شبكة ذي قار
عـاجـل










وقعت، قبل مدة، على نص كتبه أستاذ الاجتماع البرفيسور عبد السلام الطائي ووجدت أنه يعد فيه حسون الأمريكي وجيل البريكية الشرارة الأولى أو ( الموجة الأولى ) من زراعة إيران لخلاياها السياسية والأمنية النائمة في العراق، ويعد الانتفاضة الشعبا / يرانية ( الموجة القصيرة الثانية ) ، وميليشيات العملية السياسية التي تصول وتجول في مدن العراق، اليوم، قتلاً وتخريباً ( الموجة شبه الطويلة الثالثة ) ، ويصف جيل الكبسلة بأنه ( الموجة الطويلة الرابعة ) جغرافياً وزمنياً.
والواقع، إن في تحليل البرفيسور الطائي عمقاً ودقة لكننا لا نستطيع معرفة ما يرمي إليه إلا إذا عرفنا ما ورد في النص من أسماء ومصطلحات، فحسون الأمريكي كان في ستينيات القرن الماضي ظاهرة بغدادية.. شاب متمرد، في مظهره وتصرفاته التي يقلد فيها الأمريكان، على المجتمع، وكان يذرع شوارع بغداد طولاً وعرضاً بملابسه الغريبة، غير آبه بتعليقات من يراه وقسوة ملاحظاته. أما ( البريكية ) فظاهرة برزت أواخر ثمانينيات القرن الماضي مثلها شباب من مناطق عراقية فقيرة استثمروا غرابة الظاهرة الفردية لحسون الأمريكي، فلبسوا سراويل الكاوبوي ( الجينز ) الضيقة وصففوا شعورهم بنحو مختلف عن الآخرين، وأحاطوا معاصمهم بالأساور ورقابهم بالقلائد وكان بميسورك أن تعرفهم من طريقتهم في الكلام والحركات والمواضيع التي يتداولونها، فهم يتوحدون فيها، ولهم عبارات خاصة يستعملونها لا يستعملها سواهم.

كان أؤلئك الشباب يتجمعون مكونين حلقات ليرقصوا على أنغام موسيقى ( البريك دانس ) في أماكن مختلفة، ومعظمهم كان عاطلاً عن العمل أو هارباً من الجيش إبان الحرب العراقية الإيرانية، وتتلبسه حالة من الشعور باليأس والإحباط والنظرة السوداوية للحياة والمجتمع والمستقبل.

أطلق العراقيون، وقتها، على هؤلاء الشباب اسم ( البريكية ) ، نسبة إلى ( البريك دانص ) وأصبحوا، حينها، ظاهرة شاعت بنحو واضح مما جعل الحكومة العراقية تنتبه إليها وتسعى إلى معالجتها عن طريق وزارة الداخلية وتنظيمات حزب البعث الحاكم، وكان الوزير يومها عضو القيادة العليا في الحزب سمير الشيخلي الذي كلفته القيادة بإيجاد المعالجات اللازمة لهذه الظاهرة، فانشغلت أجهزة الوزارة بالتنسيق مع المنظمات الحزبية بملاحقة البريكية في كل زاوية وشارع لترمي بهم في مواقف مراكز الشرطة.

ويرى البروفيسور الطائي أن إيران نجحت بخبثها المعهود باغتيال فرحة انتصار العراقيين على عدوانها، من خلال صناعة هذه الظاهرة وتطويرها كمنظومة من الخلايا النائمة من البريكية الجديدة والعاهرات والمنحرفين وعدّها "الموجة الأولى"، التي ظهرت خلال الحرب العراقية الإيرانية.

أما الموجة القصيرة الثانية فهي ما أطلق عليها موجة ( الانتفاضة الشعبا / يرانية ) ، ويقصد بها التمرد الذي ساد الكثير من مدن العراق عقب انسحاب القوات العراقية من الكويت في العام 1991، والتي تسميها الأحزاب الحاكمة في العراق اليوم ( الانتفاضة الشعبانية ) وكان النظام، وقتها، قد سماها ( صفحة الغدر والخيانة ) و ( الغوغاء ) ، الذين سيطروا على محافظات بكاملها وعاثوا فيها فساداً وحرقاً وتخريباً بدعم واضح من إيران التي زجت فيها تنظيمات كانت ترعاها مثل بدر والمجلس الأعلى وحزب الدعوة، ولكن النظام، حينها، استطاع استعادة الأمن في تلك المحافظات، وهرب ( الغوغاء ) إلى إيران والسعودية التي أسكنتهم مخيماً عرف باسم ( مخيم رفحاء ) .

والمفارقة، إن هؤلاء الذين ولغوا في دماء العراقيين وأحرقوا دوائر الدولة وخربوا الحياة في المحافظات العراقية التي سيطروا عليها كرمتهم حكومة العبادي، الأسبوع الماضي، بـ ( 70 ) مليون دينار لكل منهم بالإضافة إلى راتب تقاعدي يتقاضونه شهرياً.

وعدّ البروفيسور الطائي ميليشيات أحزاب العملية السياسية الحالية في العراق وميليشيات الحشد الطائفي الايرانية ( الموجة شبه الطويلة الثالثة ) ، بينما عدّ جيل الكبسلة بأنه ( الموجة الطويلة الرابعة ) جغرافياً وزمنياً، وهو يعني بـ ( جيل الكبسلة ) ، أولئك الشباب الذين يتناولون المخدرات والحشيشة، التي نشطت إيران بعد احتلال العراق في تسريبها إلى المجتمع العراقي، وهؤلاء يسهل توجيههم إلى أي هدف قذر لتنفيذه حتى تفجير أنفسهم وسط تجمعات بشرية وهم لا يشعرون.

الحقيقة، إني في أواخر ثمانينيات القرن الماضي كتبت مقالات عديدة عن ظاهرة البريكية، ونبهت إلى خطورتها، وقد ورد ذكر لذلك في نص البروفيسور الطائي.

إن تلك الدراسة كشفت عن خبايا حقيقة ظاهرة ( البريكية ) ، وأفرزت اللون الداكن للمليشيات الطائفية التي يعاني العراقيون من ممارساتها الشاذة والوحشية، الآن، وهذه الدراسة تصلح أن تأخذ بها الدول العربية للتعرف على الأساليب الخبيثة للمشروع الإيراني ووقاية مجتمعاتها منها، ونسأل الله أن ينقذ العراق من مخلفات الاحتلال وإفرازاته لكي لا نبتلي بالموجة الخامسة من البريكية، والتي لا نعرف كيف ستكون، لكننا موقنون أنها ستكون أشد أذى وأقوى وطأة على مجتمعنا العراقي .





الجمعة ٩ جمادي الثانية ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة