شبكة ذي قار
عـاجـل










منذ التدخل السوفيتي في أفغانستان، وما لحقه من تدخل أمريكي لاحق وتدريجي في مراحل الحرب الأفغانية تحت شعار طرد السوفيت من أفغانستان، دشنت الولايات المتحدة الأمريكية منذ نهاية القرن الماضي وفي بداية القرن الحالي حروبا وغزوات خارج أراضيها كشفت عن مخططاتها التي تخدم أغراضا تجارية وربحية بحتة واسعة؛ وفي مقدمتها يتم إرضاء الشركات النفطية ومصانع السلاح الحربي وتجارة المخدرات وتنشيط ادوار المجموعات البنكية العالمية التي انتهجت سياسات النهب وتبييض الأموال المهربة في ظل سيادة الحروب الأهلية والظروف الاستثنائية والشاذة والأزمات ودعم حكم وسلطات عصابات الجريمة المنظمة والمافيا السياسية والتجارية التي تتكامل في تطلعاتها وأطماعها من خلال إثارة الحروب والعمل على استغلالها والمتاجرة بكل أشكالها من خلالها ولا يمكن إخفاء الدور الصهيوني لجماعات المحافظين الجدد في كل ذلك المخطط في الشرق الأوسط الكبير.

ان الشركات العابرة للقارات،متعددة الجنسية، او فوق القومية، خاصة شركات البترول والطاقة وفي مقدمتها هالبرتون Halliburton وغيرها يسيرها المحافظون الجدد في الولايات المتحدة تكون قد تجاوزت في نفوذها حتى السلطات السياسية للدول الكبرى وصارت لها لوبيات آمرة لتنفيذ سياساتها وهي التي حولت منظومات جيوش تلك الدول العظمى إلى أدوات جريمة وغزو لتنفيذ الغزو والعدوان والإشراف على عمليات النهب، فكان ان جندت في مخططاتها الشركات الأمنية الخاصة التي تعمل الى جانب تشكيلات الجيش الأمريكي النظامية. تكاملت أدوارها في تنفيذ الإستراتيجية الأمريكية في ما وراء البحار، حيث تخلق مناطق التوتر والحروب التي تديرها وتتورط بها ادارة الولايات المتحدة.

ظاهرة تعاون الشركات الأمنية الخاصة مع المخابرات الأمريكية وتجنيدهما المرتزقة في أنشطتها بالتنسيق مع إدارة القوات النظامية الأمريكية برزت منذ حرب فيتنام في الستينيات من القرن الماضي ضمن برنامج سري عُرف باسم ( العمليات السوداء ).

وإذا كانت المرحلة المبكرة لهذه الظاهرة عبرت عنها عمليات خاصة بإشراف الولايات المتحدة بإرسال المرتزقة وتكليفهم بتنفيذ عمليات اغتيال وتخريب ضد مواقع معادية لا تريد واشنطن آنذاك التورط فيها بشكل مباشر لمراعاة سياقات كانت تحكم العالم في ظروف الحرب الباردة بين المعسكر الشرقي والمعسكر الغربي، حتى وصل الامر بان الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتنكر ولا تعترف بأي من الأمريكيين التابعين لهذه الشركات الأمنية الخاصة ممن اعتقلوا او قتلوا في تلك العمليات؛ إلا أن الامر اختلف اليوم في أفغانستان والعراق أين تتورط القوات الأمريكية في غزو واحتلال العراق لتطور أجهزتها الأمنية والعسكرية أشكالا أخرى من التدخل تبلور في وجود الشركات الأمنية الخاصة بشكل علني وهي تنسق بشكل علني مع القوات الأمريكية والمليشيات المحلية وحتى الأجهزة السرية للسلطات المحلية التي أفرزتها إدارة الاحتلال الأمريكي.

لقد كان رائدي عمليات خصخصة الحروب، والمستثمر الاول بها هما نائب الرئيس الأمريكي الأسبق ديك شيني ورونالد رومسفيلد، وزير دفاع الحرب على العراق في عهد بوش الابن 2003.

وانطلاقا من دروس العدوان الثلاثيني على العراق بحجة " تحرير الكويت" وما بعده جرى تطوير شركات الخدمات العسكرية والأمنية الخاصة منذ منتصف 1992 أثناء إدارة بوش الأب حيث تم تكليف شركة Brown Root Services ، ( وهي احدى الشركات الفرعية للشركة الأم هاليبورتون Halliburton التي كان يرأسها ديك تشيني منذ العام 1994 إلى أن أصبح نائبا للرئيس بوش الابن ) تم تكليفها بوضع خطة لتنفيذ خصخصة الخدمات العسكرية في مناطق الحرب، فحصلت تلك الشركة على أربعة ملايين دولار،كان ذلك في عهد ديك تشيني عندما كان وزيرا للدفاع في إدارة بوش الأب حيث حصلت تلك الشركة في نهاية 1992 على خمسة ملايين دولار لتحديث خطة الخصخصة. كسبت تلك الشركة عقدا قيمته 2.5 مليار دولار لبناء وإدارة قواعد عسكرية بعضها كانت سرية كجزء من برنامج سمي " الزيادة المدنية اللوجستية للجيش" Army’s Logestics Civil Augmentation Program

وقد تم تنفيذ خطة ديك تشيني بالفعل حيث جرى تقليص الجيش الأمريكي من 2.1 مليون جندي في العام 1989 إلى 1.4 مليون جندي في العام 2004 لتأخذ شركات الخدمات العسكرية الخاصة مهمات سد الفجوة وتناط بها مهام خاصة بعد أن قررت الولايات المتحدة التورط في صراعات مسلحة إقليمية في مناطق ساخنة من العالم خارج أراضيها فكانت لشركة Foreign Logion رائدة في سد تلك الفجوة بين احتياجات السياسة ومطالب تخفيض الجيش، وذلك بما قدمته من متعهدين مرتزقة/ وحيث انتقل مئات الآلاف من العسكريين المتقاعدين الى العمل في هذه الشركات الخاصة، وطبقا لمركز الإحصاء العام للولايات المتحدة انفق البنتاغون 300 مليار دولار في تعاقدات بلغ عددها 3016 عقدا لشراء خدمات عسكرية من 12 شركة خاصة، وذلك خلال الفترة ما بين 1994 وعام 2002 ( هذه الأرقام لا تشمل عقود التسليح ).

وقد أعطت صحيفة الفايننشال تايمز لهذا التيار عنوان ( الخصخصة الزاحفة لأعمال الحرب ) وأفادت ان نسبة موظفي القطاع الخاص في القوات المسلحة الأمريكية إبان الثمانينيات ( أثناء حرب الخليج الأولى ) لم تتجاوز %2 ارتفعت في العام 2003 ( عام الغزو للعراق ) إلى %10 . واستخدم البنتاغون أكثر من 70000 متعهد، وتم إنفاق 33 مليار دولار من إجمالي 416 مليار دولار، حجم الإنفاق العسكري الأمريكي على شركات الخدمات العسكرية الخاصة Private Military Companies طبقا لما خصخصه مجلس الشيوخ في الأسبوع الأخير من حزيران / يونيو 2004، وعن أكثر من 20 مليار دولار ( أكثر من ثلث ميزانية الجيش المخصصة لأفغانستان والعراق ) كما تذهب الى شركات الخدمات الخاصة.

لقد كان تعداد عناصر شركات الخدمات العسكرية الخاصة في العراق يقدر بـ 10000 وهو رقم يفوق اعداد القوات البريطانية في العراق التي كانت تحتفظ بحوالي 9900 جندي، كشفت بذلك دراسة قامت بها صحيفة الغارديان البريطانية وتوصلت فيها ايضا الى نسبة الافراد المتعاقدين في هذه الشركات الخاصة على خط النار يعد اكثر بعشر مرات عنه اثناء حرب الخليج الثانية 1991؛ ففي تلك الحرب كان يوجد عنصر من هذه الشركات الخاصة مقابل 100 جندي نظامي، اما في حرب الخليج الثالثة فانه يوجد منها في العراق عنصر من هذه الشركات الخاصة مقابل كل عشرة جنود نظاميين وبذلك اصبح القطاع الخاص جزءاً لا يتجزأ من الحرب والاحتلال.

وفي تلك الدراسة تتوصل الصحيفة البريطانية الى ان خصخصة الحرب الامريكية تتطلب الانفاق بحوالي 30 مليار دولار من مجموع 87 مليار على شركات الخدمات العسكرية الخاصة الذين تواجدوا في جميع مفاصل وجبهات الحرب سواء على ظهر البوارج الحربية وانظمة التسليح ذات التكنولوجيات المعقدة واعمال الصيانة والخدمة على الارض لكل منظومات التسليح الجوي. وبعد الحرب وانسحاب القوات الامريكية رسميا من العراق تركت المهام في التدريب والاشراف على القوات العراقية للقطاع الخاص من تلك الشركات التي يتجاوز تعدادها اكثر من 300 عنصر.

وعلى نفس المنوال تطورت منظومات شبيهة سياسية ومالية وتجارية ومافيا من الشركات في قطاع الطاقة وصناعات الأسلحة في روسيا الاتحادية تسعى هي الأخرى إلى التدخل حيثما توفرت لها الفرص مستفيدة من أخطاء سياسات الولايات المتحدة وتدخلاتها في شؤون البلدان الأخرى.

وإذا كانت هذه الأفعال الجرمية والممارسات تتم خارج نطاق الشرعية الدولية وقوانين الأمم المتحدة فان الإدارة الأمريكية عقدت الاتفاقيات الدولية وفرضت التعاون الأمني مع حلفائها في حكومتي العراق وأفغانستان واشترطت منح تلك الشركات وأفراد القوات الأمريكية الحصانة ومنع محاسبة أفرادها عن الجرائم المرتكبة من قبلهم كما هو الحال مع جريمة ساحة النسور ببغداد والهجوم على الفلوجة وغيرها حيث حصلت تلك الشركات على الحماية التامة من لدن القوات الأمريكية.

لقد ارتبطت الأفعال الجرمية لهذه الشركات وبالتنسيق مع قيادات قوات الولايات المتحدة بتبادل الأنشطة المطلوبة منها تبعا للظروف السياسية والأمنية والعسكرية لهذا البلد أو ذاك فكان تجنيد المرتزقة المسلحين المأجورين لهذه الشركات الخاصة يتم من خلال تجميع العناصر السابقة في فرق القوات الخاصة التي كانت تعمل في جيوش الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا وجنوب إفريقيا وفرنسا وإسرائيل والفيليبين وتشيلي وصربيا وغيرهم من الدول.

ولخلق بؤر التوتر المطلوبة لتبرير التدخل الأمريكي عملت المخابرات الأمريكية على تنظيم عددا من المجموعات والفصائل الإرهابية وبسميات إسلامية أو جهادية فدربتها سرا بواسطة خبراء من تلك الشركات وافتعلت حيثما تطلب الأمر الصدامات المطلوبة لتبرير شن حملة ما يسمى " مكافحة الإرهاب" والدفاع عن الأمن القومي للولايات المتحدة.

على نفس المنوال اشتغل الروس على تنظيم حالات مماثلة لتبرير اقترابها من مناطق الصراع والحصول على الامتيازات الناجمة عن صفقات الحرب الباردة الجديدة.

يتبع القسم الثاني





الاثنين ٢٨ ذو الحجــة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / تشرين الاول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة