شبكة ذي قار
عـاجـل










ترددت في الكتابة عن هذا الموضوع إعتقادًا مني بأن مثل هذا التسائل يدركه الرئيس " فلادمير بوتين " وكذلك الكرملين وربما وزير الخارجية " سيرجي لآفروف " أو أي عضو مؤثر في القيادة الروسية .. ولكن هذا الأعتقاد قد تبخر حال إطلاعي على بعض تصريحات وتلميحات أطلقها مؤخرًا الرئيس " بوتين " بشأن الوضع في سوريا أو بالأحرى وضع الجيش الروسي على الأرض السورية، التي يحتدم فيها الصراع الذي تحول من صراع محلي إلى اقليمي، ومن ثم، إلى صراع دولي بات مركبًا تمامًا .. يشير فيها الرئيس إلى مشكلات وإشكالات يعيشها الجيش الروسي يجب معالجتها .. وهي تلميحات في حقيقتها تمهد لعمل مفاجئ كالذي حصل سابقا بسحب الجيش وأسلحته وجنوده والأبقاء على ما ( يكفي ) للدفاع عن العاصمة دمشق ونظامها السياسي فاقد الشرعية كنظيره في العراق، فضلا عن سحب مجموعات من طائرات حربية مقاتلة قبل بضعة أيام والتي لفها الغموض الموشح بالمفاجئة أيضًا .

المشكلة ليست في هذا النمط من صنع القرارات .. فهذا شأن روسي يقدره صانع القرار.. ولكن ينطوي على هاجس القيادة الروسية بالتورط .. والتورط العسكري هو المشكلة الكبرى، التي تتبعها مشكلات لا تعد ولا تحصى معروفة تبعاتها لدى المعنيين بكواليس السياسة وخلفياتها.. ولا أقصد هنا الأعلام الذي يأخذ القشور وأحيانا يساهم في التوريط أو يدفع إلى منزلقات لا تحمد عقباها .. ولا اقصد هنا ايضا الأعلام الروسي، لأن مثل هذه القيادة تدرك معنى التوريط واحيانًا تتغاضى أو تتجاهل نتائجه طالما هي موغله في سيناريوهات ترسمها السياسة أو التي ترسمها أجهزة الأستخبارات في صيغة هواجس ومخاطر وتحديات خارجية ..وهنا بيت القصيد.. والمفارقة التي يتوجب ادراكها هي الخط الفاصل بين السياسة والأستخبارات، على الرغم من أن السياسة هي التي توجه هذه الأداة وغيرها لأغراضها، ولكن قد نرى العكس يتمثل في أن الأداة تضخم الهدف وتزين له أو تمهد للأنغماس فيه من خلال رؤيتها المحدودة الضيقة.. هكذا هو الحال .. الرئيس الروسي " بوتين " هو رجل إستخبارات بالآساس تبوأ مركز صنع القرار السياسي في ( الدولة ) وليس صنع القرار في ( مؤسسة ) الأستخبارات .. هنا الأمر يختلف .. التساؤل المهم، هو من أين يأتي هذا الهاجس الذي تحسسته الأستخبارات الروسية حول الخطر الخارجي.. والساحة السورية ليست هي الأولى والأخيره ، طبعاً، هنالك ساحات أخرى تعكس بمجموعها طبيعة المخاطر، وليست مخاطر محدودة ومجتزئه تفرضها الحالة السورية، ولكن ماذا بشأن العراق ألم تشكل هاجسا خطيرا للكرملين أم انه حالة مكفولة بطهران وبأمريكا وتوافقهما الأستراتيجي؟، ثم ألم تشكل صواريخ الناتو وانتشارها بالقرب من المجال الحيوي الروسي خطرًا داهمًا لموسكو؟ وكذا الأمر وجود القواعد العسكرية الأمريكية على تخوم حدودها القريبة أو على اراضي الدول التي انسلخت عن الأتحاد السوفياتي؟ بيد أن الهاجس القوي الذي هيمن على صاحب القرار الروسي هو هاجس مركب يجمع بين مسألتين إحداهما قد ضخمت الأخرى وتركت صانع القرار يرتكب حماقة التدخل العسكري المباشر في سوريا وليس في العراق على سبيل المثال وهو:

1- الخوف الروسي من اتساع دائرة التطرف المذهبي والأثني في الساحة الروسية ومحيطها، الذي يعد برميل بارود تعداده أكثر من خمسين مليون مسلم مع خليط من المذهبيات والقوميات، ومنها على وجه الخصوص شعب الشيشان وشعب أذربيجان وشعب أرمينيا .. خوف موسكو إذًا .. ناجم من اتساع دائرة العنف الطائفي والعرقي التي استخدمها الأمريكيون أداة لأشعال النيران حول الأتحاد السوفياتي سابقًا تحت مسميات ( قوس الأزمات ) و ( إستيقاظ الأصوليات ) ، والتي باشرها الأمريكيون في المنطقة العربية تحت مسميات ( الربيع العربي ) تلك الأنتفاضات الوطنية التي ركبت موجاتها زمر المخابرات الأمريكية والغربية والأسرائيلية .. فأسقطت نظم سياسية ومزقت مجتمعات وهدمت مؤسسات وبنى تحتية وهدت حدود سيادية وأشاعت إرهابًا يتناسل ويتمدد بفعل مطامع دول إقليمية وفي مقدمتها ( إيران ) و ( إسرائيل ) .

2- مشروع الشرق الأوسط الكبير، وهو المشروع الذي يشمل تركيا وإيران، يتسم بميزة تنم عن تداخل مشاريع دول اقليمية تريد أمريكا أن تكون القائد لهذا المشروع .. ومن هنا يأتي التوافق الأستراتيجي الأمريكي- الأيراني- الأسرائيلي .. والمناكفات التي تسعى من أجل ترويض تركيا .

3- تداخل المشاريع ، ليس في المرحلة الراهنة، يثير حفيظة موسكو وأنقرة دون طهران .. لأن الأخير شاءت أم أبت تميل بوضوح وستنتهي إلى الغرب، ويبدو ان الصراع الداخلي الأيراني ودوافع الهيمنة المطلقة لولي الفقيه ( علي خامنئي ) الأقصائية ستخلق على الأمد القريب والمتوسط مع تراجعات إيرانية وانكسارات على مستوى التمدد الخارجي وخاصة في سوريا، ردود فعل تتراكم ليس بوسع طهران تحملها .. فيما يشكل الميلان الإيران رغم تشدد خامنئي، إلى الغرب وبالأخص الشيطان الأكبر أمريكا، ومن هنا يبدأ الهاجس الروسي يقترب أكثر من عدم الثقة كليًا بالقيادة المذهبية الأيرانية.. وصورة تداعيات المشهد العسكري الأيراني على الأرض السورية باتت مؤثرة على الأوضاع الداخلية الأيرانية، الأمر الذي سيزيد من حدة التعارضات القائمة بين طموح ديكتاتوري مطلق لـ ( خامنئي ) وسلوك رخو مهادن ومخادع لروحاني وطاقمه .. هذا الطاقم يؤمن بالغرب لحد نخاع العظم وعلى رأسه ( نهاونديان ) رئيس مكتب حسن روحاني، والذي ما يزال يحمل الجنسية الأمريكية، وهو الشخصية التي بذلت جهودًا ولعبت دورًا كبيرًا وراء الكواليس لأتمام صفقة الملف النووي الإيراني .

4- الهاجس الروسي لا يظهر في شكل إنعكاس لعدم التوافق الروسي- الأيراني في بعض موضوعات السياسة التي تخص سوريا، وخاصة في مسائل المطلقات، التي تتمسك بها طهران، على عكس موسكو التي من الصعب ان تكون المطلقات نهجًا لها في سياساتها الخارجية باعتبارها دولة كبرى وتعمل على وفق مصالحها المعينة والمحددة.

5- تعتبر روسيا نشر الدرع الصاروخي الأعتراضي S.M.3 )  ) في أراضي بولندا ورومانيا يشكل تهديدًا، وستتخذ حيالها موسكو إجراءات مضادة .. وقد قام حلف شمال الأطلسي فعلاً بتشغيل نظام الدفاع الصاروخي الأمريكي في جنوب رومانيا .. حيث بدأ المشروع، كما هو معلن، عام 2010 في شرق أوربا والمتوسط لرادارات ذات فاعلية عالية وصواريخ إعتراضية .. هي في حقيقتها ( دفاعية ) .. تقول امريكا، ان نشرها لهذا الدرع ( لمواجهة إيران ) و ( كوريا الشمالية ) .. وهذا كذب فاضح، لأن أمريكا تعمل توافقًا إستراتيجيًا مع إيران وتوازنًا إستراتيجيًا مقبولاً بين الكوريتين.!!

6- لقد أدركت موسكو أن وراء هذا المشروع اهداف هي ( جر موسكو إلى سباق التسلح وهي في ذات الوقت قد دخلت بإرادتها المستنقع السوري و تعيش مشكلات ومخاطر أوكرانيا، فضلاً عن مشكلات أسعار الطاقة وتداعياتها عالميًا ) ، هذا الهدف الأستراتيجي الأمريكي يتم على حساب التنمية .. ويبدو أن هذا الأدراك بات ناقصًا، لأن لا فائدة من السكوت على التعمد في تكريس اختلالات عناصر القوة في ميزان تعادل القوى حتى لو سلكت موسكو طريقها الخاص، كما قال بوتين يوم 13/5/2016 ، لمعالجة الأمر بإجراءات خاصة .. فإحتكاكات الطيران الحربي ومخاطره غير المحسوبة هي إستفزازية تعبر عن القلق والهيستريا التي تحيط بصنع القرار ليس إلا.. وهذا هو الآخر لا ينفع إلا بالأنسحاب من الساحة السورية وترك الشعب السوري دون تدخل خارجي روسيا وإيران ليقرر مصيره من دون الأسد، الذي من المستحيل قبوله من لدن شعب مشرد تعداده اكثر من خمسة ملايين وعلى كومة من حجارة المدن.!!

الخروج الروسي من المستنقع السوري مسئلة مهمة لأستقرار الوضع الروسي من جهة ولبناء علاقات مع المنطقة العربية من أجل الأستقرار والتنمية.. وفي هذا الجانب ماذا تنفع طهران موسكو وهي تمارس سياسة التمدد الطائفي الأستيطاني في المنطقة، وهي بالأساس سياسة تريدها أمريكا كما تريدها ( إسرائيل ) في الوقت ذاته ؟ ألم يكن من المفيد لموسكو أن يصار إلى كبح جماح إيران ليصار إلى استقرار المنطقة الذي هو إستقرار الأمن والسلم الدوليين يتماشي مع نزعة الأنكفاء الأمريكي نحو الداخل؟، وهل من مخرج آخر أمام الرئيس الروسي " فلادمير بوتين ".؟!





الاحد ٨ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٥ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة