شبكة ذي قار
عـاجـل










لايخفى على القارئ الكريم أن غالبية القواعد القانونية الدولية هي مستمدة من عادات مختلفة وأعراف وكذلك ممارسات أثبتتها الدول في علاقاتها المتبادلة على مر الزمن, خاصة تلك الأعراف المعترف بها صراحة.

لذلك فالقانون الدولي هو عبارة عن مجموعة من المبادئ والقواعد القانونية التي تحكم سلوك الدولة وتشعر أنها ملزمة بمراعاتها، ولذلك تحترمها في علاقاتها المتبادلة مع غيرها من الدول. ومن تلك المبادئ مبدأ السيادة والأستقلال, مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية, مبدأ الحصانة السيادية للدول ومبدأ سمو القانون الدولي على القانون الداخلي.

ومبدأ الحصانة السيادية يعتبر واحدا من أهم المبادي في القانون الدولي لأنه يشكل قاعدة فريدة من القواعد الآمرة ( والقواعد الآمرة, هي القواعد المقبولة والمعترف بها من قبل المجتمع الدولي, لذلك فالأتفاق على مخالفتها يعد عملاً باطلاً بطلاناً مطلقاً ) .

وبالتالي فهي تحتل في التسلسل الهرمي للقانون الدولي مكانة أعلى من العرف أو المعاهدة. والمقصود بالحصانة هو عدم خضوع دولة أجنبية لاختصاص محاكم دولة أخرى. حيث عرف هذا المبدأ وجرى العمل فيه من قبل المحاكم الأوربية منذ القدم , إذ لايجوز لمحاكم الدولة المحلية أن تسمع دعاوى ضد دول ذات سيادة وإستقلال. وهي تستند في ذلك الى مبدأ دولي آخر وهو مبدأ المساواة بين الدول, فممارسة إحدى الدول سيادتها على دولة أخرى فيه إخلال لمبدأ السيادة والأستقلال, هذا يعني أن مبدأ الحصانة السيادية يستند الى مبدأ المساواة بين الدول ذات السيادة والأستقلال وهو من المبادئ المسلم بها في القانون الدولي العام, يمنع فيه أن تقضي محاكم دولة في حق دولة أخرى, هذا من ناحية.

من ناحية أخرى, فممارسة الدولة لإختصاصها المدني من قبل محاكمها الوطنية ضد دولة أخرى ذات سيادة وإستقلال سوف يتعارض مع قاعدة آمرة أخرى من قواعد القانون الدولي وهي قاعدة سمو القانون الدولي على القانون الداخلي, و هذه المبادئ حقيقة تعد مبادئ عامة لاتجوز مخالفتها أو إخضاعها للقواعد الدستورية الداخلية, لأن ذلك سوف يؤدي الى تبعية القانون الدولي للقانون الداخلي وهذا مايتجافى مع الوضع الطبيعي للنظام القانوني العام أولا, ومن ثم يتعارض مع مبدأ آخر وهو مبدأ عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول, وبالتالي ستكون فارغة المحتوى ولن تنفذ لإستحالة ذلك دون رضا الدولة صاحبة السيادة ذاتها.

وهناك فعلا من السوابق القضائية التي تدعم هذا المفهوم, فقد أثيرت مسألة التعويضات عن أحداث 11 سبتمبر في مواجهة المملكة العربية السعودية أمام محاكم الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة بعد الأحداث عام 2001 , لكنها دفعت بعدم الأختصاص, أي عدم إختصاص القضاء الأمريكي بالنظر في مثل هذه المطالبات المزعومة إستنادا لمبدأ الحصانة الدولية, فضلا عن براءة ساحة المملكة لمثل هكذا إدعاءات واهية.

إذن فالإقدام في هذا المورد متعين. والبحث في المدلول الشكلي لمفهوم للتعويضات التي تدعي الولايات المتحدة الأمريكية مطالبتها للمملكة العربية السعودية عن أحداث 11 سبتمر المفبركة, من خلال إقرارها لقانون العدالة ضد الأرهاب أو مايعرف بقانون جاستا ( سيء الصيت ) , قد لايجد الباحث تلك الصعوبة في أكتشاف أن هذا المفهوم ولد متشبعاً بفكرة الأبتزاز السياسي وسيادة منطق القوة والإنتهاك الفاضح لقواعد القانون الدولي والمبادئ الأساسية فيه. وهو من الناحية القانونية يعد عملا غير مشروع دوليا لتعارضه مع القواعد الآمرة في القانون الدولي.

وبالتالي, فان أي إخلال بإلتزامات الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة الممتلكات المادية للمملكة العربية السعودية داخل حدودها الوطنية سيحقق مسؤوليتها الدولية, وستكون المملكة العربية السعودية مخولة بمطالبة الولايات المتحدة الأمريكية دوليا, بل على العكس سيكون الحصول على تعويض مناسب هو من حق المملكة وبالشكل الذي يؤدي إلى إصلاح مالحقها من ضرر سواء كان ماديا أم معنويا.

فضلا عن ذلك, فالقانون سيء الصيت هذا سيشكل سابقة خطيرة في العلاقات مابين الدول, وسيفتح باب المطالبات بالتعويضات عن الجرائم التي أرتكبتها الولايات المتحدة الأمريكية على مر التأريخ بتشريعات داخلية جديدة. وبالتالي, سيكون من حق الشعب العراقي على سبيل المثال مطالبتها بالتعويض عن:

- عن سرقة أموال وكنوز العراق التأريخية والحضارية,
- عن مصادرة حكومتها وإغتيال قائدها الشرعي, وإستبدالهما بحكومة طائفية عميلة لشق وحدة الصف العربي والأسلامي,
- عن قصفها لملجأ العامرية في بغداد وقتلها عشرات الأطفال والنساء والشيوخ,
- عن قتلها ل 1.2 مليون عراقي عام 1991 لأستخدامها اليورانيوم المنضب في قصفها للعراق,
- عن تلويثها الأشعاعي للبيئة في العراق بأستخدامها للأسلحة المحرمة دوليا,
- عن إغتصاب الرجال في سجن أبي غريب, والنساء وإنتهاك آدميتهم وتعذيبهم,
- عن صنعها لإدوات الأرهاب وتمويلها للقاعدة ومدها بالسلاح ( بإعتراف وزيرة خارجيتهم ) ,
- عن تهجير 5 مليون إنسان عربي من أرضه بحجة داعش الأرهابية.

وسيكون من حق سوريا وليبيا واليابان كذلك المطالبة بالتعويضات عن دمار سوريا وحرق ليبيا وسرقة ثرواتها النفطية, وقصف هيروشيما وناجازاكي بالقنابل النووية في اليابان. وعن حربها في كوريا وفيتنام, عن قصف يوغسلافيا, عن جرائم حربها ضد ماتسميه هي بالحرب على الأرهاب.

والتساؤل الذي يبتادر الى الأذهان ! عن كيفية الرد الذي يكفله القانون الدولي ؟ وهل بإمكاننا فعلا مقاضاة الولايات المتحدة الأمريكية في ظل الواقع الدولي القائم؟ أم أن للسياسة والأقتصاد أدوات أخرى أكثر فاعلية تكفل الرد ؟

الحقيقة, أن الشق الأول من السؤال بالتقاضي دوليا يكون جوابه كالتالي - نعم يمكن أن يتم ذلك ولكن من خلال مايلي :

أولا- بإتفاق الأطراف المعنية: أي إتفاق الدول المتضررة والدولة المتسببة بالضرر ( وهذا لايمكن تحققه لعدم قدرة الدول المتضررة عن إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على الأعتراف بمسؤوليتها الدولية ومن ثم مطالبتها بالتعويض ) .

ثانيا- مجلس الأمن الدولي: وهو أداة سياسية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية ولا يمكن الحصول على أي مطالبات تعويضية ضد الولايات المتحدة الأمريكية من خلاله.

ثالثا- محكمة العدل الدولية: ويمكن رفع طلبات التقاضي أمامها بتحقق أحد الشروط التالية:

1- الأتفاق على تحكيم المحكمة فيما بينهم والقبول بالحكم, وهو مالم تقبل به الولايات المتحدة الأمريكية بكل تأكيد.

2- مطالبة أعضاء الأمم المتحدة بتقديم طلب بموافقة الأغلبية لإصدار حكم يقضي بمسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة المتضررة. ( وهذا لن يحصل أيضاً لتفادي الدول معاداة الولايات المتحدة الأمريكة ) . فضلا عن الرأي الأستشاري للمحكمة غير الملزم للأمم المتحدة, فيما إذا أصدرته ضد الولايات المتحدة الأمريكية.

3- هناك حالة واحدة فقط لرفع طلب التقاضي الى المحكمة الدولية والنظر فيها دون شرط إتفاق الأطراف ( المتضرر والمتسبب بالضرر ) وهي طبقا لإتفاقية ( منع ومعاقبة جريمة إبادة الجنس البشري ) لعام 1984.

أما عن التساؤل بشقه الثاني, وهو عن أدوات السياسة والأقتصاد فهي بلا شك أدوات مؤثرة فعلا.

وللمملكة العربية السعودية خبرتها الواسعة وحكمتها في التعامل مع هكذا مسائل سواء على الصعيد الدولي أم الأقليمي, فتجميد العلاقات الرسمية وحث دول مجلس التعاون الخليجي على ذلك أيضا. وهو ماسيشمل بالتالي تجميد التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية في مجالات عديدة منها عسكرية بعدم السماح لإستخدام قواعد منطقة الخليج العربي العسكرية, تجميد التعاون الأقتصادي والأستثمار وسحب مليارات الدولارات من الأقتصاد الأمريكي, فضلا عن فك الأرتباط الأقتصادي الخليجي بالدولار الأمريكي وإستبداله بعمله أخرى.

فضلا عن ردود الأفعال غير المباشرة التي سترد الولايات المتحدة الأمريكية من دول أخرى ترتبط بعلاقات أستراتيجية مع المملكة العربية السعودية.

كل ذلك وسائل بيد المملكة أدواتها للرد على ( جاستا ) في الوقت الذي تراه هي مناسباً.

ولايحيق المكر السيء إلا بأهله !
 





الاثنين ١٦ محرم ١٤٣٨ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٧ / تشرين الاول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. علي خليل الحديثي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة