شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل :

قلنا في مقال سابق، أن القوة هي التي تفرض شروطها على الطاولة .. فكلما تمكنت القوة من فرض سطوتها واتساعها على الأرض، كلما كانت قد أختزلت أو أختصرت زمن الصراع، وعدا ذلك يسمى إستنزافًا للقوة وللقوى في آن .. وهذا وجه واحد للقوة، يظهر الآخر، كلما كثرت واتسعت دائرة الخسائر البشرية والمالية في الخارج، كلما تثير هذه الخسائر حفيظة الداخل وتسرع في الحراك المضاد .. وهي معادلة أشرنا اليها في مقال نشرته المواقع الوطنية وفي مقدمتها البصرة وذي قار المناضلتين ، بتاريخ 18/ تموز/2014 تحت عنوان " قتلى ايران في الخارج يعجل في ثورة الداخل الايراني.. كيف؟ " .

1-معادلة القوة في صيغتها أو صياغتها هي حصيلة :

أولاً- المعطيات الثابتة : التاريخ- الجغرافيا-عدد السكان-الثقافة .

ثانيًا- المعطيات المتغيرة : القدرة الأقتصادية- القدرة التكنولوجية- القدرة العسكرية .

وأي خلل في هذه التركيبة يصيب الشلل سيناريوهات التطبيق، فيما يتحاشى صانع القرار المغامرة أوالمجازفة إذا كانت قيمة الخسائر أكبر من قيمة الهدف .. بيد أن القادة الأيرانيين يختلفون عن غيرهم إلا عند النقطة الفارقة أو ما يسمى بالأختيار الصعب، عندئذٍ نجدهم يستسلمون للأمر الواقع ، واقع القوة .. فقد كان ( خميني ) يرسل الى جبهات القتال للعدوان على العراق آلآف الشباب والشيب حتى الأطفال في موجات بشرية ضخمة لأختراق جبهات العراق الحدودية، فيتساقطون كالجراد دون أن يصلوا إلى هدفهم رغم المفاتيح والأكفان وجوازات السفر عبر أضرحة آل البيت الكرام إلى الجنة، و عبر بغداد إلى القدس .. ولم يكترث خميني بالآلاف الذين قتلوا تحت شعارات الكذب والدجل .. ولكن حين كانت القوة قد فرضت نفسها بحزم حسمت الأمر وتجرع خميني السم الزعاف .. وقبول شرب السم هو نتيجة الخسائر الفادحة التي إذا زادت ستعرض نظام خميني إلى السقوط ، فأختار خميني أن يستبقي على حالة الأنتقام تحت خيمة تصدير الثورة بوسائل عسكرية غير مباشرة والمحافظة على النظام الطائفي الفاشي في طهران.. بمعنى ، أن القوة قد وضعت صانع القرار الأيراني أمام خيارين لا ثالث لهما : إما سقوط النظام الإيراني أو قبول الأستسلام للأمر الواقع ، فأختار خميني الأستسلام.

ومعادلة القوة هذه تشير، عند مراقبة القرار الايراني وكيف يتعامل بـ ( تدرج مرحلي ) ، وكيف يتعامل صانع القرار في مسائل القوة ومعطياتها الثابتة والمتغيرة، إلى الآتي :

- إن إيران تسعى إلى تغيير واقع محيطها السكاني نحو الغرب بوسائل التجريف والتوسع ( ديالى صلاح الدين والمناطق المحيطة بالحدود العراقية - الايرانية، حيث سمحت ايران واعلنتها بوقاحة قل نظيرها، أنها تستطيع بكل يسر ان تتوغل بعمق ( 40 ) كيلومترا داخل الحدود السيادية للعراق، وخاصة من جهة التخصر الجغرافي في تلك المناطق المؤشرة - ديالى، خانقين، نفط خانة - . وهنا تحاول إيران أن تزيد أو تضيف إلى جغرافيتها مساحات مخطط لها تتمدد نحو الغرب بوسائل التغيير السكاني الطائفي، على حساب السكان العرب القاطنين هناك منذ مئات السنين.

- إن إيران تستخدم الانتشار المحسوب على شكل مراحل تبعًا لسياسة - استراتيجية ذات طابع تكتيكي تتمثل بإرسالها ( مستشارين - ومن ثم متطوعين ايرانيين ومن جنسيات مختلفة، تتم تعبئتهم بطائفية التشيع الصفوي - والآن، قوات عسكرية نظامية ايرانية لتمسك الارض التي احرقتها طائرات الحرب الروسية وبراميل النظام في دمشق- . والسلوك الإيراني هذا يمثل اتجاهًا يشابه في دوافعه النهج النازي حين تبنى ما يسمى بـ ( المجال الحيوي ) على حساب دول الجوار الأوربي جميعها دون استثناء وفي مقدمتها الدولة الفرنسية.

- إن إيران تعمل على تمويل تمددها العسكري- المليشياوي- النظامي معتمدة على استحواذها على موارد المحيط الخارجي ( أرصدة نقدية وثروات نفطية ) .. فقد دعمت ( حزب الله- حسن نصر الله الأرهابي ) بمختلف الأسلحة ومنها الأسلحة الصاروخية عبر العراق، كما دعمته بأموال العراق ( خلال ولاية المالكي زود الأخير وبأمر من المرشد الأيراني "علي خامنئي"، حزب الله في الجنوب اللبناني بـ ( 19 ) مليار دولار هي أموال العراق والعراقيين ) .. فيما ينهب نفط العراق في الجنوب من قبل المليشيات الإيرانية ( بدر ، المجلس الأعلى ، العصائب ، أبو الفضل، والخراساني، وبالتالي الحشد الشعبي الطائفي ) .

2- الآن ماذا يحدث في العراق وماذا يحدث في سوريا ؟ كيف يمكن أن نرسم صورة حقيقية لما يحدث في ظل استخدامات القوة ضد الشعب في العراق وسوريا؟ ، لماذا لم تتدخل روسيا في العراق عسكريا، لماذا ؟ لأن العراق من حصة الولايات المتحدة الأمريكية وإيران .. تقاسم في المصالح وتقاسم في النفوذ والهيمنة تحت مظلة "التوافق الأستراتيجي" ، ولكن روسيا دخلت سوريا عسكريا، لأنها، ليست من حصتها كليًا، إنما من حصة إيران + نفوذ روسي له طابع ( جيو- سياسي- إقتصادي ) وله بعدٌ إستراتيجي .. لماذا سحبت روسيا بعض جيوشها وبعض طيرانها الحربي وبضع أسلحتها .. ثم ، لماذا أرسلت إيران قرابة ( 80 ) ألف عنصر من الحرس الأيراني والمليشيات الطائفية في طائرات إيرانية عبر العراق إلى سوريا؟ ، لأن الروس مشطوا الأرض بالصواريخ وقوات النظام أبادت من أبادت من المدنيين بالبراميل المتفجرة وشردت من شردت .. فمهدت الطريق للقوات الأيرانية لتمسك بالأرض .. ولكن أحداث حلب وغيرها تكشف أن الزحف الفارسي ليس في نزهة بعد التمشيط الروسي الكارثي القبيح، إنما كانت معادلة القوة بالمرصاد فأسقطت من الحرس الأيراني الكثير من القادة الأيرانيين بين قتيل وجريح فضلاً عن عديد الأسرى في قبضة فصائل مقاومة الشعب السوري.. وحين تواكبت توابيت القتلى عبر طائرات إيران من مطار دمشق إلى طهران تململ الأيرانيون في مدنهم وقراهم، الأمر الذي حدى بـ ( خامنئي ) أن يأمر بأن يكون التطوع سريًا ومن كل عائلة عنصر واحد وتوبيخ القادة المشرفين على التطوع بعدم إقتصار مكان التطوع على قرية معينة ومحاسبة هؤلاء القادة، وهم متقاعدون أصلاً وضعهم خامنئي في مقدمة الحشد الطائفي.. لماذا ؟ لأن ولي الفقيه المرشد الديكتاتور يخاف إتساع التململ الشعبي الأيراني، خاصة وإن تراكمات أكثر من خمسة وثلاثين عاماً أدخل نظام الملالي الشعوب الإيرانية في حروب طاحنة أفقدتها شبابها وثرواتها وفرصها في الأستقرار والتنمية.. فألى أين يذهب بهم نظام الملالي في خارج حدودهم الأقليمية؟ ، وما يخشاه المرشد الأعلى "خامنئي" تحديداً هو ردود فعل الشعوب الإيرانية ومنها الشعب الفارسي.

3- يقمع نظام المرشد الأعلى ( علي خامنئي ) قمعًا شديدًا ( شيعة الأحواز ) .. ويعادي نظام المرشد ( شيعة آذربيجان ) .. ويتحالف هذا النظام مع دولة أرمينيا ضد دولة باكو ( الشيعية ) .. ويقمع نظام المرشد ( الشيعة العرب- شيعة الشيخ الصرخي في العراق ) .. كما ويقمع النظام الفارسي الصفوي ( الشيعة العرب في العراق – كتيار الصرخي، وتيار مقتدى الصدر ) .. لماذا يعادي ويقمع نظام المرشد الأعلى الشيعة في الأحواز وفي آذربيجان وفي باكو وفي العراق، وفي أي مكان يوجد فيه شيعه عرب؟ لأن ، نظام ولآية الفقيه ، نظام المرشد عنصري فارسي صفوي لا يؤمن بدين ولا مذهب سوى أنه يؤمن بالقومية الفارسية العنصرية .. لذلك نراه يشن حملة عشواء على كل فرد أو مجموعة أو فئة لا تؤمن بنهجه الفارسي .. فهو نظام يمجد بالقومية الفارسية، وهي عنصرية متعالية وقامعة للشعوب التي تعيش بين ظهرانيها منذ قرون، وهي تحاول أن ( تفرس ) هذه الشعوب، بيد أن محاولاتها كلها قد باءت بالفشل الذريع، لأن الشعوب الأيرانية ما تزال تناضل في سبيل حريتها وهويتها القومية.. فالنزعة الفارسية لا تؤمن بالدين الأسلامي الحنيف، حتى أن البعض يرى في هذا النظام الذي جاء به ( خميني ) ومن وراءه يعاني من إزدواجية آيديولوجية طائفية ونزعة قومية فارسية.

4- يعتقد البعض بأن أمريكا ومن ورائها الصهيونية قد نجحت في شق وحدة المسلمين وأوصلتها إلى مرحلة التصادم العنيف والأقتتال بين ( سنة وشيعة ) ، وتعكس أفكارهم ونظرياتهم خيارات امريكا وهي تنصب على التيار الأسلامي ( المعتدل ) ، وتصنف النظام الإيران خطأً ضمن هذا التيار، فيما تضع ( التيار السلفي ) كمقابل في مطحنة التصادم، وهو الأمر الذي يخدم ( الأمن الأسرائيلي ) ، وهذه الخدمة تعكس مشتركات بين النظام الفارسي الصفوي في طهران والنظام العنصري في تل أبيب لتفتيت العرب والمسلمين على أساس خيار أمريكا للتيار الأسلامي المعتدل ( الأخوان المسلمين ) ، الذي فشل فشلاً ذريعًا، ليس في مصر فحسب إنما في العالم الأسلامي قاطبة، حتى أنه تراجع ( آيديولوجيًا ) ويحاول الآن التنصل عن خطه بفك الأرتباط بين الدين والسياسة، وإن تنظيمه لا يتعدى التنظيم السياسي كأي حزب سياسي آخر..!! ، ومع ذلك نجد أمريكا ما تزال تضع في إعتباراتها السياسية والأمنية والأستراتيجية هذا التحالف الميت مع ما يسمى بخط الأسلام السياسي المعتدل ( حزب الأخوان المسلمين ) و ( حزب الدعوة ، وهو واجهة من واجهات هذا الحزب ) .. لأن هذا الحزب يحقق لأمريكا هدفها في تمزيق الأسلام وتفتيت العرب .. وهو هدف أسرائيلي- إيراني- أمريكي مشترك.!!

بيد أن الخيار الأمريكي الفاشل، والذي عبر عنه سقوط نظام الأخوان في مصر، الذي لم يستمر أكثر من سنة أثبت فشله المطلق في قيادة مجتمع تعداده تسعين مليون نسمة تقريبًا، كما فشل وتراجع هذا التنظيم في الأردن وتونس والمغرب وليبيا وبلدان الجزيرة العربية وباقي الدول التي تظهر فيها تجمعات من هذا الحزب .. وهذا يشير بجلاء إلى أن الخيار الأمريكي الفاشل لن يستمر طويلاً، لذا نرى إيران تنكفئ نحو الداخل وتتراجع وخط الأخوان المسلمين يتقهقر ( ويغير جلده ) ، فهل ستعيد أمريكا النظر بنهجها السياسي وبخياراتها للقادم الجديد للبيت الأبيض.؟!

فسياسة القوة التي تحكم الموقف ترتبط بالقدرات والأمكانات في ضوء المعطيات الثابتة والمعطيات المتغيرة والقدرة على إنتزاع الفرصة سواء بِعَضْ الأصابع أو بلي الأذرع في الميدان .. والمؤشرات الراهنة تنبأ بضمور القوة الأيرانية في مستنقع الأستنزاف، كما تشير إلى إرهاق القوة الروسية في هذا المستنقع .. ولأن مطاولة قوة النظم تختلف عن مطاولة قوة الشعوب حين تنطلق في كفاحها المسلح .. دعونا ننتظر، ليس ذلك ببعيد.!!





الاثنين ١٦ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٣ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة