شبكة ذي قار
عـاجـل










عمليات الثأر والانتقام في مدن محافظة ديالى وخاصة المقدادية وحزام بغداد، والتي تنفذها المليشيات التي تتحرك على وقع إملاءات إيرانية، وتتحين الفرصة لوقوع أي حادث تفجير أو عارض أمني، لتنطلق في إشاعة جو إرهابي تطلق لعناصرها العنان للقتل والخطف والتهجير والسلب والتخريب والتدمير، والسطو على ما تبقى من ممتلكات خاصة لأناس لا صلة لهم بما حصل لا من قريب ولا من بعيد، بل إن كثيرا من الأحداث التي تشهدها هذه المدن يلفها غموض وتثار بشأنها تساؤلات مشروعة عن حقيقة الدوافع لتنفيذها والجهات التي تقف وراءها والأهداف المبيتة من ورائها، لأنها تحصل كلما ظهرت مؤشرات على تراجع مستوى الاحتقان الطائفي المجتمعي، وهبوط مستوى حرارة الأزمة الأمنية، فيقع تفجير يشعل المنطقة ويخلط الأوراق ويعيد الأزمة إلى خط البداية ونقطة الصفر.

هذا ليس معناه أن الحكومة تبذل مساعيها لإيجاد حلول واقعية لأزمات المجتمع العراقي، بل إن ما يحصل من تفاهمات على مستوى المدن والقرى، هو حصيلة جهود بناءة تبذل من قبل أطراف محلية ترى أن العنف ليس هو الخيار المفضل والبديل عن التعايش بين المكونات وأن أحدا لن يستطيع حذف الآخر من الخارطة السكانية والاجتماعية والسياسية في البلد الذي لا خيار فيه أمام المواطنين إلا التعايش المبني على أساس احترام الجميع لحقوق الجميع وعدم تحيّن الفرص للسطو على بعض منها أو الانقضاض عليها.

الحكومة الحالية كما هو شأن كل حكومات ما بعد الاحتلال، كانت سببا مباشرا في إثارة الانقسامات الطائفية والعرقية والعشائرية والمناطقية والمدائنية أو طرفا فيها عن طريق تغذيتها وإذكاء نارها أو على الأقل الاستهانة بها وبما يترتب عليها من نتائج وعدم التعامل معها بجدية، على الرغم من معرفتها بأنها "أي الحكومة" لا تستطيع مواصلة لعبة فرق تسد إلى ما لا نهاية، ومن أجل تحقيق أهداف دول أو قوى خارجية تكمن مصلحتها في إبقاء العراق ضعيفا منقسما على نفسه متخاصم مع بعضه ويعيش حالة احتراب داخلي ومشغولا بأزماته السياسية والأمنية والاقتصادية كي لا يجد فرصة لاستعادة دوره في المنطقة العالم كقوة توازن استراتيجي وصد لكل الأطماع والمشاريع التوسعية الأجنبية في الوطن العربي، هذا معناه أن من يتوقع أو ينتظر الحل والإصلاح في كل محاوره من حكومة بهذه المواصفات وهذه الخلفيات كمن يراهن على إنتاج الخبز من الرمل أو يستخرج الماء من الحديد، وبسبب المسؤولية المشتركة قانونيا وأخلاقيا لجميع الكتل والأطراف التي شاركت في ما وصل إليه العراق من مآس، فإنها جميعا سوف تضع العراقيل على طريق أي إصلاح مقترح، بما في ذلك القوى التي حاولت القيام بخطوات استباقية للانتقال من دور الشريك الحقيقي في الجريمة إلى دور القاضي الذي يفصل في الحادث وكأنه برئ من كل ما حصل، فزعيم التيار الصدري على سبيل المثال بانتقاله من مقره في النجف إلى ساحة التحرير للأسبوع الثاني على التوالي يريد أن يبعث برسالة إلى الشعب العراقي وحكومة حيدر العبادي والكتل المشاركة في العملية السياسية، بأن تياره لا يتحمل أي قدر من المسؤولية القانونية والأخلاقية عن التداعيات والانهيارات التي عاشها العراق على كل الأصعدة منذ عام 2003 وحتى اليوم، على الرغم من أن الجميع بمن فيهم الصدر نفسه، يعرفون بأن هذا التيار شريك في كل الحكومات أو الانتخابات التي جرت بعد الاحتلال، فكيف تحول الجاني من موقع الجريمة إلى كرسي القضاء ليوزع التهم على الخصوم والحلفاء من دون أدنى شعور بالحرج أو الخجل، في عالم لم يعد ممكنا فيه إخفاء الحقائق مهما صغر شأنها، فكيف بالفضائح الكبرى التي قادت البلاد إلى قعر الهاوية التي استقر بها أخيرا؟ وهل يظن مقتدى الصدر أنه سيحقق هدفه في تبرئة نفسه وتياره من الجرائم والانتهاكات والفظائع التي ارتكبها جيش المهدي بعد الاحتلال وخاصة الاحتراب الداخلي من 2006 إلى 2008؟

يلاحظ المراقبون أن جميع زعماء الكتل المشاركة في عملية تدمير العراق يتحدثون كثيرا عن دعمهم لما يسمى بفكرة الإصلاح التي طرحها حيدر العبادي ولم تنضج وتتحول إلى خطة واضحة المعالم، غير أن هؤلاء ليست لهم إرادة حقيقية للمضي في هذا الطريق لأنهم منتفعون من احتكار السلطة وامتيازاتها المالية، وتبدو تصريحاتهم عن المطالبة بالإصلاح مثيرة للشفقة لأن كل واحد منهم يسعى لاستمرار مكاسبه السياسية والمالية وفي الوقت نفسه الظهور بمظهر المصلح الحريص على وضع حد للفساد المالي والإداري والسياسي مع أنهم من صنعه وشرعنه ووفر له مظلة الحماية من أية ملاحقة قانونية أو سياسية أو جنائية، فهل يمكن الجمع بين النزاهة والفساد في طرف واحد وفي وقت واحد ومكان واحد؟





السبت ٢٦ جمادي الاولى ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أذار / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. نزار السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة