شبكة ذي قار
عـاجـل










تميّز الجوار العربيّ الفارسيّ بنزعة عدائيّة أحاديّة طبعت تعامل الفرس مع العرب على مرّ التّاريخ رغم التزام العرب دوما بكلّ حقوق الجيرة وضوابطها. فلم تٌرصد حالة واحدة بادر فيها العرب لإلحاق الأذى بجارهم العاقّ والمتآمر الذي عمل كلّ ما في وسعه على بسط سيطرته على العرب بادّعاء تفوّقه الزّائف عليهم وبالتّالي أحقيّته في جعلهم مجرّد كيان ملحق بالإمبراطوريّة الفارسيّة..

إنّ المجال يضيق حتما بكلّ الجهود الرّامية لتقفّي آثار سلسلة الاعتداءات المتلاحقة والمتواترة منذ عصور ما قبل التّاريخ التي شنّها الفرس على العرب، فلقد هاجم العيلاميّون مثلا الحضارتين الآشوريّة والأكّاديّة وارتكبوا بحقّهما شتّى أنواع المجازر مستهدفين كلّ معالم الحياة إنسانيّة وحضاريّة وغيرها، كما تآمر السّاسانيّون الفرثيّون على حضارات بلاد ما بين النّهرين، وكان للفرس دور متقدّم في تدمير مملكة بابل بتحالفهم مع اليهود في أصفهان وفي بابل واستغلال الرّابطة بينهما لاختراق حصونها انتقاما من الأسر البابليّ لليهود ( المصطلح عليه بالسّبي البابليّ )، وكذا تحالف الفرس مع اليهود عند احتلالهم لليمن، وحارب الفرس بشدّة الحضارة الإسلاميّة انتقاما من فتح بلادهم وأسهموا في إسقاط الدّولة العبّاسيّة عبر اختراقها بواسطة الحركات الشّعوبيّة المتآمرة وسهّلوا غزو التّتّار لبغداد في حلقة خيانيّة هي الأشهر على مرّ التّاريخ، ولم ينقطع دأب الفرس في الانخراط حينا وريادة كلّ المخطّطات الهادفة لتهديد الوجود العربيّ أحيانا أخرى، فتحالفوا مع ملك البرتغال ومع الانجليز وغيرهما إبّان حملات الاستعمار التي استهدفت الوطن العربيّ في التّاريخ المعاصر..

لقد استغلّ الفرس كلّ مراحل الجَزْر التي عصفت بالعرب، ليحيكوا مزيدا من الدّسائس والمكائد الهادفة لتأبيد تلك الحالة وليحقّقوا أطماع الأكاسرة التي لا تشبع ولا رادع لها في السّيطرة على مقدّرات الوطن العربيّ واستعباد جماهير الأمّة العربيّة أملا منهم في تخطّي كلّ مركّبات نقصهم الحضاريّ الثّابتة والمؤكّدة التي يعانون منها كلّما قارنوا حضارتهم بحضارة العرب، فلا يخفى على أحد ما يكسر غرور الفرس وعنجهيّتهم وادّعائهم التّفوّق على العرب من عجزهم مثلا وعلى مرّ تاريخهم على الكتابة بغير لغة العرب سواء المسماريّة والآشوريّة العراقيّة قديما والأبجديّة العربيّة حديثا، وهو ما ضاعف من عقدتهم الأبديّة وحقدهم الأزليّ على العرب والعروبة..

كٌوفِئ الفرس مقابل كلّ خدماتهم المجانيّة لأعداء العرب في بداية القرن العشرين من طرف العالم الاستعماريّ وقتها بمنحه قٌطر الأحواز العربيّ ليبسط عليه طوقا عسكريّا حديديّا سعى عبره لطمس معالم عروبة الأحواز ولتغيير خارطتها السّياسيّة والدّيموغرافيّة تمهيدا لتفريسها فيما بعد. ولم يكتفوا بذلك بل احتلوّا الجزر الإماراتيّة الثّلاث وادّعوا أحقّيتهم في البحرين، كما سعوا لأكثر من ذلك..

تنامت وتيرة أحقاد الفرس الصّفويّين على العرب والعروبة عقب استيلاء العصابة الخمينيّة على الأحداث التي أطاحت بشاه إيران لتكشّر عن أنيابها الحقيقيّة فكان عدوانها الغادر على العراق كمقدّمة لمخطّط ضخم يرنو للسّيطرة على كلّ رقعة الوطن العربيّ.. إلاّ أنّ حلم المقبور الخميني اصطدم بإصرار العراق شعبا وجيشا ونظاما على إجهاض أحلام الخمينيّة الصّفويّة التّوسّعيّة ما جرّع رأس العصابة الآثمة السّمّ الزّعاف..

ورغم انحسار المدّ الخمينيّ وقتها، فإنّ الفرس لم يلؤوا الجهد والعمل على تحيّن الفرصة تلو الأخرى من أجل إحياء أحلامهم، وشكّلت الخطيئة الامبرياليّة الأكبر المتمثّلة بقرار غزو العراق وتدميره هديّة ثمينة تلقّفها نظام الملالي الإرهابيّ المتخلّف للانتقام من العراق وجيشه وشعبه ونظامه، حيث تعاونت إيران الشّرّ والرّذيلة مع العدوان الكونيّ على العراق وأسندته ماديّا ولوجستيّا ومخابراتيّا وعلى كلّ الأوجه..

مكّن انهيار الدّولة الوطنيّة العراقيّة بقيادة حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ ساسة الفرس وأذرعته العسكريّة المجرمة وميليشيّاته الطّائفيّة من تنفيذ سلسلة جرائم فاقت كلّ التّوقّعات بحقّ العراق شعبا وتاريخا وحضارات بعد قبولها بلعب دور المحتلّ بالوكالة عن الأمريكان البرابرة بعد هزيمتهم وفرارهم من العراق..

لم تتوقّف أطماع الفرس وأحقادهم عند العراق والأحواز من قبل، بل عمدوا إلى التّمدّد داخل أغلب الأقطار العربيّة في المشرق العربيّ فأثاروا الفتن وبثّوا القلاقل الطّائفيّة السّامّة في البحرين واليمن والسّعوديّة وأثخنوا جراحات شعب سوريّة الجريحة..

أخذت الفرسَ العزّةٌ بالإثم فباتوا يجاهرون بكلّ وقاحة وساديّة بافتخارهم بإحكام سيطرتهم المطلقة على أربع عواصم عربيّة كاملة ما دفعهم للتّصريح بانطلاقتهم في إحياء أمجاد الامبراطوريّة الفارسيّة وعاصمتها بغداد..

إنّ كلام الفرس عن امبراطوريّة فارسيّة تٌبعث من جديد لم يكن من قبيل الاستعراض أو المناورة، فلقد ثبّتت الوقائع والسّياسات الفارسيّة المنتهجة تلك التّصريحات..

إذ لم يعد كافيا بالنّسبة لمعمّمي طهران أن يبسطوا سيطرتهم عسكريّا على أربع عواصم عربيّة، فها هي الرّايات الفارسيّة الصّفراء الخبيثة تطلّ على المغرب العربيّ في عمليّة اكتساح ناعم ومموّه اتّخذ من الأقنعة السّياسيّة والأنشطة المدنيّة مِصْعَدا لها...

إنّ ما شهدته تونس خلال أيّام 2 و3 و4 ديسمبر 2015 وانعقاد مؤتمر لما سمّي بالجبهة الشّعبيّة القوميّة العربيّة وما أفصحت عنه أرضيّتها من دعم مطلق لإيران ولاحتلالها مكانة دوليّة تتوافق وحجمها ودورها، تتويج لسياسة التدرّج والمرحليّة التي تتّبعها الإدارة السّياسيّة والدّينيّة للنّظام الفارسيّ، وتنبئ عن عزم جدّي وحقيقيّ لحجم التّآمر الفارسيّ والهادف لذبح العرب والعروبة ووأد كلّ المساعي التي يخطّها العرب ومقاومتهم الباسلة عسكريّة وسياسيّة لكلّ الأجندات السّاعية لضرب المنظومة العربيّة في مقتل..

إنّ هذا المؤتمر الفارسيّ، والذي ضمّ الحوثيّين وحزب الله وجماعة عليّ سلمان وأتباع المنظومة الأسديّة يتوّج عزم إيران على مزيد فصل شطري الوطن العربيّ وهو ما يعانق المخطّطات الصهيونيّة العالميّة والامبرياليّة؛ وتعمل إيران في خطوتها هذه على نشر الطائفيّة لتفرقة جماهير الأمّة العربيّة في شطرها الغربيّ وهي المعروفة بتناسق دينيّ وتماسك مجتمعيّ تكاد تغيب فيه التّنوّعات الفسيفسائيّة التي تميّز المشرق العربي..

تستند إيران في مسعاها في التّمطّط في الشّطر الغربيّ على بعض الجماعات المستلبة والمنبتّة ذات القابليّة لبيع ذممها وعرض خدماتها على المزاد؛ وهي تلك الجماعات التي تقوم بالتّبشير الصفويّ في تونس مستغلّة هامش الحريّة الذي رافق الحراك الجماهيريّ في السّنوات الأخيرة فتعمل على استغلال المسألة السوريّة المتشابكة والمتداخلة؛ فلم تتورّع هذه الجماعات على الانتظام في جمعيّات وتسلّلت لهيئات مدنيّة واخترقت بعض الأحزاب ودجّنت أخرى وباتت صور المجرمين الصفويّين ترفع في شوارع تونس على غرار الخميني والخامنئي وغيرهما..

إنّ معالم نجاحات الفرس التّكتيكيّة في هذا الصّدد؛ تعمّقت وتعاظمت بانخراط ثلاثة أحزاب تونسيّة أحدها قوميّ ناصريّ ( التّيّار الشّعبيّ ) وباقيها ماركسيّ الخلفيّة ( حزب العمّال وحزب الوطنيّين الدّيمقراطيّين الموحّد ) ؛ بأن شاركت هذه الأحزاب في فعاليّات الجبهة الفارسيّة بلسان وثوب عربيّين للأسف الشّديد..

غاب عن هذه الأحزاب التّونسيّة كلّ الرّصيد الإجراميّ الفارسيّ بحقّ العرب والعروبة؛ وتعمّدوا تناسي ما يحتّمه عليهم مشروعهم الأصليّ من نهوض لتقلّد شرف مقاومة الاستعمار مهما كانت جبّته ولٌكْنَتٌه وقوميّته وبالتّالي الانتخاء لهموم أمّتهم وقضاياها..

إننا لا نعلم إن أسقطت هذه الأحزاب طابع إيران الفارسيّة الشّعوبيّ العنصريّ وهو ما لم تٌخْفِه قاداتها ومخطّطوها.. بل يبدو أكثر ما اكتنف خطوة هذه الأحزاب من غموض وتوجّس وريبة التّسويقات والتّبريرات التي سعت عبرها لتبرير ركوبها سفينة عدوّ تاريخيّ للعرب ألا وهو العدوّ الفارسيّ..

قد نعذر هذه الأحزاب إذا جهلت جرائم الفرس في المشرق العربيّ بحكم انقطاع التّرابط البشريّ والحزبيّ هناك لأنّها أحزاب قٌطريّة أو قوميّة بدون امتداد قوميّ لها على الأرض.. ولكن يكاد يكون محرّما على هذا الثّلاثيّ أن يجهل جرائم الفرس بحقّ الجماهير في المغرب العربيّ؛ إذ لا يمكن تجاهل الدّور القذر الذي لعبته إيران الشّرّ والرّذيلة في إذكاء الحرب في الجزائر طيلة العشريّة السّوداء حيث ساهمت في دعم الظّلاميّين الإرهابيّين ما اعتبرته الجزائر الرسميّة خيانة إيرانيّة ثابتة وتنّكرا لحيادها طيلة الصّراع الفارسيّ العراقيّ وهو ما صرّح به وزير الخارجيّة الجزائريّ الأسبق أحمد طالب الابراهيمي؛ وكذا عملت على ضرب استقرار المغرب الأقصى وبثّ نوازع الفتنة داخله ما دفع سلطاته لقطع العلاقات معها؛ وطبعا لم تشذّ عن ذلك النّهج التّآمريّ في تونس..

يغدو صادما حقا تعلّل الأحزاب التونسيّة الثّلاثة المشاركة في الجبهة الفارسيّة بالمواقف الإيرانيّة الممانعة وخاصّة فيما يخصّ القضيّة الفلسطينيّة..

وعليه يٌحتّم علينا هذا السّيل من المغالطات أن نستوقف ذلك الثّلاثيّ لنذكّره بأنّ استخدام قضيّة فلسطين كان وسيلة إيران الأغلى لإيهام البسطاء ومحدودي المعرفة والاطّلاع بانخراطها في مشروع مقاومة الاحتلال الصهيونيّ الغاشم.. وهنا نرفع أسئلة لا بدّ من الوقوف عندها طويلا:

١- هل بوسع إيران أن تسمّي شهيدا واحدا فارسيّا سقط في سبيل تحرير فلسطين؟

٢- هل من يمارس الاستيطان في الأحواز والعراق بجائز له أن يدين الاستيطيان الصّهيونيّ وبالتّالي هل يصدق في ادّعاء التّصدّي له؟

٣- ألم تنكشف أكاذيب الخمينيّة الصّفويّة وتسقط ادّعاءات تحرير فلسطين عندما أعلن الخميني عن نيّته تحريك جيوشه للقدس فاتحا محرّرا ودعاه إثرها الرّئيس شهيد الحجّ الأكبر لتحقيق ذلك واعدا إيّاه بفتح المجال العراقيّ ووضعه تحت تصرّفه وكذلك الجيش العراقيّ بإمرته؟؟ ألم تكن بعد ذلك وجهة الخمينيّة الصّفويّة الحقّة هي العراق؟؟

٤- أليس من القصور السّياسيّ والفكريّ أن يغدو الصّراع العربيّ الفارسيّ صراع حدود والحال أنّ الفرس يقرعون طبول الحرب أينما وجد العرب فلم ينجو من شرّهم حتّى الصّومال ولا السّودان؟ هل من تهديد وجوديّ للعرب أكبر من إغراق العراق وسوريّة بأزيد من أربع ملايين فارسيّ وباكستانيّ وغيرهم من الأقوام المرتزقة بعد حملة التّهجير القسريّ للسّكان الأصليّين؟؟

نتمنّى أن يثوب هذا الثّلاثيّ التّونسيّ لرشده ويتراجع عن المضيّ قدما في دفع مشروع سرطانيّ خبيث يعمل على تمزيق الأمّة العربيّة ؛ كما يتوجّب عليهم أن يدركوا أنّ الرّهان على تفريس المغرب العربيّ رهان فاشل وساقط بالأساس لأن عروبة المغرب العربيّ أشدّ ثباتا من حماقة ماركسويّة أو حَوَل قوميّ..

ونذكّر هنا بقول المفكّر الأستاذ ميشيل عفلق:
" ستشرق شمس العروبة من المغرب العربي "

حيث بات جليّا أنّ الفرس كما الأمريكان والصّهاينة وكلّ أعداء العروبة درسوا ويدرسون بعناية كل ما أنتجه حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ ويعملون بالتّالي على وضع كلّ العراقيل والمخطّطات الجهنميّة لتعويق تحقيق مشروع الوحدة العربيّة وكلّ الرّهانات التي تلبّي تطلّعات الأمّة العربيّة وجماهيرها على امتداد الوطن الكبير..

وفي هذا السّياق يتنزّل مخطّط الشّرّ الجديد المتمثّل في التّغلغل الفارسيّ بطرائق ناعمة في مغرب العروبة وذلك بتدجين أحزاب سياسيّة واختراقها وتجنيد الشّباب باستغلال تفقيره وبطالته وجهله بتاريخ أمّته وعدم قدرته على تحديد أعدائها والتّفطن لدسائسهم.. وتعتبر الجبهة الفارسيّة المنعقدة الأسبوع المنصرم في تونس العروبة بمشاركة الثّلاثيّ المذكور سابقا رأس الحربة في هذا المشروع التّآمريّ الفارسيّ الجديد..

إلاّ أنّه ورغم فلاح مرتزقة الفرس في إيجاد موطئ قدم مؤقّتا في تونس قصد جعلها منطلقا لتفريس كلّ المغرب العربيّ ؛ فإنّه سيبقى عصيّا عن التّفريس وسيبقى بالمقابل متمسّكا بعروبته مدافعا عنها بكلّ الوسائل..

كما سيبقى رهان المفكّر الأستاذ ميشيل عفلق ونبوءته قائمين؛ وسيظلّ المغرب العربيّ مشرق شمس العروبة ولن يكون أبدا قاعدة ولا معبدا توقد فيه نار الفرس المجوس مجدّدا.!!

فرياح فارس الصّفراء لن تهبّ طويلا في فضاء عمّدته دماء عمر المختار ومصباح الجربوع والأزهر الشّرايطي وفرحات حشّاد ومحمد علي الحامي والصّادق الهيشري وحسن المباركي ومحمد عبّان وأحمد بن بلا وددّوش مراد والمهدي بن بركة والعربي بن مهيدي والأمير عبد الكريم الخطابي وغيرهم..





الاربعاء ٢٧ صفر ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أنيس الهمامي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة