شبكة ذي قار
عـاجـل










ألهمك الله الصبر والسلوان يا شعب العراق وعظم أجورك برحيل صوتك العالي ..

خسارة كبيرة مني بها العراق بهذا الرحيل .. رحيل الدمعة كلما ذكر العراق.. رحيل الكلمة التي تبعث بالحماس في النفوس وبالتفاؤل في الصدور أن العراق عائد للعراقيين ولن يمكث هؤلاء الغرباء طويلاً متحكمين بمصائر العراقيين.

"كل من عليها فان"، والرحيل محتم ونرجو من الله أن يزن حسنات عبد الرزاق عبد الواحد بقدر حبه للعراق ووفائه للعراقيين وثباته على مبادئه.

كتبت في إحدى الصحف العربية، مرة : ( يشهد الله وتشهد الدنيا بأجمعها أن عبد الرزاق عبد الواحد، الشاعر العربي العملاق، أوقف حياته لوطنه مدافعاً ذائداً مقاوماً عنه، باثاً الفرح والتفاؤل في بساتينه وشوارعه وعلى ضفاف أنهاره وفي قراه ومدنه، معلماً بلابله التغريد .. ولم ينس أمته التي تترنم الآن بأشعاره : مغرباً ومشرقاً، منشداً أحلى الأناشيد لمجد الوطن والأمة، مقاوماً غير آبه للسهام والنصال التي ملأت قلبه، جائراً على شيخوخته التي يركن سواه فيها إلى الدعة والسكون و"التقاعد").

وتساءلت : ( ماذا لو ركن هذا الشاعر الأصيل إلى ذلك وكفّ عن الإنشاد متعللاً بتعب السنين؟.. ومن قال إن الشعر العربي انتهى زمانه وصوت عبد الرزاق عبد الواحد يقاوم الزمان المتغير مبقياً على عذوبة الشعر العربي مخاطباً الوجدان العربي والإنساني حاملاً في المنفى صليبه، لافتاً النظر إلى مأساة شعبه مع الاحتلال؟ ).

نعم، هذا هو عبد الرزاق عبد الواحد وهذه خسارتنا فيه، ويؤسفني أني عندما نشرت خبر رحيله، قبل ساعات، علق أحدهم على الخبر، وسط الأسى كله الذي صاحب مئات التعليقات الأخرى، بالقول إنه كان شاعر صدام الكبير وقف مع الجلاد ضد الضحية، فأجبته أنه كان عراقياً لم يفرح باحتلال العراق مثلك أسكنه الله الجنة وحرمك منها.

إن الطائفيين جميعهم على هذه الشاكلة لا ينظرون أبعد من أنوفهم ولا يسمعون إلا لإيحاءات غبائهم، كمثل ذلك الذي علق على صفحة صديق نشر الخبر أيضاً وقال إن الشاعر أوصى بدفنه في مقابر المسلمين، يقول: "كان شيوعيا ... في زمن صدام صار ... صداميا .. واليوم أشهر إسلامه ... اووووووه ... صاحب مبدأ".

حقيقة، لا يملك أحد إلا الضحك على عقول هؤلاء الطائفيين، فهم كمن يلقي يقهقه ضاحكاً في مجلس عزاء.

أذكر، مرة، أن الشاعرة البحرينية سوسن دهنيم قالت لي إن شعر عبد الواحد من متع الحياة التي خلقها الله لعباده، ونعمة من نعمه تعلمنا منها وتعلمت أجيال، وهو صرخة تحدٍ للظلم، وهو كلمة غزل عذبة يقولها عاشق لمعشوقته، وهو لافتة عريضة تعلن لهذا الزمان أن العراق موطن الشعر فيه يحيا وفيه لن يموت.. العراق وعبد الواحد كأنهما واحد، فإذا ذكرت أحدهما ذكرت الآخر، حتى سموه "صوت العراق العالي" وهذا هو الجزاء الأوفى لمن يذوب في المحبوب ..

إن الخبر، الذي ذكرته لكم حول إسلام الشاعر، نشره الصديق الإعلامي حميد عبد الله والذي قال فيه أن الشاعر "أوصى، بعد أن أشهر إسلامه في أواخر أيامه، أن يدفن في مقابر المسلمين"، لم أسمعه إلا منه، وفي هذا اليوم على الرغم من اللقاءات الطويلة التي جرت بيني وبين الشاعر، في عمان وقبلها في دمشق، قبل أن يرحل، ولعل لهذا الخبر صحة، فالصديق حميد شغله التاريخ ولابد أنه استند إلى مصدر وثيق ولكنه لم يذكره، وسيكون مفيداً أن يكتب تفاصيل ذلك بالوثائق المتحصلة لديه، خدمة للباحثين وعموم الناس والتاريخ.

قلت للشاعر الراحل أبي خالد في حوار أجريته له، قبل سنين لصالح صحيفة عربية : تعرف أن العديد من الكتابات التي اعتمدت على المناسبات الوطنية انتهت بانتهاء المناسبة، لكن قصائدك ظلت تحمل وهجاً خاصاً، كيف يرى عبد الزراق عبد الواحد إلى تلك التجارب وإلى تجربته؟

فأجابني: "وطني هو مناسبتي، فأنا أكتب له لا لمناسبة فيه، وقصائدي تستمد وهجها منه.. المناسبة تذهب، والوطن لا يذهب، وقصائدي فيه باقية بقاءه".

وهذه إجابة سديدة، فأنت تقرأ قصيدة للراحل عبد الرزاق عبد الواحد كتبها قبل عقود تجد وكأنه كتبها قبل دقائق.

وفي اللقاء نفسه، قال لي: أنا لا أفكر أبداً حين يجيء موج القصيدة، عموديةً ستكون، أم قصيدة تفعيلة.. هي التي تكتبني. كل ما أفعله أنني، بعد أن تلتبس بي، أضعها على الورق فأتخلص من وجعها!.

وعندما قلت له: يطالب بعضهم بتقديمك إلى المحكمة الجنائية العليا أسوة بكبار مسؤولي الحكم الوطني الذي كان قائماً قبل الاحتلال.. بماذا ترد عليهم؟

قال : سامحهم الله.
ولكنه غضب عندما سألته: كيف ينظر عبد الرزاق عبد الواحد إلى الشعر العراقي بعد الاحتلال.. ولماذا لم نستطع إنجاب شعراء يناهضون الاحتلال مثل محمد صالح بحر العلوم ومحمد مهدي البصير وآخرين، وأنا هنا أقصد شعر المقاومة، والشعر الذي يؤجج حماسة الشاعر ويحرضه على التغيير؟

اجاب وقد بدا الزعل عليه : يا أخ سلام .. أنا أخشى أن يلومك القراء جميعاًعلى سؤالك هذا.. أنت تخاطب عبدالرزاق عبدالواحد الذي لم يكتب شاعر في الدنيا بأسرها ما كتبه لوطنه مدافعاً ومقاوماً، قبل الاحتلال وبعده. ولن أكمل الجواب عن سؤالك!.

كان ذلك من حوار طويل قد أنشره هذه الأيام..

رحم الله أبا خالد وجزاه خيراً بما قدم للعراق، وعزائي إلى رفيقته أم خالد وإلى أولاده وبناته وجميع محبيه، وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.





الاحد ٢٦ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٨ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب سلام الشماع نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة