شبكة ذي قار
عـاجـل










في ذكرى "الأربعين" لبدء العدوان الأميركي – المتعدد الجنسيات على العراق في التاسع عشر من آذار 2003، وقف الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش ليعلن انتصاره في الحرب، والإعلان كان من على متن إحدى حاملات الطائرات الأميركية في مياه الخليج العربي.

ذكرى "الأربعون" هي عادة قديمة من عادات الشرق، يقال أن الفراعنة هم من أخذوا بها "طقساً" لاعتقاد أن مدة الأربعين يوماً على الوفاة هي المدة التي يمكن خلالها أن تعود الحياة للميت، وإلا يكون انقضاء المدة دون "عودة الروح" إعلان تثبيت الوفاة. وقد درجت العادة في الشرق أن تحي ذكرى الأربعين وكثيرون لا يعرفون جذرها التاريخي.

أما وأن بوش أعلن انتصاره في الحرب بعد أربعين يوماً، ففي الأمر أدراكان. فإن كان يعرف بعادات الشرق وما تعني ذكرى الأربعين، فهو كان يقصد أن العراق مات وها هي ذكرى أربعينيته، وأن كان لا يعرف ، فإن العراقيين يعرفون ذلك، وأن ذكرى الأربعين التي أعلن الرئيس الأميركي انتصار بلاده، كانت عند شعب العراق إدراكاً استباقياً، بأنها ذكرى الأربعين هي بدء حفر قبر الاحتلال لدفنه وبعدما ثبت موات المشروع الأميركي بما هو كيان سياسي كان يحمل بين طياته عناصر أمانته، إلا وهي افتقاره لثلاثية المشروعية السياسية والأخلاقية والقانونية. وعندما يكون مشروع متسم بهذه الصفات فإنه يكون في حكم المنعدم. وهذا المشروع لم يندفع إلى القبر بحركة ذاتية تلقائية، بل بفعل مقاومة تصدت له وكانت قوتها مستمدة من ثلاثة عناصر أيضاً، هي ثلاثية المشروعية السياسية والأخلاقية والقانونية وما بين افتقار الاحتلال لهذه الثلاثية، وامتلاك المقاومة لها، انتصرت إرادة الفعل المقاوم وتحول إعلان بوش في ذكرى الأربعين يوماً على بدء العدوان إلى "ذكرى أربعين" إعلان الوفاة لمشروع الاحتلال والتي ستخط في قريب الأيام على جدارية كبيرة في ساحة التحرير في قلب بغداد.

ان هذا أن دل على شيء فإنما يدل على أن أميركا بما تملكه من إمكانات وقدرات وخاصة التدميرية منها، وما وفر لها من تسهيلات من دول الجوار الإقليمي وأن استطاعت أن تلحق ضرراً وأذى مادياً واقتصادياً واجتماعياً بالعراق، إلا أنها بقيت دون القدرة على تدمير إرادة الصمود والمقاومة لدى شعبه، وهذه مرده طبيعية الشعب العراقي الأصيلة المشبعة بالوطنية.

وان افتقار أميركا لثلاثية المشروعية السياسية والأخلاقية والقانونية. جعلها دون القدرة على فرض إرادة الالتحاق بها والارتهان لها من قبل شلل سياسية أثبتت سياقات الأحداق أنها تتقن جيداً فن السرقة والنهب والفساد والإفساد واشباع بطونها على حساب البطون الخاوية من ملايين الشعب العراقي الذي لم تجع أية عائلة منه طيلة فترة الحصار الظالم، وهي اليوم تنوء تحت ضغط الجوع والتجويع والتهجير والتشريد والمرض والبطالة وشراء الذمم والبحث عن كفيل في بغداد التي تلفها الحواجز الاسمنتية والمرء يستحضر الجدار العازل في فلسطين المحتلة.

إن كل ذلك يثبت بالحس والملموس أن العراق ومنذ وقع تحت الاحتلال، كان شعبه يدرك بحسه الاستباقي أن مصير الاحتلال إلى زوال وإلا لما انخرط في فعاليات مقاومته الوطنية، وكان صائباً في إدراكه الاستباقي بالمآل الذي سيصل إليه في ظل الأداء السلطوي لأطراف ما يسمى بالعميلة والسياسية. وهذا الإدراك نابع من فهم عميق لطبيعة العلاقة بين الأصيل والوكيل، بين الأصل والفرع، بين الباطل والحق.

فما بني على باطل يكون حكماً باطلاً، وعندما يكون الأصيل وهو المحتل مفتقر لثلاثية المشروعية السياسية والأخلاقية والقانونية، فإن الوكيل يكون على شاكلته.

هذا الكلام يقال، لأنه بعد ثلاثة عشر عاماً من العدوان على العراق يتكشف للداني والقاصي، أن أميركا التي غزت العراق لتدميره ونهبه نصبت عليه شللاً، أكملت عملية تقويض البنيان الوطني وأفرغت خزينة العراق وأفقرت شعبه ومارست وتمارس كل أشكال الفساد السياسي والإفساد الاجتماعي. وهذا ما جعل من العراق الذي كان يمثل موقعاً متقدماً بين أقرانه من دول عالم الجنوب يصنف دولة فاشلة وفق معايير الشافية وقواعد الحوكمة. وأن يصل الأمر بالشلل السياسية التي مارست كل أشكال العبث بأمن العراقيين السياسي والاجتماعي حد التصادم، فهذا ليس مبعثه الدوافع الوطنية ولا محاسبة الفاسدين المفسدين، ولا الاعتراض على سياسة الارتهان للخارج الإقليمي والدولي وخاصة الأميركي منه والإيراني بل للخلاف على تقاسم الحصص والمغانم من الجبنة العراقية.

وعليه، فإن من يرفض الارتهان والالتحاق للخارجين الأميركي والإيراني عليه أن يعبر عن ذلك بالموقف والأداء، وعندها يحكم على مصداقية سلوكه.

ومن يرفض الفساد والنهب في المال العام ويحرص على استعادة الدولة لدورها في إدارة شؤون البلاد والعباد، يجب أن يكون سجله السياسي نقياً من المثالب والشوائب، وسجله المدني خاليا ًمن أحكام الإدانة الشعبية على جرائم ارتكبت بحق الشعب بأفراده وقواه الوطنية الشريفة ومقدراته وخيراته.

ومن يرفض حكم الشللية عليه أن يكون منفتحاً على مشروع إعادة بناء الدولة على قاعدة المأسسة وليس الشخصنة وأن يكون مع إعادة الاعتبار لكل المؤسسات الارتكازية التي فرطها الاحتلال وبشكل خاص مؤسسة الجيش. أما أن يكون الخلاف على الحصص والمغانم فهذا ليس إلا ذراً للرماد في العيون ولحجب الأنظار عن المشكلة الحقيقية التي تستبطن الواقع لبعراقي اليوم.

وطالما أن المشكلة الحقيقية تكمن في رواسب الاحتلال الأميركي وإفرازاته والاحتلال الإيراني من الباطن وأدواته، فإن الحل يكمن بتنظيف العراق من رواسب الاحتلال الأميركي، وطرد الاحتلال الإيراني بكل تعبيراته، وإسقاط مفاعيل وتأثيرات أدواته، وهذا لا يكون إلا عبر إطلاق عملية سياسية جديدة، تكون البديل الموضوعي للعملية التي أفرزها الاحتلال الأميركي وهيمن عليها النظام الإيراني. وهذا البديل الموضوعي يكون بالعودة بالعراق إلى ما قبل تطبيق قانون بريمر وبروتوكولات سليماني وإسقاط كل مفاعليهما. ان هذا الاسقاط هو المدخل للمحاسبة والمساءلة ومن يكون صادقاً في انتهاج هذا السبيل عليه أن يلاقي قوى المشروع الوطني في ما تدعو إليه وهي أن يعود العراقيون إلى التظلل بالخيمة الوطنية الجامعة التي تقيهم عواصف الرياح الصفراء من الغرب السياسي والشرق الإقليمي وتحصّن ساحتهم من اختراقات القوى الطائفية والمذهبية على اختلاف عناوينها وتلاوينها ومصادر إرضاعها المحمولة على رافعات تدخل إقليمي ودولي.

إن المشروع الوطني الذي قدمته القوى التي أخذت عاتقها مقاومة الاحتلال الأميركي ودحرته، وكشفت مخاطر المشروع الإيراني على أمن العراق الوطني والمجتمعي والأمن القومي العربي وتواجهه على قاعدة موقف وطني شامل هو الذي يعيد للعراق مكانته، لأنه مشروع يستحضر عناوين القضية الوطنية بما هي قضية تحرير وتوحيد وحماية هوية قومية، وأهميته أنه مشروع عابر بمضمونه وابعاده للطوائف والمذاهب وكل عراقي مخلص يجد نفسه فيه وهو إذ يلبي الطموح الوطني فلأنه يحوز على ثلاثية المشروعية السياسية والأخلاقية والقانونية وهو ما يحتاج إليه العراق ليخرج من أزمته ويضع حداً لمعاناة شعبه التي طالت كثيراً.





الثلاثاء ١٣ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة