في حوار الرئيس التّونسيّ الباجي قايد السّبسي مع جريدة القدس العربيّ الصّادرة في 12 - 10 - 2016، وأثناء تطرّقه للوضع العربيّ في سؤال محاورته، مرّ السّبسي مرورا مقتضبا على المشهد العربيّ بطريقة تبرز خلفيّته الإقليميّة القٌطريّة وعدم ارتباطه بالوطن العربيّ ومشاغله إلاّ من خلال اللّسان وهو الذي نشأ وشبّ وترعرع في ظلّ النّظام البورقيبيّ التّغريبيّ المعادي لقضايا العروبة واستحقاقاتها والتي لخّصها بورقيبة ملهم السّبسي ومثله الأعلى في ادّعائه بأنّ باريس أقرب لتونس من القاهرة أو من الحجاز، وكان قبلها السّبسي من المرتبطين بالاستعمار والسّابحين في فلكه، إذ ليس صحيحا أبدا ما سعى الدّساترة وعلى رأسهم بورقيبة لترويجه ومن ثمّة تثبيته حقيقة لا يشوبها الشّكّ بفضلهم في التّحرير، بل إنّه ما من حركة وطنيّة تحرّريّة تمّ التّلاعب بها وطمسها وتشويهها كملاحم التّونسيّين الذين استبسلوا في الدّفاع عن بلادهم وعن عروبتهم - وأنّ المجال ليضيق لتبيان ذلك -.

ولكنّ السّبسي لم يفوّت الفرصة للتّهكّم وإن بصورة فيها من الدّهاء ما فيها، والاستنقاص من العرب والعروبة وذلك من خلال المسحة التّشاؤميّة السّوداويّة القاتمة التي حرص على إظهار العرب عليها وذلك في مسعى خبيث يعمد لبثّ اليأس في الجماهير العربيّة خصوصا الشّابّة منها وبالتّالي تنفيرها من واقعها وحضّها على بغض انتمائها العربيّ الأصيل الذي يقف خلف مصائبهم ومآسيهم بل والكفر به والتّبرّئ منه.

لقد بادر السّبسي بالسخرية الفاضحة المبتذلة من كلّ الموروث الأخلاقيّ والثّقافيّ والقيميّ للعرب حيث حصر ثقافة العرب في قيامها على "إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ ،، تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا " معتبرا هذا البيت الشّعريّ البديع مجرّد عنتريّات.

إنّ مثل هذا الزّعم يمكن أن نتقبّل صدورها عن بعض الفنّانين المغمورين أو المتثاقفين من الذين يبحثون على بريق الشّهرة وجلب الأنظار إليهم من خلال ركوب مبدأ " خالف تعرف "، ولكن أن يصدر ذلك عن رئيس دولة عربيّة يقرّ دستورها والعرف فيها بالانتماء العربيّ الإسلاميّ لها ولشعبها، فإنّ ذلك لا يمكن إلاّ تصنيفه في دائرة الثّرثرة المجانيّة والعدميّة من جهة، وكذلك فهو تعدّ سافر وخرق فاضح للدّستور وضرب لما ينصّ عليه وعدم الالتزام به والمفترض أنّه بصفته تلك أولى النّاس في تونس باحترام الدّستور من جهة ثانية، وهو إقرار من الرّئيس بأنّه متشبّث بمعاداة العروبة وتعاليمها وأخلاقها وهي بالتّالي رسالة مشفّرة يبعثها لحلفائه في الولايات المتّحدة الأمريكيّة وأروبّا وصناديق النّهب الدّوليّة من جهة ثالثة.

فما المراد يا ترى بل وما المغزى من الاستهتار بثوابت العرب الأخلاقيّة التي تقوم على الصّبر والتّحدّي والشّهامة والفروسيّة والكرم والإباء ورفض الانصياع لتجبّر الجبابرة وظلم الطّغاة؟؟ وهل سبق مثلا لأحد الرّؤساء من الذين يقتدي بهم السّبسي وخصوصا في أروبّا أن أهان أي منهم شعبه وطعن في موروثه هكذا بدون موجب؟؟

ولكأنّ السّبسي يأبى التّوقّف عند حدود هذا السّقوط المدوّي الذي يهيننا نحن شعب تونس باعتباره رئيسا لكلّ الجماهير في تونس مهما كانت مواقفنا منه ومن تاريخه ومن خلفيّاته من باب احترام الدّولة والمؤسّسات الدّستوريّة القائمة، وهي الخصال التي تعاملنا وفقها في السابق في ظل نظام اﻹستبداد بعهديه البورقيبي و النوفمبري و لم نفرط و لن نفرط فيها في تعاملنا مع المتصدرين لقيادة البلاد ما بعد 14/01/2011 بما فيهم القائمين اليوم على السلطة و السيد السبسي أهمهم رغم ما لدينا من احترازات حوله كتوجه، وحول طبيعة تحالفاته التي ﻻ يتردد في توصيفها بالتوافق، ليفرغ ما في جعبته من حقد وكراهيّة للرّفيق القائد شهيد الحجّ الأكبر صدّام حسين.

لقد تعرّض السّبسي بمنتهى السّوء الذي ﻻ يليق بمستوي رئيس دولة يتطلع لكتابة فصل من فصول الشرف في حياته السياسية لهامة من هامات الفعل الوطني والقومي ماديا و معنويا الشهيد صدام حسين ؛ كما تعرض له تعرضا لا موجب له خاصة وأن القائمين على الحوار لم يسألوه عن موقفه منه، ولم يكن ما يدعو في تلك الإطلالة للتّعرّض لرجل وهب عمره وسخّر كلّ حياته ونذر مجهوداته ونضاله لخدمة شعبه وأمّته العربيّة ومن بينها تونس التي تسجّل بمنتهى الفخر مساهمات وتوجيهات الرّفيق القائد شهيد الحجّ الأكبر القاضية بمدّ يد العون والمساعدة لشعبها، وإنّ التّونسيّين بغضّ النّظر عن موقفهم من الرّجل فإنّهم لا ينكرون الخدمات الجليلة التي قدّمها لهم خصوصا في مجال التّعليم، فلقد كان العراق يطبع على حسابه الخاصّ الكتب المدرسيّة لتونس دون التّدخّل في البرامج ولا فرض رؤاه فيها، وبنى وشيّد بأوامر مباشرة من الشهيد صدام حسين الجامعات في تونس كما احتضن الطّلبة والتّلاميذ التّونسيّين ومكّنهم من النّهل من العلوم والمعارف التي بخلت عليهم بها تونس الرّسميّة وتخرّج من العراق وجامعاته ما يزيد عن العشرين ألفا في اختصاصات متنوّعة ومتقدّمة كالطّبّ والهندسة وسائر العلوم الأخرى، هذا دون نسيان الدّعم الإقتصاديّ المتواصل الذي كان يخصّصه عراق البعث بقيادة صدّام حسين لتونس فكانت البلاد تحصل على 80 % من احتياجاتها النفطية مجانا و ﻻ تتحمل ميزانيتها أية كلفة باستثناء كلفة النقل من البكر أمام الفاو قبل 1976 وبعد اﻹنتهاء من مد الخط اﻹستراتيجي من ميناء جيان التركي حتى تاريخ احتلال العراق سنة 2003 ولم تتوقف المساعدة العراقية لتونس إﻻ في فترة تشديد الحصار لتعود مباشرة بعد اتفاق النفط مقابل الغذاء وعلى السيد السبسي أن يقرأ هذا الكلام في كتاب الجغرافيا للسنة السادسة تعليم ثانوي قبل ما يسمي باﻹصلاح التربوي، أمّا عن اليد العاملة التّونسيّة التي استقبلها العراق فحدّث ولا حرج.

أهكذا يعترف السّبسي لأصحاب الفضل بفضلهم؟؟ أَوَهَكذا يردّ الجميل؟؟ وهل جزاء الإحسان إلاّ الإحسان؟؟

إن المعروف و المتداول لدى التونسيين أنهم يتعاملون و بتقيد شديد بما يقوله بيت الشعر ــ "إن أنت أكرمت الكريم ملكته *** و إن أنت أكرمت اللئيم تمردا "، وعليه فإننا لا نكاد نعلم سببا مقنعا واحدا يبرّر زعم السّبسي الذي عبّر عنه بإسقاطات- في مضمونها ﻻ تليق برئيس جمورية - فجّة وإقحام غير مبرر لصدّام حسين فقال: " صحيح أن وجود صدام حسين كان مضراً، لكن في زمنه كان العراق دولة وحضارة وتقدم تكنولوجيا وكان فيه قيادا، اليوم رجع العراق الى ما قبل الدولة ويلزمه ربما خمسين سنة ليعود."

وهنا حتما، نتوجّه للسّبسي بحزمة من الأسئلة نتمنّى أن يمتلك الجرأة الكافية والشّجاعة اللاّزمة ليجيب عنها:

ما المقصود بالوجود المضرّ لصدّام حسين؟؟ بل من تضرّر من وجوده؟؟

لا نخال السّبسي بمنخرط في تلك التّسويقات المبتذلة الرّديئة التي تصوّر ما حلّ بالعراق من فواجع ومآسي إنّما سببها ديكتاتوريّة صدّام حسين وسياساته وغير ذلك من الأراجيف، فتلك ذرائع أسقطها الواقع بالدّلائل والبراهين التي لا تدحض، و لا نخال السّبسي يعي حقّا أنّ صدّام حسين أضرّ بشعبه، فالسّبسي ويا لسوء حظّه العاثر، ناقض نفسه بنفسه فأساء لنفسه عوض الإساءة للرّجل الرّجل وذلك بأن بدا ضعيف حجّة حين أقرّ واعترف بأنّ العراق زمن صدّام حسين كان دولة وحضارة وتقدّم وتكنولوجيا، فأين إذن الضّرر..

إنّنا لا نفهم السّبسي في سرديته هذه إلاّ من باب أنّه يقصد أنّ الشهيد صدّام حسين كان مضرّا بل ومهدّدا ومعطّلا لمصالح أصدقاء السبسي ممن يتقيد برؤيتهم ويدافع على مصالحهم وهم أعداء الأمة مجتمعين ، فصدّام حسين رحمه اللّه وطيّب ثراه كان عاشقا حدّ الهيام بأمّته ومنافحا عن مصالحها، بل لقد كان صدّام حسين متطرّفا في حبّ العراق وشعبه وفي حبّ العرب وأمّتهم، على عكس من يقول فيه ما قاله السبسي.

ماذا عسانا نفهم من مقاصد الضرر التي تلف تخمينات السيد السبسي؟؟

وعلى سبيل التسليم بصحة مزاعم السبسي، وهي الخائبة بلا ريب، فهل من مجال للمقارنة بين الضرر المزعوم لسيد شهداء العصر وبين الضرر الفادح الثابت والمتأكد الذي سببه سيادة الرئيس لليبيا عبر انخراطه المحموم في العدوان الأطلسي الامبريالي عليها عام 2011 لما كان وزيرا أول لتونس وذلك عبر فتح المجال الجوي والموانئ البحرية لجيوش الأعداء لدق أعناق الليبيين ومن ثمة إغراقها في دوامة الفوضى والإرهاب التي أتت على الأخضر واليابس هناك؟؟

إن استجداء الرضي من اﻵخر عبر سرديات سفهها هو ذاته - أي هذا اﻵخر - وتخلى عنها هو استخدام يحط من صاحبه و يجعل قيمته حتى في ميزان العمالة في حدود الصفر ومن غير المرغوب فيها أصلا …

وهنا نجد أنفسنا أمام سؤال ملح حقا:
ترى متي يقلع سياسيونا عن مثل

هكذا سلوك و يستحضرون رؤية ثابتة تقول من أن اﻷمم و الشعوب تقاس من خلال قادتها وما يصدر عنهم من مواقف وسلوك…؟؟

إنّ سيطرة التّناقض على السّبسي بادية بجلاء طيلة الحوار، ففي الأثناء التي أشاد فيها السّبسي بملهمه بورقيبة وبمنجزاته التي عرض عناوينها المتمثّلة خصوصا في تحرير المرأة ونشر التّعليم، نراه يتعمّد الإساءة لصدّام حسين ويصفه بالضّارّ وهو الذي لا مجال للمقارنة بينه وبين من سواه من الرّؤساء والقادة العرب على صعيد المنجزات والخدمات الجليلة التي قدّمها لشعبه ولأمته عبر نفس المقاييس التي أشاد بها بغيره.

فالعراق زمن البعث وبقيادة صدّام حسين تمكّن من إرساء جيش جرّار من العلماء النّوعيّين والكفاءات العالميةّ النّادرة، وارتقى بالبنية التّحتيّة للعراق لحدّ لا يجاريه فيه أيّ قٌطر عربيّ آخر، أمّا في مجال المرأة مثلا، وهي العلكة التي تلاك دوما للتفاخر والتمايز وإظهار السبق؛ فحسب صدّام حسين ضررا وإضرارا أنّه أطلق على المرأة العراقيّة والعربيّة وتوّجها بلقب الماجدة.. وبإمكان السّبسي وأعوانه أن يجروا بحثا في هذا الصّدد فسيذهلون وسيصعق السّبسي بالفارق الواسع بين المرأة العراقيّة وغيرها من النساء العربيّات على مستوى التّعلّم والمساهمة في الحياة على كافّة الأصعدة.

إنّ صدّام حسين لا يضرّه أبدا -، وهو الخالد والمتوّج والسّاكن في ضمائر الأحرار والحرائر الماجدات والمكتوب بأحرف ذهبيّة وضاءة في سفر التّاريخ الخالد - أن يتعرّض له القزم والجاهل والمسكون بمركّبات النّقص والعميل والخرف المتصابي كل على حدة أو من اجتمعت فيهم هذه العيوب..

وإنّنا نعيب على السّبسي أنّه لحق بركب كلب الزّينة الصّغير القميئ المنصف المرزوقي رئيس تونس السّابق، حيث لم يفوّت ذلك المهرّج فرصة إلاّ وتهجّم على صدّام حسين ليعوّض عن صغاره ويداري عن هوانه وينفس عن عمالته.. فكيف إذن يرتضي السّبسي لنفسه أن ندرجه ويدرجه التّاريخ في نفس دائرة خصمه اللّدود المتساقط المرزوقي؟؟

لقد كان حريّا بالسّبسي أن يخوض في الشّأن العربيّ من باب الحرص على مستقبل الأمّة العربيّة ومن بينها جماهير تونس وفق ما تنصّ عليه مسؤوليّاته السياسيّة والقانونيّة والأخلاقيّة، لا أن يتعمّد السخريّة من العرب والعروبة ويطعن بأحد أهمّ رموز العرب طيلة تاريخهم على الإطلاق، وكان حريّا به أن يبحث سبل تعزيز سبل صمود العرب بوجه ما يحاك ضدّهم من مؤامرات ودسائس لن ينجو منها أحد، وما كان لائقا أبدا به كرئيس لتونس أن يسيء لتونس بفعل تخرّصاته وتطاوله المذموم على صدّام حسين وهو من هو، وما كان لائقا مطلقا أن يتغافل عن فضح ما يعانيه العراق والعرب بفعل تدمير العراق وغزوه ويتفرّغ لكبل التّهم جزافا زورا وبهتانا بحقّ سيّد شهداء العصر..

وكان على السّبسي خصوصا أن يقلع عن صنيعه المستهجن وأن يكفّ عن استعلائه دونما استحقاق، وكان عليه أن يحتفظ بصفته رئيسا لعموم التونسيين ومن بينهم رفاق صدام حسين وتلاميذه ومريدوه ومحبوه لا يقبلون البتة أن يصدر عنه بحق شهيدهم وبطلهم القومي الخالد مثل ما صدر عن السبسي، وكان لزاما عليه أيضا أن يتذكّر أنّ في تونس رجالا وماجدات لم ينسوا فضل العراق عليهم بقيادة صدّام حسين، كما لم تسقط ذاكراتهم بعد تورّط السّبسي نفسه في كلّ جرائم بورقيبة بحقّ القوميّين والبعثيّين خصوصا وعليه أيضا أن يدرك أن الذّاكرة الجمعيّة الشّعبيّة في تونس لا تزال تسجّل بنقمة كبيرة ضلوع السّبسي في المؤامرة التي صفّى عبرها بورقيبة الّشهيد صالح بن يوسف وكبار المقاومين وعلى رأسهم الرّفيق القائد البطل لزهر الشّرايطي ورفاقه، امّا عن مأساة وفضيحة صبّاط الظّلام ومحاكمات اليسار والبعثيّين في 1968فتلك مسألة يحتاج الخوض فيها أن تخصص له مجلدات ومجلدات.