شبكة ذي قار
عـاجـل










المدخل :

أكدنا في مقالات عديدة سابقة وعرجنا فيها، على طبيعة مبدأ الرئيس القادم الى البيت الأبيض، والذي تحكمه غالبًا تداعيات الصراعات والتنافسات التي تحدث في الداخل الأمريكي وفي خارجه .. وتسائلنا، ما إذا كان هذا المبدأ يمثل السياسة الأستراتيجية الأمريكية لعقد كامل أو لولايتين، ثم يبدأ الرئيس يجرب سياسته في ضوء مبدئه المعلن؟ وفي إحداها تحدثنا عن مبدأ ( ترومن، وريغان وكارتر ) ، وأشرنا الى المبدئين اللذين تم دمجهما ( كارتر- المصالح الحيوية الأمريكية في منطقة الخليج العربي . وريغان- الأمن القومي الأمريكي ) ، الأمر الذي انتهى الى متلازمة إستراتيجية تشير بوضوح الى ان التعرض للمصالح الحيوية الأمريكية يشكل تهديدًا للأمن القومي الأمريكي .. وهذان المبداءآن قد أعترفا صراحة بمبدأ ( الضربة الأستباقية ) ، الذي يتعارض مع قواعد القانون الدولي ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة والأعراف الدولية .

والتساؤل هنا .. كيف يمكن رؤية مبدأ الرئيس وهو يقترب أو يبتعد عن الأستراتيجية الأمريكية العظمى والمتوسطة المدى والصغرى، التي تدير دفتها معطيات التحولات الناتجة عن صراعات وتنافسات القوى على الأرض، وهي في مجملها تحولات ليست سهلة.؟

في ضوء هذه التساؤلات تبرز جملة من الملاحظات مبنية على أساس صلاحيات الرئيس من جهة في واقع أحكام العمل المؤسسي للدولة الأمريكية من جهة، والتحولات والأنعطافات الحادة في مجرى السياسات الدولية الناجمة عن صراعات القوى على الأرض من جهة أخرى؟ على أن لا ننسى، التداخل بين الأقليمي والدولي وبالعكس على المسرح السياسي العالمي :

1- الكثير من وجهات النظر، التي تبرز في الاعلام المتعدد والصحافة المتنوعة، تشير الى ان ما قاله الرئيس الأمريكي ( باراك أوباما ) مؤخرا يعبر عن وجهة نظر شخصية وهو على عتبة باب البيت الأبيض يهم بالخروج، ولا يمت حديثه عن السياسة الأمريكية حيال المنطقة العربية، والرغبة في التحول صوب آسيا والجنوب الأمريكي اللآتيني، بأي صلة بالسياسة - الأستراتيجية الأمريكية على أعتبار أن الدولة الأمريكية هي دولة ( مؤسسات ) ، من الصعب أن يتخطاها الرئيس بسياسات أو بمواقف شخصية .. ولكن ما تحدث فيه الرئيس نابع من واقع التحول في ( الفكر البنيوي المؤسسي السياسي والعسكري الأمريكي ) ، حيث يعود هذا التفكير الذي أطلقه ( أوباما ) على الملأ إلى :

- عام 2011 الذي انسحب فيه الجيش الأمريكي مرغماً من العراق بسبب تكبده خسائر فادحة بالأرواح والأسلحة والمعدات على يد المقاومة الوطنية العراقية .

- الأنهيارات والتصدعات الداخلية التي أصابت النظام المؤسسي الأمريكي، الأقتصادي والمالي والنقدي .

- انفراط ( الشراكة الأستراتيجية ) ، التي تعتمد عليها أمريكا في حروبها الخارجية، وهي تعول على استمرارها .. إدراكا من أوربا بأنها من الصعب بقائها خلف الأستراتيجية الأمريكية في الوقت الذي تتكبد فيه خسائر جسيمة تنذر بأزمات تعصف بإقتصاداتها وبأمنها القومي والأجتماعي، فضلاً عن الأزمة الأقتصادية التي قد تؤدي إلى تفكك تحالف الأتحاد الأوربي.

- بروز اتجاه قوى أمريكية ( مؤسسية ) تدعو الى إعادة النظر بمفاهيم التدخل العسكري المباشر وضرورة التفريق بين ( حرب اختيار و حرب ضرورة ) .!!

- ظهور اتجاه امريكي يدعو الى ( ضرورة إبقاء أمريكا تتسيد العالم ولكن لا تتدخل عسكريا ) و ( تقود العالم ولكن ليس بقفاز من حديد إنما بقفاز من حرير ) ، الأمر الذي دفع بأن ترجح كفة التدخل الأستخباراتي ( الناعم ) على التدخل العسكري ( الخشن ) باهظ التكليف العسكرية، المادية والأعتبارية .

- هذا الواقع كان تأثيره كبيرًا وضاغطًا على صانع القرار الأمريكي .. ويأتي التدمير الذي حل بالجيش الأمريكي 2003- 2011 في العراق والخسائر الجسيمة في الأموال والأرواح والأسلحة والآليات والهيبة والمكانة الدولية على أيدي المقاومة الوطنية العراقية، قد أرغمت أمريكا على تغيير مجرى سياستها الخارجية :

أولا- تغيير انماط سياساتها الاستراتيجية التدخلية .

ثانيًا- الأنكفاء نحو الداخل لترميم التصدعات الموجعة التي حلت بالبنية الاقتصادية والمالية والنقدية الامريكية وتدهور قيمة الدولار في العالم .

ثالثاً- الخوف من احتمال تراكم الضغط الذي قد يؤدي انفجارات عرقية في المجتمع الامريكي القائم على التمييز العنصري رغم القوانين التشريعية المقره.

رابعًا- الحفاض على قدر معين من التحالفات الخارجية والمحافظة على ما ترتجيه من صدقية في تعاملاتها مع دول الاتحاد الاوربي والآسيوي والافريقي، نتيجة عدم التزام امريكا بوعودها وضعف قدرتها على ضبط سلوكها وردود افعالها، فضلا عن فشلها في تحالفاتها الخارجية وفي مقدمة هذه التحالفات .. تحالفها مع ( التيار الأسلاموي ) منذ ما قبل عام 1979 حتى سقوط الاخوان المسلمين في مصر وفشلها الفاضح بابقاء تحالفها مع ( حزب الدعوة ) وهو خط من خطوط الأخوان المسلمين المؤدلج إيرانيًا ، وفشلها في سياستها الخارجية مع إيران وهي راعية للأرهاب.!!

إذن .. عقيدة الرئيس أو مبدأ الرئيس قد يشكل ثقلاً مهما في الأستراتيجية الأمريكية ( متوسطة المدى ) ، تتبناه المؤسسات الرسمية الأمريكية ( البنتاغون ومجلس الأمن القومي ووكالة المخابرات المركزية وتابعاتها والأستخبارات العسكرية والمؤسسة الصناعية العسكرية والخزانة ومراكز الأبحاث..إلخ ) .

فمبدأ ( مونرو ) مثلاً يفيد بـ ( أن القارة الأمريكية للأمريكيين ) ، وجذور هذا المبدأ تمتد إلى عام 1823 إبان استقلال دول امريكا اللآتينية من قبضة الأستعمار الأسباني، وهو يهدف إلى منع التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي لدول القارة الأمريكية وخاصة فرنسا وبريطانيا بعد تراجع اسبانيا .. ومصدر افكار هذا النبدأ جاءت من سياسيين وباحثين ومفكرين وكان ابرزهم ( جون آدمز ) .

أما مبدأ ( كارتر ) فينصب على منطقة الخليج العربي باعتباره يمثل ( مصلحة حيوية ) لأمريكا وان أي تدخل خارجي في هذه المنطقة سيجابه بكل الوسائل الممكنة والمتاحة بما فيها القوة العسكرية - مبدأ كارتر هذا أسقطه بالضربة القاضية مبدأ أوباما - ويستند مبدأ كارتر على ثلاثة عناصر أساسية :

1- نفط الخليج العربي .

2- حماية خطوط امداداته وتسويقه .

3- حماية أمن الكيان الصهيوني .

أما ( مبدأ أوباما ) الذي اعلنه مؤخرا خلافا لأعلانات الرؤوساء الامريكيين السابقين الذين يعلنون مبادئهم بعد توليهم مناصبهم الرئاسية ، وليس عند خروجهم ، ليوضحوا طبيعة نهجهم السياسي الخارجي ، فقد تضمن عددا من العناصر التي تبنتها المؤسسات الأمريكية آنفة الذكر :

أولاً- تغيير نهج السياسة - الأستراتيجية الأمريكية من المنطقة صوب المحيط الهادي ودول العمق الآسيوي وتحولاتها الـ ( جيو- إقتصادية ) المتطورة .

ثانيًا- الأتجاه نحو تطوير العلاقات الامريكية مع دول القارة الأمريكية ( القارة الأمريكية أولاً- مبدأ مونرو- ومثل هذه العودة الى هذا المبدأ يعني الشعور بالخطر من احتمال تفكك دول القارة ) ، المكسيك في المقدمة تليها كندا وبعض دول امريكا الجنوبية .

ثالثًا- تأكيد عدم التورط في حروب خارجية، شريطة أن لا يكون هنالك تهديدا للأمن للأمن القومي الأمريكي .. من أجل بناء الوضع الداخلي الأمريكي والألتفات نحو ترميم التصدعات الناجمة عن الحروب الخارجية .

رابعًا- المباشرة بتطوير الهياكل الاقتصادية والعسكرية الامريكية على وفق هذا المبدأ .. حيث اخذ منحى جديًا منذ الهروب الامريكي من العراق عام 2011 وتسليم العراق لأيران .

خامسًا- الحرب على العراق انعكست بصورة مباشرة على بنية المجتمع والمؤسسات الامريكية التي باشرت بمعالجة الكارثة الاجتماعية الناجمة عن مخلفات الحرب ( المعاقين والذين يعانون من أمراض نفسية وكلف علاجهم الباهظة ورواتبهم التقاعدية وتعويضات الحرب ورعاية أسرهم ..إلخ ) .

- تحول السياسة - الأستراتيجية الامريكية بدء عام 2011 , حيث شكل انعطاقًا حقيقيًا زعزع منطقة الشرق الاوسط، الامر الذي بلور هذه السياسة في داخل المؤسسات الامريكية، وان خطوطها، سالفة الذكر، قد أحكمت قبضتها بصورة يصعب خوض حرب خارجية من شأنها أن تعيق أو تزيد الطين بله، في الداخل الامريكي اقتصاديًا وماليًا ونقديًا واجتماعيً وبنيويًا ..إلخ .

- حالة التراجع الامريكي، التي اسميها بالآنكفاء نحو الداخل ومشاغلة الخارج بالغموض الفاضح قد تبلورت ملامحها نتيجة بروزعدد من وجهات النظر في كواليس الادارة الأمريكية السياسية والعسكرية على وجه الخصوص :

- عسكريو العمليات الخاصة والأستخبارات العسكرية باتوا يدعون القيادة السياسية في البيت الأبيض الى أهمية إيجاد خطوط مشتركة مع موسكو وعدم الدخول معها في صراعات غير مجدية، من أجل إرساء دعائم أو إيجاد حلول مشتركة لعدد محدود من الساحات المشتعلة في المنطقة .. إدراكًا منهم بأنهم غير قادرين على خوض حرب جديدة في هذه المنطقة، طالما أنهم بحاجة الى ترميم الداخل، وإن المنطقة تعج بالفوضى.. ولكنهم لم يستطيعوا أن يفصحوا صراحة بأن الوضع العسكري والأقتصادي قد تأثر تأثرًا قاسيًا بفعل المقاومة الوطنية العراقية الباسلة التي أرغمتهم على الرحيل عام 2011 .

ويتضح مما تقدم .. ان مبدأ ( أوباما ) بكامل خطوطه تقريبًا ، بعد أن تبلورت نتائج الصراع، التي افرزت حقائق على الارض، سيقدم في ملف الى الرئيس الامريكي القادم الى البيت الابيض، سواء كان ( ترامب ) ، الذي سيخلط الحابل بالنابل بعقلية سمسار عقارات أو ( هيلاري كلينتون ) التي سيحركها زوجها الرئيس الأسبق ( بل كلينتون ) كدمية نحو مسار جديد بعد ان اشعل ( بوش الأبن ) النار في المنطقة، فيما وضعها ( باراك أوباما ) على نار هادئة ريثنا تنضج الأحداث في ضوء ما تشتهيه ( إسرائيل ) .!!





السبت ٩ رجــب ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / نيســان / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة