شبكة ذي قار
عـاجـل










جلسة الحوار التي دعا إليها رئيس المجلس النيابي تنعقد بعد شغور رئاسي ممتد منذ أكثر من ستة عشر شهراً، وفي مناخ حراك شعبي طغى عليه العنصر الشبابي انطلق من النقطة التي يعالج فيها ملف النفايات إلى سائر الملفات المطلبية الاخرى، ومطالب ذات صلة بقضايا سياسية، وأهمها تفعيل عمل المؤسسات وفق الآليات الدستورية وسن قانون انتخابي خارج القيد الطائفي كمدخل لا بد منه للولوج إلى عملية إصلاح سياسي جدية في بنية النظام.

هذه الجولة الحوارية ليست الأولى، إذ سبقها جولة انطلقت في حزيران /2006، وتمحورت بشكل أساسي حول الاستراتيجية الدفاعية، وجولة أخرى انعقدت جلساتها في قصر بعبدا بمبادرة من رئيس الجمهورية وتمخضت نتائجها عن إعلان سياسي عرف بإعلان بعبدا، لكنه بقي حبراً على ورق رغم توثيقه في الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

إن الجولة الحالية التي تنعقد لا تحضرها كافة القوى التي سبق وتمثلت في حواري ساحة النجمة وقصر بعبدا، لأن "القوات اللبنانية" أعلنت عدم مشاركتها لعدم الجدوى، كما أن هذه الجولة تنعقد وثمة حوار جارٍ بين القاطرتين الأساسيتين لتكتلي 8و14 آذار وهذا ما يطرح أكثر من علامة استفهام أو تساؤل حول الجدوى من هذه الدعوة، وهل تتمخض عن نتائج حسية وعملية بالنسبة للقضايا التي اعتبرها رئيس المجلس تشكل جدول أعمال للمتحاورين؟

قد يبدو من المبكر الإجابة على هذا التساؤل قبل انطلاقة عجلة الحوار، لكن المعطيات الداخلية والخارجية وعلاقة بعض أطراف الحوار بمحاور خارجية، تعطي الانبطاع بأن هذا الحوار لن يخرج بنتائج عملية حول جدول الأعمال المطروح والسبب في ذلك، انه لم تطرأ حتى الآن تبدلات في مواقف الأطراف الداخلية حول إدارة ملفات مطلبية وسياسية، كما أنه لم تصل معطيات الصراع المتفجر في المحيط إلى مرحلة وضع الآليات التنفيذية لمشاريع الحلول السياسية للأزمات البنيوية وخاصة في سوريا والعراق ،ولبنان لن يكون بعيداً عن مدارها ان لم يكن في صلبها وهو الذي يراد لنظامه ان يكون انموذجاً يحتذى به.

وإذا كان الحكم في لبنان الذي يختصر اليوم بمجلس الوزراء يمر في مرحلة تخبط نظراً لانعدام التوافق على آلية عمل مجلس الوزراء، فهل بإمكان المدعوين إلى الحوار، وهم المشتبكون خارجه على قضايا أقل أهمية أن يتوصلوا إلى توافق حول القضايا الخلافية الأساسية؟

وإذا كان الذين يشتركون في إدارة السلطة وهم من طرفي المحورين الكبيرين قد فشلوا بحسن نية أو بسوئها عن إيجاد حلول لقضايا مطلبية ملحة من أزمة الكهرباء والماء والأمن الغذائي وآخرها ملف النفايات، إضافة إلى ظاهرة الفساد المستشرية، فهل سيخرجون بحلول تلبي الحاجة الشعبية، أم أنهم سيبقون يدورون حول الملفات بانتظار الاتفاق على توزيع الحصص أو بالأحرى المحاصصة وهي الثابت الوحيد في توافقات أهل الحكم؟

إننا لا نرى أن الحوار سيخرج بنتائج إيجابية لجهة وضع آلية حلول للقضايا ذات الصلة بحياة الناس وتلك المتعلقة بالقضايا السياسية الأساسية. ولو كان ذلك ممكنا لكانت المقدمات هي غير ما هو قائم.

فالذين سينزلون إلى ساحة النجمة يتأبطون ملفاتهم المتضمنة جوهر مواقفهم، وهم غير جاهزين لإدخال تعديل جوهري على سقف خطابهم السياسي، وكل ما في الأمر أنهم يريدون تثبيت مواقفهم في محاضر الجلسات، وهي التي تلقى من على المنابر أو في ساحات الاعتصام، ولو كان الحوار مقدر له أن يخرج بنتائج حاسمة، فكان يجب أن يسبق ذلك انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم التأسيس على ذلك لإطلاق ورشة عمل حول العناوين السياسية والمطلبية. أما وأن هذا الأمر لن يحصل، فإن الحوار هو لتقطيع الوقت أولاً، ولإعادة النقاش حول القضايا المطلبية والسياسية إلى دائرة النقاش الداخلي بعدما خرجت إلى العلن ووضعت الجميع تحت مجهر المساءلة حول ملفات المحاصصة والفاسد والافساد والذي لا يستثنى أحد من مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع من ترد على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والخدماتية .وإذا كان الحوار السياسي بين الأطراف المدعوة إليه لن يخرج بنتائج عملية فهذا لا يعني إننا ضد الحوار، لكن جدواه أن يكون قادراً على محاكاة القضايا الحيوية ويقدم حلولاً للملفات التي ينوء الناس تحت أعبائها. وهذا غير ممكن إلا اذا استطاعت الحركة الشعبية والشبابية أساس فيها أن تفرض نفسها الفريق المقابل القادر على محاورة أطراف السلطة باعتبارهم فريقاً واحداً وان تعددت اطرافه لفرض أجندة الإصلاح الجدي الذي ينطلق من التقيد بأحكام الدستور وفرض روزنامة إصلاح سياسي انطلاقاً من البنود الإصلاحية التي نص عليها اتفاق الطائف ولم تنفذ حتى الآن.

من هنا، يكتسب الحراك الشعبي أهميته لجهة تأدية دوره في المراقبة أولاً والمحاسبة ثانياً وتظهير الفشل السلطوي في إدارة الحكم والملفات ذات الصلة بقضايا الناس.

إن الحراك الشعبي الذي انطلق بعيداً عن الاصطفافات المذهبية والطائفية مطلوب منه أن يُمرحل خطواته وأن يبقى مشدوداًَ إلى شعاراته التي تربط الإصلاح بالمساءلة وأن يبقى محافظاً على سلميته وديموقراطيته وبما يجعل منه قوة استقطابية أساسية خارج الولاء السياسي المذهبي وهذه هي المقدمة لإعادة تكوين السلطة خارج نظام المحاصصة الطائفية ومدخلها تشكيل هيئة التشريع والمراقبة والمساءلة خارج القيد الطائفي.





الاربعاء ٢٥ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أيلول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة