شبكة ذي قار
عـاجـل










تمتاز علاقات الجوار بين الأمم والدّول والشّعوب عادة بحالة من الصّراع والتّنافس في شتّى المجالات رغم محاولتها الدّائمة ضمان المحافظة على علاقات حسن الجوار والاحترام المتبادل وهي أعراف وتقاليد تفرضها المصالح المشتركة الطّبيعيّة بينها.

لقد ابتلي العرب منذ تاريخهم القديم بجارهم الفارسيّ الذي اختار أن يشذّ عن تلك القواعد المنظّمة لأصول التّعايش السّلميّ عادة وضوابط الجيرة، فتعدّدت أوجه معاداته للعرب المبالغة والموغلة في التّطرّف فشكّل على مرّ التّاريخ تهديدا حقيقيّا لهم ولمصالحهم، وتجلّى ذلك العداء الصّريح المباشر حينا والمخاتل أحيانا في مظاهر عدّة تراوحت بين الاعتداء العلنيّ عبر طرق الحلول العسكريّة أو في الاشتراك والانخراط في المؤامرات الخارجيّة لأعداء آخرين قد تفصل بينهم وبين العرب حواجز طبيعيّة ومسافات بعيدة أحيانا، هذا فضلا عن الاستنجاد في أحايين أخرى بالاختراقات النّاعمة والمتستّرة بأكثر من قناع لعلّ المدّ والحركة الشّعوبيّة قد شكّلتا أخطر وسائلها.

ظلّ الحقد الفارسيّ الإيرانيّ على العرب ثابتا وراسخا في عقيدة الفرس وطبع سياساتهم على مرّ العصور، وليس من مجال لإسقاط كلّ الجرائم التّاريخيّة التي ارتكبها الفرس بحقّ العرب من كورش وحتّى قبله إلى حدود اندلاع ما يسمّى بالثّورة الإسلاميّة بقيادة الخميني. هذا ولم ينقطع العمل الفارسيّ على اختراق العرب وتقويض أمنهم وزرع كلّ أصناف البلبلة ودواعي تشظّيهم وشرذمتهم وتعويقهم وحرمانهم من الانكباب على معالجة أوضاعهم المتردّية وتصويب مسارهم نحو استكمال إنضاج تشكّل المعالم النّهائيّة لأمّتهم واسترجاع أراضيهم المغتصبة ومقدّراتهم المنهوبة وكلّ ما يرسفون تحته من مظالم ومعاناة مأساويّة.

إنّ الخرق الإيرانيّ المتواصل للعرب وانتهاك الفرس المتواصل وتهديدهم للوجود العربيّ يستوجب اتّخاذ جملة عاجلة من الإجراءات الواعية والسّياسات الثّوريّة الحازمة والتّدابير العربيّة لإيقاف هذا الخطر الزّاحف وهو الذي يشكّل استمراره عصفا مؤكّدا بالكينونة العربيّة وعبثا مدمّرا بمصيرها.

لنؤكّد بدءا أنّ استخدامنا لثلاث كلمات في العنوان ( خرق . خطر . احتلال ) مقصود لتغطية كلّ التّوصيفات التي يستخدمها البعض للخطر الإيرانيّ المتمثّل في السّعي الحثيث لاحتلال البلاد العربّية. والخرق يقتضي تعريفا أكثر دقّة حيث أنّ بعض العرب يعملون مع إيران لتحقيق مآربها الاحتلاليّة تحت تأثيرات مخدّر خطير هو ما يسمّى بالشّراكة العقائديّة بالمذهب.

وهو ما مكّن الفرس من النّجاح في خطّتهم الشّيطانية العاملة على الهيمنة على أقطارنا عبر شبكة من العملاء والجواسيس. فلقد ركـّـزت إيــران عــلى الإعلاميّــين، والكتـّـاب، والصـّـحفيين مــن أصــحاب التّوجــه القوميّ من أجل إشاعة فرية أنّ إيران هي عمق الأمّة العربيّة وتثبيتها في الوعي الجمعيّ على كونها حقيقة ثابتة، رغم أنّ القوميّــة العربيّــة منــذ نشــأتها تعتــبر الــدّور الإيــرانيّ داعما للفكــر الشّعوبيّ المعادي للعرب.
إنّ أوّل واجبات العرب لحماية أمن أقطارهم وأمّتهم هي فكّ الشّراكة المذهبيّة المفترضة مع إيران لأنّها هي السّيف الذي يقطّع أطراف الأمّة ويجعلها عاجزة عن حماية نفسها. و يقتضي فكّ الشّراكة هذا عملا فكريّا تثقيفيّا تنويريّا مضنيا ينهي ثقافة الجهل والتّجهيل التي درست قواعدها إيران عبر مئات السّنين وحوّلت الدّين الإسلاميّ الحنيف إلى دين للضّغائن والأحقاد والكراهيّة والبغضاء عن طريق منهجها الشّعوبي الخبيث الذي حوّل الخلفاء الرّاشدين رضوان الله عليهم من أمراء للأمّة إلى أعداء ومن ولاة أمر شركاء في السّرّاء والضّرّاء متحابّين متصاهرين إلى متآمرين على بعضهم البعض وإلى قتلة ومجرمين.

يستند التّشييع الفارسيّ أصلا على قواعد شعوبيّة وعلى تحويل خلافات مفترضة إلى قوانين حكمت الصّلة بين الخلفاء الرّاشدين ومنهم امتدادا إلى صلة الدّولة العربيّة الأمويّة والعبّاسيّة بالإسلام عموما وبآل البيت خصوصا والتقط المشروع فكرة الأئمّة الإثني عشر ليحوّل كلاّ منهم لقضيّة مظلوميّة تفجّر أيّة فكرة لتلاقي العرب المسلمين على أيّة قواعد مشتركة قوميّة أو دينيّة.

فالمشروع الشّعوبيّ الفارسيّ يقوم على تقويض الصّلة بين العرب وبين الإسلام وقد وجد ضالّته في الطّائفية التي غلبت وما زالت تغلب العرب فصار الفرس شيعة يوالون أهل بيت الرّسول ومعهم بعض العرب وباقي العرب سنّة إمّا يمقتون أهل البيت أو لا يستطيعون مجاراة الغلوّ الفارسيّ الذي هو رأس النّفيضة في تأجيج عوامل العداء الطّائفيّ وفي إدامته.

وفي كلتا الحالتين يصير العداء هو الحدّ الفاصل بين العرب السّنة والعرب الشّيعة كما يريد المشروع القوميّ الشّعوبيّ الفارسيّ وليس كما تأسّست ونمت المذاهب الإسلامّية في جوهر لا يحمل من العوامل أكثر من عوامل التّنافس في تفسير القرآن والسٌّنّة النّبويّة الشّريفة أو في التّنافس في الولاء والانتماء للدّين الحنيف وهي عوامل تقوّي الدّين وتعلي راياته.

إنّ العمل على فكّ أي ارتباط أو شراكة مذهبيّة مع إيران هو الحلّ الأوّل الذي يجب أن يفكّر فيه المربّي والمعلّم وأستاذ الجامعة والسّياسيّ والمفكّر والفنّان وكلّ المعنيّين في توجيه البناء العامّ للمجتمع العربيّ في كل أقطاره. وإذا كان الصّراع السّياسيّ الرّاهن الآن وبعد احتلال العراق بشكل خاصّ هو صراع مركّب الأبعاد والاتّجاهات بين القوى الطّائفيّة السّياسيّة العربيّة بكلّ مسمّياتها من جهة وبين التّيّار القوميّ العروبيّ الذي أصابه ما أصابه من وهن وتراجع تحت تأثير الفاجعة العراقيّة فإنّ العمل على استعادة عوامل الهيبة والقوّة والتّمكّن للعرب ومنهجهم المدنيّ التّحرّريّ الوحدويّ الإنسانيّ هو المخرج الأهمّ في إنهاء الصّراع لصالحهم كأقطار وكأمّة وهو في نفس الوقت عامل حاسم في إضعاف الخرق الفارسيّ المتأتّي من استقواء الطّائفيّة السّياسيّة التّابعة لإيران بالاحتلال الأمريكيّ وبهامش التّجاهل الأمريكيّ للنّفوذ والاختراق بل وحتّى لمظاهر الاحتلال الإيرانيّ للعراق وباقي الأقطار التي تشهد نشاطا إيرانيّا ملحوظا.

إنّ الإدراك العلميّ السّليم يجعلنا نفاضل بين أمرين لتحقيق هدف فكّ التّداخل غير الحميد مع إيران الفارسيّة الصّفويّة:
الأوّل: مهاجمة الفرس نظرا لكونهم دخلاء على الإسلام وعلى المذهب وتقويض بنائهم المتخفّي خلف ستار الدّين.
الثّاني: العمل على إسقاط حكم الكهنوت الذي يدير المشروع التّوسّعيّ الإيرانيّ.

ونحن نرى ونقدّر هنا أنّ الهدف الثّاني هو الأقرب للتّحقّق والواقعيّة إذا ضمنّا إقامة حكم مدنيّ في طهران يحترم حدود إيران الجغرافيّة وينهي التّفكير بتغييرها على حساب أرض العرب ويسقط نظريّة الحقّ الشّرعيّ لإيران في حكم ( الشّيعة ) خارج حدودها الذي تتلبّسه كذريعة لغرس مخالبها في الجسد العربيّ.

وإذا ركنّا إلى حلّ إسقاط الدّولة الدّينيّة المزيّفة لولاية الفقيه التي هي بدعة منكرة في الإسلام بنيت على وهم وافتراضات عائمة وتعتدي علينا، فإنّ أهمّ أركان قوى الارتكاز يجب أن تذهب إلى تحرير الأحواز العربيّة من الاحتلال الاستيطانيّ الإيرانيّ. وهنا يتوجّب على العرب أن يجدوا سبلهم لتوسيع ثورة الأحواز ودعمها كحقّ لشعب الأحواز وكحقّ للأمّة العربيّة التي تشكّل الأحواز جزءا لا يتجزّء منها.

إنّ الأحواز هي نقطة الفصل في انتقال العرب من الحالة السّلبيّة التي سقطوا فيها وبين الانتقال إلى المبادرة بالهجوم المقابل وعليهم أن يدفعوا ضريبة خطئهم الفادح في إسناد غزو العراق واحتلاله.

وعلى العرب رسميّين وجماهير أن يدركوا ما يوفّره دعم الأحواز العربيّة واحتضان مقاومتها الثّابتة وتوفير ضمانات تعزيز صمود شعبها بوجه الاحتلال الفارسيّ البغيض لتسهيل تحريرها أعلى الإجراءات مردوديّة لأنّ في انتزاع الأحواز من السّيطرة الفارسيّة وإرجاعها لبيئتها العربيّة الطّبيعيّة تجريد للفرس من أهمّ ورقاتهم وأسباب قوّتهم وذلك بالنّظر لما تحتويه الأحواز من ثروات ومقدرّات طبيعيّة رهيبة تقارب 90 بالمائة من ثروات إيران الاستعماريّة.

وتتمثّل النّقطة الأخرى في مواجهة الخطر والاختراق الفارسيّ في إدراك طبيعة وأسس وقواعد التّوغّل الفارسيّ في جسد العرب عبر العراق والخليج التي بنيت على منهج الاستيطان الفارسيّ الواسع ليس بصيغة جاليات بل بصيغة تجنّس.

إنّ الاستيطان بالصّيغة التي تمّت ومازالت تتمّ هو استنساخ بصفات نوعيّة لفكرة الاستيطان الصّهيونيّ في فلسطين المحتلّة وكلا النّموذجين ينتهيان بتوطين الاحتلال وإدامته.

فالاحتلال الاستيطانيّ النّافذ عبر فكرة الحقّ الدّينيّ والحقّ القوميّ العنصريّ المزعوم هو القاسم المشترك الاعظم بين المشروعين الصّهيونيّ والفارسيّ، لذلك فإنّ إيجاد السّبل النّاجعة والكفيلة بإنهاء الاستيطان وفق صيغه القديمة والتّقليديّة والمتجدّدة واستبداله في خطوة أولى بتثبيت صيغة (جالية ) بجنسيّة البلد الأمّ ( إيران ) يمكن إعادتها إلى ديارها عند اقتضاء الامر والحاجة والضّرورة كما تفعل كلّ شعوب العالم المحبّة لأوطانها والماسكة بعروة أمنها الوطنيّ والقوميّ.

إنّ احتلال إيران للعراق بعد أن مكّنتها أميركا منه، يعطي العرب شعبا وحكومات فرصة سانحة لإنهاء مناطق التّداخل والاشتباك عبر التّفاعل العميق مع ما فرضته إيران من احتلال استيطانيّ عبر الأحزاب والمليشيّات والمستوطنين العجم وما قامت به من تدمير شامل للعراق ونهب لثرواته ما يعطي العرب حقّا مشروعا لا غبار عليه في مقاتلة إيران لإخراجها من العراق. وبوسع العرب أن يحقّقوا هدفهم بقوّة وإرادة العراقيّين الذين لا يحتاجون الآن إلاّ إلى عاملي إسناد:

الأوّل: سياسيّ يشتمل على إقناع العالم بخطأ ما قامت به أميركا في العراق وكارثيّته المتواصلة، وهو أمر لم يعد بحاجة للبرهنة والتّدليل، غير أنّ المطلوب على أوجه السّرعة هو تأثيث حملة إعلاميّة عربيّة هادئة ورصينة تنهض لذلك، وهو أيضا من صميم مقاومة الخرق الإيرانيّ حيث تحثّ إيران أصدقاءها على تشويه صورة المقاومة العراقية، وتوجيـه بوصلة العرب نحو تأييد مقاومة حزب الله وزعيمه حسن نصر الله وتروّج له بديلا الأمر الذي يستوجب تنبّها عربيّا ووعيا وفطنة لذلك الفعل الآثم.

الثّاني: دعم المقاومة العراقيّة الباسلة .
حيث تظلّ أكثر الخطوات استعجالا وأهمّية لإيقاف الخرق الإيرانيّ، هو الانخراط في المشروع القوميّ التّحرّريّ للمقاومة العراقيّة الباسلة وتوفير كلّ أوجه الدّعم والإسناد لها لتخليص العراق وتطهيره من دنس الصّفويّة ونغولها، ففي استرجاع العراق العربيّ الحرّ الموحّد ضربة قاصمة كبرى لأحلام ملالي طهران من جهة، واستعادة للدّور التّاريخيّ والحضاريّ المركزيّ الذي لعبه العراق والعراقيّون طيلة تاريخ العرب في كبح جماح الفرس وإجهاض مخطّطاتهم الشّرّيرة.

لقد سمح التّراخي الرّسميّ العربيّ في تقدير المشروع الفارسيّ الذي كشف عن أعلى مراتب عنصريّته إبّان انتصاب الخميني وولاية الفقيه في إيران أواخر سبعينات القرن الماضي للفرس بأن يحقّقوا اختراقات نوعيّة وتقدّما ميدانيّا مزعجا وذلك بزرع مجاميع وبيادق في كلّ أقطار الأمّة يعمدون للتّرويج لإيران ومصالحها ومخطّطاتها ويتآمرون على المصلحة القوميّة العربيّة العليا، وليس من مجال اليوم من ملاحقة تلك الجيوب والتّعامل معها بما تستوجبه الخيانات العظمى المؤكّدة.

قد يسمح لنا العرض السّريع أن نقول إن الحلّ يبقى عربيا خالصا من خلال ضرورة حسم إشكاليّات الخيارات بمراعاة المصالح الخاصّة بكلّ دولة عربيّة على حدة من جهة والمصلحة القوميّة العربيّة العليا من جهة أخرى، لتنصهر جميعا في بوتقة واحدة ينطلق منها العمل العربيّ الجادّ لتحقيق المصالح والحفاظ على الأمن القوميّ ذلك أن الخطر واحد والتّداعيات لن تستثني أحدا، وهوما يستدعي إيجاد استراتيجيّة موحّدة لصدّ الاختراق الإيراني.

عن لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام
البروفيسور كاظم عبد الحسين عبّاس
محمّد أبو عبد الرّحمان
أنيس الهمّامي
٦ / أيــار / ٢٠١٦





الاحد ١ شعبــان ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / أيــار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب لجنة نبض العروبة المجاهدة للثّقافة والإعلام نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة