شبكة ذي قار
عـاجـل










من لا يربط بين النتائج ومسبباتها لا يفشل فقط في تقديم قراءة مقنعة للاحداث بل يضع نفسه في دائرة الجهل المتعمد أو الجهل الشخصي الفعلي . ما جرى ويجري في العراق منذ عام ١٩٩١ لحد اليوم سببه السلوك العدواني الناتج عن نوايا مبيته للولايات المتحدة الامريكية ومن تشارك معه طبقا لنوع المصلحة التي قصدها ضد العراق ونظام الحكم الذي كان يقود العراق على وفق العقيدة الوطنية والقومية لحزب البعث العربي الأشتراكي .

فالولايات المتحدة وشركاءها من لوبيات ومافيات ومؤسسات الصهيونية والنظام الايراني المتستر بعباءة مهلهلة مزيفة للدين حين قررت غزو العراق وأحتلاله لا بد وبديهي أن تضع خططا لمرحلة ما بعد الغزو والاحتلال وتقويض مؤسسات الدولة العراقية كلها وخاصة الأمنية. ومن بين ذلك منظومة الأمن التي تحمي قوات الاحتلال وشركاءها القادمين تحت مظلتها وتحمي المنظومة السياسية التي قررت طرحها كبديل للنظام الوطني المذبوح وأمن البلاد برمتها .

أجد نفسي كعراقي غير قادر على هضم فكرة ان الامريكان يتعمدون هذه الفوضى الامنية وان الادعاء بما سمي بالفوضى الخلاقة ان هو الا تبرير لفشل القوات الغازية في حفظ أمنها وفي حفظ أمن موظفيها من المرتزقة الذين تعاقدت معهم في مؤتمر لندن ليستلموا واجهة السلطة المدنية التي تدير كل خيوطها وشباكها وحبالها الادارة الامريكية وشركاءها. ولا أجد نفسي مقتنعا ان الامريكان يتعمدون نشر القتل والتدمير والبغضاء لتحقيق مشروع تقسيم العراق بل ان هذا التوجه الامريكي القائم عمليا الان ان هو الا تعبير عن فشل الامريكا في ضبط الامن وفي السيطرة على الشعب العراقي فلجأوا الى أعتماد تكتيكات خبيثة مخابراتية أجرامية للانتقام من الشعب العراقي لأنه لم يخضع لسلطة الاحتلال ولانه قاومها بشراسة وأثخن جسدها بجراح عميقة ونافذة .

لقد كان بوسع أميركا أن تؤسس الأقاليم في العراق في الشهر الأول لدخولها المشؤوم وان تسلم سلطتها لضباع الديوثية من كل الأطراف التي لم تجد حرجا وطنيا ولا دينيا ولا أخلاقيا من العمل تحت سلطة الغزاة. ولكونها لم تفعل ذلك لكي لا تكون هي المدانة في تمزيق العراق المحتل فانها ضمنت الاقاليم في الدستور لتترك أمر تطبيقها مثله مثل الغاء بعض فقرات الدستور ومثله مثل انتهاج سياسة المحاصصة الطائفية وغيرها من التوجهات والوسائل التي هي في حقيقتها هروب الجبان الخبيث اللئيم ليترك اللائمة تقع على شركاءه ووضع هؤلاء الشركاء في وسط حقول الغام التعايش معها وتفجيرها كلاهما مهلكان على حد سواء.

لقد فجرت مقاومة شعبنا للغزو والاحتلال ولعمليته السياسية الغارقة بالاجرام كل توقعات وحدس الامريكان وعرت زيف وكذب وتضليل شركاء مؤتمر لندن من حملة الجنسية العراقية كاحمد الجلبي وعلاوي والدعوة والمجلس والحزب الاسلامي والباججي وغيرهم من ان شعب العراق كله ينتظر لحظة الخلاص من نظامه الوطني وان شعبنا سيتعاون مع الغزاة وعبيدهم .

واذا أردنا وضع خط رجعة لحسابا أضافية فأن الاحتمال الاخر هو أن الاستراتيجية الامريكية قد صممت على مستويين :

الأول : هو أن يستكين العراقيون ويقبلون بالغزو وكل ترتيبات الاحتلال فتمضي الخطة في انتاج عراق خاضع سليب الارادة تابع ذليل وضعيف متهالك لا وزن له ولا تأثير على عكس عراق ما قبل الغزو تماما .

الثاني: هو أحتمال أن تحصل مقاومة تعرقل المشروع الامريكي فيتم حينها تفعيل الالغام المنصوبة في طيات الدستور وستكون مرتكزاتها جاهزة من فتن طائفية وعرقية وفساد وأرهاب بعناوين وهويات متضاربة .

لقد فشلت أميركا فشلا ذريعا في العراق من الناحية العسكرية اذ لم تتمكن من عام ٢٠٠٣ وحتى هروبها عام ٢٠١١ من ضبط النظام على كيلومتر مربع واحد من أرض العراق وأضطرارها للهرب هو ناتج الاقرار الامريكي العميق بأزمة القوات والادارة الامريكية لان الاخفاق في تحقيق الأمن كانت مردوداته الاولى خلال تلك السنوات وبالا وكوارث على الجندي والالة الامريكية . ولعل من عايش تفاصيل الأحداث يتذكر تهالك أحمد الجلبي وضباع حزب الدعوة على مسك الملف الامني في العراق والمطالبة المستمرة اعلاميا لتسليم هذا الملف الى أحزاب السلطة .

وكان لتلك المطالبات دلالات هامة أولها ان المقبور الجلبي وبدر والدعوة كانت غير مكتفية بجرائم القوات الامريكية والبريطانية والبولنية وغيرها من مخابرات الكويت والشركات الأمنية وتريد أطلاق يدها في قتل العراقيين واعتقالهم وأغتصاب أعراضهم وتهجيرهم .

ان الاجرام المتوحش الذي لم ير الكون له مثيل بعد أنسحاب أميركا من الشارع العراقي وبكل أنواعه من ابادة طائفية وحروب أصطنعت تحت ذريعة الأرهاب فتركت العراقيين يغرقون في دماءهم في ديالى وكركوك وصلاح الدين والانبار والموصل وحزام بغداد والتفجيرات الأجرامية ببغداد وباقي محافظات العراق بدون استثناء هي تعبير عن تلك النزوة والهوس الذي كانوا يعبرون عنه في مطالبتهم بأستلام الملف الأمني . لقد كان رهانهم في تحقيق الامن مبني على استخدام القوة الغاشمة والمفرطة في قتل الشعب بطرائق تقليدية وأخرى مبتكره وقد تمكنوا فعلا بحماية أمريكا ودعمها غير المحدود للاحزاب الايرانية والمليشيات تمكنوا من تحويل العراق الى جحيم وغابة للفناء الوحشي ولكنهم لم يحققوا الامن لان التقديرات الخاطئة التي قدموها لأسيادهم قبل الغزو هي ذاتها التي تعكزوا عليها في توجهاتهم وخططهم الأمنية المتمركزة على نظرية أخضاع الشعب بالقوة الغاشمة .

لقد ظن اقزام السلطة المحكومة بالاحتلال المركب أن القوة الغاشمة المفرطة هي القانون السحري لضبط الأمن وأخضاع العراقيين عن طريق الارهاب والخوف . ورغم انهم خلقوا السلطة الأكثر أرهابا وتخويفا في تاريخ العراق والمنطقة كلها الا انهم لم يفلحوا في ضبط الأمن لأن المعادلة الأمنية في العراق لا تحكمها قوة السلطة والعراقيون لا يحكمون بالنار والحديد قط بل يحكمها ضبط الثوابت الوطنية والقومية والمبادئ الأخلاقية لبلد سيد مستقل ذو عزة وكرامة ويحكمها مسار المزاج العراقي السيد الذي يعشق الحرية في وطن ينتمي لأمة سيدة حرة لها دورها الموقر أقليميا وعالميا ولها كلمتها المسموعة وتاثيرها النافذ في المنظومة العالمية ومؤسساتها .

اذن ..
لن يعود الأمن للعراق الا بزوال الأحتلال وخروج الدول الغازية وأولها ايران وبقايا أميركا وبريطانيا وسيجد من وظف وأستثمر في الحقل الطائفي نفسه معزولا ومنبوذا لأن السلاح الطائفي لا يدوم وستنفذ مأونته ان عاجلا أو اجلا وبعد أن تدفع المذهبية خسائر باهضة دون أن تحقق أيا من أهدافها الأستراتيجية المعروفة لأن العراق لا يمكن أن يحكم كهنوتيا وان دور الشرائح العراقية المثقة والواعية والنخب يتنامى كلما زاد نزف الدم في ساحة الحكم المذهبي ومعاركه المفتعلة لتحقيق مساحة زمنية أوسع نسبيا للبقاء لا غير. وسيجد المحتلون ومرتزقتهم ان الزمن والتكاليف الباهضة ليس لها من نتيجة منظورة في الافق المنظور وما يليه قليلا الا في الارتقاء بنضال الاحرار وتوحيد صفوفهم وترصين مقاومتهم المسلحة والمدنية وصولا الى ترجيح كفتهم وانجاز مهامهم في التحرير والاستقلال .





الاربعاء ٨ شــوال ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٣ / تمــوز / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب الأستاذ الدكتور كاظم عبد الحسين عباس نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة