شبكة ذي قار
عـاجـل










المقدمة :

اللاعب الدولي ليس كاللاعب الأقليمي، في حركته على المسرح السياسي والعسكري ، ولا في تخطيطه الأستراتيجي وتكتيكاته ، فضلاً عن تقدير قيمة الأهداف، كمقابل لحركته الأستراتيجية، التي يراعي فيها التوازن الدقيق غير المثقل الأعباء المالية والسياسية والتعبوية والأعتبارية .

في مفاهيم وأعراف الحركات أو بالأحرى النقلات ذات الطابع الأستراتيجي أن تأخذ منحى ( المقابل الموازن ) ، ليس في حسابات الفعل ورد الفعل بعيداً عن التخطيط ، إنما في إطار ما هو مرسوم تؤكده مفاهيم السياسة والجغرافيا والأقتصاد والسوسيلوجيا ، في الحشد والتعبئة .. حتى يكاد الأمر يتطابق مع لأعب الشطرنج، الذي يعتمد أساسًا على ( قواعد اللعبة ) أولاً، وعلى التخطيط الميداني الحقيقي وليس النظري فحسب ثانيًا، وعلى القدرات والأمكانات الممكنة والمتاحة ثالثًا، وعلى التحالفات السياسية والتخندقات العسكرية الممكنة في تسيير وتمكين الأدوات من أن تصل إلى أهدافها رابعًا، ثم إدارة الصراع السياسي في الميادين المختلفة وفي أروقة المنظمات الدولية خامسًا.

- الروس يعملون بالغموض وبأسلوب التمويه ، الذي مارسوه حين أعلنوا سحب قطعاتهم من سوريا للتمويه من أجل ( فعل آخر ) .. والأيرانيون يعملون على وفق مبدأ ( التقيه ) الذي عافوه مؤخرًا وباتوا يلعبون على المكشوف في الظروف الراهنة .. والسبب الأساس في اللعب المكشوف سياسيًا وعسكريًا ميدانيًا هو : إسنادهم من قبل روسيا ، ودعمهم من لدن أمريكا في جغرافية العراق وسوريا على وجه الخصوص والمنطقة بوجه عام .. هذا الأسناد المزدوج له مغزى استراتيجي لفعل محدد في جغرافيا محددة متفق عليها بين موسكو وواشنطن ، وإلا فمن الصعب أن تخرج إيران من ( تقيتها ) بهذه الصفاقة والعجرفة لولا الضوء الأخضر الذي تسلمته طهران من تينك العاصمتين المتصارعتين والمتنافستين على النفوذ والموارد.

- ولكن .. مخزون تجارب التاريخ وأعراف علوم السياسة، تكشف أن لا شيء دائم في ضوء واقع المصالح المتشابكة والمتقاطعة والمتناقضة .. فقد تقتضي مصالح روسيا إرخاء علاقاتها بطهران إذا ما وجدت إرتخاءً أطلسيًا مقابلاً حيال مصالحها، والعكس تمامًا يحصل .. وقد تقتضي مصالح أمريكا أعادة النظر بحساباتها مع إيران في ضوء فشل الأتفاق النووي المبرم بينها وبين ( 5+1 ) وعلى أساس خروقات طهران لهذا الأتفاق في سلوك إختباراتها الصاروخية التي تتعارض مع بنود الأتفاق فضلاً عن تمددها العسكري الفاضح خارج حدودها الأقليمية وتدخلها السافر في شؤون الدول العربية المجاورة، الذي يتعارض والقانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة .

- فيما تقوم إيران بإنشاء جيش من الطائفيين المرتزقة يتشكل من تجنيد مواطنين ( أفغان وباكستانيين وبلوش وحوثيين وعراقيين وعناصر حزب الله في الجنوب اللبناني ) ، هؤلاء أطلقت عليهم إيران جيش التحرير بقيادة جنرالها قاسم سليماني، مهمته في خارج إيران يعبث بأمن الدول العربية بدون إستثناء، كما يعبث الجهاز الأستخباري لهذا الجيش المزعوم بأمن العالم وفي المقدمة الأمن الأوربي ، بأمرة الحرس الأيراني .

 - فيما تدعي إيران أن هذا الجيش يقوده مستشارون إيرانيون، وإنها لم ترسل جيشًا أو قوات إيرانية إلى خارج حدودها .. هذا التصرف الأحمق يكشف غباء القيادة الأيرانية وعجرفتها بأمن واستقرار المنطقة والعالم .. فهل يتوافق هذا الفعل مع القانون الدولي ونظام الأمم المتحدة ؟ فأذا كان كذلك ، فأنه سيشكل سابقة خطيرة تلجأ إليها الدول لزعزعة استقرار دول أخرى عن طريق تشكيل مثل هذه الواجهات المليشية المسلحة، فيما تدعي أنها لم ترسل للقتال من قواتها المسلحة الى خارج حدودها سوى مستشارين .. ألم يكن هذا الأسلوب الغبي والوقح مهزلة المهازل التي تسكت بشأنه أمريكا وروسيا وأوربا وغيرها ؟!

أسس ومتطلبات منح التسهيلات العسكرية وأهدافها اللوجستية:

الدول العظمى والكبرى تبني علاقاتها وتؤسس لهذه العلاقات قاعدة اقتصادية يتعذر إلغائها او تفكيكها او اغفال نتائجها وعدم الاعتبار لأفرازاتها . القاعدة الاقتصادية هذه التي تنتجها السياسة قد تعزز وضعًا ستراتيجيًا مثل : منح الدولة تسهيلات عسكرية بحرية او برية او جوية، مكفولة بأتفاقات رسمية تجني الدولة منها فوائد عظيمة على المستوى الاستراتيجي .. وقد تأخذ هذه التسهيلات شكل ( تأجير ) قواعد مثل قاعدة ( إنجيرليك ) التركية التي يستخدمها الجيش الأمريكي منذ عقود من السنين .. فيما تأخذ بعض القواعد العسكرية شكل الحماية الأمنية، وهي الأخرى مكفولة بأتفاقيات قد تكون معلنة .

قاعدة ( نوجة ) في همدان الايرانية التي يستخدمها الروس جاءت بعد الاعلان عن تحالف ثلاثي مرتبك يمنح الايرانيون الروس موطئ قدم في شكل قاعدة عمليات عسكرية اضطرت طهران على منحها لمساعدة مليشياتها المندحرة على تخوم المدن السورية وريفها المقاتل وخاصة ( حلب وإدلب ) وغيرهما، حيث ( تبعد القواعد العسكرية الروسية ( 3 ) الآف كيلومترا عن سوريا، وان طائرات ( توبوليف - 22 ) تستطيع زيادة حمولتها .. من روسيا تحمل ما بين 5و8 أطنان من الذخيرة، بينما من إيران تصل الحمولة الى 22 طنا ، كما أن طائرات ( سوخوي - 34 ) لا تستطيع ان تصل الى سوريا من روسيا من دون التزود بالوقود في الجو ) .. هنا يكمن المأزق الايراني على الأرض وهو الامر الذي أرغم طهران على منح روسيا استخدام القاعدة في همدان لتسهيل عمليات مليشيات ايران في سوريا وتخفيف الخسائر الجسيمة التي تكبدها الحرس الايراني والمليشيات التابعه وعناصر حزب الله في سوريا - حيث خسرت ايران اكثر من 400 عنصر من حرسها وجنرالاتها على تخوم حلب وإدلب - فهل ان هذه القاعدة هي لتسهيل العمليات العسكرية الروسية الأيرانية المشتركة في سوريا أم أنها جاءت في إثر هزائم إيران في سوريا أم ان هذه القاعدة جاءت في إثر عزم الولايات المتحدة تعزيز قاعدة ( القيارة ) في العراق وتمكينها من قدرات لوجستية وعسكرية وصاروخية ضاربة تكرس وجود الطيران العسكري والصاروخي الأمريكي ؟

بمعنى .. هل أن الحرب الروسية في سوريا هي الدافع الرئيس للنقلة الروسية حيال قاعدة ( نوجة ) في همدان الايرانية ؟ لأن روسيا تمتلك قواعد عسكرية في سوريا ولا تحتاج لقاعدة في خارجها .. وإن الأمر يقع في مرمى ( المقابل الأستراتيجي ) الروسي - الامريكي.؟

الحركة متبادلة ومتتالية :

- طلبت طهران من موسكو زيادة فعالياتها الجوية على حلب وإدلب .. لماذا؟ لأن قطعاتها على الارض من حرس وجنرالات ومليشيات باتت في وضع بائس.!!

- موسكو طلبت من اجل تنفيذ هذا الطلب السماح لها باستخدام قاعدة ( نوجة ) العسكرية في همدان ، ووافقت ايران على هذا الطلب، الذي أثار تنفيذه ( حفيظة ) البرلمان الأيراني في صيغة سيناريو مسرحية فاضحة لأن قرار استخدام القاعدة جاء من ( علي خامنئي ) أولا وأخيرا وليس للبرلمان أي دخل في إصداره وهذه هي طبيعة النظام الديكتاتوري - الديني في طهران .

- طلبت ايران من تابعها ( العبادي ) نشر قرار طهران بمنع الطيران عبر السليمانية وأربيل من أجل السماح للطيران الحربي الروسي اختراق أجواء العراق صوب سوريا .

- وطلبت طهران ايضا من عملائها الحوثيين و ( علي عبد الله صالح ) تقديم عرض مستقبلي بمنح تسهيلات للروس في الموانئ اليمنية البحرية فضلا عن قواعد عسكرية بغية تمكين روسيا من التحكم بباب المندب وبحر العرب ولمواجهة الوجود العسكري الامريكي والبريطاني في الخليج العربي.!!

هذا التنسيق القائم بين طهران وبغداد والحوثيين في اليمن مرده ( الرغبة ) الأيرانية بالأستقواء بموسكو على حساب العرب، ومن دون موسكو وأمريكا لا تستطيع طهران أن تتمادى في رعونتها السياسية والعسكرية وتطاولها على محيطها وعلى العالم بهذه الصفاقة .

وعلى وفق ما تقدم ، يمكن وضع المؤشرات الواقعية المؤكدة، التي تضع النقلة الروسية صوب قاعدة همدان الايرانية في هذا المرمى الاستراتيجي :

أولاً - نشر حاف شمال الاطلسي الـ ( NATO ) أربع كتائب في دول أوربا الشرقية ، الأمر الذي يعزز الوجود الأطلسي في بحر البلطيق والبحر الأسود بالقرب من المجال الحيوي الـ ( الجيوبوليتيكي ) الروسي .

ثانيًا - تكثيف الناتو لحركة دورياته في تلك المنطقة المتاخمة للحدود الروسية، الأمر الذي يعده الكرملين إستفزازًا لروسيا .

ثالثًا - نشر منظومة مضادة للصواريخ البلستية ( SM - 2 ) في عدد من دول الأتحاد السوفياتي السابق وفي بحر البلطيق والبحر المتوسط.

رابعًا - تعزيز الناتو لمنظومة بطاريات صواريخ دفاع جوي عوضًا عن وحدة الـ ( باتريوت ) الألمانية التابعة لحلف الناتو، التي تم سحبها من تركيا نهاية عام 2015، وكان وجودها في إطار ( عملية السياج الفعال ) ، فضلاً عن تعزيز قاعدة حميميم السورية.

الحركة الأطلسية هذه التي لم تكن وليدة اليوم ، كانت نتاج الحركة الروسية المخطط لها في شبه جزيرة القرم الأوكرانية .. حيث عززت روسيا من وجودها العسكري في الغرب والجنوب بثلاث كتائب وخمسة أفواج تعزز من وجود الصواريخ النووية الأستراتيجية الجديدة .

خامسًا - نشر الناتو منظومة الدرع الصاروخية الأمريكية في رومانيا المزودة بصواريخ إعتراضية طراز ( Standard Missile - 3 ) .. كما نشر الناتو المنظومة ذاتها في بولندا ( المتوقع إزاء هذا الأنتشار ردًا روسيا مقابلاً أو مماثلاً أو موازيًا يتشكل في صيغة ردع مقابل.!!

هذه ليست مفاجئة ، لأن مسؤولين في موسكو أعلنوا مرات عديدة أن روسيا ستتخذ الأجراءات التكتيكية اللآزمة في حالة إقتراب البنى التحتية للناتو من الحدود الروسية .

الدول التي تنتشر على أراضيها، والتي تقدم تسهيلات عسكرية وتوافق على منح قواعد عسكرية، ستصبح هدفًا عسكريًا ستراتيجيًا للناتو.!!

- إن نشر منظومة الصواريخ للناتو في أوربا من الناحية العملياتية سوف لن يعيق أو يسقط الصواريخ الروسية العابرة للقارات .. فيما تعلن روسيا ، إن قوات الناتو باتت بالقرب من حدودنها تتزايد ، وهذا الأمر يتطلب الرد المناسب .. ولكن كيف .. ؟!

- إستمرار إنتشار السفن الحربية الأمريكية ( إيجنز ) المتعددة المهام في شرق البحر الابيض المتوسط.

- استقرار الفرقة الامريكية المجوقلة ( 101 ) الأستراتيجية في قاعدة ( القيارة ) والتي جهزت بأحدث الاسلحة والتجهيزات العسكرية .. وإن عدد منتسبي هذه القاعدة يقدر بـ ( 4647 ) عسكريًا مقاتلا وخبيرًا، وقد يتضاعف هذا العدد .. فضلاً عن تعزيز القواعد الامريكية في ( عين الأسد ) في الأنبار وبلد في صلاح الدين.

شكل العلاقة بين موسكو وطهران :

التوصيف المؤكد الذي تشير إليه العلاقة بين موسكو وطهران ليس كحليف ستراتيجي إنما توافق إستراتيجي بصيغة تابع .. وإن موازين القوة مختلة تمامًا لصالح موسكو .. والتاريخ الروسي – الايراني يشير هو الآخر إلى منازعات حربية وخاصة حين حصل الاتحاد السوفياتي على تنازلات مع بريطانيا تتعلق بامدادات ثابتة للنفط انسحب الاتحاد السوفياتي من الاراضي الايرانية عام 1946 .. والمعنى ، أن المصالح هي التي تقرر العلاقات بين موسكو وطهران .. حيث نجد أن إيران ( تستغل ) روسيا ، وروسيا ( تستخدم ) ايران ليس في الهيمنة على العراق فحسب إنما للتمدد في المنطقة لأغراض تغيير خرائطها .. فهل أن تغيير خرائط المنطقة هدفًا أمريكيًا - روسيًا مشتركاً ؟!

وليس غريبًا، أن الدولة الفارسية الراهنة لا تؤمن بثوابت ( الجغرافيا - السياسية ) ، إنما تؤمن بالقفز فوق هذه الثوابت والتمدد خارج هذه الجغرافيا دون أي إعتبار للنظام الدولي المراد له أن يتهشم تدريجيًا لكي يصار إلى بناء نظام دولي جديد تتفكك فيه دول وأخرى تتفسخ وتظهر دويلات قد تكون غير قابلة للحياة .!!

كل دول العالم تلتزم بجغرافيتها السياسية على نحو تحكمه حقائق التاريخ والعلاقات الدولية التي تؤكد أولوية الأمن والسلم الدوليين ، إلا امريكا وايران و ( إسرائيل ) وحاليًا روسيا .. هذه الدول هي خارجة عن القانون الدولي وتتصرف على اساس القفز فوق الثوابت والأنسياح نحو جغرافيات سياسية اخرى في صيغة حروب وتدخلات لا يقرها القانون والعالم :

- أمريكا تشن حروبها الأمبريالية وتحتل دول وتستعمرها ، مثل العراق وافغانستان.

- إيران تشن حروبها الطائفية الأستيطانية وتحتل أراضي العراق والجزر العربية في الخليج العربي .

- ( إسرائيل ) تشن حروبها العنصرية الأستيطانية ، وتحتل أراضي دولا عربية .

- روسيا تشن حروبها النفعية الأستراتيجية ، وتفتش عن مناطق للنفوذ والسيطرة .

فاين القانون الدولي .. وأين ميثاق الأمم المتحدة .. وأين المجتمع الدولي، وأين شعوب العالم الحر من كل هذه الأنتهاكات ؟!

هذه المسح لحركة الدولتين العظميين وحركة دول إقليمية تنتهك ثوابت الجغرافيات السياسية الشرعية التي يقرها القانون والنظام الدولي .. يضع كافة الدول والحركات السياسية في العالم التي تعتز بقيمها واستقلالها وسيادتها أمام مسؤولياتها الواقعية والتاريخية، من أجل منع هذه الأنتهاكات التي تجري علانية على أرض العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين والسعودية والكويت وباقي دول الخليج والمغرب العربي، والعمل من أجل إرساء نظام يخلوا من التدخلات وشن الحروب وتهجير ملايين البشر دون عقاب جماعي رادع .. أنه امتحان للأرادة الدولية في زمن تسود فيه شريعة الغاب.!!





السبت ٢٤ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٧ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة