شبكة ذي قار
عـاجـل










{{ أن المغلوب مولع أبداً بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته و سائر أحواله و عوائده }}
ابن خلدون : الفصل الثالث و العشرون من مقدمته

في العموم لا يستطيع متبعي منهج التفكير الإسلامي المنغلق في جوانبه المتحجرة ، و لا أولائك متبعي المنهج المادي الماركسي في قرأتهم حوادث التاريخ و الواقع ... أي لا المنهج المستنسخ عن القديم و لا المنهج المستنسخ عن الحديث أن يقرأ أو يكتب تاريخ العرب لا قراءة و لا كتابة علمية و موضوعية ... لسبب بسيط و بائن في قراءة كل منهما فأصحاب المنهج الديني يسقطون في تفسيرهم للتاريخ و حوادثه عوامل القومية و الإجتماع و الإقتصاد معتبرين أن العامل الروحي ــ الديني ــ هو عماد صيرورة الأمم في نهوضها أو انحدارها و تفسخها ،مقابل اعتبار أصحاب المنهج المادي الماركسي شكل من أشكال الرد الغير متزن باعتبارهم صيرورة و تكون الأمم في صعودها و تقدمها أو اخفاقها عماده التفسير المادي للتاريخ مع اسقاط تام للإعتبارات الروحية و المعنوية و فعلها المتجذر في حياة الأمم .

جماعات التفكير الغيبي إن كانوا سلفية أصولية أم دعاة الوسطية كما يردد بعضهم في تناولهم تاريخ الأمة العربية يركزون علي تصوير العرب علي أنهم أمة متفسخة عند ظهور الإسلام ... الي الحد الذي جعل الله يختار أن تكون رسالته الخاتمة تنزل علي أكثر أمم الأرض تفسخا و أكثرها ظلما و تردي اجتماعي قصد تعميم الإصلاح الإنساني ... تحت طائلة الإعتقاد المنحرف من أن هكذا تصوير للعرب يجعل من هكذا تفسير يوفر لهم الأسس الصلبة التي تجعل من دعوتهم الإسلامية تكتسب مشروعيتها الدنيوية ؛ و ينسون من أنهم يرتكبون بفعلهم الخطأ القاتل لدعوتهم و ينزلون بالكمال الإلاهي في كل تجلياته إلي ما دون العقل الإنساني في ما عرفه من نزوع إلي المنطق ؛ لكون المنطق و الواقع يسفه هكذا قول و رؤية إذ يقول :إن ثورات الأمم لم تحصل و لا تحصل الا إذا واجهت أمة من الأمم صعوبات كبيرة و ضائقة غير عادية لكي تثور ، و حتي تثور و تكون لها رسالة و دور انساني شامل كالرسالة التي مثلها الإسلام يجب أن تكون لها مكونات داخلية حية و فاعلة تجعلها قادرة علي حمل الرسالة و تأدية دورها في جانب و في جانب ثاني يجب أن تكون الحالة التي تعرضت لها كأمة هي حالة عارضة و خارجة علي طبيعتها و مرفوضة جعلت الثورة عليها واجبة و ضرورة قائمة ...كما حصل في ثورة الإسلام ... و بذلك تمازجت عوامل قدرة الأمــــة علي تأدية الرسالة و حملها مع الظواهر السلبية للممارسات العارضة في حياة الأمة لتؤسس للأرضية و الدور الطلوبين حيث وضع الله الرسالة السماوية الخاتمة .

في حين يتجه أنصار التفكير المادي التاريخي الي اعتبار العقل العربي من النوع الذي لا يحتسب التعقيدات أي عقل غير مركب و بصيغة أدق عقل لا يقرأ الأحداث بمنطق الصفحات المتعددة و لا يحتسب في التحليل الصفحات بصيغة مركبة أي عقل سطحي ... إنطلاقا من استنساخهم لمركزية الذات الأوروبية في جوانبها الفكرية قياسا ... متناسين من أن الحضارة عامة و الحضارات العربية بخاصة تؤكد و بشواهد و أدلة مادية صامتة أو مكتوبة ملموسة من أن الأمـــــة العربية حسبت الصفحات و الإحتمالات في كافة شؤون الحياة و العلم و في أدق جزئياتها في الوقت الذي كانت فيه جميع الأمم الأخري تعيش مراحل مظلمة و درجات تخلف غاية في الإنعدامية لا فقط ماديا و إنما معنويا ... لذلك نراهم يتجهون قراءة و تحليلا الي عرض رؤاهم بصيغة وجهات نظر مختلفة و احتمالات عديدة تفسيرا لحادثة مستقاة من فترة معينة ليعمموها علي باقي الفترات كشاهد قصد طمس ما هو مضيء و مشرق في تاريخ الأمة و تسقيط ما يمثله عهد الرسالة و أثره الإجتماعي فيها .

إن واقعنا اليوم يؤكد من أننا كعرب أصحاب النظرة الصائبة لحياتنا ؛ تأكيد يلزمنا بابقاء باب الإجتهاد مفتوحا لأجل أن لا تتحول نظرتنا كفكر عربي يتقصد تثوير ارادة الأمة و جعلها تنقلب علي واقعها الفاسد و المتردي و تقف ثائرة علي ما يعترضها من استهدافات اقليمية أو دولية إلي مذهبية جامدة و نقتل روح المبادرة و الإجتهاد و نقتل عملية التطور أو نضع العراقيل أمامها بما يؤخرها كما فعلت و تفعل بعض الحركات السياسية و الإجتماعية الموجودة الآن أو تلك التي ظهرت و اندثرت منذ وقت طويل.

لذلك نقول لكي لا يبدو حضور الأمـــة العربية التاريخي و كانها تخليق مفتعل تحت طائلة ثورة الإسلام بما يقوي منطق الغيبية و السلفية بفرعيها الأصولية و الوسطية ؛ بما يعني أننا لا نعدو أن نكون الا شكلا من أشكال الأحزاب الدينية ، يجب أن نهتم بتاريخنا القديم باعتبار أن كل الحضارات الأساسية التي نشأت في الوطن العربي ما هي إلا تعبيرا عن شخصية أبناء أمتنا الذين نبعوا من ذات الأصل الواحد ... دون أن يلغي ذلك فهمنا نعم من أنها كحضارات ذات خصوصية وطنية قطرية أو اقليمية علي مستوي وطننا الكبير ... و الخصوصية الوطنية أو الإقليمية هي جزء مكون للسمة القومية الشاملة و الأعم التي يبقي الإسلام روحها .

كما يجب أن نعمل رؤية و صياغة للمواقف علي غلق باب الإستنساخ علي الآخر دون رجعة حتي و هو يتقدمنا معرفة حتي لا تنطبق علينا مقولة ابن خلدون التي سقتها أعلاه باعتبار أن منطق التاريخ لا يؤشر علي أن أمتنا اليوم مغلوبة علي أمرها و لا عاشت حتي في فترات الإنحطاط ظاهرة الأمة المغلوبة لكونها كأمة لو قدر و أن عاشت ظاهرة كذلك لما كنا اليوم نشكل ظاهرة أمة تعيش جملة تجاذبات متراكبة بعضها داخلي يؤشر حيويتها و درجة تحفزها للنهوض حتي و ان اتخذت هذه الحيوية و درجة التحفز صيغة التقابل ؛ و أخري خارجية تستهدف اجهاض درجة تحفزها هذا أو تحريفه من التقابل المتفاعل الي التقابل المنفعل تشترك فيها قوي و اطراف دولية و اقليمية .

و مثلما ينطبق هذا الكلام علي تاريخنا في عمقه الماضي فهو ينطبق رؤية و واقعا علي ما هو قائم حاليا ؛ و بنظرة عابرة يسجل الكل العربي من أن :

أولا = القوي الدولية الكبري و توابعها الإقليمية تتعامل استهدافا مع هذا الوطن كوحدة متماسكة من خلال خطة استراتيجية واحدة لكل أجزائه ــ أقاليم أو أقطار ــ بينما يعيش الشعب في هذا الوطن الكبير في اطار أكثر من عشرين وحدة سياسية مفتقدا التوافق علي استراتيجية عربية مشتركة في صيغتيها سواء الشعبية أو الرسمية .

ثانيا = حتي وقت قريب و بالذات قبل ظهور "الشركات الإرتزاق الأمنية بصيغة مقاولات جهادية و ميليشيات ولاية الفقيه" اعلام القوي الدولية و الإقليمية لا يميز بين أبناء الوطن العربي لا من حيث المعتقد الديني و لا بما يتخلل المعتقد هذا أو ذاك من مذاهب ... اذ كان يجمعنا في ما هو سيء و لا أخلاقي ترفضها قيمنا المجتمعية موروثا و تربية قائمة عند كل منا ... ويفرقوننا فيما هو مشرق و ابداع ؛ و أذكر في ذلك حالتين حصلتا في نهاية سبعينات القرن الماضي ... الأولي عندما وقع أحد تجار المخدرات التونسي الجنسية في ألمانيا سنة 1979 في مواجهة مسلحة مع الشرطة الفدرالية الألمانية حيث قتل ... فنزلت الصحافة في اليوم التالي بمنشيتات كبري " علي القرقني تاجر المخدرات العربي تتمكن شرطتنا من ازاحته قتلا" ( تفسير القرقني نسبة الي جزيرة قرقنة علي سواحل تونس الشرقية في مواجهة مدينة صفاقس ثاني أكبر مدن تونس ) ... الثانية وفي ذات السنة و ليس ببعيد عن الحادثة الأولي تمكن أحد الطلبة العرب من ذات القطر التونسي من وضع برنامج متطور بصيغة تكييف آلات في محطة نووية جنوب فرنسا تؤشر حالات الخلل قبل حدوثها اعتمادا علي معادلات في الفيزياء ــ الرياضية . فكان الإعلام عنها بصيغة تونسي تتلمذ بعد انتقاله الي فرنسا لمواصلة دراسته في جامعات فرنسا تمكن و نتيجة النظام التربوي الفرنسي المعتمد في تونس من تحقيق اكتشاف هام ... الألمان لم يترددوا في اضافة جملة أخري للخبر تقول التالي ... و في ظل اختباراته قضي هذا التونسي المولد أكثر من شهرين في محطة كارلسروه الألمانية ... بما يضفي علي الخبر أن هذا التونسي لو لم يكن البرنامج التربوي الفرنسي و لا اختباراته في محطة كارلسروه الألمانية ما كان ليحقق ما حققه من ابداع .

بما عرفته الساحة من تنامي شركات الإرتزاق الأمنية في صيغها كمقاولات جهادية في جانب و ميليشياوية في الجانب المقابل تحول الخطاب من توسيم العربي بما سبق ذكره الي تعميم التوسيم لكل المسلمين بغض النظر علي المذهب و الفرقة التي ينحدر منها . لنصبح نحن متبنين لذات الخطاب دون وعي بما يتقصده من فعل . لننسي تحت تأثير هكذا خطاب ثوابت فكرية و سياسية بكل أبعادها القيمية و الأخلاقية ليس عربيا فحسب و إنما عالميا : كمعادة الإحتلال و الإستعانة بالأجنبي ان كان اقليمي أو دولي ، و تحولت الخيانة للوطن و الأمة من جريمة الي وجهة نظر تحت لافتات " الديمقراطية و حق الإختيار" و القبول بالمتجنس في هرم الإدارة و السلطة أيضا " كما هو في العراق و تونس اليوم "؛ هذا المتجنس الذي رفض أجدادنا و خاضوا في سبيلها التظاهرات و الإحتجاجات ضد المستعمر و قدموا حتي الشهداء حتي لا يدفن في مقابر الأهالي باعتبارهم من جنسية المحتل ــ مقابر الشهداء في المكنين و المنستير من القطر التونسي تعبيرا ملموسا علي ذلك ــ ، لا بل نري اليوم بعض العملاء يدفنون في حياض مقدساتنا تكريما لعمالتهم و تيمما بسلوكاتهم المنحطة " كالجلبي و دفنه في مرقد الإمام موسي الكاظم ــ كرم الله وجهه ــ ".

سؤال لدعاة : الفكر الغيبي بكل طوائفهم و للأمميين دعاة العقل : ما هو تعريفكم للإحتلال و كيف يمكن مواجهته ... طالما ترون في ايران التي تحتل العراق و تعيث فيه قتلا و تهجيرا و تشريدا من خلال أذرعها الميليشياوية و تتدخل في سوريا و تدير حكومة لبنان من خلال ذراعها حزب الله و تساهم في تدمير اليمن من خلال "أنصار الإسلام " في صيغة تجاوزت تجاوزت نذالات الصهيونية التي تحتل فلسطين ؟

نريد حقا قراءة ذلك كموقف معلن يسجل ليقاضينا التاريخ و يقاضيكم أيضا حتي لا تفاجئوننا كعادتكم عندما ينقلب السحر علي متعاطيه بأنكم كنتم من أوائل الدعاة لمواجهة سحر الديمقراطية الغربية التي بشر بها الأمريكان في العراق خاصة و كل منكم ركب الدبابة الأمريكية منذ 2003 أو أتي في ظل غبارها ... سحر ديمقراطي تم الإتفاق عليه في طهران و بمباركة النظام الإيراني الذين تتوجهون له بدعواتكم قصد ادامته ... أم تراكم نسيتم دور ايران في احتلال العراق و الإجتماعات التنسيقية لذلك الإحتلال و أغرتم و لازالت تغريكم شعاراتها؟

d.smiri@hotmail.fr
 





الاثنين ١٤ جمادي الاولى ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٢ / شبــاط / ٢٠١٦ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة