شبكة ذي قار
عـاجـل










في مثل هذه الساعات منذ عشر سنوات خلت؛ لم يكن يفصل بين رئيس العراق الشرعي والقائد العام للقوات العراقية المسلحة وقائد المقاومة العراقية ومفجرها والأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وبين اعتلائه منصة المشنقة سوى بعض السويعات.

لقد قضت محكمة العار التاريخية المنتصبة في العراق بعد غزوه الجائر البربري؛ بإعدام صدام حسين شنقا حتى الموت. ولم يكن بوسع محكمة بمثل تلك المواصفات والمقاسات والأهداف أن تصدر غير ذلك القرار؛ بل لم يكن بمقدورها أن تتخلص من أعباء تبعيتها وارتهانها لإملاءات السياسة وضوابطها فهي وكما يتفق كل فقهاء القانون في العالم الموضوعيين وغير الموضوعيين بل وحتى ألد أعداء صدام حسين الظاهرة والإنسان والقائد السياسي والحزبي والعسكري؛ لم تكن إلا فضاء اختير بعناية شديدة للانتقام من خصم سياسي شرس وصعب المراس قوي الشكيمة صلب العزيمة واسع الإيمان بالله وبأمته وشعبه ووطنه مشبع بتجذر الانتماء معتز به أيما اعتزاز.

لم تكن كل تلك المسوغات الممجوجة ولا تلك الحجج التي تلاها قاضي الصدف والمسخ لتقنع أحدا في الكون بشرعية الحكم ولا حيثياته؛ كما قوى من بطلانه تماسك الرفيق القائد صدام حسين لحظة استقبال ما نطق به أحد خدم مشروع الغزو؛ وما أبداه من ثقة بالنفس وجلد واستخفاف يرقى للشفقة والرأفة بذلك القاضي المرتبك المتشنج الذي أصدر ما أصدر من فرمان سيظل عارا ثابتا يلاحقه حيا وميتا؛ ويزيد في المقابل من أرصدة صدام حسين في نفوس عشاقه وأنصاره وفي وجدان التاريخ والإنسانية الحرة العادلة.

لم يكن صدام حسين ليظهر بذلك الوقار المتفرد ولا على تلك الهيبة لو لم يكن مرتاح الخاطر هانئ الضمير عارفا بخبايا وحجم المؤامرة التي استهدفته ودولته وشعبه وجيشه وحزبه وأمته. ففي ثنايا تلك المؤامرة القذرة تكمن دوافع قرار المحكمة الخيانية المرعية من عتاة المحتلين وأعوانهم من العلوج المخصية.

إن الجريمة النكراء الخسيسة التي طالت الرفيق القائد صدام حسين فجر عيد الأضحى بمدلولاته وأبعاده الاحتفالية ومضامينه الروحية وتعاليمه القيمية لدى العرب خصوصا والمسلمين عموما؛ ورغم ما شكلته من مضاعفة دناءة الجرم الآثم التاريخي بحق العراق أرضا وشعبا وحضارات من خلال الغزو البربري الهمجي؛ لم تأت من فراغ ولم تكن أبدا كما صوره كثير من السطحيون على كونه مجرد انتقام أو ردع لتجرئ رجل مثل صدام حسين من دول الجنوب على رفض إملاءات الدوائر المتحكمة بتلابيب العالم بأسره وإن كان في هذه الرواية من الأهلية والمنطق وسلامة التحليل الشيئ الكثير.

إلا أنه يبقى الاقتصار على هذا الجانب؛ أمرا مجانبا للحقيقة تمامها ومجافيا للصواب كله. فليس لمجرد تمرد هذا الزعيم أو ذاك تحشد الحشود؛ فما أكثر من أعلنوا تمردهم على قرارات من اعتبروا أنفسهم كبار العالم والأوصياء عليه ولكن كان رد هؤلاء الكبار المتغطرسين مرنا لا مقارنة بينه وبين ما جرى وما يجري في العراق منذ الغزو الظالم وقبله وحتى لهذا اليوم.

لقد استجلب صدام حسين عداوة أضلع العدوان والغزو مبكرا وذلك بالنظر لانتمائه للعراق مهد الحضارات ومعلم البشرية وهاديها كثير السبل لتمدنها ورخائها؛ ولانتسابه للعروبة والإسلام وما لهما من فضائل ورسائل للعالم أجمع يستحيل إنكارهما رغم مكابرة المكابرين وتنكر المتنكرين؛ كما كانت لريادة صدام حسين للمشروع الوحدوي القومي التحرري التقدمي الإنساني الذي عبر عنه وخطه ورسم معالمه حزبه العملاق حزب البعث العربي الاشتراكي ونزعته الثورية الأصيلة بما حملته من عزم وسعي جدي لنحت مسيرة عربية جامعة وشاملة تتناقض وسيل التوصيات الصارمة لتأبيد تشرذم أمة العرب وتشتيتها وتشظيتها؛ الدور الكبير في مضاعفة ذلك العداء والتربص به في شخصه وصفاته التي تقلدها كلها طيلة مسيرته النضالية الجهادية الحافلة.

فصدام حسين؛ ومن خلاله حزب البعث العربي الاشتراكي ونظامه الوطني في العراق؛ تعرض للاستهداف المباشر المتواتر والمتلاحق وقبل ذلك للاستهداف المخاتل توقيا واستباقا من دوائر البغي والشر والاستكبار العالمي المتكونة خصوصا من الامبريالية وقائدتها أمريكا والصهيونية العالمية والفرس الصفويون الخمينيون والخونة المتساقطون من العرب وغيرهم؛ وكان هذا الاستباق ناتجا عن خشية حقيقية من معانقة صدام حسين الظاهرة والإنسان والقائد ومن خلاله البعث والعراق للفلاح في كسر قيود الاستغلال والإقلاع صوب الإبداع واستملاك ناصية القرار.

إن ملابسات تقصد تغييب صدام حسين مناضلا ومفكرا وسياسيا وقائدا عسكريا ما عادت تشوبها شائبة حتى في أذهان أكبر مبغضيه وأشد مناوئيه؛ فلقد ثبت بناء على ما آل إليه العراق وأغلب أقطار الوطن العربي من انهيار كلي شمل جميع الأصعدة أن صدام حسين كان المحطة الأبرز التي يتوجب إلغاؤها لتسهيل تنفيذ ما حاكه أعداء العرب من دسائس ومخططات جهنمية لإفراغ العروبة من أي مضمون ولتجريد العرب من كل بارقة أمل أو مجر قبص منه لمعاودة النهوض والخلاص من واقع عرضي مريض فرض عليهم فرضا.

ولم تعد لوقفة العز والشموخ الأسطورية الخالدة التي خط مشاهدها صدام حسين يوم النحر؛ لوحدها مبررا لإحياء ذكراه رغم جدارتها بذلك حتى لو كانت كل إنجازاته أو كانت لذاتها كل جرم المعتدين؛ بل ها هي الحقائق تتوالد سنة بعد سنة بل ساعة بعد ساعة وطيلة هذه العشرية؛ لتدعم مكانة الرجل الرجل شامة في وجدان الأحرار ولتخلده هامة وطودا من أطواد العطاء النضالي الإنساني العابر للأحداثيات والإيديولوجيات وقامة باسقة في دنيا التضحية والثبات على المبدأ.

لقد تكشفت طيلة سنوات الغزو البربري للعراق؛ ومنذ فاجعة اغتيال الرفيق القائد صدام حسين شهيد الحج الأكبر أكاذيب دهاقنة الاحتلال وعملائهم؛ وصعق الذين انطلت عليهم حيل هؤلاء المجرمين من هول وحجم التلفيقات والشيطنة والتشويه الممنهج الذي استمر منذ انبلاج شمس البعث وتنامى ضد صدام حسين.

أفاق العالم بادئ ذي بدأ على زيف التحرير؛ بعد أن أحيل العراق إلى ما قبل العصور المظلمة؛ وبعد أن عصفت به رياح الغدر والرذيلة ليئن تحت سياط النهب والقتل على الهوية والصراعات الطائفية بفعل من تملكوا أمره من أراذل وقطاع طرق وعملاء تفننوا في العبث بمصير العراق أرضا وشعبا ومقدرات.

كما تهاوت الروايات الرسمية وغير الرسمية عما يشكله العراق بقيادة صدام حسين ونظامه الوطني من أخطار لا حد لها على العالم وأمنه؛ وتراجعت الافتراءات حول الترسانة المفزعة من أسلحة الدمار الشامل؛ وانجلت غشاوات كتلك التي لازمت الجميع كلما تعلق الأمر بالمقابر الجماعية أو مجزرة حلبجة كأمثلة عن دموية صدام حسين ونظامه؛ واتضح أن لا مقابر جماعية في العراق إلا تلك التي تعود لشهداء الجيش العراقي وهم يتصدون لصفحات الغدر الغاشمة وتبين أن مذبحة حلبجة لا صلة للعراق بها من قريب أو من بعيد باعتبار عدم امتلاكه للغاز القاتل المستخدم فيها والذي اتضح أنه لا تمتلكه سوى إيران جار السوء على الدوام.

وتأبى الحقائق إلا أن تزداد تدفقا لتدحض عن صدام حسين الإنسان والظاهرة؛ وعن حزبه ونظامه وبلده وأمته كل ما ادعاه أعداؤهم.

فهاهم الأمريكان - وهم أكبر من يقع عليه وزر قرار غزو العراق الآثم - يتدافعون اليوم في حملاتهم الانتخابية ديمقراطيين وجمهوريين للتبرئ من فعلتهم النكراء؛ ويصوب كل فريق منهم التهم للآخر بالتسبب في تمزيق العراق واغتيال قادته وتصفيتهم دون موجب حق؛ للحد الذي ذهب فيه أحد المرشحين للرئاسيات ترامب لاعتبار اغتيال صدام حسين وصمة عار في تاريخ الأمة الأمريكية تماما كما غزو العراق.

وها هي بريطانيا الشريك الأبرز في الجريمة غير المسبوقة بحق العراق والعرب والعروبة؛ تفيق منذ بضعة أشهر على تقرير صادم هز ضمير أحرارها وحصرها في الزاوية بعد أن أقر القاضي تشيلكوت ببطلان كل تبريرات غزو العراق التي قدمها المجرم الإرهابي توني بلير؛ وانسحاب ذلك على كل مخلفات الغزو بما فيها حتما فاجعة اغتيال صدام حسين فجر عيد الأضحى قبل عقد من الزمن.

إن اغتيال صدام حسين؛ حدث جلل بكل المقاييس لا مبرر للأحرار أن يسقطوه من الذاكرة ولا يكفوا عن المطالبة بالثأر له من كل من تورط في ذلك الفعل الإجرامي الخسيس والمشين؛ حيث لم يبق لمن دافعوا للؤم وانحراف فيهم عن تلك الطعنة الغادرة التي غيبت ثائرا قاتل الامبريالية والأطماع الاستعمارية والنزوات الرأسمالية المتوحشة والصلف الصهيوني والحقد الصفوي على جبهات عدة ولأكثر من ثلاثة عقود كاملة من الزمن؛ ولم يعد لهم من مجال لتبرير ما لا مجال للقبول بتبريره مستقبلا خصوصا بعد تقرير تشيلكوت وتصريحات كبار مسؤولي أمريكا؛ وهي التي ستتابع مستقبلا لتزيد من تأكيد الحقيقة القبيحة للطغمة الاستعمارية المتغطرسة وتزيد في المقابل من الإقرار والاعتراف بمناقب صدام حسين إنسانا وبشرعية مواقفه ونبل رسالته بعثيا قوميا عربيا وسياسيا متصديا لجحافل الأعادي وقائدا مغوارا شجاعا أصيلا.

فكيف بعد هذا لا نحيي ذكرى اغتياله في كل عيد؟؟
وكيف بعدئذ نسأل عن سبب استذكارنا لوقفة العز والشموخ الخالدة وتدبر مقاصدها؟
أليس الأجدر أن يطرح السؤال بشكل آخر: متى وكيف نحتفي بالرجل الرجل حق الاحتفاء؟؟

أنيس الهمامي
لجنة نبض العروبة المجاهدة للثقافة والإعلام
تونس / فجر عيد الأضحى عام ٢٠١٦ م





الثلاثاء ١١ ذو الحجــة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / أيلول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة