شبكة ذي قار
عـاجـل










مجرد مقارنة بسيطة مع نهج السياسات الخارجية لدول العالم بدون إستثناء .. يتضح حجم الكارثة التي تخيم على الشعب العراقي منذ عام 2003 وحتى الوقت الراهن .. ومن أجل وضع الخطوط التي تفصح عن هذه الكارثة، ينبغي الحديث عن أهم أركان السياسة الخارجية للدول المستقلة صاحبة السيادة .. لأن من غير السيادة والأستقلال الوطني يصعب الحديث عن سياسة خارجية مستقلة تعبر عن حاجات الشعب ( المادية والأعتبارية ) ومطامحه في بناء علاقات رصينة مع محيطه القريب والبعيد ترتكز على مبادئ ( حسن الجوار ) المعروفة للقاصي والداني، ومستندة إلى قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة ، بغية الوصول إلى الأمن والأستقرار والأزدهار.

ماذا نرى في العراق : ؟

1 - بلد محتل من دولة كبرى عضو في مجلس الأمن الدولي ( أمريكا ) ، ومن دولة إقليمية ( إيران ) خلافًا للأعراف والمبادئ الأممية والقانون الدولي.

2 - فالعراق في هذه الحالة فاقد للسيادة والأستقلال الوطني، ولا يعبر عن حاجات الشعب المادية والأعتبارية ومطامحه في البناء والأزدهار والأمن والأستقرار والسلم الأجتماعي كأي شعب في العالم .

3 - المجموعة الحاكمة في العراق ( أشخاص وأحزاب ومليشيات ) كلها من صنيعة المحتل الأمريكي والمحتل الأيراني .. لأن من مصلحتهما قيادة العراق المحتل بطريقة تعبر عن أهداف كل منهما ( أمريكا وإيران ) ولا تعبر عن أهداف الشعب العراقي .. مثلاً - يستند حكم الدولة العراقية المحتلة على ما يسمى ( التحالف الوطني - الشيعي ) بزعامة عمار الحكيم، وهو إيراني الأصل والجنسية ، والتحالف هذا يعلن بصراحة ووضوح في منهجه ( إن الأغلبية العددية تتولى إتخاذ القرارات في الدولة العراقية ) ، فيما يزخر الشعب العراقي بالتنوع القومي والديني والمذهبي والعشائري، وهو الأمر الذي يشكل ديكتاتورية فارسية في منهج الحكم وتفردًا مهينًا بالضد من مصالح الشعب العراقي .!!

4 - ولما كانت أهداف أمريكا وإيران هي إضعاف العراق وبعثرته وشرذمته تمهيدًا لتقسيمه وتفتيته لكي يسهل عليهما السيطرة عليه وعلى شعبه وثرواته النفطية، وتمكينهما من إستخدام موارده البشرية والمالية لأغراض التمدد الفارسي وفقًا لستراتيجية الفرس من جهة، وبما يخدم مشروع أمريكا في الشرق الأوسط من جهة ثانية .. وليس هناك ما ينفع شعب العراق من هذين المشروعين الأمريكي والأيراني على وجه الأطلاق.

5 - وهنا نتسائل في ضوء ما تقدم ، ما هي سياسة العراق الخارجية؟ وهل هي تدافع وتحمي مصالح العراق ومصالح شعب العراق؟ فأذا كان الأمر كذلك، فلماذا تسرق ثروات الشعب العراقي بالمليارات ؟ ولماذا يسرح ويمرح اللصوص في أروقة السلطة دون حساب أو عقاب؟ ولماذا هذا الكم الهائل من ملفات الفساد والمفسدين والصمت المطبق على حيتان الفساد المعروفين والمشخصين؟ ثم ، لماذا هذا التدمير المنظم لبناء الدولة العراقية من القمة حتى القاعدة بوسيلة الفساد والمشاريع الوهمية المغلفة بتنظيم المتفجرات في كل مكان تحت يافطة ( تفجيرات داعش ) و ( الحرب على الأرهاب ) هذه الأستراتيجية التي انتشرت من مستواها الدولي عام 2001 إلى مستواها الأقليمي واتسعت وتمددت لتشمل المنطقة برمتها، وهي الآن تهدد مناطق أخرى إذا ما إحتجت وارتفع صوتها مثل دول أوربا ؟!

6 - المعروف لدى دول العالم أنها تمتلك خططا لنهج سياساتها الخارجية، ولها طاقم دبلوماسي، يساعده آخر إداري وتجاري وثقافي وعسكري وأمني ، يتكفل بتنفيذ تلك الخطط وتحويلها إلى واقع عملي ملموس يتمثل بإقامة جسور للعلاقات بين الدول والشعوب على وفق واقع العلاقات الثنائية ومتعددة الأطراف من جهة، وواقع الدبلواسية الشعبية التي تتحرك في أطرها منظمات المجتمع المدني لتمد هي الأخرى جسور العلاقات مع نظيراتها من المنظمات الشعبية لهدف تطوير وتمكين الدبلوماسية من تطبيق أهداف الدولة وحماية مصالحها ومصالح مواطنيها.. فهل لدى واقع حال أطقم السفارات العراقية في الخارج ما يمكنها من تطبيق مرتسمات سياسة الدولة وأهدافها الخارجية في ظل واقع كتلها وأحزابها ورؤسائها ومليشياتها وتعدد تنظيماتها ونزعاتها الأثنية والطائفية ؟

7 - السفارات العراقية لا تمتلك أي خطط للعمل الدبلوماسي ، ولا تمتلك أي طاقم مؤهل لهذا العمل، ولا تمتلك أي رؤية واضحة لأهداف السياسة الخارجية وذلك لأنعدامها .. إذن : ماذا تفعل هذه الأطقم منذ عام 2003 ولحد الآن؟ وقبل الحديث عن طبيعة عمل السفارات وأطقمها، يتوجب الوقوف على طبيعة تشكيلاتها لكي ترتسم الصورة الواضحة لهذه الطبيعة الشاذة :

- تتوزع أطقم السفارات حسب الحصص الطائفية وتنسحب من السفير أو رئيس البعثة حتى الأداري ومستخدم الأستعلامات .. السفير والسفارة موزعة حصصًا محسومة ( كانتونات ) ، هذه السفارة الأوربية مثلاً : لحزب الدعوة وسفيرها من هذا الحزب يتوارثه الحزب إذا ما نقل أو مات .. وتلك السفارة ( سرقفليه ) للكرد إثنيًا ولا أحد يستطيع أن يزحزح حصتهم في هذه السفارة الأوربية التي يختارونها في ضوء مصالح بعيدة المدى، وخاصة الدول التي تتعاطف مع طموحاتهم .. وتلك السفارة للمجلس الأعلى، وأخرى لكتلة الصدر دون أن يساوم عليها أحد، كما هو حال الوزارات التي توزع حصصًا حقائبية .. هذه الوزارات لحزب الدعوة ، وتلك للمجلس الأعلى، وهذي للتيار أو للكتلة الصدرية .. وهي في حقيقة الأمر مصدرًا لتمويل حزب الوزير والكسب الحرام والمشاريع الوهمية .. أما السفارات والقنصليات فقد توزعت كوادرها حسب الأنتماءات .. فالسفير والسفارة مثلاً من حزب الدعوة والشخص الثاني من المجلس وبقية الكادر متنوع ولا تجد بينهم كرديًا أو تركمانيًا أو غيرهما .. والعكس صحيح في السفارات التي هي من حصة الكرد فالسفير كردي والكادر الدبلوماسي والأداري متنوع أما المستخدمون المحليون فمعظمهم من الكرد، سواء كان عملهم عاديًا أو قنصليًا على وجه التحديد ، حيث الصفقات التجارية والترويج لما يرسمه رئيس البعثة .. فيما يسلك الكادر الدبلوماسي في معظم السفارات الأخرى طريق الثراء السريع ببيع الممنوعات والأتجار غير القانوني خارج طبيعة العمل الدبلوماسي وتحت سقف الحصانة، بيع جوازات السفر بالجملة وبيع ما تستورده البعثة بالسوق السوداء من سجائر ومشروبات روحية وعطور ومستوردات أخرى متنوعة فضلاً عن تهريب الآثار والمواد الثمينة في الحقائب الدبلوماسية .. فيما تعمل بعض السفارات طقوس المناسبات الطائفية كالتطبير واللطم والبكاء والنحيب وإرتداء الملابس السوداء وتوزيع وجبات ( القيمة والهريسه ) .. حيث تدعو سفراء الدول وكوادرها الدبلوماسية المعتمدون لحضور هذه الطقوس.!!

- أما مسائل التمثيل في داخل البعثات .. فكل حزب في العملية السياسية له بريده الخاص بحزبه ويتلقى التعليمات والتوجيهات من الحزب حتى لو تعارضت مع توجهات وزارة الخارجية العراقية ( المركز ) .. ومثل هذه التعليمات ينفذها المعني في السفارة كفعاليات وتحركات مطلوب منه نتائج حتى لو اقتضى الأمر القيام بمتاجرة أو إعلام أو مؤتمرات .

- الأمن في البعثات أو السفارات تكفلت به عناصر متنوعة من أحزاب العملية السياسية ، وبالأخص منها منظمة ( بدر ) الأرهابية .. وقد غييرَ الأيرانيون الآن معظم مسؤولي الأمن والمخابرات في السفارات والقنصليات العراقية بعناصر متخصصة من الحرس الأيراني ومن ( إطلاعات ) يتلقون التعليمات والتوجيهات ليس من الجهات الأمنية في بغداد إنما من طهران مباشرة وبخطوط إتصالات مباشرة .. وهم يتكلمون العربية وباللهجة العراقية ولديهم جوازات سفر دبلوماسية عراقية وتحت غطاء وزارة الخارجية العراقية، ولكنهم يعملون لحساب المخابرات الأيراني .. وتحركهم يأخذ مداه صوب الشركات الأوربية ذات الأنتاج الحيوي بغية الحصول على معدات نوعية أو حيوية يتم تسويقها على أساس التصدير لطرف ثالث وتحت أغطية مؤسسات تعليمية ، معاهد أو جامعات ، بينما هي مواد أو معدات تتطلع إليها مراكز حيوية إيرانية تعمل في خطوط الأنتاج النووي - وهذا ما كشفته بعض الشركات الألمانية مؤخرًا - فضلاً عن أعمال التجسس والأغتيالات والخطف وإدارة أعمال الأرهاب السياسي وخاصة في الدول الأوربية .!!

8 - نعود إلى تساءلنا ، هل هناك سياسة خارجية للعراق المحتل؟ دعونا نأخذ بعض الأمثلة التي تعبر عن طبيعة الخلطة الهجينة والبائسة والتافهة في السفارات والقنصليات العراقية :

من يصنع السياسة الخارجية العراقية - هل كوادر الأحزاب الطائفية أم كوادر المليشيات الطائفية المسلحة أم كوادر وزارة الخارجية العراقية برئاسة الوزير أم التحالف ( الوطني - الشيعي ) ؟ :

- تُصَرِحْ شخصيات قيادية سياسية بأن العراق ( الجديد ) منفتح على الدول العربية، وإن العراق يرغب بتبادل التمثيل الدبلوماسي الثنائي وتوسيع نطاق العلاقات بينه وبين العواصم العربية .. وحين يعمل أو يصرح دبلوماسي عربي معتمد في بغداد بشيء من حقيقة النفوذ أو الوجود العسكري أو التدخل الأيراني في العراق .. تهدد المليشيات هذا الدبلوماسي وسفارته وبلاده كما تهدد الحكومة العراقية إذا تساهلت مع هذا الدبلوماسي، وتعلن رغبتها في إغتياله علنًا .. فيما الخارجية العراقية تصرح أن هذا الدبلوماسي شخصًا غير مرغوب فيه وتعتبره ( Persona non grata ) ، لتدخله في الشؤون الداخلية للعراق - وهنا الفضيحة الكبرى - لأن تصريح السفير العربي المعتمد في بغداد حول إيران ونفوذها ووجودها العسكري - فهل هذا تدخل في شؤون العراق الداخلية ؟ ، أم إعتبار أن العراق جزء تابع لأيران ؟!

- تتعاقد وزارات العراق مع شركات .. ومنها شركة تركية .. فلمجرد أن إيران تريد أن تنفذ سياسة ضاغطة على تركيا، توجه مليشيات عراقية لأختطاف عدد كبير من العمال الأتراك في موقع عمل شركتهم وتحتجزهم في مكان مجهول لتفرض شروطها ( شروط إيرانية ) من أجل إطلاق سراحهم .. والطامة الكبرى أن الحكومة العميلة في بغداد تعلن أنها لا تعلم بهذا الخطف ولا تعرف الجهة التي خطفتهم ( وهي تكذب بصورة فاضحة ) ، وإنها سوف تعمل من أجل البحث عنهم وإطلاق سراحهم - وكل الناس في العراق يعلمون بأنهم محتجزون في مدينة ( الصدر ) .. فمن يصنع السياسة في العراق الحكومة العميلة أم المليشيات الأيرانية عن طريق العنف الطائفي المسلح ؟

- منحت السفارة العراقية في الدوحة لعدد من المواطنين القطريين سمات دخول رسمية لأغراض الصيد - وهي عادة خليجية قديمة استمر عليها شعبنا في الخليج العربي في كل موسم صيد - وحددت لهم منطقة الصيد رسميًا عن طريق وزارة الداخلية .. وتفاجئ الجميع بأن هؤلاء المواطنين القطريين قد تم إختطافهم من قبل ( مسلحين مجهولين ) .. ولا تدري حكومة العراق المحتل من هم الخاطفون .. ثم بدأ مسلسل الأنكار والوساطات والمساومات، والحديث عن فدية وإلا قتلهم ، ثم عن مواقف سياسية خيم عليها التعتيم ، كان للمخابرات الأيرانية الفعل الواسع في التخطيط والتنفيذ ورسم السيناريو من بداياته حتى نهاياتة مع المليشيا المنفذة للتوجيه والأوامر الأيرانية .

- تستجيب أحزاب المنطقة الخضراء ومليشياتها لأي توجيه يصل مباشرة من المرشد الأعلى الفارسي ( علي خامنئي ) .. تخرج تظاهرات وتزعق صحف وينبح مسؤول عراقي حيال ما يحدث في البحرين، وتجاه إعدام طائفي إرهابي في السعودية وفي مصر، وتجاه مناسك الحج والحجيج ، والتدخل بكل صغيرة وكبيرة إستجابة لتوجيهات طهران .. فهل هناك سياسة خارجية عراقية حقيقية ؟

- مليارات الدولارات، وبأمر من ( علي خامنئي ) لرئيس الوزراء العراقي السابق والحالي، يتم تحويلها إلى خزينة رئيس حزب الله الأرهابي في الجنوب اللبناني ( حسن نصر الله ) لتمويل نشاطات إيران العسكرية والأستخبارية .. ومن هذه الصفقات ( 19 ) تسعة عشر مليارًا أرسلها المالكي وبعلم الأدارة الأمريكية التي بعثت بهذا المبلغ إلى العراق لأدارة ( العملية الديمقراطية ) وأتجهت إلى غير وجهتها حسب التحقيقات التي أجرتها المخابرات الأمريكية ( CIA ) وأعلنت عنها بعد سنوات من ( محاولات ) التحقيق .. وتحويل ( 6.5 ) مليار دولار مؤخرًا كشف عنه هوشيار زيباري حين وضِعَ في زاوية الأستجوابات البرلمانية المبرمجة إيرانيًا .. مع عشرات من السرقات والأعتمادات البنكية الفاضحة وسرقات فَروقات مبيعات الدولار من البنك المركزي العراقي يوميًا ولحد هذا اليوم .. فهل هناك سياسة خارجية عراقية صحيحة ونظيفة تمثل مصالح العراق والعراقيين وتحافظ عليها وتحميها ؟

- تأمر إيران فصائل عراقية مسلحة للتوجه إلى حلب وإدلب للقتال مع عناصر حزب الله إلى جانب قوات نظام دمشق الذي حول سوريا إلى أنقاض وشرد شعبها العربي في الشتات .. وحكومة العراق المحتل تقدم التسهيلات وتدفع الرواتب لهؤلاء العناصر، حتى لمجندي إيران من الأفغان والباكستانيين والبلوش والأفارقة وتشكيلهم في كيانات للقتال في سوريا واليمن .. ألم يكن ذلك تدخلا إيرانيًا في الشؤون الداخلية لسوريا واليمن والعراق .. ثم ماذا نسمي في مفاهيم السياسة الخارجية في العالم ، أن دولة ترسل أسلحة ومعدات عسكرية وذخيرة إلى أراضي دول أخرى لزعزعة إستقرارها وتمزيق أمنها الأجتماعي؟ ألم يكن ذلك تدخلا في الشؤون الداخلية لتلك البلدان ؟ وبالتالي هل يمكن تلمس سياسة خارجية عراقية صحيحة تعتمد على معايير ومقومات ومبادئ تتعاطاها دول العالم المختلفة حين تقوم بتصريف سياساتها الخارجية ؟!

9 - والغريب في الأمر .. إنه رغم العزلة التي تحيط بنظام الأحتلال في بغداد عربيًا على وجه التحديد، والريبة التي تنتاب معظم دول العالم من تصرفات هذا النظام غير المسؤولة، والمطبات السياسية والمالية والأمنية والعسكرية التي وقعت فيها حكومة نظام العمالة في بغداد، والأفلاس والفساد والتفسخ القيمي والأخلاقي الذي ضرب كيانات النظام ووصل به حاليًا إلى حافة الأنهيار.. كل ذلك ، قد أوضح أن مثل هذا النظام بات عاجزًا كليًا عن الدفاع عن نفسه، كما هو حال نظام دمشق الذي يعيش على الدعم الخارجي، إذ لولاه لسقط منذ زمن بعيد ، فيما يتوافد المارينز دفعات على العراق ( 400 ) ثم ( 600 ) ثم ( 500 ) وقبل هذه الأرقام هنالك أكثر من ( 3000 ) جندي مارينز إضافة إلى الطاقم الأمريكي الضخم في المنطقة الخضراء .

وكل هذا ... ويقولون بصفاقة .. إن لدى العراق سياسة خارجية .!!





الخميس ٢٧ ذو الحجــة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٩ / أيلول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة