شبكة ذي قار
عـاجـل










مدخل :
كثيراً ما يتردد في قاموسنا السياسي مصطلحات كـ ( نظام الطائفية السياسية ) ، أو ( أمراء الطوائف ) ، أو ( الديني السياسي ) ، أو ( الحركات الدينية السياسية )، أو ( الحركات السياسية المغلفة بغطاء الدين ). ومصطلح الطائفية السياسية هو مصطلح جامع لكل تلك التسميات.

ابتدأ استخدام هذا المصطلح في لبنان منذ عشرات السنين، وتعود أصوله التاريخية إلى العام 1864، وهو تاريخ إنشاء متصرفية جبل لبنان في أعقاب أكبر فتنة طائفية شهدها، ومن أجل احتوائها تم تشكيل مجلس إدارة للحكم تمثَّلت فيه طوائف الجبل، وكان متصرف تركي يديره، وترعاه الدول الأجنبية التي أعلنت كل منها حمايتها لطائفة من تلك الطوائف.

وبدأ يعرفه الخطاب السياسي العراقي بعد الاحتلال، خاصة أن الدستور العراقي الذي كان من صياغة أميركية، ورعاية إيرانية، ومشاركة من عملائهما، وفيه أُدخلت نصوص تعترف بحقوق الطوائف. وأخذ استخدام تلك المصطلحات يتوسَّع ويتعمَّق أكثر فيما يجري من انتفاضات وحراك شعبي في الوطن العربي، إذ مرَّ على الساحة المصرية بعد وصول الإخوان المسلمين إلى سدة الحكم. وهو يتفاعل ويتعمَّق في ليبيا إلى جانب مصطلح ( نظام العشائر ). وتبرز تأثيراته في تونس بوصول ( حزب النهضة ) إلى استلام الحكم. وتوسَّع استخدامه في الحراك الدائر في سورية في ظل سيادة ( حركة النصرة ) و ( الدولة الإسلامية في العراق والشام – داعش ) بشكل رئيسي، بالإضافة إلى تنظيمات أخرى بمسميات أخرى.

كل ذلك أدى إلى رفع الكثير من علامات الاستفهام عن مآل الحراك ونتائجه في تلك الأقطار، ولا تزال أصداؤه تتفاعل وتنتشر حيثما يحصل حراك شعبي هنا أو هناك. وأصبح المصطلح أكثر خطورة بعد أن أكدت التقارير وجود صلات وثيقة بين تلك الحركات والقوى المعادية لأهداف الأمة العربية، خاصة منها أميركا وإيران.

وبانتشار استخدام هذه المصطلحات، يقف المراقب متسائلاً :
- ما هي طبيعة القوى الدينية التي تلعب دوراً لافتاً على مساحة الوطن العربي؟ ما هو حجمها ؟ وما هي مشاريعها ؟ وما هي أهدافها ؟

- كيف يمكن استشراف مستقبل الحراك الشعبي في ظل مشاركة تلك الحركات في تفصيلاته ويومياته ؟

ويزداد القلق أكثر إذا عرفنا أن تلك الحركات تقود بشكل لافت الحراك الشعبي هنا وهناك، وخاصة إنه حيثما سقط نظام ديكتاتوري تصل تلك الحركات الدينية إلى مواقع الحكم، بينما حركات التغيير التي تعتنق الفكرين الوطني والقومي تبقى على هامش الأحداث، مشاركة وقيادة.

وبالتالي، تقود كل تلك التساؤلات، وغيرها الكثير، إلى ضياع وحيرة في المواقف السياسية منها، وإلى خوف من المصير المجهول. وزاد الغموض أكثر خاصة أن بعض المواقف السياسية تسكت عن دور تلك الحركات. وسبب هذا السكوت يأتي من زاوية ضيقة باعتبارها وسيلة من وسائل إسقاط الأنظمة الديكتاتورية. وطالما أنها تشارك في الإسقاط، تعتبر تلك المواقف أنه لا ضير من مشاركتها، تحت حجة أنه لا مستقبل لها إذ أن الجماهير الشعبية لن تلبث طويلاً حتى تنقلب عليها.

إزاء كل ذلك، كان لا بد من تمهيد نظري مبني على الواقع وعلى الإيديولوجيات الدينية المختلفة التي تحدد أهداف تلك الحركات، وتفصح عن مشاريعها. والتمهيد سيُعنى بصياغة تعريفات أساسية، لا بد للمتابع السياسي من أن يُلمَّ بها قبل الولوج إلى تحديد مواقف مبدئية من نشاط حركات ( الطائفية السياسية ) ودورها.

ولأن لمصطلح الطائفية ارتباط وثيق بمفهومنا للدين، سيتركز اهتمامنا في تعريف ( الطائفية السياسية ) على جوانبها وزواياها الدينية.

تعريف الدين : الدين مسألة إنسانية قديمة قدم وجود الإنسان على الأرض. نشأ منذ أن فرض على الإنسان مواجهة ظواهر طبيعية أقوى منه، فعبدها وصنع لها رموزاً على شكل أوثان قدَّم لها فروض الطاعة والعبادة. ولما لم تكن تلك القوة الخارقة التي تخيف الإنسان ظاهرة ولا تدركها الحواس، ولما أثارت ظاهرة الموت مدارك الإنسان باعتبار ما هو مصيره بعد الموت، اعتُبِر الدين اعتقاد ما ورائي، أي جاء على قاعدة افتراض وجود حياة بعد الموت، ولذا أغرقت الديانات فكر الإنسان بتفسير ما قد يحصل له بعد مفارقة الروح الجسد، وما هو مصير روحه.

وعبر آلاف السنين من معرفة الأديان تباينت تفسيرات البشر حول طرق خلاص نفس الإنسان في الآخرة، واختطت كل جماعة لنفسها تشريعاتها الخاصة بالطقوس والعبادات التي يعتبرها إجازة مرور آمنة إلى الحياة الأخرى فاعتبرتها من المقدسات التي لا يجوز نقدها أو تغييرها. وبناء على طرائق فهمها تلك قامت بتنظيم شؤونها الدنيوية، ففرقتها ساعتئذ التشريعات الخاصة، واعتبرتها مقدسة أيضاً، لأنها جاءت بأوامر ممن تعتبره ( إلهاً ) لها. فالمقدَّس يختلف من دين لآخر. وكما أن هناك ما يفرق الأديان والمذاهب، فهناك أيضاً ما يجمعها، فتلاقت حول الدعوة إلى تطبيق المثل العليا.

لم تكن الأديان السماوية سبَّاقة في محاولة تفسير مصير الإنسان بعد الموت، بل سبقتها إلى ذلك الديانات الوثنية. ثم جاءت النظريات الفلسفية التي اهتمت بتفسيرها أيضاً. ومن بعدها جاءت الأديان السماوية لتلعب دوراً كبيراً في ذلك التفسير على اعتبار وجود إله واحد بنى الكون وخلق الإنسان، وسوف يحاسبه على أعماله في الحياة الآخرة، أي الحياة بعد الموت. ولذا فقد انتشرت الديانات السماوية في معظم أصقاع الأرض، ويُعدُّ معتنقوها اليوم بالمليارات، إلاَّ أن ذلك لم يلغ الأديان الأخرى، كالديانة البوذية التي يبلغ تعدادها المليارات أيضاً.

ومن بين كل تلك الديانات، السماوية وغيرها، تزخر الدول ذات الأكثرية الإسلامية بحركة لافتة من الصراعات الفقهية التي تصل إلى حدود الصراعات الدموية. ولكن هذا لا يعني أن الديانات الأخرى لم تعرف تاريخاً دموياً، بل أغرقت في محطات تاريخية في صراعات دموية مبنية على التكفير والتكفير المضاد بين مذاهبها.

فالدين، في مفهومنا، حاجة روحية ضرورية للإنسان، وقلَّما تجد إنساناً لا ينتمي إلى دين يؤمن بخالق للكون، باستثناء بعض الفلسفات التي لا تؤمن بوجود هذا الخالق، كالفلسفة الماركسية، ولهذا نُسبت هذه الفلسفة إلى الإلحاد. ولكن بدلاً من أن يكون الدين حاجة تغرس في نفس الإنسان محبة القيم العليا وممارستها، فإنه تحول بفعل وجود التكفير المتبادل بين الأديان والمذاهب، إلى محنة مخيفة، وتحوِّلت علاقات أبناء ( المجتمع الوطني الواحد ) إلى جحيم لا يتورع فيه من أن يقتل الإنسان أخاه الإنسان بدم بارد. وكان مبدأ التكفير هو السبب في الصراعات الدموية بين الأديان من جهة، والمذاهب حتى المنبثقة منها من دين واحد من جهة أخرى.

تعريف التكفير : حَكَمَ بِتَكْفيرِهِ : أي حكم عَلَيْهِ بِالإِلْحادِ، أَيْ أبعده وأخرجه عَنْ مَبادِئ دِينِ الجَماعَةِ .وعادة ما يَتَّهم الإنسان الآخرين بالإلحاد لأنهم لا يؤمنون بالدين، أو المذهب، الذي آمن به، أو أنه يكفِّرهم للسبب ذاته، هذا ناهيك عن أن الفرق الإسلامية ذات الأهداف السياسية تتهم المذاهب الأخرى بالارتداد عن الإسلام. لذا نصَّت الأديان السماوية على قتال الملحدين، أو المرتدين. ولا يخلو دين أو مذهب ما من نصوص تدعو إلى تكفير الأديان والمذاهب الأخرى. ويحمل اعتقاد المنتسبين إلى الأديان بصحة معتقداتهم، وخطل معتقدات الآخرين، أمراً بقتالهم. وهذا الأمر، كما يعتقد جميع الطائفيين والمتمذهبين، بمثابة ( توكيل إلهي ) لهم بقتال الفرق الدينية الأخرى، حتى يعودوا عن كفرهم وغيهم، بتطبيق ( حكم الله ) كما يحسبون.

تعريف الطائفي : ويمكننا معرفة مفهوم الطائفي من خلال تحديد طريقته بالتدين، فالمتدين نوعان :

- الأول يحترم معتقدات الآخرين الدينية على قاعدة أن هناك أكثر من طريق لخلاص الأنفس في الآخرة.

- والثاني ينكر على الآخرين حقهم بالاعتقاد الديني ويسفِّه معتقداتهم بذريعة أن طريقته لخلاص نفسه في الآخرة هو الطريق الصحيح وما عداه من معتقدات ليست صحيحة، وهنا يتحول المتدين إلى طائفي.

الديني يجمع والطائفي يفرِّق :
بعد التعريفات والمفاهيم أعلاه، يصبح الفرق بين الديني والطائفي واضحاً. فالدين باختصار اعتقاد روحي يجمع البشر ولا يفرقهم إذا أُخذت القيم العليا بعين الاعتبار، كجامع بين الأديان، ومن تلك القيم يأتي واجب الدفاع عن الأرض والعرض، وحول هذا يجتمع أبناء الوطن الواحد على تعدد انتماءاتهم الدينية. وإذا تحوَّل الاعتقاد الديني إلى اعتقاد بقدسية شرائع الدين الخاصة أو المذهب الخاصة، مما يُحلُّ العلاقات بين أبناء الوطن الواحد إلى مستوى التوتر على قاعدة ( نصرة أبناء المذهب ) على حساب نصرة ( أبناء الوطن الواحد )، وبذلك يتحول الاعتقاد الديني أو المذهبي إلى عامل تفريق وتمزيق واقتتال.

فالشعور الطائفي ، في مثل هذه الحالة، يحوِّل الاعتقاد الديني إلى عامل تفتيتي، يتميز بخطورتين على المجتمع الواحد :

- فهو سلاح يكون مستعداً لافتعال الخصومة والاحتراب مع المعتقدات الدينية الأخرى.

- وهو تفتيتي لأنه يعمل على بناء دولة دينية تفرض على مواطنيها شرائع المذهب الحاكم.

إن أخطر أنواع الصراعات بين المذاهب تلك التي تنشأ من عقيدة دينية متزمتة، وهي عادة ما تؤمن بنظرية ( الفرقة الناجية من النار )، أو ( الطائفة المنصورة )، أو ( الفرقة الضالة )، وما إلى هناك من تصنيفات تراكمت عبر مئات السنين داخل الدين الواحد. وعاشت كل من المسيحية والإسلام تجارب مريرة على هذا الصعيد. ولذلك عرف التاريخ الإسلامي والمسيحي الكثير من الدول الدينية، التي أسَّستها الفرق الدينية، سواءٌ أكان في أوروبا، أم تلك الدويلات الطائفية التي نشأت في كنف الإمبراطورية الإسلامية. ولهذا تشكل الدول الدينية واقعاً سياسياً تحكمها نخب من دين واحد أو من مذهب واحد، تزعم أنها تطبِّق ( شرع الله )، فتظهر وكأنها تحكم بـ ( اسم الله )، وتطبق شرائعه. ولهذا لا تحرم الأديان والمذاهب الأخرى من المشاركة في الحكم فحسب، بل تنتقص من حقوقهم أيضاً.

من هنا تتمثَّل خطورة المذاهب والأديان، خاصة عندما تحوِّل الدين أو المذهب إلى مشاريع سياسية، وهذا ما عرَّفته أدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي، بـ ( الحركات الدينية السياسية ) أي تلك الحركات التي تستغل الدين من أجل مآربها الدينية أو المذهبية، ومن أجل عقائدها التي تعتبرها مقدَّسة.

فالفرق بين الديني، والديني السياسي، إذن : الديني هو اعتقاد بطريق للوصول الى خلاص الأنفس في الآخرة وهذه ظاهرة اجتماعية فردية. أما الديني السياسي فهو يعمل من أجل بناء دولة دينية. والدولة الدينية ترفض الدول والأشخاص والأحزاب التي تخالفها بالعقيدة وتكفِّرها.

فالحركات الدينية السياسية : هي تلك الحركات الدينية والمذهبية التي تعمل من أجل بناء دولة تتبنى الشرائع الدينية الخاصة بها، أي ما تعتبره ( أحكاماً إلهية ). وقد عرف التاريخ العربي الإسلامي الكثير من مراحل الصراع والتذابح بين المذاهب الإسلامية التي سعت لبناء دول دينية. ولعلنا نذكر تاريخ الدويلات السنية والشيعية، ومنها الخلافة العباسية من جانب، والدولة الفاطمية من جانب آخر. وعلى القاعدة ذاتها حصل الصراع بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية.

حركتا ( الإخوان المسلمين ) و ( ولاية الفقيه ) حركتان دينيتان سياسيتان، تستأنفان الصراع التاريخي بين السنة والشيعة :

أما في تاريخنا المعاصر فنذكر مشروعين دينيين سياسيين رئيسيين، هما: حركة الإخوان المسلمين، وحركة ولاية الفقيه، ومن أهم أهداف كل منهما إقامة دولة دينية على أساس فقهها الخاص. وإن كانت كل منهما تنسب نفسها إلى الإسلام، إلاَّ أنهما حركتان متناقضتان من حيث الفقه الإسلامي، ومضامين تشريعات الدولة الإسلامية. وإذا لم تكونا قد استبقتا التفجير بينهما بشكل مباشر في هذه المرحلة، أي مرحلة ما تُسمَّى بـ ( الربيع العربي )، فلأنهما يتحاربان بالواسطة، وإن بذور صراعهما التكفيري الدامي جاهزة إذا ما حققت كل منهما مشروعها، والتناقضات بينهما قائمة على قواعد فقهية تكفيرية.

والمتابع لحالة الصراع الراهن بين المشروعين يبدو واضحاً أنهما يسيران بالوطن العربي إلى صراع شبيه بالصراع العثماني – الصفوي، بحيث تستعيد العاصمتان: طهران واستنبول، التاريخ الدموي منذ ما قبل أكثر من ثلاثة قرون من الزمن.

لم تتفجر الصراعات المباشرة بينهما حتى الآن، لأن حالة العداء للقومية العربية تجمعهما. وبعد إسقاط كل ملامحها وأشخاصها وأحزابها ينتقلان إلى مرحلة اقتسام مناطق النفوذ في الوطن العربي على قاعدة أن كلاً منهما يشد إلى جانبه من ينتمي مذهبياً لمشروعه الديني السياسي، لذا فهما يتصارعان تحت غطاء ما يسمى بـ ( الربيع العربي ). ومن ضمن هذا السياق فإن كلاً منهما تعمل بوعي ودراية، أو بدونهما، من أجل تطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على عقيدة إعادة تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات طائفية. وأما السبب فلأنهما لن تستطيعا أن تقتطعا حصصهما إلاَّ بناء على تقسيم تلك الأقطار على أسس مذهبية، بحيث تستقوي الدويلات التي ستنشأ، إذا ما كُتب النجاح لذلك المشروع، بالنظامين الإقليميين إيران وتركيا.

وأما البرهان على عملهما في سبيل إنجاح مشروع الشرق الأوسط الجديد فهو واضح من خلال التحالفات التي جمعتهما في العراق بعد الاحتلال، فلكل منهما قواعده الحزبية المتمثلة بشكل أساسي في ( حزب الدعوة )، وفي ( الحزب الإسلامي في العراق ).

نظام الطائفية السياسية لا يعيش خارج عوامل الاستقواء بالخارج :

لقد حُكم لبنان، من بين كل الأقطار العربية، بنظام الطائفية السياسية. إذ تعود أصوله التاريخية إلى العام 1860. وأطلق على تأسيسه الأول بـ ( متصرفية جبل لبنان ).

فنظام المتصرفية هو نظام حكم أقرته الدولة العثمانية، بمشاركة عدد من الدول الأوروبية، بعد مذابح حصلت بين الدروز والموارنة في جبل لبنان، وعُمل به من العام 1860 إلى العام 1918. وقد جعل هذا النظام جبل لبنان منفصلاً من الناحية الإدارية عن باقي بلاد الشام، تحت حكم متصرف أجنبي مسيحي عثماني غير تركي وغير لبناني، تعينه الدولة العثمانية بموافقة الدول الأوروبية العظمى: بريطانيا وفرنسا وبروسيا والنمسا وإيطاليا. وكان كل مندوب في اللجنة الدولية يسعى إلى جعل مقرراتها تخدم مصالح بلاده في لبنان. ويكون للجبل مجلس من إثني عشر عضواً: 4 عن الموارنة، و3 عن الدروز، و2 عن الروم الأرثوذكس، وواحد عن كل من السنة والشيعة والروم الملكيين الكاثوليك.

وبعد مرور قرن ونصف القرن تقريباً، ما يزال النظام في لبنان يعيش عصر ( المتصرفية )، وإن كان بثوب حديث. يتم اختيار رجالاته بطريقة ديموقراطية، ولكنها محكومة بثابتين، وهما :

- الثابت الأول : توزيع المسؤوليات على قواعد المحاصصة الطائفية، بدءاً من رئاسة الجمهورية، مروراً بتشكيل الحكومة ورئاستها، وبعدد أعضاء مجلس النواب ورئاسته، انتهاء بتوزيع الوظائف بكل مستوياتها.

- الثابت الثاني : كل طائفة في لبنان مرتبطة بعوامل الاستقواء الخارجي الدولي والإقليمي من جهة، وعوامل الاستقواء العربي بامتداداته الطائفية من جهة أخرى.

وعلى هذا الأساس، صعد نجم طائفة من الطوائف اللبنانية في مرحلة وأفل في مرحلة أخرى، بشكل يتناسب مع عوامل الاستقواء الخارجية. فعرف السنة مرحلة من القوة في ظل الحكم العثماني، والموارنة في مرحلة الانتداب الفرنسي، والشيعة في المرحلة الراهنة.

وأما الحل كما يشخصه حزب البعث العربي الاشتراكي، فلن يكون بمعزل عن مفاهيم المواطنة التي تساوي بين جميع مكونات الوطن الاجتماعية، الدينية والعرقية. وإحلال عقيدة الدفاع عن الوطن، وحمايته، واعتبار الاعتقاد الديني والمذهب حرية فردية. فعلي أرض الوطن تسكن مجموعات متباينة بالعقائد الدينية أو الإثنية العرقية، وهذا ما هو حاصل بأقطار الأمة العربية بشكل خاص، ولن يجمعها إلاَّ تشريع موحد يضمن العدالة والمساواة وحرية الاعتقاد الديني لكل أبنائه. لذا تبقى الأوطان موحَّدة إذا اجتمع سكانها حول هدف واحد هو الولاء للوطن، وتتفتت إذا كان الولاء للدين أو المذهب هو البديل.

إن الولاء للدين أو للمذهب، كبديل للولاء للوطن، يدفع بأتباع كل منها إلى الحلم ببناء دويلته الدينية، فتتعدد الرؤى ويسود الاختلاف. وإذا ما حصل هذا الواقع، تصبح كل فئة دينية بغاية من الضعف، الأمر الذي يدفعها للاستقواء بالخارج، والخارج بدوره، مدفوعاً بضمان مصالحه سوف يوفر الدعم لأية مجموعة تستنجد به. والأمثلة على ذلك كثيرة في التاريخ الحديث والمعاصر. وتجربة جبل لبنان في ظل نظام ( المتصرفية ) في العهد العثماني أوضح دليل على ذلك. حينذاك أعلنت الدول الأجنبية حمايتها للأقليات الدينية حتى من دون أن يجمعها حتى عامل الدين أو المذهب.
 





الخميس ١٤ صفر ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة