شبكة ذي قار
عـاجـل










يمكن وضع خلاصة مكثفة لما اسفر عنه الاحتلالين الأمريكي والإيراني المتوافقان إستراتيجياً للهيمنة على العراق ومن ثمَ العبور صوب المحيط العربي القريب لتحقيق ما يسمونه إدارة نظام الأمن الأقليمي .. فيما يتمدد الإسرائيليون في شراء أراضي عراقية تمتد من السليمانية حتى الحدود الأدارية لمدينة الموصل ومحافظة كركوك تعتبر قمة النشاط العقاري للبنوك الأسرائيلية من أجل تعزيز الوجود الإسرائيلي على أساس الفكرة الصهيونية من جهة ، والسيطرة على المخزون النفط الأستراتيجي في باطن تلك الأراضي .

النظام الأمن الأقليمي هذا - الذي دخل حالياً غرفة الأنعاش- لن يأت بقرار مفاجئ ، ولن يأت سريعاً ، إنما يأخذ شكل مراحل.. لسنا بصدد تناول هذا الأمر، إنما ينصب الحديث على ما أنتجه الاحتلال الأمريكي والأيراني، فضلاً عن المسببات ورصد وتحليل ما هو كائن استشرافاً لما سيكون عليه الوضع .. وهو من باب القراءات المستقبلية .. ولكن ليست البعيدة :

1- فشل المشروع الامريكي سياسياً، وذلك لعدم تمكن امريكا من إبقاء وجودها العسكري المباشر، وفشل المشروع السياسي هذا، الذي بدأ منذ عام 2003 ولحد الآن، بات يعكس وضعاً مأساوياً قل نظيره في العالم، سياسياً وأمنياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً .. ولكن مثل هذا الفشل السياسي لم يسقط ملف المشروع كله، إنما بات في وضع التصحيح في بعض المرافق، فيما أبقت تقسيم العراق هدفاً مركزياً في ملف الاحتلال يظل تحت خيمة الأتفاق الأستراتيجي الكائنة بين حكومة الولايات المتحدة الأمريكية وحكومة الأحتلال الفارسية وتأثيرات الوضع العام جيو- ستراتيجياً .. هذا الفشل الذي أفصح عنه الأنسحاب الأمريكي المنظم من العراق نهاية عام 2011، جاء لبدأ صفحة جديدة تتمثل بأبتلاع الأرض وخزينها الأستراتيجي من النفط من لدن الشركات الأمريكية العاملة عن طريق شراء المزيد من الأراضي الخصبة وباطنها يحتوي على الخزين الهائل من النفط من قبل شركات إسرائيلية ما يزال تأثيرها يتحكم بمرتسمات أوجه السياسة ومتطلباتها العسكرية على الأرض في المناطق الساخنة .

2- التوغل الايراني الآيديولوجي والسياسي والعسكري بات يستشري منذ عام 2003 تحت انظار الاحتلال الامريكي، وهو في صيغة مشروع معد اساساً لتفكيك الشعب العراقي ونهب ثرواته تحت يافطة المذهب.

3- مشاريع الأقلمة والتقسيم والأنفصال باتت تظهر بالضد من هوية الدولة العراقية الموحدة.

4- انهيار الثقة الكامل بين الشعب العراقي وحكومة الاحتلال ومكوناتها واحزابها ومليشياتها المسلحة.

5- انهيار ثقة الشعب العراقي بالاحزاب الدينية وبمرجعياتها المذهبية.

6- انهيار خزينة الدولة وافلاسها، نتيجة لـ :

اولاً- توزيع موارد النفط حصصاً على احزاب العملية السياسية التي تقوم بدورها بتمويل مليشياتها المسلحة، اضافة الى تمويل إيران لقادة هذه المليشيات من خلال البنوك في العراق بقوائم تتضمن اسماء ( ارقام ) لهؤلاء القادة والشخصيات السياسية والعسكرية .

ثانياً- توزع العقود الخاصة بالمشروعات الوهمية على أحزاب السلطة حصراً وحسب مواقع نفوذها في الوزارات والمؤسسات والدوائر الحكومية.!!

ثالثاً- توزيع موارد النفط حصصاً على الرئاسات الثلاث ونوابها والمعاونون والمستشارون وطواقمهم وجيوش حماياتهم ومرتزقتهم .

رابعاً- الأنفاق العبثي على التسلح الفاسد .

7- اتساع دائرة الفساد المالي عمودياً وأفقياً – من الرئاسة مروراً بالقضاء والمحاكم بأصنافها ودرجاتها ومستشاريها، وبالبرلمان والوزارات والمؤسسات والدوائر الرسمية حتى مكاتب الأستعلامات كافة.. فيما تأخذ عقود مشتريات السلاح والذخيرة والتجهيزات العسكرية نصيب كبير من حجم الفساد ، تليها أرصدة الكهرباء التي تبخرت والمشاريع الوهمية المرسومة على الورق قد ابتلعت من أساسها ولم يعد لها من أثر .

8- تدهورالوضع الصحي العام في العراق .. ولم يعد هناك من سبيل للآصلاح ما دامت المليشيات ومافياتها تتحكم بأوضاع المستشفيات التي تعاني التدهور الشديد وعدم قدرتها على النهوض بأعباء ومتطلبات حياة الأنسان في العراق.. فضلاً عن المخاطر الناجمة عن الأدوية المستخدمة وهي في خارج الصلاحية وبعضها يحتاج الى عناية خاصة للمحافظة على قيمتها العلاجية، وشحة التخصصات وهجرة الأطباء الى الخارج نتيجة للتهديدات بالقتل والأبتزاز والخطف .

9- تدهور الوضع الزراعي والصناعي .. فقد ترك الفلاح الأرض واختفت الصناعات المدنية والعسكرية تماماً وبات الأعتماد على مشتريات الخارج، وفي مقدمة الدول إيران، التي تصدر بضائعها ( الزبالة ) إلى العراق والدفع بالعملة الصعبة، فيما يسدد الأيرانيون مستحقات العراق بالتومان الإيراني الهابط والذي لا قيمة له في الخارج .!!

10- اتساع مساحات التصحر على حساب المدن .. واتساع مساحات الأراضي المالحة .. وارتفاع معدلات تلوث البيئة ( تراب الأرض ومياه الأنهر والهواء المشبع بمواد كاربونية سامة وقاتلة، فضلاً عن تلوثات أخرى أكثر خطورة وهي اليورانيوم المنضب ومخلفات المواد الكيميائية التي استخدمتها القوات الأمريكية والبريطانية وغيرها، الأمر الذي زاد من معدلات الأصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية .

11- تزايد معدلات الفقر .. وتزايد معدلات البطالة وخاصة بين الشباب، الأمر الذي فاقم من الأوضاع الأجتماعية بسلوك انحرافي وتهتك قيمي وفشل ذريع في تكوين أسرة سعيدة .

12- انخفاض احتياطات النقد الاجنبي الى دون ( 60 ) مليار دولار، وهي احتياطات لا تكفي لسد النفقات أو الأحتياجات سوى لبضعة أشهر، وذلك في ضوء انخفاض اسعار النفط وانعدام التخطيط واتساع دائرة التفسخ والفساد، وتزايد معدلات الأنفاق العسكري.. والسبب يكمن في :

- كلف الحرب العبثية ضد الشعب العراقي، الذي يطالب بالحرية والأستقلال الوطني ( بحجة سقيمة هي محاربة داعش ) و ( محاربة الأرهاب ) .!!

- النهب الواسع النطاق الذي ضم ملفات زادت على ( 34398 ) ملفاً ، غطت وزراء ووكلاء وزارات ومدراء عامون ومستشارين ورؤساء لجان وقضاة كبار وحكام ونواب ورؤساء احزاب وقادة سياسيين وعسكريين .. إلخ

- انخفاض اسعار النفط الى ما دون ( 50 ) دولار للبرميل الواحد، مرشحة للهبوط، حسب الخبراء، إلى ( 30 ) دولار للبرميل وربما إلى مستويات متدنية عند الهزات السياسية والعسكرية التي تضرب المنطقة، وهي مرشحة لذلك.!!

- تفاقم العجز في ميزان المدفوعات .. وتراكم المديونية الخارجية نتيجة التوسع في الأقتراض من البنوك الدولية وطرح حكومة المنطقة الخضراء سندات الخزينة.!!

- عدم وجود مشروعات انتاجية وطنية لتخفيف الضغط عن تسرب العملة الصعبة .. وخلق ناتج قومي داعم للمدخولات .

والأخطر من كل ذلك هو محاولات تفكيك المجتمع على وفق معايير طائفية وعرقية و ( تجريف ديموغرافي بأداة الحرب على الأرهاب ) ، وهي محاولات تمهد للتقسيم .!!

ماذا يجري الآن

أولاً- هجرة واسعة النطاق لشباب العراق إلى الخارج .. إذ بلغ معدلها أكثر من 400 ألف شاب عراقي توزعوا على أصقاع العالم هرباً من جحيم الخطف والقتل والأعتقال والبطالة والفقر وضياع المستقبل ..

والملاحظ :

1- انعدام فرص العمل لدى الشباب .. وهو الأمر الذي يسد أمامهم ابواب المستقبل.

ثانياً- الضغط عليهم من قبل المليشيات من أجل التطوع والأنخراط في الحرب العبثية المفتعله .. ادراكاً من الشباب بأن قيادات المنطقة الخضراء الفاسدة تقودهم الى المحرقة ..

2- تكشف لديهم كذب ودجل الدعوات التضليلية الطائفية والعرقية التي تصب في المصلحة الإيرانية ومصلحة الطغمة الفاسدة المارقة الحاكمة .

ثالثاً- ونتيجة لهذا الوضع المتردي .. ارتفعت نسبة الفقر والجهل والمرض في محافظات جنوب العراق إلى 42.5% ، وفي محافظات الوسط اكثر من 23.8% ، وفي المحافظات الشمالية اكثر من 21.5% ، أما في بغداد عاصمة السلام فقد بلغت 21% ، في الوقت الذي يعد العراق من أغنى بلدان العالم ..!!

إذن .. أن شعب العراق قرر واصر على التغيير الكامل والشامل والعميق ليحقق حريته وينجز قراره السياسي والأقتصادي المستقل تحت خيمة الأستقلال الوطني .. ولا تراجع .!!

 ماذا أسس الاحتلال بعد عام 2003 ؟

من الواضح أن الاحتلال أسس واقعاً يخدم اهدافه .. وهذا الواقع يتشكل من عناصر ليست وطنية توزعت في مجالين :

الأول : تكفلت به طبقة سياسية عميلة جاهلة نفعية وطفيلية تجمعت لِتكَوِنْ ركيزة أساسية مهمتها إدارة ما يسمى بالعملية السياسية .. هذه الطبقة أسست حالة التداخل بين السلطات، التي اثارت الفوضى حيث مهدت للنهب والسلب والتهجير القسري وبالتالي إضعاف العراق بتمزيقه جغرافياً و ديمغرافياً .. بحيث لم يعد هنالك من فاصلة حقيقية وموضوعية رصينة بين السلطات .. والتداخل بين السلطات يأتي بمعنى أن لا فصل بينها بحيث أن السلطة التنفيذية باتت متمكنة من إخضاع السلطتين القضائية والتشريعية .. الأمر الذي انتهى إلى تسييس السلطتين بحيث أمست السلطة التشريعية ( تشرعن ) قوانين السلطة التنفيذية لحكومة الاحتلال ، أما السلطة القضائية فقد باتت جزءًا من أدوات السلطة التنفيذية .. ومن الصعوبة أن تعمل السلطة التنفيذية بدون السلطة القضائية ، لأنها الواجهة التي تختفي خلفها السلطة التنفيذية ( وعلى هذا الأساس نجد أن أركان العملية السياسية قد انتفضت ومن خلفها طهران حين تعرض الثائرون العراقيون لـ ( مدحت المحمود ) ، الذي يعتبر رأس فساد السلطة القضائية في العراق، طالما يُشَرْعِنْ الفساد لقادة العملية السياسية ويُفَبْرِكْ قانونياً ملفات الفساد والسرقات ويُطلق الأحكام كما يريدها صانع القرار فضلاً عن أركان العملية السياسية الفاسدة .

الثاني : فقد تكفلت به طبقة ( دينية - مذهبية ) تحتكر القرار السياسي تحت خيمة ( الدين والمذهب ) ، تكاثر عناصرها واتسع نفوذها في الحشد الطائفي، والتحريض الطائفي، والتسويق الطائفي المليشياوي المسلح، وتصدرت هذه العناصر منابر لتشويه الحقائق والأحداث والوقائع، وإشاعة حالة التجهيل والجهالة بين صفوف البسطاء من الناس، فضلاً عن تكريس واقع الأبتزاز.. هذه الطبقة من رجال الدين قد تكاثرت حتى باتت تعتاش على الإرتزاق بسم الدين والمذهب وعافت مهماتها الأساس من أجل تنفذ اجندات إيرانية خالصة دون أن يكون لمصلحة العراق والعراقيين من أثر يلمسه الشعب العراقي الصابر الشامخ العظيم، الذي قرر التغيير الشامل والكامل والعميق من أجل الخلاص الوطني .!!





الخميس ٢٦ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٠ / أيلول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة