والاستبداد ضد مناوئيها، وتضع يدها على الموارد الوطنية والعبث فيها من جهة، وتحارب الشعب الذي هُمش تماما، وأصبح هدفا لعمليات إخضاع شاملة ومستمرة من قبل السلطة من جهة ثانية.

هذا النمط من العلاقات يخفي في واقع الأمر حربا خفية يتواجه فيها الشعب مع الحكومات، في جميع المجتمعات العربية، ولو على درجات مختلفة، خاصة مع أولئك الذين يريدون تحويل الدولة إلى ملكية خاصة، ومن خلالها إلى احتكار الموارد الوطنية بالقوة وحرمان الآخرين منها، وأولئك الذين يسعون بجميع الوسائل إلى تعميم الفوائد التي تنتجها على أكبر قاعدة اجتماعية ممكنة ويبذلون في سبيل ذلك جهودا جبارة لكسر هذا الاحتكار والدخول في مجتمع الشراكة الوطنية والسيادة الفردية، لكنهم يواجهون الإقصاء والتهميش والملاحقة المستمرة.

وبهذا الصدد وكما يرى المفكر العربي برهان غليون : ( من هذا المنظور لا تعني المصالحة الوطنية في الواقع سوى السعي المشترك إلى وضع حد لهذا الاحتكار أو القبول بفتح مفاوضات حول توزيع السلطة والموارد العامة مقابل تنازل الطرف الأضعف في المعادلة عن حقوقه عن الحقبة الماضية، وكذلك عن حقه في الثروات التي تحصلت بصورة لا شرعية ... وإن رفض التسليم بالأمر الواقع لا يدفع هنا، وهذا هو التطور الثاني، إلى الثورة ولكنه يترافق بنمو مواز للواقعية والبراغماتية السياسية. فهو يعكس الاقتناع بأن الحلول العنيفة غير مجدية، وأنه ليس من الممكن الخروج من المأزق الراهن إلا من خلال القبول بتسوية تقوم على القطع مع الحقبة الماضية بكل ما رافقها من أخطاء ومآسي والنظر في اتجاه المستقبل. إنها حالة تعكس المزاج الاجتماعي والسياسي الجديد للشعوب التي تنزع نحو السلم والحياة الديمقراطية والمشاركة الايجابية. ومن هذه الزاوية لا يبدو لرفض السلطات القائمة الاستجابة لنداء المصالحة الصاعد من وسط معارضتها أي معنى ولا أي منطق ).

ولا يمكن استمرار وضمان القناعة لدى البعض من ان المصالحة هي البديل المطروح عن الثورة أو عن الانقلاب الذي يمثل آلية انتزاع الحكم بالقوة للدخول إلى ميدان السلطة وطرد المستولين عليها بسلاح القوة نفسه الذي استخدموه ولا يزالون للإبقاء على احتكارهم لها واستملاكهم الشخصي لمواردها. وهذا لن يتم إلا بلقاء وحوار قوى سياسية تستوعب دروس التاريخ وتجارب الشعوب لإنقاذ أوطانها قبل فوات الأوان. وللأسف لازال مثل هذا الأمر مُغيبا عن تفكير اهتمامات الكثير ممن يطرحون أنفسهم ساسة في الساحة العراقية.





الاربعاء ٢ صفر ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / تشرين الثاني / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ا.د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة