شبكة ذي قار
عـاجـل










في اليوم التالي لفوز الجبهة الوطنية في المرحلة الأولى لأنتخابات المناطق بزعامة مارين لوبن خرجت ثلاث صحف فرنسية كبرى هي ليبراسيون ، لوفيغارو واللومانيتيه بنفس عنوان المانشيت في صفحاتها الأولى وهو “الصدمة”,لكن المتابع لما يجري في فرنسا منذ الثمانيات سيبتسم حتما لمثل هذا العنوان الذي يتوافق عليه اليمن التقليدي كما اليسار، لأن فوز اليمين المتطرف وفي مناطق كثيرة من فرنسا لا يمكن ان يقال عنه الا أنه امر طبيعي لكل ما جرى ويجري على مستوى السياسات الأقتصادية الليبرالية كما على مستوى الأعلام من عقود, فمن يزرع كره العرب والمسلمين ويستخدمهم ورقته للفوز بالأنتخابات ويطبع الخطاب العنصري ويهون منه ويؤيده هنا وهناك يحصد في النهاية فوز حزب الجبهة الوطنية “المتطرف” ؟

فلماذا “يتعجب ويصدم” ساسة ومثقفين هم انفسهم زرعوا الأحقاد والكره والعنصرية ونشروها بكل الطرق والوسائل من فوز اليمين المتطرف في أنتخابات المرحلة الأولى للمناطق ؟

ان مسؤولية اليمين المتطرف فيما يجري في فرنسا هي مسؤولية ضئيلة جدا مقارنة بسياسة الأحزاب التقليدية التي توالت على حكم فرنسا وحاشيتهم الثقافية من شاعلي الحرائق ونخب التحريض، زبائن استديوهات التلفزيون والبرامج الثقافية، وذيول منظري حرب الحضارات والخطر الأسلامي٫ بدءا ، دخل جان ماري لوبن رئيس حزب الجبهة الوطنية والد مارين في حلبة السياسة بأتهام اليمين واليسار على حد سواء بقضايا المهاجرين وتكلفتهم للفرنسيين ونفوذ اليهود في الدولة وخاصة في الأعلام, ليصبح حزبه تدريجيا فزاعة للناخبين من قبل خصومه وليستعمل في كل مرة لتخويفهم ودفعهم للعودة الى أنتخاب الأحزاب التقليدية الرئيسية,

, لكن لم تلبث موضوعات الجبهة الوطنية وخاصة موضوع المهاجرين والأسلام أن وجدت صدى حيث تلقفتها ثلة من المثقفيين العنصريين ,لتتبناها الأحزاب السياسية يسارها قبل يمينها، حتى أصبحت هذه المواضيع في قلب الحملات الأنتخابية وبفضلها يفوز هذا المرشح أو ذاك من اليمين كما من اليسار, ولم تعد برامج الأحزاب مهمة بقدر أهمية أثارة “الفزاعة “والتخويف من موضوع المهاجرين من العمال الذين يعملون على دفع عجلة الأقتصاد والحياة في فرنسا واستعمالهم – كبش فداء- هم ودينهم الذي “أكتشف فجأة” او “الأقلية” التي أصبحت مرئية “أكثر من اللازم” كما قيل من قبل “المثقفيين” العنصريين , هووؤلاء الذين وفي كل مرة يفرشون الطريق ويمهدونه للساسة بتنظيراتهم ورطانتهم التي تؤجج الأحقاد والكراهية وتصب الزيت على النار في كل حادث وفي كل مناسبة وحتى بغير مناسبة,لقد جعل الأعلام والمثقفيين موضوع العرب والمسلمين الموضوع الأكثر تناولا وتكرارا “وأصبح الفرنسيون من اصول عربية “سببا” لكل مشاكل فرنسا بدءا من الأندماج الى التعليم واللغة والدين والعلمانية , ان ما يقال عن وجود مشاكل ليس خطأ , بالفعل هناك مشاكل لكنها مشاكل كل الطبقة الفرنسية الكادحة والفقيرة والعمالية, ان كل الأحصائيات سواء في التعليم او الأندماج او حتى في مسألة الأرهاب تشير بالدليل القاطع ان هناك مبالغة مقصودة وتكرار مقصود وشيطنة لها أهدافها فقد أصبحت هذه المواضيع شاشات تضبيب لمشاكل أهم واكبر يعاني منها المجتمع الفرنسي كالبطالة وعدم وجود نمو كاف وضعف القوة الشرائية المرتبط بضعف الرواتب ونقل أهم صناعات البلد الى مناطق أقل كلفة مثل دول اوربا الشرقية او دول المغرب العربي وقلة دعم البحث في مختلف الميادين ,من بدأ الخطاب العنصري في الثمانينات هم ساسة الحزب الأشتراكي وليس اليمين ولا الجبهة الوطنية اذ صرحت وزيرة أشتراكية بأحتقار عام 1983 في أضراب عمال رينو ان المتظاهرين هم مجموعات- من المهاجرين مغاربة وجزائريين – دينية وسياسية تستند مطالبها على معايير لا علاقة لها بالواقع الفرنسي ,وهو رئيس وزراء اشتراكي للرئيس فرانسوا ميتران الذي قال ان جان ماري لوبن يطرح اسئلة محقة, بينما لم تنقطع القرارات المقننة وذات الطابع الهجومي على المهاجرين طوال العقود الأخيرة منذ عهد فرانسوا ميتران، فقد قال ليونيل جوسبان انه سيستمر بقوانين وزير الداخلية شارل باسكوا المشهورة بمعاداتها للأجانب وهو ايضا من صرح بأن الجبهة الوطنية ليست فاشية بل هي من أقصى اليمين ، وقد خسر جوسبان الأشتراكي الأنتخابات الرئاسية لأنه لم يذكر في خطابه وبرنامجه الأنتخابي ولا مرة واحدة كلمة العمال ولا الطبقة العاملة مما عد أمرا في منتهى الغرابة، مستهجنا ومن الأخطاء الكارثية على هذا الحزب الذي يتباهى بكونه جزبا جمهوريا ينادي بالمساواة والأخوة والعدالة, واستمر الحزب الأشتراكي مع فرانسوا هولاند على نفس نهج نيكولا سركوزي اليميني بما يتعلق بقوانين المهاجرين , بل انه اتخذ من مانويل فالس رئيس وزراء، كنسخة مطابقة لنيكولا سركوزي الذي أشتهر هو وفريق حكمه بكثرة وبسهولة أطلاقهم للتعابير العنصرية ضد الفرنسيين من العرب والمسلمين وبالأخص ضد ابناء الضواحي الفقيرة من العمال ، دون تجاهل تعابيره العنصرية حتى ضد وزيرته رشيدة داتي , أحزاب اليمين كما احزاب اليسار أعتمدت على منظرين وحلقات مثقفين عنصريون يهتمون بمواقعهم وبجيوبهم وبالدعاية ودعم المخططات الأمريكية والصهيونية في فلسطين والعراق والشرق الأوسط اكثر من تحليل الواقع الفرنسي على حقيقته وابراز مشاكله الأقتصادية التي هي سبب تذمر شرائح واسعة من الفرنسيين,لقد تخصصت هذه الفئة -التي يسميها باسكال بونيفاس رئيس معهد العلاقات الدولية بشاعلي الحرائق والمثقفين مزوروا الحقائق في كتابه Les Pompiers Pyromanes- بنشر الأكاذيب وتزوير الحقائق منذ سنوات عبر التلفزيون والقنوات الفضائية والمجلات والمقالات لتأليب الشعب الفرنسي على مواطنيهم من العرب والمسلمين فالبعض من هوؤلاء صحفيين تخصص بالتهجم على الأسلام وعلى الرسول -ص- ودعم كل ما يسيء للأسلام من رسوم كاريكاتير وندوات وشخصيات والصاق تهمة الأرهاب به والتنظير بأنه أمر بنيوي في العقيدة,بما يذكرنا بمحاضرة رئيس الأركان الأمريكي أدرينو يوما في جنوده في العراق، وبعض من يسمي نفسه فيلسوفا ينظر في برامجه ومحاضراته وكتبه بعدم توافق دين وحضارة اسلامية مع الحضارة الغربية “المتحضرة “ وعن الهوية الغربية “البيضاء” ونسى يوما انهم كانوا هو وأمثاله من أشد أعداء “الهوية الوطنية الفرنسية ” وأنهم في زمن ليس بعيد نعتوا كل من يتكلم عن الهويه الوطنية بالفاشية والنازية , ولم يكتفي هوولاء العنصريون من مثقفي تصادم الحضارات بالهجوم على الفرنسيين من اصول عربية بأنفسهم بل انهم استعملوا مجموعة غسلوا أدمغتهم بأفكارهم وفصلوا أئمة يلقنوهم خطب الجوامع بالأفكار الليكودية العنصرية والأستعمارية وقدموا لهم وظائف وأسسوا لهم جمعيات ليرسلوهم الى المحافل الدولية على أنهم ممثليين “للأسلام المعتدل المعدل وللسلام ” ليفرضوا على المشهد الأعلامي الفرنسي على أنهم من يمثل العرب والمسلمين, ومنع مجلس المؤسسات اليهودية ومثقفيه اعتبار الأعتداء على العرب والمسلمين جريمة, وكلما حصلت نقاشات حول العنصرية ضد العرب والمسلمين ينبري هوؤلاء للتصدي بقوة لها,بل انهم يفرضون اطروحتهم بعنجهية كبيرة من انه ليس هناك اي معادة وكراهية للعرب في فرنسا،وأن العرب يتمسكنون ويدعون انهم ضحايا, ليقولوا لنا فيما بعد بانهم من معادي السامية وهم سبب الكراهية المنتشره ضد يهود فرنسا , وصل بالفيلسوف العنصري من الأكاديمية الفرنسية ان نعت العرب بانهم” يولدون لاساميين” ٫ وهذه العبارة هي نفس عبارة شامير رئيس وزراء الكيان الصهيوني سابقا حول الشعب البولوني , وتذهب هذا الحلقات الى أبعد من ذلك حيث تدخل مجلس المؤسسات اليهودية لمنع اصدار قرار اقترح من قبل ستة نواب في بلجيكا لأعتبار الأسلاموفوبيا جريمة يعاقب عليها القانون دون أن يشكل هذا التدخل والأعتراض مشكلة لدى الديمقراطيين والعلمانيين والمدافعين عن حقوق الأنسان, أن هذا الخطاب العنصري الموجه لتأليب الفرنسين هو احد أهم أوجه المشكلة في العدد الهائل التي حصدته الجبهة الوطنية وبالتأكيد ليس كلها,

,ان تقدم الجبهة الوطنية في الجولة الأولى حصدت 6٫8 مليون ناخب ، وعدم فوزها بالجولة الثانية يترجم عدم ثقة الفرنسيين بالأحزاب التقليدية وأنفضاض الناس عنها، بل ان نسبة عدم التصويت الكبيرة ونسبة التصويت الأبيض- بطاقة بيضاء – في الجولة الأولى هي تعبير صارخ عن الهوة التي تفصل وتتسع بين الطبقة السياسية وبين الشعب بكل طبقاته وشرائحه أذا لم تكن التعبير الأحتجاجي الأكبر على هذه النخب,ففي استطلاع أجري العام الماضي أعتبر 87% من الفرنسيين بأن السياسيون لا يهتمون بقضايا الشعب او أن أهتمامهم قليل جدا ويعد هذا الرقم قياسيا في تدهور ثقة الناخب بالسياسة لم تعرفه فرنسا من قبل , كما أعتبر 60% منهم بأن اوضاعهم الأقتصادية ستتدهور في المستقبل,

ان تصريحات قادة الأحزاب التقليدية -UMPS- من اليسار واليمين بعد الجولة الثانية وفوز اليمن بسبع محافظات مقابل خمس محافظات لليسار تؤكد على هذا المنحى للناخبين فقد أنصبت على الأعتراف بعدم سماع هموم الناس وعلى أستمرار البطالة وتدهور التربية والتعليم, فقد دعى “الآن جوبيه” من اليمين “الى التجديد السياسي لأن هذه الحملة تظهر فشلنا في عدم جذب مواطنيننا” وقد ذهب جان لوك ميلنشون رئيس حزب جبهة اليسار بعيدا أذ أنه طالب بأستقالة ايمانويل فالس رئيس الوزراء وقال “ اننا بالكاد تجنبنا كارثة” أما فرانسوا فيون من اليمين فقد قال اننا في وضع مسدود تماما، ونحتاج قطيعة كاملة مع السياسات السابقة”,

علما ان الدولة الفرنسية قد أعطت لأصحاب القطاع الصناعي مبالغ هائلة تصل الى 280 مليار يورو لتشجيعهم على زيادة العمالة وتقليل البطالة لكن ايا من هذه المشاكل لم تعالج وبالعكس فأن البطالة تتصاعد يوما بعد يوما والشركات تستغني عن العمالة لزيادة ارباحها اكثر واكثر, ,كذلك وصل دعم البنوك خلال الأزمة الأقتصادية عام 2008 لمبلغ 300 مليار يورو ما ضمن لهذه البنوك اربحاحا واستقرارا ينقذها من الأزمات,بينما تتدنى أوضاع عدة ملايين من الفرنسيين الى الأسوأ تصل الى حد خط الفقر,هذه الأرقام الأقتصادية وحملات الأعلام المسمومة هي الأسباب الحقيقة لتراجع الأحزاب التقليدية وصعود حزب الجبهة الوطنية وليس فئة شعبية عمالية من اصول عربية لا حول لها ولا قوة ولا سلطة في اي مجال من مجالات الحياة,





الاربعاء ٥ ربيع الاول ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٦ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب ولاء سعيد السامرائي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة