شبكة ذي قار
عـاجـل










يقول البعض إن الصراع القائم على الساحة السورية بين موسكو وواشنطن، هو صراع تتبلور خلاله ملامح الحرب الباردة بين الدولتين العظميين .. وهو صراع في بعض أوجهه يتمثل بلي أذرع، وفرض أمر واقع، ومحاولات جر الخصم نحو تنازلات ومساومات وصفقات يتم الأتفاق عليها على وفق معطيات الصراع وفعالياته الحربية أو العسكرية على الأرض، فضلاً عن مراعاة ميزان تعادل القوى الأقليمي بالدرجة الأساس .

بيد أن جبل الجليد العائم لا يفصح عن الغاطس .. وهكذا هي مجريات السياسة الدولية على وجه الخصوص .. فماذا يكمن خلف قرار موسكو التدخل عسكرياً في الوحل السوري، بعد ان كانت خطوات موسكو تقتصر على الدعم العسكري - اسلحة واعتدة ومعدات ومستشارين وخبراء - كما هو شأن طهران التي تتدخل تدخلاً مسلحاً مليشياويا للدفاع عن نظام دمشق و بذريعة بائسة هي ( الدفاع عن ضريح السيدة زينب ) .. ولكنها الآن ارسلت قوات عسكرية نظامية بالتنسيق مع موسكو قبل بضعة اسابيع ، لدعم القوة العسكرية الروسية للدفاع المشترك عن نظام دمشق .. ويبدو أن هذه الخطوة العسكرية التي أخذت طريقها إلى الساحة السورية تعد :

1- عملاً عسكرياً ( روسياً- ايرانياً ) مشتركاً ، بمقتضاه ارسلت موسكو وحدات عسكرية ( محدودة ومحددة ) مع اسلحة وعتاد حربي وطاقم مستشارين وفنيين، وباشرت في بناء منتجعات عسكرية على الساحل السوري، وباشرت في تأسيس مطار جديد ومنشاءات حيوية، وبنية تحتية في منطقة الساحل .

2- ويتوقع البعض ان صفحة التدخل العسكري الروسي ستتسع في المستقبل القريب، وستتخذ شكل مراحل في التصعيد تبعاً لأوضاع الصراع على الأرض التي أخذ نظام دمشق يخسرها تدريجياً وهي مواقع إستراتيجية مهمة تستدعي الأنحسار نحو الساحل بعد أن يشتد الخناق على النظام .. هذا الرأي يحمل نصف الحقيقة، والنصف الآخر يخالفها تماماً، وهي أن موسكو لا تجازف بتصعيد الموقف العسكري لدواعي الدفاع عن النظام السوري وتعريض مصالحها إلى الضرر أو الخطر.

3- العاصمتان موسكو وطهران خلال لقاء ( قاسم سليماني وفلادمير بوتين ) في العاصمة الروسية قبل بضعة اسابيع وافقتا على إرسال المئات من الجنود الإيرانيين النظاميين دعماً للتدخل العسكري الروسي في سوريا ( هكذا جاء الأخبار ) .. فيما تنفي موسكو أي خطوة لتوسيع وجودها العسكري، وتؤكد ان وجودها يقتصر على الدعم العسكري والخبراء العسكريين المصاحبين للأسلحة والمعدات، لغرض تدريب القوات السورية عليها في اطار العلاقات الثنائية القائمة بين البلدين .

4- الخطوة الروسية - الأيرانية المستعجلة جاءت في اعقاب فقدان نظام دمشق محيط مطار دير الزور العسكري ذي الأهمية الأستراتيجية للقوات الروسية، ومطار ( ابو الضهور ) في محافظة أدلب .

5- التدفق العسكري الروسي عبر ( إيران واليونان ) يهدف الى تأسيس مطار جديد بالقرب من اللآذقية , ومسقفات إيواء للطائرات الحربية ولسكن العسكريين الروس ومخاز للعتاد والأسلحة .

في ضوء ما تقدم ، ما هي ملامح الأستراتيجية للقرار الروسي بالتدخل العسكري المباشر في سوريا وماذا تعني؟

أولاً- ان حسمية الصراع العسكري لا تؤكدها إلا السياسة كخيار يرتب أدوات الفعل العسكري على الأرض .. والتدخل العسكري هنا يعتبر فعل من أفعال السياسة التي تنضوي تحت أبعاد الصفقة .

ثانياً- ان تأكيد طهران على انها اللاعب القوي في معادلة الصراع وان مفاتيح الحلول بيدها، بات لا جدوى منه لفشلها الذريع في ساحات تدخلها المليشياوي العسكري المؤدلج ( اليمن وسوريا والعراق ولبنان وساحات الخليج العربي ) على وجه التحديد.. الأمر الذي يجعل إيران لآعباً خاسراً رغم تبجحها القبيح وتدخلها السافر في شؤون الآخرين بصفاقة منقطعة النظير.. كما انها تعني أن لا مكان لأيران، فاعلاً ومؤثراً، على طاولة أي مفاوضات قادمة، لأن إيران هي العنصر الأرهابي الأول في المنطقة وباقي الأرهاب ظهر نتيجة للفعل المتراكم من الأرهاب الأمريكي والأسرائيلي .. وتلك حقيقة لا احد يستطيع حجبها ابداً .

ثالثاً- ان إيران، وكما هو معروف، تعتمد على استخدام مليشياتها الطائفية المسلحة كأداة من أدوات سياستها الخارجية الأستخبارية .. هذه الأداة ما عادت هي تجدي نفعاً، بل على العكس، باتت تأكل من جرفها كما يقال .. فبدأت إيران تهتم بقوات نظامية ( تحت يافطة محاربة الأرهاب ) و روسيا تمارس فعلها تحت اليافطة ذاتها وكذلك نظام دمشق ونظام بغداد، كما ترعى وتشترك أمريكا بلعبة محاربة الأرهاب .. ولم يتحدث احد عن ضحايا الشعب العراقي والشعب السوري، كما لا احد يتحدث عن إرهاب المليشيات الإيرانية في عموم دول المنطقة العربية وفي خارجها .. الفضائح هي التي عرت الأداة الإيرانية في الكويت والبحرين والعراق وسوريا ولبنان ومصر حتى المغرب العربي .. حتى باتت عبئاً ثقيلاً على كاهل القيادة الفارسية الماسونية في طهران وقم .. الأمر الذي دفع بهذه القيادة الطائفية، نتيجة انهيار نظام دمشق إلى الأتفاق مع موسكو لأرسال جنود إيرانيين نظاميين للقتال إلى جانب قوات نظام دمشق وتحت خيمة الطيران الحربي الروسي .. والذريعة التي يعرفها العالم هي ( محاربة الأرهاب ) و ( محاربة داعش ) .!!

كانت الحجة أو الذريعة التي اعلنها الاتحاد السوفياتي عند تدخلة العسكري في افغانستان هي طلب النظام الافغاني حماية ( كابل ) .. إلا ان تكرار الذريعة ذاتها لحماية ( دمشق ) يعكس عقم قرار موسكو في التدخل العسكري، الذي سيؤدي الى نتائج وخيمة تأخذ شكل تداعيات في داخل العاصمة موسكو وتداعيات في الداخل الايراني .. لأن مثل هذا التدخل العسكري خارج اطار المنظمة الدولية والقانون الدولي على أساس شريعة الغاب سيثير حفيظة العالم من جهة ويضع موسكو على وجه التحديد امام تناقضها المقرف في سياستها الخارجية، التي تعلن تمسكها بالنظام الدولي وبإجراءات ووسائل حل المشكلات بالطرق السلمية.. وكذلك يضع السلوك الإيراني المنحرف في دائرة الأدانة المباشرة أمام محكمة الجنايات الدولية بإعتبارها راعية للأرهاب الدولي .!!

رابعاً- الصفقة الروسية- الأمريكية قد تفضي الى إرخاء القبضة الإيرانية نهائياً عن سوريا والمنطقة مقابل .. دويلة الساحل السوري وإبقاء الأسد مؤقتاً .. في معادلة حكم معاييرها متفق عليها بين موسكو و واشنطن.!!

وبهذه النقلة .. تتخلص موسكو من ضغط الغرب المتزايد عليها في ( أوكرانيا ) وأسعار النفط المتدهورة، وسوق السلاح والأقتصاد المتعثر، وهبوط اسعار العملة الروسية، ومشكلات خطوط النفط والغاز العابرة للحدود.. وتنجح في بقائها في ميناء ( طرطوس ) ، الذي يطل على اكبر خزين استراتيجي يقبع في أعماق مثلت النفط والغاز في البحر الأبيض المتوسط .. فيما ينتهي الأمر بتراجع أو إنكفاء إيراني نحو الداخل بعد الأتفاق النووي .. حيث تأخذ الحرب الباردة مشوارها في التفاهم على مستوى الخط الساخن الذي يراد إحياؤه ربما من جديد.!!

الحصة الروسية تكمن في القاعدة البحرية العسكرية ( طرطوس ) ومطار ( حميميم ) ، ولا أحد يحاسب موسكو بعد رحيل الأسد وحتى تغيير النظام وحسب بنود الصفقة .

6- إن إغراق الطرف المقابل في حروب الخارج مدخلاً جديداً في زخم الحرب الباردة لم تدركه موسكو ربما وذيلها طهران إلا بعد فوات الأوان .. ويبدو آن الأوان لم يفت بعد، ولكن طهران قد غرقت في مستنقع العراق واليمن وسوريا وجنوب لبنان .. فيما غرقت موسكو في مستنقع أوكرانيا ، وها هي موسكو تتشبث بمصالحها على حافات المياه الدافئة كآخر طموح امبراطوري - روسي تندفع إليه موسكو- بوتين .. فيما تتصدع بناءات طهران في الخارج وتتهاوى بإنتظار تصدعات قادمة في الداخل.!!

7- موسكو ترى ان إيران دولة عازلة ( Buffer State ) حيال احتمال تعرض مجالها الحيوي للفوضى .. ولكن إذا لم تتدارك موسكو تصدع الدولة العازلة التي غرقت في عدد من مستنقعات محيطها القريب فأنها ستعرض مصالحها الى الضرر الكبير في المستقبل .. والمعنى في هذا ، ان تتدارك موسكو ربط مستقبلها بالنظام الايراني أولاً وبمستقبل نظام دمشق اللآيل الى السقوط الحتمي ثانياً .. ثم ألم تتعظ موسكو من كارثة انسحابها من افغانستان وتداعيات هذا الانسحاب على وضعها الداخلي ومنظومتها الخارجية ، لكي تكرر ما ارتكبه الاتحاد السوفياتي بتدخله الخارجي الخاسر .. أم هي سياسة النخب الحاكمة بأفكار عمق التاريخ والجغرافيا، التي تملي عليها هذا السلوك السياسي الخارجي كما هو حال سلوك النظام الفارسي الظلامي حيال المنطقة.؟!





السبت ٢٨ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٢ / أيلول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة