شبكة ذي قار
عـاجـل










وهذه الحال هي التي سهلت دعوى بعض المستبدين الإلوهية على مراتب مختلفة حسب استعداد أذهان الرعية , حتى يقال إنه ما من مستبدٍّ سياسي إِلى الآن إِلاَّ ويتخذ له صفة قدسية يشارك بها اللّه , أو تعطيه مقام ذي علاقة مع اللّه , ولا أقل من أن يتخذ بطانة من خَدَمة الذين يعينونه على ظلم الناس باسم اللّه وأقل ما يعينون به الاستبداد تفريق الأمم إِلى مذاهب وشيع متعادية تقاوم بعضها بعضاً , فتتهاتر قوة الأمة ويذهب ريحها فيخلو للاستبداد ليبيض ويفرِّخ كما يقال من أجل التكاثر الغير مشروع لأنه يتعارض مع ارادة الله في أحقية الانسان بالحياة الكريمة والامنه لأنه خليفته في أرضه , فنرى الملوك ترافقهم لفظت الجلاله والرؤساء يصفهم وعاظ السلاطين بأوصاف لا تقل حنقا" من وصف الجلاله للملك ولنقل هذه هي سياسة أعداء ألامه والدين الاسلامي وهي ذاتها التي استخدمها الإنكليز في مستعمراتهم لتحقيق انقسام الأهالي على أنفسهم وإفنائهم من خلال اشاعة مفهوم بأسهم بينهم بسبب اختلافهم في قومياتهم والأديان والمذاهب ، وهنا لابد من الوقوف أمام ما اعتقده الفقهاء والباحثين الاجتماعيين عند دراستهم المجتمعات الاسلامية وغيرها وخروجهم بنظريات يعللون فيها {{ أن قيام المستبد من أمثال أبناء النبي داود عليه السلام و قسطنطين في نشر الدين بين رعاياهم , وانتصار مثل فيليب الثاني الإسباني وهنري الثامن الإنكليزي للدين حتى بتشكيل مجالس إنكيزيسيون ، وقيام الحاكم الفاطمي والسلاطين الأعاجم في الإسلام بالانتصار لغلاة الصوفية وبنائهم لهم التكايا لم يكن إِلاَّ بقصد الاستعانة بممسوخ الدين وببعض أهله المغفلين على ظلم المساكين وأعظم ما يلائم مصلحة المستبد ويؤيدها أن الناس يتلقون قواعدَه وأحكامَه بإذعان بدون بحث أَو جدال فيودون تأليف الأمة على تلقي أوامرهم بمثل ذلك ولهذا القصد عينه كثيراً ما يحاولون بناء أوامرهم أَو تفريعها على شيء من قواعد الدين ويحكمون بأن بين الاستبداديين , السياسي والديني مقارنةً لا تنفك متى وُجد أحدهما في أمة جرَّ الآخر إليه أَو متى زال زال رفيقه وإن صلح أي ضعف أحدهما صلح أي ضعف الثاني ويقولون إن شواهد ذلك كثيرة جداً لا يخلو منها زمان ولا مكان ويبرهنون على أن الدين أقوى تأثيراً من السياسة إصلاحاً وإفساداً ويمثلون بالسكسون أي الإنكليز والهولنديين والأميركيان والألمان , الذين قبلوا البروتستينية , فأثر التحرير الديني في الإصلاح السياسي والأخلاق أكثر من تأثير الحرية المطلقة السياسية في جمهور اللاتيني ,

أي الفرنسيين والطليان والإسبانيول والبرتغال ، وقد أجمع الكتاب السياسيون المدققين بالاستناد على التاريخ والاستقراء , من أن ما مِن أمة أَو عائلة أَو شخص تنطَّع في الدين أي تشدد فيه إلاَّ واختل نظام دنياه وخسر أولاه وعقباه ، والحاصل أن كل المدققين السياسيين يرون أن السياسة والدين يمشيان متكاتفين ويعتبرون أن إصلاح الدين هو أسهل وأقوى وأقرب طريق للإصلاح السياسي ، ومن هنا أن سيد الشهداء أبا الاحرار الامام الحسين عليه السلام وضع أداة التغيير بثورته الكبرى ومجريات واقعة الطف الموضع المنتج على مدار التأريخ لان التغيير الجذري للقيم التي ارتكزت على البدعه والتحريف والارتداد لابد وان يحصل بالإصلاح الواعي لمرتكز على القيم الاساسيه في حياة الاسلام والمسلمين القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفه وما قوله عليه السلام عندما اعلن الثوره {{ بأنه لم يخرج أشرا" ولا بطرا" بل خرج لإصلاح امة جده صلى الله عليه وأله وسلم }} وبقراءة لتأريخ الانظمة العالمية في غابر العصور نجد كان أول من سلك هذا المسلك ,

أي استخدم الدين في الإصلاح السياسي هم حكماء اليونان , حيث تحيَّلوا على ملوكهم المستبدين في حملهم على قبول الاشتراك في السياسة بإحيائهم عقيدة الاشتراك في الإلوهية , أخذوها عن الآشوريين ومزجوها بأساطير المصريين بصورة تخصيص العدالة بإله والحرب بإله والأمطار بإله , إلى غير ذلك من التوزيع , وجعلوا لإله الآلهة حقَّ النظارة عليهم وحق الترجيح عند وقوع الاختلاف بينهم ثم بعد تمكن هذه العقيدة في الأذهان , بما أُلبست من جلالة المظاهر وسحر البيان , سهل على أولئك الحكماء دفعهم الناس إِلى مطالبة جبابرتهم بالنزول من مقام الانفراد , وبأن تكون إِدارة الأرض كإدارة السماء ؛ فانصاع ملوكهم إلى ذلك مكرهين وهذه هي الوسيلة العظمى التي مكنت اليونان أخيراً من إقامة جمهوريات أثينا وإسبارطة ، وكذلك فعل الرومان ، وهذا الأصل لم يزل المثال القديم لأصول توزيع الإدارة في الحكومات الملكية والجمهوريات على أنواعها إِلى هذا العهد إنما هذه الوسيلة , إي التشريك فضلاً عن كونها باطلة في ذاتها , نتج عنها أخيراً ردُّ فعل أضرَّ كثيراً , وذلك أنها فتحت للمشعوذين من سائر طبقات الناس , باباً واسعاً لدعوى شيء من خصائص الإلوهية كالصفات القدسية والتصرفات الروحية , وكان قبل ذلك لا يتهجم على مثلها غيرُ أفراد من الجبابرة كنمرود إبراهيم وفرعون موسى ثم صار يدَّعيها البرهمي ولبادري والصوفي ولملائمة هذه المفسدة لطباع البشر في وجوه كثيرة , وليس بحثنا هذا محلها , انتشرت وعمت وجندت جيشاً عرمرماً يخدم المستبدين ،

وقد جاءت التوراة بالنشاط فخلصتهم من خمول الاتكال بعد أن بلغ فيهم أن يكلِّفوا الله ونبيه يقاتلان عنهم وجاءتهم بالنظام بعد فوضى الأحلام , ورفعت عقيدة التشريك مستبدلة مثلاً أسماء الآلهة المتعددة بالملائكة , ولكن لم يرضَ ملوك آل كوهين بالتوحيد فأفسدوه ، ثم جاء الإنجيل بسلسبيل البدعة والحِلْم فصادف أفئدة محروقة بنار القسوة والاستبداد وكان أيضاً مؤيداً لناموس التوحيد , ولكن لم يقوَ دعاته الأولون على تفهيم تلك الأقوام المنحطة , الذين بادروا لقبول النصرانية قبل الأمم المترقية , أن الأبوة والبنوة صفتان مجازيتان يعبَّر بهما عن معنى لا يقبله العقل إِلا تسليماً ، كمسألة القدر تلك التي ورثت الإسلامية التفلسف فيها عن أديان الهنود وأوهام اليونان ولهذا تلقت تلك الأمم الأبوة والبنوة بمعنى توالد حقيقي لأنه أقرب إِلى مداركهم البسيطة التي يصعب عليها تناول ما فوق المحسوسات , ولأنهم كانوا قد ألفوا الاعتقاد في بعض جبابرتهم الأولين أنهم أبناء الله , فكبر عليهم أن يعتقدوا في عيسى عليه السلام صفة هي دون مقام أولئك الملوك ثم لما انتشرت النصرانية ودخلها أقوام مختلفون , تلبَست ثوباً غير ثوبها , كما هو شأن سائر الأديان التي سلفتها , فتوسعت برسائل بولس ونحوها فامتزجت بأزياء وشعائر وثنية للرومان والمصريين مضافة على شعائر الإسرائيليين وأشياء من الأساطير وغيرها , وأشياء من مظاهر الملوك ونحوها وهكذا صارت النصرانية تعظِّم رجال الكهنوت إِلى درجة اعتقاد النيابة عن الله والعصمة عن الخطأ وقوة التشريع ,

ونحو ذلك مما رفضه أخيراً البروتستانت أي الراجعون في الأحكام لأصل الإنجيل ، ثم جاء الإسلام مهذِبا" لليهوديَّة والنصرانيَّة , مؤسَّساً على الحكمة والعزم , هادماً للتشريك بالكلية , ومحكِماً لقواعد الحرية السياسية المتوسطة بين الديمقراطية والأرستقراطية ، فأسَّس التوحيد ونزع كل سلطة دينية أَو تغلبيه تتحكم في النفوس أَو في الأجسام , ووضع شريعة حكمة إجمالية صالحة لكل زمان وقوم ومكان , وأوجد مدنية فطريَة سامية وأظهر للوجود حكومة كحكومة الخلفاء الراشدين التي لم يسمح الزمان بمثال لها بين البشر حتى ولم يخلفهم فيها بين المسلمين أنفسهم خلف ؛ إِلاَّ بعض شواذ كعمر بن عبد العزيز والمهتدي العباسي ونور الدين الشهيد فإن هؤلاء الخلفاء الراشدين فهموا معنى ومغزى القرآن النازل بلغتهم وعملوا به واتخذوه إماماً , فأنشئوا حكومة قضت بالتساوي حتى بينهم أنفسهم وبين فقراء الأمة في نعيم الحياة وشظفها , وأحدثوا في المسلمين عواطف أخوة وروابط هيئة اجتماعية - اشتراكية - لا تكاد توجد بين أشقاء يعيشون بإعالة أب واحد وفي حضانة أم واحدة ,

لكل منها وظيفة شخصية , ووظيفة عائلية ووظيفة قومية على أن هذا الطراز السامي من الرياسة هو الطراز النبوي المحمَّدي النقي من البدع والتحريف وفتوى التكفير التي جاء بها من اجبر على دخول الاسلام خنوعا" وليس ايمانا" عقائديا" ، وهذا القرآن الكريم مشحون بتعاليم إماتة الاستبداد وإحياء العدل والتساوي حتى في القصص منه ومن جملتها قول بلقيس , ملكة سبأ من عرب تبع , تخاطب أشراف قومها وكما أنزله الله العلي الاعلى بمحكم كتابه الكريم * يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ * قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ * قَالَتْ إِنَّ المُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ * فهذه القصة تعلِّم كيف ينبغي أن يستشير الملوك الملأ أي أشراف الرعية وأن لا يقطعوا أمراً إِلاَّ برأيهم , وتشير إِلى لزوم أن تحفظ القوة والبأس في يد الرعية , وأن يخصص الملوك بالتنفيذ فقط , وأن يكرموا بنسبة الأمر إليهم توقيراً , وتقبِّح شأن الملوك المستبدين ومن هذا الباب أيضاً ما ورد في قصة موسى عليه السلام مع فرعون في قوله تعالى* قال المَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ * يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ * ، أي قال الأشراف بعضهم لبعض ماذا رأيكم ؟ قالوا خطاباً لفرعون وهو قرارهم قَالُوا * أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيم * ثم وصف مذاكراتهم بقوله تعالى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم * أي رأيهم * بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى* أي أفضت مذاكراتهم العلنية إلى النزاع فأجروا مذاكرة سرية طبق ما يجري إلى الآن في مجالس الشورى العمومية

يتبع بالحلقة الثالثة





الاربعاء ١٧ رمضــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / حـزيران / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب زامــل عبـــد نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة