شبكة ذي قار
عـاجـل










تعد موضوعة اختزال حالة الصراع وتحريفها عن سياقها الطبيعي والواقعي من أهم ركائز الأستراتيجية التي تنفذها كل من إيران ودمشق وبغداد وموسكو وواشنطن على حدٍ سواء ، مع إختلافات في طبيعة التكتيكات المطلوبة للتسويق السياسي والميداني العسكري وحسب طبيعة ميزان تعادل القوى في ميدان الصراع .. حتى ليبدو الأمر وكأن قاسماً مشتركاً يجمع عناصر هذه الأستراتيجية لتصب في هدف واحد جامع مانع إلا من بعض التفاصيل وهي تفاصيل يفرزها واقع الأشتباكات العسكرية من جهة، ويجمع خطوطها مكوك الأتصالات السياسية والدبلوماسية على هذا المستوى العلني أو من خلال الغرف المغلقة والقنوات السرية من جهة ثانية .

ولكن، على الرغم من القاسم المشترك الذي يبدو أنه يجمع كل هؤلاء الفرقاء حول هدف واحد إلا أن ذلك لا يمنع من أن ينفذ أياً منهم إستراتيجيته ومن الزاوية التي يراها مناسبة تتماشى وتتساوق مع مصالحه الحيوية .. كيف؟ : 1- طهران تعلن أنها تحارب الأرهاب .. ومن مصلحتها الأستراتيجية بقاء الحرب على ( الأرهاب ) لتتمدد تحت خيمته ، لأن من دون هذه الخيمة من الصعب عليها أن تؤسس نفوذها وتتمدد إستراتيجياً على الأرض، طالما كان الفعل العسكري الإيراني يتصف بأنه يحمل متلازمة تجمع بين ( حرب المليشيات وتجريف البشر والتغيير الديمغرافي للتجمعات السكانية المغايرة للطائفية التشيعية التي تريدها إيران والتي تريد من فعلها العسكري إحلال طائفة مكان طائفة أخرى عن طريف التجريف والتهجير والتهديد والقتل والترهيب ) .. وعلى وفق هذا البعد الأستراتيجي ، تتعامل إيران الفارسية مع القاعدة كـ ( زعامات ) وتوظيفهم وتسخيرهم من أجل خلق بؤر تدعمها بالمال والسلاح والملاذ الآمن، من أجل تحريك فعل الأرهاب هنا وهناك لغرض تشغيل منطقها القاضي بمحاربة الأرهاب .. وقد أفتضح أمر البعض من قياديي القاعدة وهم يدينون بالولاء لتنظيمات تتعامل مع الحرس الأيراني ولقاءاتهم بقادة إيرانيين مقربون للمرشد الأعلى ( علي خامنئي ) يتلقون مباركته وتوجيهاته .!!

2- دمشق تعلن أنها تحارب الأرهاب .. ومن مصلحتها الأستراتيجية أن تكون أحد طرفي الصراع ( النظام والأرهاب ) ، وهذا يضع العالم أمام خيار واحد إما ( نظام دمشق ) أو ( الأرهاب ) .. وإن البديل عن النظام هو ( الأرهاب ) .. هذه الأستراتيجية مراوغة ومخاتلة، صدقتها بعض دول العالم، فيما توجست منها خيفة الكثير من الدول وشعوبها .. لماذا ؟ لأنها تلغي مكانة الشعب وأحقيته في الوجود والحياة الحرة المتطورة، كما أنها تنسف الحالة التمثيلية الحقيقية بين الحكومة والشعب ولا شيء من قبيل ( أن الشعب مصدر السلطات ) .!!

3- بغداد، هي الأخرى تعلن أنها تحارب ( الأرهاب ) ، ومن مصلحتها وبدوافع إيرانية خالصة أن تستبقي إعلانها محاربة ( الأرهاب ) ، فيما تخطط طهران وتنفذ قرارها القاضي بتدمير العراق تدميراً كاملاً وشاملاً عن طريق ( استمرار سياسة محاربة الأرهاب – استمرار الفساد بحيث يستشري كالسرطان من أعلى السلطة حتى مكاتب الأستعلامات الحكومية – استمرار السرقات ونهب المال العام – استمرار وتيرة إفلاس خزينة الدولة – استمرار تفكيك المجتمع العراقي – استمرار توسيع دائرة التفرقة الطائفية والعنصرية – استمرار تدمير أهم الحلقات العمرية ( شباب ) عن طريق زجهم كوقود في حروب عبثية تشعلها إيران من اجل مصالحها في العراق والمنطقة – استمرار تدني حالة التعليم في كل مراحله في عموم العراق ومحاولة إغراق المناهج التعليمية بما يشوه حقائق التاريخ وزرع كل ما يخدم المنهج الآيديولوجي الفارسي، وخاصة التركيز على الأطفال ومحاولة غسل أدمغتهم طائفياً من خلال التعليم ومن خلال الطقوس الطائفية كالنحيب واللطم والتطبير وغيرها – استمرار بث روح الرذيلة والتفسخ الأخلاقي بطريقة تسويق البدع والضلالة والتهتك الأخلاقي والمتعه – استمرار إهمال البيئة التي حلت بتربة العراق وبمياه العراق وبنخيل العراق وزراعته وبثروته الحيوانية .. فنهر دجلة ملوث ومخلفات الحرب على العراق غارقة في قعره وتعيق الملاحة الطبيعية ، فضلاً عن إزدياد الملوحة صعوداً معاكساً من الخليج الى شط العرب ومنه إلى أعالي التقاء النهرين العظيمين ، فيما تشكو تربة العراق الجنوبية على وجه التحديد من تلوث ( اليورانيوم المنضب ) جراء إقدام المحتل الغازي على دفن هياكل المدرعات والمصفحات وهياكل ألآليات العسكرية والأسلحة التي ضُرِبتْ وتم قصفها بذخيرة اليورانيوم المنضب .. وهو الأمر الذي انتج تشوهات خلقية واصابات سراطانية مختلفة ومتنوعة للكثير من المواطنين من نساء واطفال وشباب وشيوخ – استمرار القتل على الهوية والتجريف والتهجير على الهوية . وكل ذلك يقع في منهج فارسي اسمه ( تدمير العراق ) .. بأسم محاربة الأرهاب .!!

4- موسكو تعلن أيضاً انها تحارب ( الأرهاب ) ، ومن مصلحتها ايضاً ان تشارك مع الحملة الدولية ضد الأرهاب، ولكن على طريقتها الخاصة وبدوافع إستراتيجية محفوفة بالحذر والمجازفة المحسوبة في خارج مجالها الحيوي، الأمر الذي يرتب نتائج من شأنها أن ترتد إلى العمق الروسي إذا ما استمر التدخل العسكري أو اتسع نطاقه وتضخمت نفقاته وقلت قدراته المادية وضعفت معنوياته القتالية ، كما يعمق تداعيات راهنة ومحتملة قد لا تخطر على بال المحللين والراصدين للأحداث .. وعلى هذا الأساس تبدو موسكو مستعجلة في الوصول إلى تسويات، فيما تبدو واشنطن غير مستعجلة لهذا الأمر، إنما على العكس زادت من وتيرة التصعيد العسكري في بوادر أولية لرد الفعل الذي قد يدفع إلى نتائج لا تسر الوكيل الأمريكي في العراق طالما بات الأخير يتمادى في الغطرسة والتهور والمبالغة في إظهار غرور القوة، الأمر الذي قد يبدي مؤشرات لكبح جماح التطاول والتمدد المليشي المسلح إلى الحدود التي لا تشكل اختلالاً في إستراتيجية ( لا منتصر ولا مهزوم ) الأمريكية البائسة.. فمحاربة الأرهاب في الرؤية الروسية باتت ركناً أساسياً في إستراتيجيتها كما هو حال الرؤية الأمريكية في صراعها مع الخارج.. وهذا يمثل تداخلاً في الخنادق الأستراتيجية .. احدهما يسعى إلى تسويات والآخر يسعى إلى تنفيذ ( إستراتيجية الأنهاك ) في الساحة السورية لحين توفر الفرصة المواتية لفرض حلول في نهاية المطاف بعد أن يُنهَكَ الطرفان أو الأطراف المتصارعة .. وما يحصل في سوريا يحصل في العراق مع بعض الأختلافات وفي مقدمتها وجود الاحتلال الأمريكي في العراق وعدم وجوده في سوريا .!!

5- واشنطن تعلن الحرب على ( الأرهاب ) كإستراتيجية ذات أبعاد كونية منذ ما قبل الحادي عشر من سبتمبر- ايلول 2001 على شكل صفحات قد تستمر عقود من السنين خلافاً لنمطية مبادئ الرؤساء .. وإن الدمج الذي حصل بين مبدئين هما ( مبدأ كارتر ) و ( مبدأ ريغان ) ، الأول حول المصالح الحيوية في الخليج العربي، والثاني حول الترابط العضوي بين المصالح الحيوية والأمن القومي الأمريكي ، فيما أضيف إليهما مبدأ ثالث هو ( الضربة الأستباقية ) ، هذه المباديء قد أفل مفعولها في الأستراتيجية الأمريكية الراهنة،التي انتقلت إلى صيغة فاشلة هي الأحتواء المتوازن ( balanced containment ) ،حيث تخلت فيها واشنطن عن حماية مصالحها مباشرة وأوكلت ضمان هذه المصالح للوكيل الأقليمي - الإيراني، الذي إذا ما تمكن من الأرض سيبتلع المصالح بحكم إعتقاده بفرض سياسة الأمر الواقع .. كما أدارت أمريكا ظهرها لكوارث إختلالات موازين القوى الأقليمية، التي هي أنتجتها، بالقدر الذي تحمي فيه الأمن الأسرائيلي وتضمن مصالح شركاتها النفطية وتنفذ صفحات مشروعها للشرق الأوسط الكبير.

ومن المعروف ان امريكا لا تغلق ملفاً مفتوحاً .. ومن سمات إستراتيجيتها أنها تدع الصراع يأخذ مجراه حتى إنهاك الطرفان المتصارعان ، عندها تطرح نفسها كقوة إنقاذ قادرة على الحسم .. كما انها تجر اطرافاً الى صراعات تستمر وتتصاعد الى مستوى ( لا منتصر ولا مهزوم ) أو ( لا غالب ولا مغلوب ) ، وهي الأستراتيجية التي تستهدف تفريغ قوة الخصم وتعطيل فرص الوصول الى تسوية ( سياسية ) تخدم أهداف الخصم الروسي ، لكي تستمر حالة الأنغماس في الصراع العسكري ( لأن أهم عامل للصعود صوب تعادل القوى في القطبية الثنائية هي بناء القوة في مفهومها الواسع ، عسكرياً واقتصادياً وصناعياً وتقنياً واجتماعياً واستثمارياً وتعليمياً .. إلخ ) ، والعمل على ( إفراغ القوة عن طريق الأستنزاف ) .. لأن من مصلحة واشنطن ان لا تنجح موسكو في نتائج فعلها العسكري أو ان ترتب تسوية تتطابق مع اهدافها السياسية في المنطقة .

ماذا نستنتج من ذلك : ؟

أولاً- ان امريكا ليست مستعجلة في الوصول الى تسوية في المدى المنظور، وذلك لأهداف ستراتيجيتها السياسية آنفة الذكر .. فيما يبدو أن موسكو مستعجلة للوصول إلى تسوية الصراع في سوريا بأقل الكلف تحاشياً للأستنزاف .

ثانياً- الساحتان السورية والعراقية مختلفتان بحكم الاحتلال من جهة، وطبيعة الصراع من جهة ثانية .. فمن الصعب على موسكو أن تنغمس في جبهتين ساخنتين وقبلهما جبهة ساخنة اخرى في أوكرانيا .. وهذا ما تدركه موسكو جيداً.

ثالثاً- تسليح طهران لمليشياتها تسليحاً ثقيلاً يشكل اختلالاً وتعارضاً مع الأستراتيجية الأمريكية القائمة على ما تسميه واشنطن بالتوازن المبني على قاعدة ( لا منتصر ولا مهزوم ) او ( لا غالب ةلا مغلوب ) ، وهو الأمر الذي يجعل أمريكا واقع الأخت يعظر الأعتبار بما يعزز النفوذ الأمريكي في العراق في نطاق إدارة دفة التحالف الدولي ضد ( الأرهاب ) .

رابعاً- سياسة الحرب على ( الأرهاب ) في حقيقتها هي سياسة من شأنها أن تضرب أكثر من عصفور بحجر، والبارز في هذه الأستراتيجية الخبيثة هو العمل على إجهاض ثورة الشعب العراقي في العراق ، وإجهاض ثورة الشعب السوري في سوريا .

خامساً- الصراعات كلها، في العراق وسوريا، تختزل فيها حقيقة وجود الشعب العربي في العراق وسوريا وحقوقهما الثابتة غير القابلة للتصرف .

سادساً- بروز حالة التدمير الكامل والشامل للبلدين العربيين العراق وسوريا.. ومسألة التدمير فيها قاسم مشترك إيراني أمريكي إسرائيلي .. الأولى تعمل من أجل الثأر والأنتقام والتوسع ، والثانية تعمل من أجل حماية الأمن الأسرائيلي والنفط ومشروع الشرق الأوسط الكبير، والثالثة تعمل من أجل تقوية خطوط دفاعاتها بإضعاف مقومات القوة في محيطها القريب لغرض الأندماج والقيادة.

سابعاً- تشترك الأنظمة في طهران وبغداد ودمشق وموسكو وواشنطن في منهج سياسي واحد هو محاربة ( الأرهاب ) والأختباء خلف هذه اليافطة الفاضحة، ولكن الهدف المشترك هو إجهاض قوى الثورة في كل من العراق وسوريا .. ولكن الصراعات على الأرض لا تتطابق دائماً مع الخرائط الجيو- سياسية التي ترسمها العواصم الدولية والأقليمية .. لأن إرادة الشعوب هي الأقوى دائما وهي المنتصرة بحكم حقائق التاريخ.!!





الثلاثاء ٢١ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / تشرين الثاني / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة