شبكة ذي قار
عـاجـل










تاريخيا الهجرة موروث حضاري متغايرمكانا و زمانا و كذلك في أسبابه و دوافعه . موروث لم يتوقف تاريخا حد توصيفه ب" حروب الهجرة العالمية " ؛ موروث مارسته الشعوب بتفاوت تحت تأثير عوامل متشابكة تجمع بين الإقتصادي و الإجتماعي و حتي السياسي العام ... أما التهجير و الإجتثاث فهي حالات محدودة في التاريخ البشري ؛ حالات حكمتها عوامل عابرة لسياسة الدول و ذات علاقة بالقوة المتفردة بالتنفوذ في ما تقدم من التاريخ البشري { روما و تدمير قرطاج } في حالات و في حالات التاريخ الحديث وسيلة من وسائل تحقيق توازن القوي الدولية و ما يتبعه من صياغة نظام يحكمه و متفق عليه ، يفرض فيما يفرض اعادة رسم خرائط الجغرافيا السياسية للمجالات المستهدفة ، و طبقا لما يفرضه التطور الإقتصادي من مصالح للأقوياء .

من هنـــــــــــــا نتساءل لماذا كل هذا الصخب الإعلامي المثار حول صورة الطفل السوري و هو ملقي غريقا علي شاطئ البحر رغم أن صور 52 طفل عراقي مسجين عطشا عند أطراف مخيم للمهجرين غربي الرمادي نشرت قبله بيومين ... و الآلاف من قبلهم إن كانوا في العراق أو سوريا دفنوا حرقا تحت الأنقاض بفعل براميل الموت الملقاة علي مساكنهم من الزبداني و حمص وحلب و الرقة و الحسكة في سوريا أوبفعل البراميل الإيرانية و صواريخ التوماهوك وطائرات B52 و F16 من ربيعة الي الرطبة و الموصل و مدن و قري ديالي و تكريت و بيجي وصولا إلي الفلوجة و الرمادي و مختلف قري و قصبات محافظة الأنبار ؟ حـــتي تتصدر ميركل " أميرة " مجمع أوليغارشية الثمانية الكبار صفحات الإعلام المرئي و المكتوب و يرفعها البعض إلي درجة المنقذ ... رغم أنها ضالعة تماما كبقية أعضاء المجمع الذي يتحكم في رسم خطوط و مساحات الجغرافية للنظام الدولي الجديد إن كان بصيغة الفعل المباشر أو عبر أطراف اقليمية ــ ايران و تركيا و الكيان الصهيوني ــ بما تمتلكه من أدوات محلية تابعة و منبتة.

صحيح جروح الجسد العربي عديدة و بعضها غائر ، و آلامنا تتعاظم مع تقدم القوي الدولية نحو ارساء نظام دولي للمرحلة ؛ إلا أن ذلك لا يجب أن يجعل من المواساة الملغومة كالتي نشاهدها أو حتي الصادقة أن تحجب الرؤية الصافية لما يتربصنا كعرب من مخاطر خاصة و أن النظام الدولي و منذ سقوط نظام مؤتمر فينا الذي هو نظاما أوروبيا سنة 1914 و تحوله منذ مؤتمر باريس 1919 الي نظام دولي ... نظام و في كل مراحله كان و لازال يتشكل علي حساب نهضتنا و تحررنا و وحدتنا كعرب .. من تقسيم المشرق و وضعه تحت الوصاية و احتلال الأحواز و تهجيرجزء هاما من سكانها قسرا ، وصولا الي احتلال لواء الإسكندرون و إجتثاث عروبته في ظل عصبة الأمم .. إلي احتلال فلسطين و اجتثاث سكانها إما قتلا أو تهجيرا في ظل منظمة الأمم المتحدة و ثنائية الإستقطاب الدولي .. الي احتلال العراق و الدفع المستمر تحت طائلة الغاء دولته و مؤسساتها الي القتل المتعمد للشعب و السرقة و تدمير بنيته التحتية مستهدفين لا اجتثاث السكان فحسب و إنما العراق كهوية و تاريخ ، وصولا الي مخرجات ما سمي ب" الربيع العربي " و توسيع دائرة الإجتثاث و التهجير ميدانيا الي سوريا و ليبيا و ساحات قطرية أخري .

ففي العراق بلغ التغيير الديمغرافي مدايات متقدمة من خلال توطين أكثر من 2.8 مليون ايراني منذ سنة 2004/2005 حسب اعترافات الجعفري المعلنة من قبله في كل من الجنوب و الوسط وصولا الي بغداد دون اعتبارلأكثر من 1.5 مليون ممن زاروا العتبات المقدسة و استقروا حولها ان كان في الكوفة و النجف و كربلاء أم في الكاظمية و سامراء فرسا كانوا أم باكستانيين و أفغان هم يمثلون الآن مع من سبقهم خزان بشري هام للمليشيات التي تتنامي عددا و عدة ؛ كما شمل التوطين بعد 2007/2008 و بشكل متسارع حزام بغداد و محافظة ديالي عامة من قبل أعداد هائلة تقترب من 0.5 مليون ايراني دون مناطق مندلي و خانقين و زرباطية مرورا بمحافظة التأميم ــ كركوك ــ بكل مدنها و قراها و قصباتها وصولا الي الشمال الغربي من محافظة نينوي ــ الموصل ــ بمناطقها سهل الموصل وسنجار و ربيعة مثلا التي استوطنها حسب ما مسرب من احصائيات 1.8مليون شخص من أصول كردية ايرانية و تركية تغيير ديمغرافي دفع بعض القادة الإيرانيين الي القول من أن" الإمبراطورية الفارسية أصبحت حقيقة قائمة لم يبقي غير الإعلان الرسمي عنها من بغداد " ... أما بالنسبة لسوريا فمحافظة الحسكة فقد أغلقت أمام العرب بعد تهجيرهم و استملكها مستوطنين جدد من أصول كردية تركية تحت حماية أكراد شمال العراق و العمل جاري للتقدم نحو مناطق شمال حلب و محافظة أدلب ... أما ليبيا فالإعلام المتداول ينحصر حول مدن الشريط الساحلي من شرقها الي غربها في حين في حين جنوب البلاد يخضع الي انتشار أكثر من 3 ملايين إنسان من أصول افريقية متعددة ... معطيات واقعية سهلت عمليا الدخول في مرحلة التبشير باعادة رسم خريطة جديدة للساحة العربية التي تتردد إما في المداولات السياسية لبعض المؤسسات في الغرب أو حتي في النشرات الإخبارية علي لسان من يسمونهم بخبراء الشرق الأوسط كل هذا يحصل و اعلامنا و سياسيينا و حكامنا اهتماماتهم لا تتجاوز حدود مواقعهم وما سيجنونه منها من سحت . و بعضهم طالعنا ردا علي تساؤل لماذا تسكتون علي ما هو بائن في حق أخوة لكم ؟ " من انهم يقدمون مساعدات للاجئين أكثر بكثير مما لو فتحوا لهم أراضي دولهم ".

خريطة تستهدف الغاء مفهوم الأمة العربية بما لها من تاريخ و خصائص جامعة مشتركة و ما تراكم من فعل نضالي مشفوعا بتضحيات بشرية و مادية هائلة لفائدة مكونات سياسية و جغرافية أدني و أرذل مقاما من الدولة القطرية التي ولدت عاجزة عن الإستجابة للحاجات الأساسية الملحة لأبناء الشعب العربي في وطنهم من المحيط إلي الخليج العربي . خريطة جديدة تخدم أمن الكيان الصهيوني وتفتح أمامه آفاق التمدد الجغرافي تحقيقا لشعاره " من الفرات الي النيل " ، و تظمن لكل من ايران و تركيا امتلاك عوامل داعمة لبناء قوة كل منها بما ينقلها من دول محيط الي دول فاعلة في النظام الدولي الجديد.

فهل يعي بعض ممن يشارك في هذا الصخب الإعلامي حقيقة مواساة ــ ميركل ــ و ما تتقصده ؟ و هل دفن حكام أقطارنا العربية البقية الباقية من احساسهم بمفهوم الوطن ؟ أم أن الإحساس لديهم يقف عند حدود الكرسي الذي يجلسون عليه ؟

رحم الله أحيقار كاتب الملك الأشوري سنحريب عندما قال :
{{ الغنم التي تشرد بعدة اتجاهــات ؛ تصبح صيدا للذئـــاب }}

تحية عزة و اجلال للمقاومة الباسلة بكل فصائلها و مكوناتها في العراق و فلسطين و الأحواز
العزة للشهداء
و الخزي و العار للخونة و العملاء

d.smiri@hotmail.fr
 





الاربعاء ٢٥ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٩ / أيلول / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب يوغرطة السميري نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة