شبكة ذي قار
عـاجـل










فوبيا - Phobia تلك الكلمة الإغريقية التي عربت بمعنى الرُهاب، تعرف نفسياً: إنها حالة خوف غير عقلاني في شدته آو ماهيته.

وعلى المستوى الفردي قد يرتبط مثل هذا الخوف بجسم، أو فعالية أو حالة معينة؛ يكون التعرض لها سببا في الخوف والقلق فورا عند فرد غالبا ما يطلق عليه العامة من الناس انه " موسوس" أي أصابه مس من الجن في حالة عارضة.

وقد حدد علم النفس التحليلي مثل هذه الظواهر إنها ، قد تصيب المراهقين وحتى البالغين في العادة، لكنها لم تعرف كمتلازمة عرضية شبه جماعية ، أضحت تصيب أقواماً وتكتلات وأحزاب بشكل جماعي، وتصبح كحالة خوف وقلق متلازمة ومفرطة الحساسية، كما باتت في كثير من مناحيها في التصعيد الإعلامي، والتوظيف الطائفي، غير عقلانية؛ بل شذوذاً ، خاصة عندما توظف في السياسة لتأجيج الأحقاد القومية التي يثيرها الفرس وأشباههم، حتى صار الناس ينظرون إليها أشبه بمس جنوني مفرط الهيجان، بات أسمه رُهاب البعث أو رُهاب العروبة أو حتى رُهاب العراق أيضا.

وإذا كان ذلك مقبولا من لدن الفرس، بحكم التربية التي عاشوها في عدائهم للعرب ورسالتهم الحضارية والثقافية تاريخيا ، لكن مجمل الأعراض التي نراقبها باتت شذوذاً وعلى درجة عالية من الانحراف الخلقي والإنساني ، إذا ما عرفنا إن أحد أنواع الرُهاب هو الخوف من الغرباء، واصطلح عليه لاتينيا: زُوفوبيا Zoophobia ، وهو متوقع,ومفهوماً تماما لدى الأقوام الفارسية والأعاجم الذين دخلوا الإسلام بعد سقوط الإمبراطورية الفارسية مكرهين، لكنه غير مبرر بالمطلق عندما يصيب جماعات أخرى، تدعي أنها أقوام عربية أو تنتسب للعرب، أو أنها عراقية من مختلف المكونات القومية المعروفة في العراق ، إلا إذا كانت كوامن تربيتهم وأصولهم غير عربية أو غير عراقية، خاصة أؤلئك الذين تشبعوا بالفكر الشعوبي في عدائهم للعروبة واستعدادهم الالتحاق بسيادة العنصرية الفارسية بشكل طوعي.

هذا النوع من الرُهاب يُعد الأكثر خطورة في يومنا هذا لأنه يصنف ضمن الرُهاب الاجتماعي المندس في حشود الجماهير، كحالة يُراد بها جر الجماهير البسيطة أو المُضللة باسم الدين والمذهب والطائفة أو متلبسة بلبوس العقائد السياسية الاسلاموية التي طفحت وظهرت على السطح بعد الغزو والاحتلال الأمريكي للعراق2003 خاصة.

وإذا كانت الاضطرابات الرُهابية المعروفة عند الأفراد كأمراض نفسية تكون في الغالب أواخر سن المراهقة أو في أوائل العشرينات من عمر الفرد؛ فإن انتشارها على مستوى الجماعات والكتل الاجتماعية يشكل ظاهرة وخلل في التفكير الجمعي الذي اشتغلت عليه الدولة الصفوية والتشيع ألصفوي لغسل أدمغة أبناء العوام والفقراء والمسحوقين بسبب عوامل الجهل والتخلف الذي انتشر على مدى قرون في العراق ووجد ضالته في الظهور بفعل الاحتلال الأمريكي وسقوط الدولة الوطنية والفراغ السياسي الحاصل في العراق اليوم .

إن تشخيص حالة فوبيا أو انتشار حالة من رُهاب السياسي تجاه جماعة أو عقيدة سياسية ضده، كحالة البعث المستهدف، فانه ينهل من معين حالة مرضية شاذة لازالت مترسبة في نفوس وسلوك أحزاب وتيارات سياسية وأشخاص، منهم من تجاوز نصف قرن من سنوات العمل والممارسة السياسية.

وهنا لا نريد أن نطبق مسطرة القياس المرضية، انطلاقاً من بعض نظريات التحليل النفسي والنظرية السلوكية التي حاولت تشخيص أسباب الفوبيا أو الرُهاب؛ لكونها تعود إلى حالة طفولة التكوين النفسي والاجتماعي لفرد مصاب بهذا الرُهاب، فما بالكم ربطه بالتحليل مع نشوء وتطور الأحزاب والعقائد السياسية ودخولها معترك الصراع الفكري، وحتى الاصطدام الدموي، في مراحل معينة من تاريخ العراق المعاصر بحكم الصراع على السلطة والحكم.

يتفق الجميع إن الفوبيا المُفرطة تدمر صاحبها خصوصا ، خاصة عندما يعلم صاحبها: إن الخوف والهلع ، لكنه في الحالة العراقية كامن في بعض من الضمير الجمعي لبعض الجماعات المنعزلة، وهي حالة موحى لها من الخارج، غذاها الإعلام وحقنتها التجارب السياسية الفاشلة التي تفتش دائماً عن مشجب لتعلق عليه تراجعها وخمولها وسقوطها في مستنقع الثأرية العشائرية من الخصوم، من دون مراجعة واعية للأسباب التي قادت إلى صراعات معينة مع خصومها ، منها وصلت إلى حالات تبادل العنف والقمع الدموي، سواء كانت تلك القوى داخل كواليس السلطة أو بجوارها أو حتى من خارجها.

ما يجري في العراق من تصعيد لفوبيات ورُهاب الخوف من بعضنا البعض يحتاج إلى وقفة واعية وحضارية تتناسب وروح العصر والتغيرات السياسية الجارية في العراق والعالم من حولنا، وقفة للحوار العلمي والتحليل الاجتماعي الموضوعي، لتجاوز حالة الانشقاق الواقع بعيدا عن تأثيرات الشحن الخارجي، وأدواته المحلية المتخلفة، المستفيدة من تصعيد حالات الفوبيا ضد التيارات العروبية أو البعثية أو حتى الشيوعية والقوى اليسارية، ليخلوا الجو لجماعات الإسلام السياسي المستفيدة من حالة الانشقاق والمدعومة ماليا وإعلاميا من الخارج، وتحديدا من إيران والولايات المتحدة وإسرائيل والقوى الرجعية والظلامية أيضا.

إن نظرية المؤامرة والشك باليقين باتت متلازمة عند البعض من السياسيين العراقيين ، منظمات كانت أو أحزاب أو أشخاص، حتى وان عاش ذلك البعض منفردا آو منعزلاً بعيدا عن الاحتكاك السياسي والاجتماعي المباشر مع خصوم الأمس واليوم ، فحتى فوبيا أو رُهاب الفراغ السياسي بات مخيفا كمن يرى الأشباح في وضح النهار تطارده، فيصيبه الهلع والخوف والتردد والإحجام عن التفاعل الاجتماعي والسياسي المطلوب، وهي حالات صارت تلازم العديد من الأشخاص والجماعات، وباتت تشكل ظاهرة متقدمة من العماء السياسي، والتشدد والعزلة، والاستظلال بذكريات مريبة، تجاوزها زمن الصراعات ، تتردد بقصص وأحداث تراجعت، لازالت تلوكها بعض الالسن بالتوصيفات والنعوت لهذا الفصيل الوطني أو ذاك كلما اقترب موعد وطني هام يستوجب التصالح، وفرصة لطي صفحات سوداء من أيام الأمس البعيد أو القريب. وهي كلها حالات قهرية يجب اجتيازها والتقدم بثقة نحو آفاق بعيدة؛ فالسياسة وممارسوها يعرفونها، أنها فن الممكن، وليست هناك تحالفات مستمرة، كما لا توجد هناك خصومات واحتراب دائم.

إن المصلحة الوطنية عندما تتغلب على ظروف الواقع المر والحرج تملي على الجميع واجب التخلص من عقدة الرُهاب السياسي والانطلاق نحو آفاق واعدة ومُنتظرة لشعب العراق؛ تماما كما فعلت العقليات الأوربية المتنورة وعقائدها المخلصة لقيم الحداثة والمعاصرة والديمقراطية وحقوق الإنسان وغيرها، فنجحت في تجاوز ترسبات الماضي المرة القريبة منها والبعيدة، واحتكمت النخب السياسية والاجتماعية إلى الديمقراطيات والحوار المتحضر وتشذيب الخطاب السياسي من مفردات العنف والتحريض به، دون مسببات موضوعية .

إن الهروب أمام الواقع المعاش بات حالة عراقية مرضية، يستوجب التخلص منها، عندما يجد البعض حالة الفرار أو الانزواء، مظلةً يستظل بها، رافعا شعارات القطيعة مع هذا الفصيل أو ذاك.

لا علاج لحالات الفوبيا العراقية تجاه البعض إلا بالاقتراب من المشروع الوطني للخلاص من محنتنا المعاصرة، ولا بد من فتح أبواب الحوار والنقاش وتحكيم العقل والشعور بالمسؤولية الوطنية إزاء ما يجري في العراق، وتحديد وعزل القوى المتاجرة بفوبيا العداء للعروبة باسم الإسلام السياسي والطائفية، والمتاجرة بالديمقراطية والتسيير الرأسمالي للاقتصاد لمواجهة التيارات الشيوعية والبعثية واليسارية والتقدمية المتنورة، وبذلك توظف تلك الحملات لصالح القوى الظلامية وأدوات الاستغلال الرأسمالي، ومصالح نهابي خيرات الشعوب من خلال أنظمة تائهة ليس لها طعم أو هوية أو ظلال وطنية.

يخطأ من يظن أن حملات تأجيج الرُهاب السياسي وتصعيده إعلاميا ضد قوى وطنية عراقية وعروبية معينة يمكن أن ينتقل بتأثيره وراثيا إلى الأجيال التالية، كي يستمر هذا الصراع البغيض؛ لأن الصحوات المستمرة للوعي الوطني ستكرر وحين تكتشف أن محصلة المكاسب والنكسات ستعلم الشعوب طريق الخيار الصائب للوصول إلى الحقيقة وإنصاف المظلومين والمعذبين، مهما طال الزمن أم قصر.

وكما خلفت سنوات الصراعات السياسية في الستينيات بعد ثورة 14 تموز 1958 تصعيد حالة الرُهاب والخوف من الشيوعية والتيارات الاشتراكية واليسارية آنذاك، فدفع الشعب العراقي ثمنا باهظا من الضحايا، وأضاعت الأجيال التالية، فرص بناء الدولة الوطنية بوحدة شعبية تقدمية وتجاوز العراق وشعبه حالة تخلف صراعات العقود الأخيرة في الصراع السياسي، وهي بلا شك تركة ثقيلة، سببها انجراف البعض واندفاعهم في حالة تكريس الانقسام الوطني، ومنها تأجيج الرُهاب ضد البعث وقيادته، ووصل الأمر بها بوسم المقاومة الوطنية للاحتلال الأمريكي، واتهامها بشتى النعوت التي رددها الإعلام الغربي والصفوي؛ بما فيها اتهامها بالعنف والإرهاب؛ في حين ظلت ذات القوى العميلة، التي حملتها دبابات الاحتلال، والجماعات المشبوهة التي رفعت شعارات الإسلام السياسي والمحاصصة الطائفية واجتثاث البعث من هذه الحملات ، واستمرت تلك القوى تنهل من حفريات النبش بماضي الأحقاد ووضع مصادر الخلاف في أولويات نشاطها السياسي والدعائي، لمنع وحدة الصف الوطني العراقي أن تكتمل لمواجهة الاحتلال الأمريكي ومنع التدخل الفارسي بشؤون العراق، وهو ما أشرنا إليه في مقدمة هذه المقالة التي حددت بوضوح: إن المصالح الإيرانية والأحقاد الشوفينية الفارسية هي مصدر تحريض الرُهاب ضد البعث ؛ خاصة، واستهدفت في خطابها السياسوي والإعلامي المقاومة العراقية ورموزها، لدفع الأمور نحو تقسيم عرب العراق خاصة، من خلال الصراع السياسي والانقسام، على طرفي معادلة الصراع على السلطة، كي يغتنم الشعوبيون الفرصة للاستئثار بالسلطة ومغانمها وتكريس الانقسام الطائفي واستغلاله شماعةً لتقسيم عرب العراق وكرده وتركمانه وسائر مكوناته الوطنية الأخرى.

وفي كل محور من محاور الانقسام نجد تسعيراً واضحاً وتأجيجاً للحقد ضد وطنيي العراق، باسم مكافحة واجتثاث المخلصين من أبناء العراق، بحجة التخلص من البعث واجتثاثه، وان تواجد بعثيون سابقون في خدمة سلطة الاحتلال والغزو أو خدموا السلطة الطائفية في عهد نوري المالكي وغيره، عاد الحديث عن تقسيم وفوبيا أخرى عن " بعث صدامي" وآخر " بعث أسدي بشاري"، الأول مرفوض، والثاني مقبول التعامل معه وحتى الدفاع عن سلطته رغم ثورة الشعب السوري وتضحياته الجسام، وفي العراق ترى فوبيا البعث انه مرفوض؛ لأن الأجندة الفارسية تعرف كيف تجند الخطاب الشعوبي لمصالحها القومية في مكافحة التيارات القومية العربية .

إن إيران وأتباعها المصابون برُهاب البعث ورُهاب العرب وحتى رُهاب العراق، يعرفون اتجاه بوصلة الأحقاد الفارسية ومكمن الخطر؛ وهم يعرفون أكثر من غيرهم إن العراق لم يصبح عربيا في زمن البعث وحكمه، ولا في زمن الرشيد والمنصور والدولة العباسية، بل كان ومنذ العصر البابلي، مركزا حضاريا متقدماً، حاربته الأقوام والدول الفارسية حتى تمكنوا منه عند سقوط بابل ، وبفضل دور كورش الفارسي وحلفائه من يهود الأسر البابلي المنتظرين فرصتهم ضد الدولة البابلية، وهم المأسورين فيها منذ عهد نبو خذ نصر.

وحتى بعد سقوط بابل كان عرب العراق وسوريا من المناذرة والغساسنة عروبيوا الولاء لأقوامهم وقبائلهم العربية .

لقد كان العراق منذ العهد الاكدي قبلة الهجرات الجزرية المتعاقبة القادمة تباعاً من جزيرة العرب، حتى بات غالبية العراقيين من أصول وقبائل عربية ، أغلبها نزحت من الحجاز ونجد بعضها كان متواجداً في العراق حتى قبل الفتح الإسلامي بقرون، كبني شيبان وقصتهم معروفة مع كسرى الفارسي في معركة ذي قار التي سبقت الفتح العربي، وكانت " أول يوم إنتصف فيه العرب من الفرس" .؛ بل كانت الإرهاصة الحقيقية لتحرير العراق، ودخول نور الإسلام في ربوعه، بعد الانجاز الكبير للخليفة الراشدي عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإتمام الفتح الإسلامي للعراق على يد القائد العربي سعد بن أبي وقاص بمعركة القادسية ، حيث كانت تلك المعركة إيذانا بتطهير العراق من المد والاحتلال الفارسي المجوسي والشروع بفتح قارة آسيا برمته ومن ضمنها إيران.

يعود الشر الإيراني إلى العراق بعد الغزو الأمريكي 2003 بأدوات شعوبية محلية ومُصدرة، ، حملت فوبيات ثلاث مجتمعة في لافتة واحدة عنوانها معاداة البعث، وهي في حقيقتها كانت وستظل فوبيات العداء للبعث وللعرب وللعراق نفسه، هذا العراق الذي كان وسيظل حاضنة الرسالة والحضارة العربية على مد العصور .

وكما فعل اللوبي اليهودي الكامن خلف أسوار بابل دوره تمهيدا لسقوط بابل عمل اللوبي الصهيوني الكامن في حواشي وحجرات وأروقة البيت الأبيض ليفتح الطريق للغزو الأمريكي للعراق، ليسلم العراق مرة أخرى بيد الفرس وأعوانهم، كما هو حالبه اليوم .

إن خطاب البعثوفوبيا، الذي يرد ويتكرر على درجات متفاوتة التردد، لكنه يعزف عبر قيادة المايسترو الإيراني الفارسي، وحملاته ترد على السن وأدوات أزلام الحكم في العراق وأحزابه العميلة، كأحزاب الدعوة والمجلس الإسلامي الأعلى، مرورا بحزب الله اللبناني وحلفائه والى حوثيي اليمن، وما هو إلا خطاب شوفيني فارسي وتحريضي ضد العرب جميعا وليس البعث سوى هدف ومصد موضوع أمام الحملة الظالمة على العراق، تكاثرت عليه أسهم ورماح وسيوف الغزاة وحلفائهم عليه .

وان غدا لناظره قريب





الخميس ٥ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة