شبكة ذي قار
عـاجـل










استئنافاً لمقالنا ( نحو مؤتمر قومي لمعالجة قضايا الحراك الشعبي العربي )، الذي دعونا فيه إلى الاتفاق حول تعريف المفاهيم والمصطلحات التي أفرزتها وقائع الحراك. ومع الأخذ بعين الاعتبار تحييد القضيتين الفلسطينية والعراقية من أحكام المفاهيم التي نعالجها، لوقوعهما في مدار معارك التحرير الوطني لكونهما واقعين تحت الاحتلال، سنتقدم باقتراح تعريفين لمفهومين آخرين مترابطين ترابطاً وثيقاً، وهما: التعامل مع الأجنبي، وفعل الخيانة الوطنية.

1- التعامل مع الأجنبي خيانة وطنية.
تمرُّ أزمة وتتلوها أخرى، حول ارتكاب أفراد أو مجموعات من القوى المحلية لفعل التعامل مع القوى الخارجية ضد أمن أوطانهم، ولا تشكل هذه التهمة هماً من هموم أكثر الأحزاب والحركات العربية، حتى أصبح وكأن ارتكاب فعل الخيانة الوطنية عملاً عادياً وحقاً ديموقراطياً لمن يقوم به.

كانت أكثر جرائم الخيانة العظمى لفتاً للنظر تلك التي ارتكبتها ما كانت تسمى ( المعارضة العراقية ) في الخارج، تلك المعارضة التي لم تنتهك أصول المبادئ والمفاهيم الوطنية بالتجسس على الدولة العراقية فحسب، بل هي كانت أداة تنفيذية لتمهيد الطريق لاحتلال وطنهم أيضاً، كما أنها غطَّت الاحتلال واستلمت إدارة العراق السياسية بتوكيل منه.

لم تعالج الحركة الفكرية، على المستوى القومي، تلك الجريمة وتضع تعريفاً واضحاً لمن ارتكبها فحسب، بل شرَّعت بعضها، أيضاً. فعلت ذلك عندما أضفت شرعية على إفرازات الاحتلال الأميركي للعراق وذلك باعتبار ( العملية السياسية ) شرعية أيضاً استناداً إلى المزاعم التي اعتبرت أن الانتخابات التي جرت في ظل الاحتلال انتخابات كانت شرعية، ولكنه فات من تناسى جريمة المعارضة العراقية وشرَّعها أن كل ما يصدر عن فعل الاحتلال غير شرعي، وإن إفرازات الاحتلال وكل تغيير قام به تحت سلطته هو عمل غير شرعي أيضاً.

إن خطورة تجاهل ذلك الواقع أو تجهيله، أدى إلى اعتبار كل عمل مماثل حصل في الحراك الشعبي العربي لاحقاً عملاً شرعياً ومعترفاً به. ولذلك، عن قصد أو غير قصد، فقد شرَّع بعض الإعلام الوطني والقومي تلك الجريمة في حالات أخرى غير العراق عندما سكت عن تخوين كل من تعاون مع الأجنبي حاصراً همه بموبقات النظام وجرائمه متجاوزاً جريمة الخيانة الوطنية وجريمة التدخل الخارجي. وهذا ما حصل بشكل واضح في كل من ليبيا وسورية لاحقاً. والأسوأ من ذلك فقد راحت المواقف تُبنى على أساس اعتبار تلك المعارضة طرفاً أساسياً في أية دعوة لحوار سياسي مع الأنظمة، فحجزت لها القوى الراعية مكاناً دائماً على طاولات المفاوضات، وزيادة في التضليل فقد لجأت المؤسسات العربية الرسمية، وكذلك المؤسسات الدولية، لإعطاء تلك المعارضة حق تمثيل دولها في تلك المؤسسات بعد أن سلبت الأنظمة الرسمية حقها في تلك المقاعد.

قد يبرر البعض شرعنته لتلك المشاركة، بأنها أصبحت أمراً واقعاً في ظل موازين القوى العسكرية على الأرض، متجاهلاً أن المبادئ يجب أن لا تُخضَع لمكاييل الأمر الواقع. وإذا كانت المرحلية بالسياسة تجيز أحياناً تجاوز بعض المبادئ في أوقات ضرورية، إلاَّ أن على الفكر المبني على أسس الثوابت المبدئية أن لا يخضع لتلك المرحليات وذلك حتى لا تستسلم الشعوب لفعل الخيانة الوطنية، ويسهل ارتكابها في كل الأوقات وكل الأماكن.

2- المطالبة الخارجية بإقالة رئيس دولة أو تغيير نظام تلك الدولة تدخل مفضوح في الشؤون الداخلية للدول المستقلة.

كانت نقطة البداية لإطلاق هذا المفهوم قد دشَّنتها الولايات المتحدة الأميركية وإعلامها المتواطئ عندما قرَّرت غزو العراق. في ذلك الحين كلَّفت الإدارة الأميركية أحد المسؤولين السياسيين الخليجيين لنقل رسالة إلى الرئيس صدام حسين جاء في مضمونها أن يقبل الرئيس العراقي عرضاً يغادر فيه العراق مع عائلته ومن يريد من مساعديه إلى الجهة التي يختارها، وكان العرض يترافق مع تهديد مضمونه أنه في حال قبوله من قبل الرئيس العراقي سيوفِّر على العراق الكثير من الدماء والأرواح والخراب لأن نتائج الرفض ستكون حرباً ضد العراق. حينذاك رفض الرئيس صدام حسين العرض بشكل قاطع، وطلب من الموفد الخليجي أن يغادر العراق فوراً.

وفي تموز من العام 2008، طالب جورج بوش، الرئيس الأميركي السابق، بإحالة عمر البشير، الرئيس السوداني لمحاكمته أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكابه جرائم حرب بحق السودانيين.

وكذلك فعل الحلف الأطلسي بحق معمر القذافي، الرئيس الليبي، في العام 2011، حينذاك ولأنه لم يتنازل عن السلطة لمعارضة مشبوهة، أمر مجلس الأمن الدولي بإصدار قرار لاستخدام القوة ضد الجيش الليبي بذريعة حماية المدنيين الليبيين من جرائم القذافي، وكانت النتيجة أنه تم قتله بعد اعتقاله بطريقة مريبة من قبل أجهزة المخابرات الغربية.

وفي العام 2011، أيضاً، تصاعدت مواقف الدول الأجنبية، أوروبياً وأميركياً، هذا بالإضافة إلى بعض المواقف العربية، مطالبة بتنحي بشار الأسد عن السلطة، الرئيس السوري، كشرط للوصول إلى حل سياسي في سورية.

وغداً، وبعد غد، لا ندري من سيطاله موسى الحلاقة من الرؤساء العرب، ممن ستطالب القوى الخارجية بإقصائه عن الحكم؟؟؟

تتكرر المشاهد، وتتكرر المواقف، وكأنه كلما استطاعت المخابرات الأجنبية أن توظِّف لديها مجموعة ممن تطلق عليهم إسم المعارضة، تدفعهم إلى المطالبة باستقالة هذا الرئيس أو ذاك الملك، وتقوم هي بدورها بوضع شروط لأي حل سياسي بأن تقطع رأس هذا أو ذاك من رؤساء الأنظمة، أو تطالب في الحد الأدنى بأن يترك الحكم ويخرج إلى بلاد أخرى يختارها.

إن استخدام الدول الأخرى هذا الأسلوب أصبح وكأنه عمل مشروع. وباستثناءات قليلة وعابرة، يمر هذا الأمر مرور الكرام في إعلام بعض الحركات والأحزاب الوطنية والقومية من دون الوقوف عنده بجدية.

في معرض عدم التمييز بين المواقف المبدئية والمواقف السياسية الفئوية من مفهوم التدخل الخارجي في شؤون الدول، يختلط الأمر على الكثيرين، فيسكتون عن انتهاك القيم والقوانين والتشريعات الدولية. من أجل ذلك، يمكننا أن نعيد تعريف هذه القضية بالمبادئ التالية:

أ- إن التدخل الخارجي في قضية عزل الرؤساء أو تغيير الأنظمة يتناقض كلياً مع المبادئ الإنسانية المرعية الإجراء، والمحمية من القانون الدولي العام، تلك المبادئ التي تعترف بحق الشعوب في تقرير مصائرها. ولذا، بعيداً عن المواقف الفئوية من الأنظمة، توجب المبادئ القيمية العامة الوقوف بمبدئية ضد التدخل الخارجي في شؤون الدول المستقلة أياً كانت مصادره وأسبابه.

بـ- إن مفهوم الكرامة الوطنية ينص أيضاً على وجوب ليس رفض أي تدخل خارجي في تلك القضية فحسب، بل يوجب أيضاً على الشعوب التي تتعرض لمثل تلك الانتهاكات أن تقوم بمواجهة كل عدوان هدفه انتهاك مبادئ السيادة الوطنية أو تهديد أمن الدولة ووحدتها الجغرافية والمجتمعية، كما أنه من واجب كل فئات الشعب وشرائحه أن تخوض معركة المواجهة ضد من يقوم بانتهاك سيادة الدول، لا سيما وأن المواقف السلبية من الأنظمة لا تجيز على الإطلاق الوقوف على الحياد إذا تعرَّضت سيادة الدولة للخطر. وإنه في تاريخ الدولة العراقية عندما كانت تتعرَّض للتهديدات الأميركية أنموذجاً مبدئياً لجزء من المعارضة العراقية التي كانت في الخارج، وعندما تأكدت أن العدوان الأميركي أصبح في حكم التنفيذ، عادت إلى العراق، ووضعت نفسها وإمكانياتها إلى جانب النظام الحاكم من أجل الدفاع عن سيادة العراق ووحدة أراضيه وحق الشعب العراقي في تقرير مصيره بنفسه وليس بالاستقواء بأي قوة خارجية.

3- خاتمة في الربط بين مفهوميْ التدخل الخارجي والخيانة الوطنية :
وأخيراً، نعتبر أنه من الصعوبة بمكان أن يحصل التدخل الخارجي في شؤون دولة من الدول من دون وجود قواعد داخلية تعمل على إسناده من جهة وتستقوي به من جهة أخرى.

وإذا كانت الدول التي تضرب قانون احترام سيادة الدول الأخرى، وحقها في تقرير المصير، عرض الحائط، فيمكن لجم تجاوزاتها بالعمل من أجل بناء نظام دولي متعدد القطبيات يستطيع أن يفرض على كل الدول الأخرى تطبيق التشريعات الدولية والإنسانية بحزم وصرامة.

وأما عن ارتكاب فعل الخيانة الوطنية العظمى، من قبل الأفراد أو الحركات أو الأحزاب، فيتم عبر وسائل متعددة، ومنها :

أ- تعميم الديموقراطية واحترامها من قبل الأنظمة الحاكمة في الثقافة والتطبيق.

بـ- اعتبار ثقافة الولاء للوطن ذات أولوية عند المواطنين بحيث تتقدم على كل ولاء آخر. على أن تترافق دائماً مع نشر وتعميم وتثقيف المواطنين بمضامين القوانين التي تردع كل من تسوِّل له نفسه ارتكاب فعل الخيانة الوطنية العظمى.

جـ- تطبيق التدابير الرادعة بحق المخالفين تطبيقاً صارماً من قبل قضاء له استقلاليته المطلقة، بعيداً عن أية ضغوط من أي جهة أخرى، وخاصة من جانب الأنظمة الحاكمة.
 





الاثنين ١٣ محرم ١٤٣٧ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٦ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب حسن خليل غريب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة