شبكة ذي قار
عـاجـل










في وقت يشتد فيه الصخب السياسي والإعلامي حول عملية عسكرية لإخراج "داعش" من الموصل، أقدم المجلس النيابي المتشكل في سياقات العملية السياسية التي أفرزها الاحتلال الأميركي، وتستقر اليوم تحت الهيمنة الإيرانية، على اتخاذ قرار بحظر حزب البعث وتحت أي مسمى.

هذا القرار الذي اتخذه المجلس بسرعة قياسية، كان صدوره متوقعاً، إنفاذاً للبيان السياسي لحكومة العبادي منذ سنتين، واستكمالاً لقرار الحاكم الأميركي بريمر باجتثاث البعث في أول إجراء اتخذه يوم أنيطت به الصلاحيات التشريعية والتنفيذية كممثل لسلطة الاحتلال.

ومن يواكب مقدمات هذا القرار والأبعاد السياسية الكامنة وراءه، لا يستغرب صدوره وفي هذا الوقت بالذات حيث تدخل خطة ضرب وحدة العراق الوطنية ونزع هويته القومية مرحلة جديدة في ضوء وضوح ملامح الموقف الأميركي الذي يستند إلى "مشروع بايدن" التقسيمي، واستفحال التغول الإيراني الذي يستعجل الخطوات لأحداث تغيير في التركيب الديموغرافي لشعب العراق، كما يستعجل إعادة تركيب المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية بما يلاءم استراتيجية المشروع الإيراني الهادف إلى قضم العراق والاستيلاء على مقدراته.

وإن يأتي القرار في وقت اتخذت فيه حكومة العبادي قراراً قضى باعتبار ما يسمى "بالحشد الشعبي" تشكيلاً عسكرياً نظامياً عبر سن قانون خاص به، فهذا لا يعدو كونه إلا استحضاراً لتشكيل ما يسمى بالحرس الثوري في إيران، والذي يعتبر القوة الضاربة للنظام، والجهاز الذي تنفذ من خلاله أجندات الأهداف في الداخل والخارج.

وأن يأتي القرار بحظر البعث في وقت تتسع فيه دائرة المعارضة الشعبية والسياسية للمنظومة الحاكمة بعدما تبين أنها منظومة تدير البلاد على قواعد المحاصصة والمحسوبية فلأن الفساد الذي طال رموز العملية السياسية لم يعد بالإمكان إخفاءه بعد تقاذف التهم بين من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن إدارة الشأن العام وحماية ثروة البلد، فإذ بهم يغرقون في الفساد حتى أذنيهم، ومع الفساد والإفساد تحول العراق إلى دولة فاشلة.

وأن تنزل الجماهير إلى الساحات والميادين في بغداد وكل مدن العراق هاتفه ضد الفساد والمفسدين وضد كل أشكال التدخل الأجنبي من أميركا إلى إيران، وتستحضر عناوين المسألة الوطنية، فهذا لم يكن ليحصل لو لا صمود الحزب وقيادته للمقاومة وفساد الأداء السلطوي بكل عناوينه السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، في نفس الوقف الذي كان استفتاء على محاولات الحاق العراق بالنظام الإيراني.

إذاً، أن قرار الخطر وفي توقيته والظروف السياسية والأمنية المحيطة به يدلل على أن الذي جرى ويجري في العراق منذ احتلاله وحتى اليوم، إنما يعيد وضع الأمور في إطار صراعي متمحور حول اتجاهين.

الاتجاه الوطني الذي تمثله قوى الفعل الوطني التي تصدت للاحتلال الأميركي وطردته، وتتصدى للاحتلال الإيراني بكل تعبيراته، وحزب البعث هو الأساس في صلب هذه القوى .

والاتجاه الثاني، هو الذي تمثله القوى التي تسللت إلى السلطة على متن دبابات الاحتلال ومتسلقة على السلم الأميركي والإيراني. هذه القوى التي مارست السلطة خلال ثلاثة عشر عاماً،بينت أن أولوياتها، هي إملاء خزائنها من ثروة الشعب، وتنفيذ أجندة أولياء الأمر عليها في واشنطن وطهران. ولم يكن يعني لها شيئاً توفير مستلزمات الأمن الوطني ولا مستلزمات الأمن الحياتي. ولهذا كان سلوكها في الاتجاه المعاكس لتطلعات الشعب ونبض الشارع. لكن رغم كل وسائط الدعم السياسي والأمني الأميركي والإيراني بدت الطغمة الحاكمة أنها تسير في خطر انحداري، وأن قوى الاتجاه الوطني الذي يمثل حزب البعث عصبها الأساسي إنما تسير في اتجاه تصاعدي رغم الظروف الصعبة التي تحيط بواقعها. وهذا أن دل على شيء، فإنما يدل على أن الخط البياني للقوى الاتجاه الوطني هو في مسار تصاعدي وأن منسوبه وحضوره ارتفعا في الوقت الذي كان فيه الحراك الشعبي يرتفع منسوبه وحضوره وصوته المدوي ضد الفساد والهيمنة الإيرانية. وهذا أشر بشكل واضح على العلاقة الطردية بين الموقف الوطني الذي يدعو لتحرير العراق وإعادة توحيده وحماية هويته القومية وبين نبض الشارع والطموح الشعبي.
وعندما يكون الموقف الوطني الذي يعتبر حزب البعث معبراً أصيلاً عنه، هو موقف الشعب الذي عايش تجربتين للحكم ،الحكم الوطني، وحكم الاحتلال ،وقارن بينهما، لا تعود الأمور تحتاج إلى كثير عناء لتحديد من هو الممثل الشرعي والوطني للشعب ومن هو منتحل صفة التمثيل الشعبي والوطني.وإذا كان صوت الشعب هو القول الفصل، فهذا الشعب قال كلمته في ميادين عاصمة العراق وكل نواحيه "بغداد حرة حرة، إيران – برا – برا".

ولهذا، فإن من يعتبر أن اجتثاث البعث وحظره بقانون يمكن أن يسقط حضوره ودوره في تخليص العراق من براثن الاحتلال ومثالب الفساد، فهذا وهم يوازي الوهم الأميركي الذي اعتبر أن قرار الاجتثاث يمكن أن يسقط دور الحزب من الحياة السياسية العراقية والأمر نفسه ينطبق على الوهم الإيراني الذي يمن النفس بأحلام أباطرة الفرس قبل الفتح العربي الإسلامي.

لقد أصدر الحاكم قراره باجتثاث البعث، لكن البعث بقي حاضراً في مقاومة، أقر بفعاليتها العدو قبل الصديق. وتعرض البعث قيادة وكوادر ومناضلين لأقسى حملة ظالمة استهدفته برموزه وعلى رأسهم الأمن العام للحزب قائد العراق ومفجر ثورته ومقاومته الرئيس صدام حسين، ومع هذا استمر البعث يقاوم الاحتلال ويكيف أوضاعه مع أقسى الظروف السياسية والأمنية. فالبعث لم ترهبه الاغتيالات ولا الاعتقالات ولا الإخفاء القسري، وأن يبلغ عدد شهدائه 160000 الف شهيد ويبقى حاضراً في الساحة والميدان وعلى مستوى الموقف والأداء، فهذا ليس إلا تأكيداً بأنه حزب منبثق من إرادة شعبية، وطالما هذه الإرادة موجودة فالبعث سيبقى موجوداً ولن تستطيع الغاء حضوره قرارات إدارية أو تشريعية مزيفة.

إن حزب البعث لن يلغى من الحياة الشعبية لأنه لم يشكل بقرار سلطوي، يذهب بذهاب السلطة ويبقى ببقائها وأثبت هذا قولاً وفعلاً.

وحزب البعث لم يستمد مشروعيته من قانون مشرع أو من قرار إداري بل استمد مشروعيته من مسيرة نضالية. وطالما هذه النضالية قائمة، فستبقى مشروعية قائمة "بقانون الحظر" أو بدونه.

لقد أثبتت سياقات الأحداث ومنذ كان البعث ممسكاً بمفاصل السلطة، إلى قيادته للمقاومة، أنه بقي حاضراً وقوياً، لأنه حالة لصيقة بالشعب، وطالما الشعب باقٍ، فالبعث باقٍ. وولهذا فإن البعث كما كان وما يزال، سيبقى صمام الأمان لوحدة شعب العراق، والمعبر الأصيل عن هويته القومية. ومن يريد النيل من البعث إنما يريد النيل من وحدة العراق أرضاً وشعباً ومؤسسات. ومن يريد النيل من البعث، إنما يريد النيل من عروبة العراق، ومن يريد النيل من البعث، إنما يريد النيل من دور العراق القومي ورسالته الإنسانية.

وإذا كان من يظن أنه يستطيع النيل من شعب العراق وعروبته، عبر النيل من البعث، فإن وحدة العراق دُفعت أنهار من الدماء لصون حياضها ،واما عروبة العراق، فهي عنوان تعريفه، وهو بالتالي ليس مجهول الهوية كي تفرض عليه هوية الأمركة والفرسنة.وعليه، فإن العراق الذي مر بظروف قاسية سيبقى شعبه مشدوداً الى وحدته ومعرفاً بعروبته، وسيبقى محافظاً على معدنه الأصيل، ولن تستطيع الرياح العاتية الصفراء اقتلاع جذوره. فجذوره ضاربة في عمق التاريخ العربي وفي عمق التاريخ الرسالي، وحزب البعث ليس إلا معبراً عن حقيقة هذا الجذور التاريخية، وبالتالي محال حظره، لأن الشعب لا يحظر عليه، ومحال اجتثاثه لأن الشعب لا يجتث، وكفى الإنسانية نيروناً واحداً حين قيل له ان الشعب يتظاهر ضدك اجاب فلنغير الشعب فهل باستطاعتهم ان يغيروا شعب العراق؟؟





الاربعاء ٣٠ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة