شبكة ذي قار
عـاجـل










الساحات الملتهبة في الوطن العربي، من العراق إلى سوريا، ومن اليمن إلى ليبيا، لم تعد تتوفر فيها فسحات من الأمن بكل أشكاله، السياسي منه والاقتصادي والاجتماعي والمعيشي وكل ماله علاقة بالأمن الحياتي. وباختصار الأمن الوطني برمته. فمن لم يلاحق ويستهدف بالحظر السياسي ونموذجه الصارخ قانون حظر البعث في العراق، يلاحق بالتدمير المبرمج والممنهج لكل معالم الحياة حيث تدور رحى المعارك التي لم توفر، حياً وبلدة ومدينة من بلدان الصراعات الملتهبة ساحاتها.

فمن وقف على مشهديات ما تعرضت له مدن العراق وحواضره في الأنبار بثقليها الأساسيين، الرمادي والفلوجة، وقبلها في ديالى وصلاح الدين وجرف الصخر وبغداد ومحيطها واليوم نينوى، يقف على مشهد مماثل على كل المساحة السورية، حيث تعمل آلة الحرب تدميراً وقتلاً وتهجيراً، وأخطره هذا الذي يتم حالياً من خلال إفراغ المدن والضواحي من سكانها، تحت ضغط الحصار والتجويع ووضع الناس أمام خيارين لا ثالث لهما، أما القتل بالقنابل الحارقة والبراميل المتفجرة وأما الموت جوعاً. وهذا المشهد المأسوي له مثيل في اليمن وليبيا.

إن هذا الذي تشهده هذه الساحات، تجاوز حدود ما كان مقدر لسياقات الأحداث، أن يحصل ولتقدير كان سائداً أنه مهما بلغت الصفاقة السياسية بقوى الداخل وخاصة السلطوية منها، فإنها لن تصل إلى حدود الإشراف على عملية تنفيذ مخطط التدمير البنيوي الوطني والمجتمعي، وإدارة عملية التغيير الديموغرافي للتركيب السكاني. وهي بلغت ذروة فضائحيتها بعدما أصبحت تدار صراعات هذه الساحات الملتهبة، من قبل قوى التقرير الدولي والإقليمي التي لا يهمها إلا مصالحها، ولا تتوقف كثيراً عند المعاناة الإنسانية لجماهير نزلت إلى الشارع لتطالب بالحرية وتأمين لقمة العيش، فإذا بها تدفع حياتها ثمناً، ويطاح بكل ما راكمته من تحويشة العمر. وهذا كله يتم على مرأى من المجتمع الدولي وهيئاته التي يفترض فيها أن تكون حامية لحقوق الإنسان من الانتهاكات. لكن تبين ان النص على حماية الحقوق في مكان، وتأمين المصالح في مكان آخر. وبذلك يكون الجميع في موضع الإدانة، من الدول الكبرى وعلى راسها أميركا وروسيا إلى الدول الإقليمية وعلى رأسها إيران وتركيا، إلى كل التشكيلات السياسية والأمنية التي تمسك بمفاصل سلطة باتت مرتهنة لهذه المرجعيات الدولية والإقليمية وقوى انخرطت في الصراع من موقع الضد، فإذ بها تنفذ أجندة أهداف القوى الدولية والإقليمية التي تضرب مخالبها في بنى المجتمع العربي.

وكما الحال في العراق، فإن سوريا هي تحت تأثير نفس المشهدية، مع إضافة نوعية للدول المتدخلة في الشأن السوري. وهذه النوعية تتمثل بالدور الروسي الذي تدخل بداية للحؤول دوت تهاوي النظام، فإذا به يتولى جانباً تنفيذياً من تدمير سوريا وتشريد أهلها وفرض التهجير القسري عليهم تحت عنوان التسويات والمصالحات والتي هي مشبوهة بأهدافها المرسومة لها.

وبعد روسيا، جاء التدخل التركي، الذي احتل مساحات من الشمال السوري تحت ذريعة مواجهة التمدد الكردي وللحؤول دون قيام "كيان كردي" على الحدود الجنوبية لتركيا.

من هنا فإن الكلام الذي يقال عن الدور الأميركي في العراق، كما في الدور الروسي في سوريا، لا يمكن أن يخرج عن توصيف العدوان وفق المعايير القانونية لتوصيف العدوان، وكل الكلام الذي يقال عن الدورين الإيراني والتركي في العراق وسوريا لا يخرج أيضاً عن توصيف الاحتلال، وما يترتب عليه من نتائج. وبما إن كل احتلال هو انتهاك لسيادة الأرض الوطنية، فإن الاحتلال الإيراني للعراق وسوريا كما الاحتلال التركي، هو عدوان موصوف.

وإذا كانت أدوار هذه القوى الدولية والإقليمية تنتظم في إطار منظومة ضابطة لقواعد الاشتباك وبما يضمن معالج كل منها استناداً إلى عوامل التأثير الذاتية، فإن تلاقي هذه الأدوار ضمن منظومة قواعد الاشتباك لا يرمي إلى فرض ترتيبات سياسية في كل من العراق وسوريا وفق ما تقتضيه مصالح هذه القوى وحسب، بل الهدف الأبعد هو إعادة تركيب نظام إقليمي يحاكي مصالح القوى الدولية وقوى الإقليم على حساب المصالح القومية. ولذا يبدو الحضور العربي هو الأضعف لا بل المغيب. ومن يتمشق سلاح الموقف ويقاوم هذه المنظومة الدولية الإقليمية يتعرض للمحاصرة والتضييق على أنشطته وفعاليته وصولاً إلى التصفية السياسية والجسدية. وهذا ينطبق على قوى الفعل المقاوم للاحتلال في العراق وعلى قوى الحراك الشعبي العربي التي استحضرت في حراكها عناوين المسألة الوطنية والاجتماعية.

إن المنظومة الرباعية القواعد، التي تمارس دوراً تنفيذياً في ضرب البنيان العربي، وطنياً ومجتمعياً، لن تنتهي الأمور بها عندما ما هو حاصل حالياً، بل أن الكيان الصهيوني سيكون خامسها وهو إذ يطرب للواقع العربي الحالي، ويحصد ما تفرزه النتائج السياسية للعدوان المتعدد الأطراف من أميركا وروسيا وإيران وتركيا فإنه في لحظة وضع الأسس للترتيبات السياسية لتركيب نظام إقليمي جديد، سيكون حاضراً على الطاولة أسوة بالأربعة الأخرين.

وإذا كانت تلك المواقع مهدت لحفظ مواقعها على طاولة الترتيبات من خلال العدوان المباشر والاحتلال، فإن الكيان الصهيوني سيدخل إلى مسرح العمليات العسكرية مباشرة لفرض حضوره كلاعب سياسي يريد أخذ حصته مباشرة وليس من خلال نتائج أدوار الأخرين.

إن إدخال إيران مع وتركيا في النظام الإقليمي، وبرعاية أميركية وروسية خاصة، ودولية عامة، وفرض واقع تطبيعي على الأرض، أما بالقوة وأما بتغيير التركيب الديموغرافي، هو مقدمة لتمهيد الأرض أمام استقبال دور صهيوني في إطار المنظومة الرباعية. ولهذا فإن الذين يطربون لتدخل أميركي ويصفقون لتدخل روسي ويمجدون التدخل الإيراني، وينامون على حرير التدخل التركي عليهم أن يهيئوا أنفسهم لاستقبال تدخل إسرائيلي بغير الأسلوب الذي يتم به حالياً. وعلى هذا الأساس، فإن من يعتبر نفسه أنه ضد العدو الصهيوني وتدخله المباشر وغير المباشر، فإن مصداقيته الوطنية والقومية لا تستقيم إلا إذا كان ضد أدوار منظومة المواقع الرباعية، الأميركية والروسية والإيرانية والتركية، لأنه بدون الأرضية التي أوجدتها هذه المنظومة ما كان للعدو الصهيوني أن تتوفر له فرض التدخل بسهولة.

إن المصداقية الوطنية تحكمها عادة وحدة المعايير. فالاحتلال هو احتلال، والعدوان هو عدوان، إذ ليس هناك "عدوان بزيت وعدوان بسمنة ".فالكل خطر على الأمن الوطني العربي واستطراداً الأمن القومي والعدوان الإسرائيلي الواسع قادم كي تتوج نتائجه خلاصة ما أفرزه العدوان الأميركي والروسي والإيراني والتركي، ولهذا فإنه سيكون الحلقة الأخيرة في رسم معالم ما يسمى بالشرق الأوسط الجديد.

وعليه يجب التنبه، والتعامل مع الأخطار التي تجسدها أدوار المنظومة الرباعية وخامسها"إسرائيل" والقوى المرتبطة به، باعتبارها أخطاراً داهمة، وبما يتطلب شهر سلاح الموقف لكشفها والتصدي لها بكل الإمكانات المتاحة. أن الصراع هو صراع وجود يتناول الأمة بكل مقوماتها وكل تراثها وكل منظومتها القيمية وعلى جماهير الأمة. أن تكون عند مستوى التحدي المفروض عليها. وهي أن قدمت تضحيات لإسقاط هذا المشروع وعدم تمكينه من النفاذ، فإن هذه التضحيات ستكون أقل من تلك التي ستدفع فيما لو قيض للمخطط النفاذ.





الجمعة ٣٠ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / أيلول / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة