شبكة ذي قار
عـاجـل










وريث الأتحاد السوفياتي، الذي ظهر الآن بوجه إمبريالي في خارج حدوده الأقليمية، حتى أنه قد ابتعد كثيراً عن مجاله الحيوي صوب مياه البحر الأبيض الدافئة ، بذريعة محاربة الأرهاب، الذي لم تستطع أمريكا وحلفؤها إحتوائه وتقييده والقضاء عليه .. ومن هذا الباب جاء تفكير الكرملين بأن حملته العسكرية ( دفاعاً إستباقياً مستتراً ) ، قد تحولت بعد بضعة أسابيع إلى تدخل عسكري ثقيل يرتكز على مطارات ومنشاءات ومنتجعات عسكرية فضلاً عن تعزيز قاعدة جوية عسكرية روسية ( Russian Airbase ) ، بأسلحة صاروخية بالستية ( SA-21Growler ) ذات مديات محددة لها علاقة بنشر صواريخ حلف شمال الأطلسي في أوربا ومقتربات إستراتيجية، ليست بعيدة عن محيط دائرة القاعدة الصاروخية الروسية التي تأسست حديثاً والتي حددت إطارين ، الأول : بمدى يصل إلى ( Range 155 M ) والثاني : بمدى يصل إلى ( Range 250 M ) ، يغطي مواقع الصواريخ الغربية في قبرص وتركيا و ( تل أبيب ) .. هذا الأنتشار الروسي لا يمكن إعتباره سهلاً في ظل صمت أمريكي مريب وتردد أوربي واضح قبل أحداث باريس الأخيرة، التي أشعلت مشاعر العالم صوب تلبية الدعوة الروسية لتأسيس حلف جديد لمحاربة ( الأرهاب ) ، وهو الأمر الذي جعل فرنسا تنزلق نحو هذا الحلف لتنشق بالتالي وحدة القرار الأوربي حيال حرب يأخذ خط بيانها يتسع من حرب داخلية بين شعب يطالب بالحرية وبين نظام طائفي متوحش، إلى حرب إقليمية تجاوزت محدداتها لتظهر صراعاً عالمياً بالنيابة قد يشعل، كما يقول البعض، حرباً باردة أخرى تلبي طموح قيصر روسيا الجديد .. ولكن من المستحيل أن يصل الصراع إلى مستوى التصادم المباشر .. وكل هذه الصراعات تجري تحت خيمة الردع النووي الشامل المؤكد المتفق على خطوطه الحمراء .

التدخل العسكري الروسي المتدرج لحد الآن أنتج عدداً من ردود الأفعال .. بعضها في شكل رسائل تحذر الكرملن من التمادي في طموحات وإغراءات ما يسمى ملء الفراغ الناجم عن التردد الأمريكي والتشجيع بالإنسحابات وترك الملفات كما هي دون حلول بعد أن أوجدت الأدارات الأمريكية المتعاقبة على البيت الأبيض، الكوارث في العراق بإسقاط نظامه الوطني والتعمد في الأخلال بتوازن نظام الأمن الأقليمي في المنطقة وإطلاق يد إيران فيها بطريقة التعاون وإستخدام الأداة الطائفية لتنفيذ مشروعها ( الشرق الأوسط الجديد ) .. يمكن حصر ردود الأفعال أو الرسائل :

- إسقاط طائرة روسية مدنية في سيناء .

- إسقاط طائرة روسية مدنية في السودان .

- أسقطت تركيا طائرة عسكرية روسية مقاتلة في الأراضي التركية .

- أسقطت المقاومة الوطنية السورية المسلحة طائرتين حربيتين روسيتين ( سوخوي 24 ) في سوريا .

- أسقطت المقاومة السورية المسلحة طائرتين هجوميتين روسيتين ( حوامة ) .

الرسائل التحذيرية هذه جاءت في حقيقتها للتذكير بعواقب المستنقع الذي انغمست فيه موسكو بعد أن تم جر فرنسا إلى أجواء الحرب بصورة فعلية في إثر أحداث باريس المصطنعه.!!

لم تجرؤ موسكو أن توسع من نطاق تدخلها العسكري في سوريا نحو العراق .. ولكنها نجحت في تحويل نطاق خطر الحرب المحلية الى حرب إقليمية تصاعدت عالمياً .. والهدف هو تحويل الأنتباه وحرف السياسات الدولية بإتجاه يخدم أطروحة النظام في دمشق، التي هي إنعكاس لأطروحة نظام طهران على ان هذان النظامان والعالم يحاربون الأرهاب .. الأسلوب يعد طوق نجاة لنظامين مجرمان فاسدان هما نظام دمشق وبغداد وخلفهما نظام طهران راعي الأرهاب في العالم.

إن ما تريده موسكو هو فرض وجود عسكري من أجل تكريس واقع سياسي يضمن المصالح الحيوية الروسية، والتي يعلن من خلالها الكرملين جاهزيته في بلوغ مرحلة من شأنها أن يتم الأعتراف به قوة عظمى دولية تخوض حرباً باردة بمهارة ولكن بوجهين :

الأول - الفعل العسكري المباشر والقدرة على الأنتشار الأستراتيجي.

الثاني - الفعل الأستخباري المبني على الأختراق، واستخدام أدواة ( المليشيات ) لزعزعة استقرار الدول الأخرى أوالتهديد بها على أساس الردع .. وفيما تتحاشى الأحتكاك العسكري المباشر تعمد إلى وسائل ( الأنابة ) في التعامل .. فموسكو لا تستطيع أن تصطدم بتركيا، لأنها لا تستطيع أن تصطدم بحلف شمال الأطلسي، الذي يعتبر العمق الأستراتيجي التركي .. الأمر الذي يجعل روسيا قد تحاول زج أو تحريك ما يربك الأمن القومي التركي .. وكل هذا يرتبط بحجم المصالح الكائنة بين البلدين، ومن المفيد التطرق إلى جزء من حجم هذه المصالح، التي سيضعها القادة في الميزان قبل إتخاذهم قرار الحرب التي لن تقع :

روسيا عازمة على بناء خط انابيب جديد لنقل الغاز يصل الى حدود اليونان مع تركيا بدلاً من السيل الجنوبي ( ساوث ستريم ) .. كما أنها أنجزت عقد لتوريد الغاز الى الصين لفترة ( 30 ) عاماً، وتجري الآن أعمال بناء فرع من خط أنابيب الممر الشرقي يصل إلى الصين ويسمى ( مشروع قوة سيبيريا ) .. وقد بلغ إنتاج روسيا من الغاز ( 640 ) مليار متر مكعب عام 2014 ، وإنتاجها من النفط بلغ في العام ذاته قرابة ( 527 ) مليون طن .. ويتوقع خبراء روس أن تتضاعف الخسائر أكثر قسوة خلال هذا العام 2015 مقارنة بعام 2014 نتيجة العقوبات الدولية التي بلغت نحو ( 28 ) مليار يورو عام 2014 .. وهو الأمر الذي يضع موسكو في مأزق يرتب عليها التصرف بحذر وبحدود لا تتعدى سياسة ( عض الأصابع ) مع تركيا وعمقها الأستراتيجي حلف شمال الأطلسي، على الرغم من محاولات موسكو تفكيك مواقف دول أوربا لصالحها بطريقة الأستقطاب حول محاربة ( الأرهاب ) .. كما أنها مرغمة على تغيير بعض حساباتها الخاصة بتحالفها مع طهران دون ان تفقد المحيط العربي الكبير والواسع، الذي استطاع خلال الأشهر القليلة الماضية ( تجميد التمدد الإيراني ) و ( الرد عليه عسكرياً وسياسياً وإستراتيجياً ) بصورة ناجحة .. وهو الأمر الذي أضعف النفوذ الإيراني في العراق وسوريا واليمن والبحرين وغيرها.

وصورة الماضي لا تبتعد كثيراً، حتى ليقال أن التاريخ يعيد نفسه .. فبعد الفراغ الجيو- إستراتيجي الذي ظهر بعد تفكك الأتحاد السوفياتي أقتربت تركيا آنذاك من السيناريوهات الأمريكية لتقسيم آذربيجان الأيرانية، سيما في القوقاز وآسيا الوسطى، حيث اندفعت في خياراتها الأستراتيجية الأقليمية مع الخيارات الدولية، دون إعتبار للتوازنات الأقليمية .. كما يحصل الآن لأيران حين اندفعت إيران بتصديرها الثورة إلى المنطقة - وهو توسع قومي فارسي- أدى بسياساتها إلى الأجهاض إقليمياً ودولياً .. لأن الخيارات الدولية لا تسمح أحياناً للخيارات الأقليمية في أن تتجاوز عليها بفعل عدوانيتها وعدم نزاهتها مع حقوق الأنسان والشعوب .

فخيارات إيران بدأت بالأنكفاء، حيث يسحب البساط من تحت اقدامها تدريجياً في سوريا :

- جملة من الجنرالات الأيرانيين يتساقطون كالذباب في سوريا ومنهم الأعور الدجال ( قاسم سليماني ) .. كما أن جملة من عناصر حزب حسن نصر الله المرتبط بالمرشد الأعلى الإيراني ( علي خامنئي ) قد تساقطوا، ليس لتحرير أراضٍ لبنانية أو فلسطينية إنما لحسابات دولة أجنبية هي إيران .. كما أن جملة من عناصر المليشيات الطائفية العراقية المرتبطة مباشرة بالمرشد الأعلى الإيران من خلال الأعور الدجال ( قاسم سليماني ) ، قد تساقطوا وعادت جثامينهم بالمئات مشحونة إلى مطارات العراق ومنها إلى مطارات إيران، وخاصة الذين تحشدهم إيران على خط المذهب التشيعي الفارسي من الأفغان والباكستانيين .. والملفت أن السلطات الإيرانية تتحشى بحذر شديد أن تعلن قتلاها من الإيرانيين، إذ تقوم بتوزيع جثامينهم بسرية تامة .. هذا الواقع المزري يشكل جزءًا من المأزق الإيراني، الذي تكابده القيادة الفارسية في طهران.

إذا كانت موسكو قد نجحت بنقل الصراع في المنطقة ليصبح صراعًا عالميا يتمحور حو ( الأرهاب الدولي ) .. وإذا كانت موسكو أيضًا قد نجحت تقريبًا في شق وحدة الموقف الأوربي حول المشكلة السورية وجعل الأستقطاب حول محاربة ( الأرهاب ) .. وإذا كانت موسكو قد نجحت في تأكيد مصالحها الحيوية على حافات البحر الأبيض المتوسط .. فهل تستطيع أن تحافض على هذه النجاحات المؤقتة والمشروطة بالتحولات التي تجري على أرض الواقع، سيما وإن تغييب حقوق الشعب السوري وتغييب حقوق الشعب العراقي، سياسة غبية وسطحية ولا تستمر طويلاً .. وإذا كانت موسكو تريد فرض حل سياسي يكرس وجود النظام في دمشق وانتزاع اعتراف بالمصالح الحيوية الروسية في سوريا، فأين موقع الشعب السوري من هذه السياسة الروسية .. وهل يمكن إختزال دماء الشعوب من أجل مصالح موسكو.؟

أتخذ الصراع في المنطقة أسلوب الحرب بالأنابة - هذا ما تريده كل من موسكو وواشنطن - كما أسلفنا، وربما في إطاره العام ، تركيا نيابة عن الناتو .. فيما ستأخذ موسكو بأدوات طهران المليشياوية ( الحشد الطائفي ) والمليشيات الكردية، ردًا على تركيا وعمقها الأوربي بعد تفكيكه .. أما أمريكا فأنها ما تزال تتحاشى الأقتراب من ساحة الصراع بصورة مريبة .. والمشهد العام أن كلا المعسكران يتفاديان التصادم، ويخشيان التصعيد، لأن الصراع بين الدولتين العظميين مستحيلاً بحسب نتائجه الوبيلة على العالم .. ولكن لا احد ينكر ان روسيا الآن في المستنقع السوري ، وان إيران متورطة في سوريا والعراق وليس لها مستقبلاً فيهما .. ومآلها الأنحسار .. فالتردد والصمت الأمريكي والرغبة بتغيير خرائط المنطقة بحروب ( الأستنزاف ) غير النظامية هو ما يجري العمل به، بمعنى حروب ( غير متكافئة ) لا في التعبئة ولا في التخطيط ولا في العقيدة القتالية .. وان إدارة هكذا حروب تتسم بالصعوبة والتعقيد .. فاجميع غير قادر على الحسم .. فلا حكومة بغداد الطائفية العميلة قادرة على مجابهة ثورة الشعب العراقي، التي اندلعت منذ اليوم الاول للاحتلال ولحد الآن، ولا حكومة دمشق الطائفية الدموية وحلفاؤها قادرون على مجابهة ثورة الشعب السوري على الرغم من إختلاف الساحتين العراقية والسورية وتحالفات دمشق طهران موسكو وبغداد، فأن صيغة الأنابة الروسية وتوصيف الحرب الراهنة التي تقوم موسكو بإدارتها بأنها تعبير عن الجيل الرابع من الحروب ( Forth Generation Warfare ) ، وهي حروب لآمركزية يمكن أن تتسع وتتشعب .. لأن أحد أطراف الصراع عبارة عن مجموعات وعناصر تعتمد أسلوب حروب المليشيات المسلحة وليس الحرب التقليدية، التي تنتهي بهزيمة أي من الطرفين المتحاربين .. حيث تنتهي هذه مثل هذه الصراعات إلى إما إلى التحرير الكامل والشامل والعميق أو إلى ( دولة فاشلة ) ، كما هو حاصل في الصومال وليبيا والعراق وسوريا ولبنان واليمن وقبلها السودان .

فهل تستطيع موسكو وطهران الأستمرار في خوض هذه الحروب العدمية التي تنتهي إلى الفشل ؟ وهل تستطيع أمريكا وتابعوها الأستمرار في تنميط ستراتيجيات فاشلة وخاطئة تنتهي بكوارث انسانية لا حدود لها وفي مقدمتها كارثة احتلال العراق وإسقاط نظامه الوطني .. ؟!





الاربعاء ٢٠ صفر ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٢ / كانون الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة