شبكة ذي قار
عـاجـل










فاجأت السّلطات الفارسيّة الصّفويّة العالم بقرار تشكيل جيش وهو ميليشيّا طائفيّة إرهابيّة صريحة جديدة وهو ما يسمّى بــ " جيش التّحرير الشّيعيّ " وحدّدت مهامّه والفضاءات الجغرافيّة التي سينشط فيها بالاستناد على مهامّه كما فصّلت تشكيلته وقيادته تفصيلا دقيقا.

ويأتي هذا القرار في إطار استراتيجيّ حسّاس ومعقّد، كما يعبّر عن مدى التّنسيق المكثّف بين الفرس وبين القوى الامبرياليّة والصّهيونيّة العالميّة المسيطرة على العالم وكيان الشّرّ والرّذيلة إسرائيل الشّرقيّة، إذ يستحيل إقدام السّلطات الفارسيّة الصّفويّة على مثل هذه الخطوة لولا اطمئنانها لقبول تلك الدّوائر وعلى رأسها الولايات المتّحدة بها ناهيك عن ترسّخ تحالفها مع الامبرياليّة الرّوسيّة الصّاعدة. فلم ينشأ ذلك القرار بمحض الصّدفة ولم يأت من فراغ ولا هو بمعزل عن تخطيط مسبق مدروس بعناية فائقة تحيّن القائمون عليه ورٌعاته الفرصةَ السّانحة للمجاهرة به على رؤوس الأشهاد، ويتعزّز هذا الزّعم من خلال تتالي الأحداث وتصاعد السّياسات الإيرانيّة خصوصا بعد الحدث الجيوبوليتكيّ الأهمّ الذي افتتح القرن الحادي والعشرين ألا وهو غزو العراق وتدميره وتسليمه بعد ثمانية أعوام من قبل الولايات المتّحدة الأمريكيّة لإسرائيل الشّرقيّة وذلك بالنّظر لما كان يمثّله العراق الوطنيّ المستقلّ القوميّ العربيّ من حاجز صدّ طبيعيّ قويّ ورادع واعي ومسؤول يتكفّل بدفع الجار المتآمر المسكون بالأحقاد والثّارات للانكفاء على الدّاخل بعدما أفلح في ردّ عدوانه الجائر طيلة حرب السّنوات الثّماني، حيث مكّن غزو العراق إسرائيل الشّرقيّة من تصفية خصم لطالما أعاق أحلامها التّوسّعيّة الاستيطانيّة العنصريّة الشّعوبيّة، واستغلّت كلّ ذلك فضلا عن عرى صلاتها الوثيقة بالغرب والولايات المتّحدة تحديدا تلك التي صدّع الخميني المقبور وأعوانه ومساعدوه الإرهابيّون آذان العالم بـسخافة " الشّيطان الأكبر " وعلاقاتها السّرّية مع الكيان الصّهيونيّ المجرم لتنطلق في تعويض ما فاتها طيلة استبسال العراق الوطنيّ في كبح جماحها فيه.

لم تنتظر إسرائيل الشّرقيّة طويلا لتباشر سياسات انتقامها من العراق وشعبه وحضاراته وتاريخه، وتمكّنت عبر أحزابها الطّائفيّة المرتبطة بها ارتباطا عضويّا والمنضبطة لها انضباطا لا لبس فيه من إفساد كلّ معالم الحياة في العراق واستكملت ما عجز الاحتلال الأمريكيّ على تحقيقه.

إنّ الإعلان عن تأسيس هذا الجيش الطّائفيّ الفارسيّ الصّفويّ لم يزد في طيّاته عن مرور إسرائيل الشّرقيّة بالسّرعة القصوى من سياسة التّقيّة إلى سياسة المجاهرة بما في جعبتها من مكائد ودسائس ومؤامرات، وسياسة التّقيّة سياسة متوارثة ومنهج مؤكّد في الثّقافة الفارسيّة تلوذ بها إسرائيل الشّرقيّة في سنوات ضعفها وتردّيها وتقهقرها أو عجزها عن مجاراة الآخرين في شتّى الأمور، وهي – أي التّقيّة – المسلك الذي سلكته إيران الفارسيّة الخمينيّة في العقود الثّلاثة الأخيرة من القرن العشرين، واكتفت بأسلوب المخاتلة والمخاوزة لتنشئ أحزابا وميليشيّات في عدد من الأقطار العربيّة وخصوصا في لبنان والعراق. فما حزب الله أو حزب الدّعوة مثلا إلاّ طلائع لهذا الجيش الطّائفيّ المعلن عنه اليوم، وما الجرائم المفزعة والأعمال الإرهابيّة الشّنيعة التي نفّذاها طيلة عقود إلاّ من ثنايا المهامّ الموكولة لهذا الجيش مستقبلا.

وليس الخطر كلّه في ملابسات تشكيل هذا الذّراع العسكريّ الطّائفيّ ذي النّزعة الإجراميّة فقط، ولكن لعلّ أخطر ما فيه هو ما قدّمت به إسرائيل الشّرقيّة مهامّ أداة بطشها المستوفاة المعالم لا حديثة التّشكيل كما يعتقد البعض، إذ عبّر كبار جنرالات الحرب الفرس بتفاخر ساديّ وزهوّ مقزّز على أنّ هذا الجيش سيضمن الدّفاع عن مصالح إسرائيل الشّرقيّة في أيّ مكان في العالم.

ولكن أيّ عالم يتقصّده هؤلاء الأراذل في الواقع؟
إنّه لا يجب أن يغيب عن ذهن أيّ متابع للشّأن الفارسيّ الصّفويّ كبيره وصغيره حقيقة الحقد الشّعوبيّ العنصريّ الثّابت في سياسات الفرس ومخطّطاتهم تجاه العرب والعرب حصرا وتحديدا، إذ وبإلقاء نظرة سريعة على طبيعة الحياة في إسرائيل الشّرقيّة على امتداد التّاريخ سنجد أنّها كيان متعدّد القوميّات يتشكّل من ستّ قوميّات كبرى لا تفاوت ولا اختلال كبير فيما بينها من حيث العدد، ولكن تسيطر القوميّة الفارسيّة على غيرها من القوميّات الأخرى وهي خصوصا الأذربيجينيّة والكرديّة والبلوشستيّة والتّركمانيّة والعربيّة في الأحواز وتمثّل قوسا جاذبا لها وذلك بإشاعة مزاج من الخوف في الشّعوب الإيرانيّة من خطر داهم عليها مهدّد لها كما تحرص حرصا شديدا على تصوير مأتاه أساسا من الجهة الغربيّة أي من الفضاء العربيّ رغم خلوّ التّاريخ من تسجيل حالة اعتداء عربيّة واحدة على الهضبة الإيرانيّة المجاورة بل لم يكن التّفاعل خصوصا في الاتّجاه العربيّ نحو إسرائيل الشّرقيّة إلاّ حضاريّا باعتبار التّفوّق العربيّ الغالب على التمّازج الحضاريّ بين الفرس والعرب على مرّ العصور وهو ما يدركه الفرس جيّدا ويتعمّق فيهم بسببه الشّعور بالدّونيّة الحضاريّة الأبديّة تجاه العرب، وخلق مركّب النّقص هذا مولّدا مهمّا لبغض الفرس للعرب وتآمرهم عليهم وإبرام التّحالفات سرّا وعلانيّة حسبما تتيحه الظّروف مع كلّ المتربّصين بالعرب شرّا، هذا ويتوجّب التّأكيد في هذا الصّدد، أنّ الفرس خصّوا العرب دوما بسلسلة اعتداءاتهم البربريّة الوحشيّة، بينما يندر أن مارسوا مثل تلك الممارسات على غير العرب من بقيّة الجيران سواء كانوا أتراكا أو أفغانا أو هنودا أو أذر أو غيرهم.

وعليه فإنّه لا يعقل بل لا يمكن تفسير الحديث عن دفاع هذا الجيش الطّائفيّ الإرهابيّ عن مصالح إسرائيل الشّرقيّة في العالم على كونه - أي هذا العالم المقصود – سيتجاوز الفضاء العربيّ من المحيط إلى الخليج على عكس ما يحاول نغول إيران إنكاره، فالفرس لا يفرّقون في حساباتهم سواء التّكتيكيّة المرحليّة أو الاستراتيجيّة البعيدة بين عرب المشرق وعرب المغرب بل إنّ أطماعهم لا تقف في الشّرق باعتبار أنّ عيونهم تمتدّ لأقصى المحيط الأطلسيّ وإلاّ فبماذا سنفسّر تلك الأذرع والخلايا النّائمة في المغرب الأقصى وفي موريتانيا وحتّى الصّحراء الغربيّة التي يتكفّل الفرس بتسليحهم وتدريبهم وتطويعهم لأجنداتهم ومخطّطاتهم.؟؟

لا شكّ إذن في أنّ هذا الجيش القديم الجديد، بل لعلّ لا جديد فيه إلاّ الإعلان عنه صراحة، سيقتصر نشاطه على المجال العربيّ وذلك لاعتبارات ثلاثة رئيسيّة هي :

1- العقيدة العنصريّة الفارسيّة الصّفويّة الحاقدة على العرب وأطماع الفرس الاستعماريّة الاستيطانيّة في الوطن العربيّ لشفط ثروات العرب ولو بالقدر البسيط بما يرقى للفتات الذي تسمح لهم القوى الكبرى بمشاركتها في الكعكة العربيّة المغرية وإشباعا لثاراتهم منهم.

2- توصيات وأوامر القوى الكبرى ورغم تحالفها مع إسرائيل الشّرقيّة، لا تسمح البتّة بالتّطلّع لخارج الفضاء العربيّ باعتبار القضاء على الأمّة العربيّة واستعبادها ومزيد تمزيقها وتشظيتها مطلب امبرياليّ استعماريّ صهيونيّ قديم لا تراجع فيه، تجدّدت ملامحه بما اصطلح عليه بالشّرق الأوسط الجديد. ويشترط لتحقيقه إغراق الأمّة في الصّراعات لمذهبيّة والطّائفيّة وهي المأموريّة التي لا يقدر غير الفرس على استكمالها على أفضل وجه.

3- محدوديّة القدرات الفارسيّة الصّفويّة وتواضعها جدّا، وهو ما لا يستوي معه التّفكير في ما بعد حدود الوطن العربيّ.

لعلّنا أتينا من خلال هذه البسطة على أهمّ ملابسات الإعلان عن تأسيس هذا الجيش، وهو ما يحتّم علينا الخوض ولو بالقدر الذي رشحت به المواقف الفارسيّة المتواترة والمتعلّقة بالمسألة، والغوص في غاياته.

لا تتملّك المتابعون والمحلّلون ولا تساورهم أيّة ظنون في أنّ غايات الفرس من وراء هذا الجيش معلومة ومعروفة تتركّز خصوصا في مساعيهم لمزيد إنهاك الأمّة العربيّة باعتبارها الخصم التّاريخيّ الذي خصّته إسرائيل الشّرقيّة بمختلف ضروب العداء والحقد والكراهيّة وهو الأمر الذي سيمكّنهم لاحقا من سيطرة لا على العرب فقط بل وعلى كلّ العالم الإسلاميّ حيث يتوق الفرس لسحب الثّقل الدّينيّ والرّوحيّ وتأثيرهما ومنافعها من السّعوديّة وهو أحد أهمّ عوامل معاداة إسرائيل الشّرقيّة لها فوق معاداة كلّ العرب بعد الإطاحة بالعراق وتدميره.

فمن شأن هذا الأمر إن استقام، أن يصعّد دور إسرائيل الشّرقيّة كقوّة إقليميّة تعمل جدّيّا على الارتقاء سريعا وتحلم بتبوّئ مرتبة أعلى ولعب أدوار أهمّ من مجرّد الأدوار الإقليميّة المحدودة جغرافيّا وسياسيّا.

فالفرس يحاولون من خلال هذا القرار الجديد تثبيت حقيقة أنّهم لاعب محوريّ في الخطّة التي لا مناص منها ليستكمل المشرفون والعاملون على إنهاء إرساء معالم النّظام العالميّ الجديد الذي لن يستقرّ دون تطويع كلّ الأمم والشّعوب المارقة على قوانين الغطرسة الأمريكو – صهيونيّة وتتقدّمهم الأمّة العربيّة كرافعة لواء مقاومة هذا المخطّط الشّرّير الماكر الذي يهدّد مصير الإنسانيّة جمعاء رغم ما تتخبّط فيه أمّة العرب من مشاكل وأزمات متفاقمة، وتعرض بالتّالي إسرائيل الشّرقيّة خدماتها فترصد وتخلق كلّ ما من شأنه أن يبيد العرب فيكون هذا الجيش بما سيستند عليه من مسوّغات وتبريرات عقيمة كحماية العتبات المقدّسة وغيرها ونجدة الأقلّيات المضطهدة، سلاحا طائفيّا جديدا على درب معاودة تقسيم الأقطار العربيّة وبعث كنتونات متناثرة ومتناحرة تتصارع وفق أسس مذهبيّة متخلّفة وطائفيّة مقيتة.

إنّ هذا الجيش الفارسيّ الصّفويّ الشّعوبيّ، سيوفّر لإسرائيل الغربيّة كلّ الظّروف وسيعبّد أمامها كلّ الطّرق لتمرّ مباشرة للمطالبة بأحقّيتها هي الأخرى في إعلان كيانها الغاصب دولة يهوديّة وهو الأمر الذي استعصى على الصّهاينة المجاهرة به رغم ما تشي به كتبهم وتوصيات مؤتمراتهم وكلّ مخطّطاتهم، وبذلك تردّ إسرائيل الشّرقيّة لشقيقتها الغربيّة جميل دعمها التّسليحيّ والعسكريّ إبّان عدوانها الغادر على العراق الذي أطلقه المجرم الخميني.

ومن باب " ربّ ضارّة نافعة " فلقد أسقط قرار تأسيس هذا الجيش الشّعوبيّ الطّائفيّ في إسرائيل الشّرقيّة كلّ ما استند إليه نغول إيران من تنظيرات وخطب حماسيّة لإنكار شعوبيّتها وحقيقتها الطّائفيّة البائسة، وهو ما من شأنه أن يردّ المخدوعون لأمّتهم ردّا جميلا، أو يعرّي المدسوسين المأجورين نهائيّا وللأبد.





الاربعاء ٢١ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٤ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمّامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة