شبكة ذي قار
عـاجـل










في خريف 2011، شهد اليمن تطوراً سياسياً هاماً. تمثل في بلورة معالم حل سياسي انتقالي، استند إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني بين كافة أطراف الطيف السياسي اليمني.

هذا المشروع السياسي لم تتوفر له فرص النجاح، لأن المتضررين منه في الداخل والخارج وضعوا العصي في الدواليب، مما أعاق انطلاقته، وأعاد فتح الصراع على سياقات جديدة، خاصة بعدما خرج "جماعة الحوثي" والمجموعات المرتبطة بعلي عبد الله صالح عن الإجماع الوطني، بحيث استطاع الحوثيون اجتياح العاصمة صنعاء مستفيدين من الاختراقات في الوحدات العسكرية المرتبطة بالولاء المصلحي والعشائري بالرئيس الأسبق. وبمجرد دخول جماعة الحوثي إلى صنعاء، أعلن حكام طهران، أن إيران باتت تسيطر على أربعة عواصم عربية ومن ضمنها صنعاء. وهذه كانت إشارة إلى أن الخروج الحوثي من خيمة الإجماع الوطني كان استجابة لإرادة إيرانية، بعدما وجد النظام الإيراني، أن الحل السياسي سيفقده ورقة كان يراهن عليها لإثبات دوره وحضوره في ترتيبات الحلول للأزمات المتفجرة، والتي من خلالها يقدم نفسه بأنه لاعب إقليمي لا تستقيم الحلول بدونه.

وبالعودة إلى أيلول 2014، عندما فرضت القوى الميليشياوية وتلك المرتبطة بصالح ما سمي باتفاق السلم والشراكة، بدأت القوى المرتبطة بمركز التوجيه والتحكم الإيراني تتعامل مع هذا الاتفاق والذي هو أقرب إلى اتفاق الأذعان بأنه الأساس السياسي لأي حل للصراع المتفجر في اليمن. لكن المفاجأة لم تكن باستعادة التأثير الإيراني عبر جماعة الحوثيين وصالح على مجرى الأحداث بعد اتفاق الأذعان، بل كان في الدور الملتبس للأمم المتحدة في تعاطيها مع الملف اليمني.

هذا الدور الملتبس برز من خلال الطريقة التي أدارت بها الأمم المتحدة الملف اليمني خاصة بعد صدور القرار 2216، والمستند في حيثياته وبنوده إلى المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني. وعلى مدى أشهر فإن الأمم المتحدة لم تضع آليات تنفيذية للقرار المذكور والذي وضع تحت الفصل السابع، إلى أن وصلت الأمور إلى مستوى خرج فيه الوضع اليمني عن السيطرة بعدما تمدد المنقضين على الشرعية إلى محافظات الجنوب. وكان ذلك بمثابة أشعار بأن الوجود الإيراني بات على منافذ باب المندب، وهذا ما كان سبباً لإطلاق "عاصفة الحزم" التي مضى على انطلاقتها ما يزيد عن سنة ونصف، استطاعت خلالها أن تعيد كافة محافظات الجنوب إلى كنف الشرعية الوطنية وتخوض قتالاً في الشمال والوسط لأنهاء ظاهرة التمرد.

وإذا كانت عملية إسقاط ظاهرة التمرد قد واجهت تعثراً فلأسباب بعضها لوجستي عسكري، وبعض آخر سياسي، في الأسباب اللوجستية، ان قوى الدور العربي في اليمن لم تؤمن قوى عسكرية ميدانية قادرة على الإمساك بالأرض بالتوازي والتلاءم مع القوة النارية لسلاح الجو. وهذا ما أعطى لجماعة الحوثيين وصالح ميزة المناورة على الأرض مستفيدين من الدعم المتواصل فضلاً عن امتدادات قبلية، والاختراقات التي مثلتها "القاعدة" ومشتقاتها والتي كانت بما تقوم بها وخاصة في الجنوب يشكل رديفاً موضوعياً للمنقضين على الشرعية.

أما في الجانب السياسي، فإن المواقف السياسية التي أعلنت دعمها وإسنادها لمبادرة الحل السياسي والقرار الدولي لم تترجم بخطوات عملية. بدءاً من عدم توفير تغطية عربية قوية للبعد السياسي الذي مثلته عاصفة الحزم والموقف المصري نموذجاً، ولا الموقف الدولي المستند إلى القرار الدولي بدا جدياً في وضع آليات تنفيذية لهذا القرار. وابرز تعبير عن ميوعة الموقف الدولي هو الذي تمثل بإدارة ممثل الأمين العام للأمم المتحدة للمفاوضات في الكويت والتي على مدى أربعة أشهر لم تسفر عن أية خطوات إجرائية لوضع القرار الدولي على سكة الحل.

هذه المفاوضات التي كانت تجري بإشراف الأمم المتحدة، توقفت بداية آب. ومع توقفها أعلن عن تشكيل مجلس سياسي موزع مناصفة بين جماعة صالح والحوثيين، ومنح لنفسه صلاحية إدارة البلاد "كسلطة شرعية".

لكن المفارقة ليست في هذا الإعلان، فهو سياق طبيعي لمن سار في اتجاه ضرب الشرعية والانقضاض عليها .بل المفارقة، هو إطفاء شرعية مزعومة على هذا المجلس عبر اجتماع احتفالي لمجلس النواب وبحضور رئيس مجلس القضاء الأعلى وممثل الأمم المتحدة ومندوبين عن روسيا والنظام الإيراني والنظام السوري.

وهذه المفارقة هي الدلالة السياسية الأهم ، والمشهد القاطع فيها حضور التمثيل الدولي.

إن حضور سفراء النظامين الإيراني والسوري وروسيا ليس مفاجئة، باعتبار أن الثلاثة باتوا في حلف مباشر بدءاً من سوريا وانتهاء باليمن. لكن أن يحضر مندوب الأمم المتحدة، فهذا يعني أن الأمم المتحدة، لم تكن وسيطاً شريفاً، بل طرفاً منحازاً للمنقضين على الشرعية وعلى القرار الدولي. وهذا الحضور الدولي لم يكن دون إجازة ضمنية من الدول الكبرى في مجلس الأمن وخاصة أميركا. فهذه الأخيرة التي تروج لعمل عسكري مشترك مع روسيا ضد التشكيلات العسكرية المعارضة في حلب، تؤدي نفس الدور في اليمن لكن في الإطار السياسي وتحت المعطف الروسي.

إن هذا جرى في صنعاء خلال الأيام الأخيرة يبين أن الحراك الشعبي ليس مندرجاً ضمن نظرية المؤامرة، وان المؤامرة هي على هذا الحراك. ولو لم يكن هذا الحراك الشعبي هو ذو أبعاد إيجابية ويصب في مصلحة الجماهير العربية، لما كان حصل الانقضاض عليه وفرض العسكرة على سياقاته، ولما كانت اتضحت خيوط اللعبة السياسية التي باتت القوى الدولية تمسك بناصيتها.

وعليه، فإن الرد على ما حصل في صنعاء وما يروج لحصوله في سوريا وما ينفذ في العراق، إنما يفرض على الأمة وقواها الوطنية، أن تبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وعلى قاعدة الفرز السياسي الواضح بين الحلف الذي يقود معركة تدمير البنيان الوطني العربي بدءاً من العراق والى سوريا واليمن وليبيا، وصول إلى فرض واقع سياسي يخدم المشروع المعادي الذي يستهدف الأمن القومي العربي بكل عناوينه ومضامينه. هذا المشروع الذي أسس له التحالف الصهيو-استعماري ينضم إليه اليوم نظام الملالي في طهران ويحظى بالتغطية الدولية التي تضع في سلم أولوياتها "أمن إسرائيل" و"أمن النفط".

لذلك، أن الرد على هذا المشروع، هو توحيد القوى المعارضة والمعترضة عليه، وتوفير التغطية السياسية والإسناد المادي للقوى الجذرية التي تحل لواء المشروع القومي العربي التحرري حيث تشكل المقاومة الوطنية العراقية الركيزة الأساسية فيها. فمن العراق انطلق المشروع المعادي لضرب الأمة ومشروعها النهضوي، ومن العراق ينطلق المشروع المسقط لكل مفاعيل مشروع التحالف المعادي بكل مرتكزاته الإقليمية والدولية.
في العراق هناك مقاومة وفي سوريا معارضة تقاوم وهي غير تلك التي أفرزتها أقبية المخابرات الدولية ونظم الاستبداد وفي اليمن يجب الاعتماد على الذات وتطوير التشكيلات العسكرية التي تستطيع الإمساك بالأرض، وهذا الصراع سيبقى مفتوحاً، لأنه صراع على مستقبل الأمة ومصيرها ،والمراهنة هي دائماً على القوى التي لها مصلحة في التغيير والتحرير، ومن يستقوي على أمته وجماهيره بقوى أجنبية ولو بمظلة دولية يستطيع أن يربح معركة عسكرية، لكنه لن يستطيع أن يربح صراعاً طويلاً، لأن الأنظمة تتغير والجماهيرهي الثابت التاريخي والأمة العربية هي ثابت تاريخي، وكل من يصور نفسه أنه بإمكانه اجتياحها وتغيير معالم هويتها عليه أن يعود إلى التاريخ، وأن يقرأ في كتاب الحاضر ،كتاب سفر المقاومة الوطنية في العراق كما في فلسطين والجزائر وقادم الأيام سيثبت ذلك.





الثلاثاء ١٣ ذو القعــدة ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة