شبكة ذي قار
عـاجـل










عندما ولد البعث في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي ، وعقد مؤتمره التأسيسي الأول في السابع من نيسان 1947، لم يكن حزبا دينيا وإنما هو حزب قومي هويته العربية وأهدافه الوحدة والحرية والاشتراكية ، وقد استند فكره النير على المنهج العلمي الجدلي التاريخي ، وعندما نتحدث عن الدين والتراث باعتزاز يجب أن نفهم أن فلسفتنا ليست الدين ولا التراث بحد ذاتيهما إن فلسفتنا هي ما تعبر عنها منطلقاتنا النظرية وسياستنا المتصلة بها ، ويشكل الدين والتراث احد الروافد الأساسية في صياغة نظريتنا البعثية ، أي آن نظرتنا للدين والتراث هي نظرة ايجابية ويمكن الرجوع لهما في تفسير كثير من الظواهر السياسية والاجتماعية لتكون نقطة انطلاق إلى عالم الفكر والسياسة وفنونها وكيفية التعامل مع الأحداث ، وعندما تحدث القائد المؤسس ميشيل عفلق في ذكرى الرسول العربي قال إذا كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمد ، بمعنى أن الرسول الكريم كلف بواجب من السماء والواجب بعد الإيمان بالله هو إبلاغ رسالته ونشرها في أرجاء المعمورة كي يعم السلام والإيمان ، وتتمثل قيم الإنسانية بأبهى صورها فيكون الناس سواسية كأسنان المشط ليس لأي منهم سلطان على الآخر إلا بالحق ، فدعوة الله المبلغة لرسوله كانت دعوة حق ودعوة هداية وعدالة ومساواة واحترام لإنسانية الإنسان ، وأراد عفلق من أمته في هذا الزمن الذي استشرى فيه التخلف والتبعية والنفاق والاستغلال وفقدان الهوية القومية أن يتمسكوا بهذه الجوانب المهمة في الحياة ومنها الإيمان المقترن بالتضحية والإيثار وبناء النفس بما يؤهلها أن تلعب دورا ايجابيا في إطار مجموعة المؤمنين أي في الحزب وليس أن نكون رجال دين ، وفي إطار الأمة الواحدة والشعب الواحد ، كما كان محمد وكيف استلهمها وهو القائل لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على أن اترك هذا الأمر لما تركته ، وان هذه الروحية الجديدة التي قال بها عفلق هي روحية التجدد وروحية الثقة بالنفس من أنها قادرة على التفكير والإبداع وبناء الحاضر وإيجاد صورة المستقبل التي تحمي الأجيال القادمة من التشتت والضياع وبناء المجتمع الزاهر في حياته الاقتصادية والسياسية وإعطاء كل ذي حق حقه مع المحافظة على الإيمان بالله ، فالبعث يريد بناء الدولة المدنية العادلة بموجب فكره المترشح من الواقع العربي لكنه ليس فكرا دينيا ولا يمكن أن يكون كذلك ، وقد تعرض البعث إلى اتهامات عبر عمره الزمني فمنهم من قال انه رجعي من اليمين لأنه يذكر الإسلام في جوانبه الايجابية، ومنهم من قال انه كافر وبعيد عن الإسلام لان فكره وضعي علمي ترشح من واقع الأمة وتقدم عليها في الصورة التي يريد أن يحققها لها ، بعد فترات من الظلم والقهر والعبودية ، أي انه فكر علماني مؤمن ، ونحن نقول أن علمانية البعث ليس بابتعاده وتقاطعه مع الدين ، وان علمانيته المؤمنة ليست الدعوة بتبني الفكر الديني فنكون من الوعاظ أو القيمين على الدين أو رجاله ، فنحن نؤمن بالله ، ونؤمن بالتنزيل ، ونؤدي الواجبات لله ، لكننا لسنا حزبا دينيا وسياستنا مستمدة من عقيدتنا القومية الاشتراكية ، ونعزل السياسة عن الدين ، لماذا ؟ لان دخول الدين إلى السياسة يعني أدخلنا الطائفية كممارسة في الأوساط الشعبية وقسمنا المجتمع في القطر الواحد أو على مستوى الأمة إلى طوائف ، يدين كل منها بما تقره طائفته رغم أن الإسلام واحد وان الأمة العربية امة واحدة ، وهذا يمثل الدخول إلى السياسة من أبوابها الخاسرة ، وهو ما حصل الآن في العراق بعد الاحتلال الأمريكي المجرم في 9 / 4 / 2003 ولليوم وكذلك في بعض الدول العربية الأخرى ، فاحترام الدين واحترام الشعائر الدينية لدى كل الطوائف واجب في الدولة المدنية ، وان هذه الدولة تمثل الحاضنة الايجابية لجميع المكونات الاجتماعية ، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال ممارسة مفردات وشعائر الدين كمؤسسة سياسية تكون بديلا عن السلطة في الدولة المدنية المستندة في برامجها على الفكر العلماني ذا الخصوصية القومية . إن الفكر القومي الاشتراكي يؤكد على مبادئ غاية في الجودة هي :

1 – احترام إنسانية الإنسان والنظر إليه انه طاقة عليا في المجتمع الذي ينتمي إليه ، وعلى هذا الأساس فلابد من تحقيق العدل والمساواة بين جميع السكان بغض النظر عن انتمائه الديني والقومي .

2 – عندما صاغ البعث نظريته على أساس الجانب القومي، فانه يدرك أن في وسط الأمة جاليات وأقليات بحجم صغير أو كبير وهناك طوائف واديان وان الجانب الإنساني في المبادئ القومية للبعث جعلته ينظر إلى هذه الأقليات والطوائف على أنها جزء مهم وشريك لأبناء الأمة في العيش بحرية وأمان وسلام ولا فرق بين أي منهم مع أخوتهم العرب الذين احتضنوهم على مدى الزمن البعيد فهم أبناء وطن سواء في القطر الواحد أو على مستوى الأمة ، فقومية البعث هي قومية إنسانية ، قومية التحرر من الاستغلال والتبعية والسيطرة الأجنبية ، ولا يمكن أن تكون قومية مستبدة أو تطلب السلطة والجاه كما هو شأن بعض القوميات التي ظهرت عبر التاريخ ، هي قومية ديمقراطية تنظر إلى حقوق الجميع بمنظار واحد وتعد أي رمز من القوميات والأقليات التي سكنت على ارض الأمة هو رمز لها مثلما هو صلاح الدين ومثلما هو عبد الجبار عبد الله ومثلما هو طارق عزيز .

3 - إن القومية العربية هي قومية اشتراكية أي أنها تؤمن بمبدأ العدالة الاجتماعية ، وان ثروة الأمة هي ثروة جميع أبنائها ، وتحرص على توزيع هذه الثروة على أساس العدل والمساواة ، وهي قومية ليست مستهلكة فقط للثروة وإنما هي قومية منتجة تضع رأس مال الأمة في مشاريع صناعية وزراعية وعلمية ونهوض علمي متطور في جميع المستويات ، يحقق النجاح في جميع الجوانب الحياتية ، أي أن الثروة تولد ثروات وتقدم لأبناء الأمة على شكل خدمات ومشاريع ومرتبات مالية تتناسب والدور الذي يلعبه الأفراد في زيادة الإنتاج والإنتاجية .

4 – القومية العربية لا تتعارض مع أي الديانات السماوية التي انزلها الله على رسله لإشاعة قيم الفضيلة والعدل على الأرض ومخافة الرحمن ، لان القومية العربية قومية مؤمنة بالله واليوم الآخر وقد انعكس ذلك في عقيدة وأدبيات حزب البعث العربي الاشتراكي ، فيؤكد على أننا مع الإيمان وضد الكفر والنفاق لكننا لسنا بحزب ديني ولا يمكن أن نكون كذلك ، إننا نستلهم روح الدين وروح تجارب الأمة على مر مراحل تاريخها لبناء نظرية مترشحة من الواقع العربي ومتقدمة علية وتحمل في جوانبها حلولا لأي من الأمراض والعوائق والمعرقلات التي تمنع التقدم والرقي وصناعة التاريخ والحضارة ، وهذه هي نظرية حزب البعث العربي الاشتراكي .

5 – عندما شنت إدارة المجرم بوش الابن الحملة على العراق للتمهيد إلى عدوانها ومن ثم احتلاله شرعت قنواتها الإعلامية بإسناد الأباطيل والتهم ومنها أن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل ، وان العراق له علاقة بالقاعدة أي مع الإرهاب ، وان العراق يهدد جيرانه وانه من دول محور الشر ، وبعد الاحتلال لم يثبت أي من الادعاءات المذكورة فقد أصبح في يد الإدارة الأمريكية كل الوثائق وكل الأرشيف للوزارات والدوائر الأمنية والعسكرية ، وقد اطلعت عليها بشكل دقيق وبوبتها على أساس حاجتها لتلك الوثائق ، ولهذا نجد تراجع كثير من المسؤولين الأمريكيين وتغير رأيهم وقناعتهم في الحرب على العراق ، ومن ثم احتلاله وعدوا ذلك خطأ تاريخيا لا يغتفر وان إدارة بوش ضللت المجتمع الأمريكي والدولي في تسويغ الحرب على العراق ، واليوم وبعد مضي زمن طويلا للاحتلال عادت النغمة من جديد لبعض أعداء البعث ومناوئيه من أن البعث مع الإرهاب وهذا اتهام خطير يريد أن يشوه صورة البعث ويلصق به تهم الإرهاب زورا وبهتانا ، والقصد من ذلك هو لتشويه مقاومة البعث للاحتلال ولعمليته السياسية وإبعاده عن الحياة السياسية في العراق وعلى مستوى الأمة ، والتأثير على الرأي العام العربي والدولي بعدم التعاون مع البعث والحركات التي تدعو إلى فشل العملية السياسية وعدم جدواها ولابد من إجراء التغيير الشامل لها لإنقاذ العراق من ورطة ومحنة كبيرة كانت بسبب الاحتلال وعمليته المقيتة التي قسمت الشعب على أساس الولاء الطائفي وسرقت كل ثرواته وبإقرار رموز العملية السياسية أنفسهم الذين يخرجون في كل يوم من على شاشات الفضائيات ويتحدثوا عن حجم الفساد المالي وحجم السرقات التي تتعرض لها الثروة العراقية دون خجل ودون استحياء . كما يتحدثوا عن دور الميليشيات الطائفية في تدهور الأمن الوطني وضعف السلطة وهم قادة السلطة ومسؤوليها ، ولا نعرف إلى من يوجهون هذا الحديث ؟ لأنفسهم، فهم السارقون، أو للرأي العام والرأي العام يعرف حقيقتهم وفشلهم وسرقاتهم وارتباطاتهم مع الأجنبي ، حتى وصل الحال بهم إلى أن كل الحكومات في العالم تدافع عن مصلحة بلدانها وخدمة شعوبها إلا في العراق فالنفر الحاكم وضع أولويته في تحقيق مصلحة الدول الأخرى ارضاءا لها ولديمومة وجودهم في السلطة على حساب مصلحة العراق ، فالبعث عندما يرد على أصحاب الغرض وعلى الذين يريدون أن يشوهوا هذا الفكر العروبي الأصيل بإلصاق تهمة العلاقة بالإرهاب به فانه يؤكد لأبناء أمته في جميع أقطارها ولشعوب المعمورة المؤمنة بالحرية والسلام انه حامل لواء الإنسانية في معركتها ضد الإرهاب الذي تتصدره أمريكا وإسرائيل وتموله وتجعل له أغطية كثيرة ومتعددة ، وان ما يحصل الآن في العراق هو نتيجة الاحتلال ونتيجة أطماع من يريد الاستحواذ عليه والاستحواذ على خيراته وجعله قاعدة للانطلاق في تحقيق مشاريعهم الخبيثة ومنها مشروع الشرق أوسط الكبير والمشاريع الإقليمية التي تسعى إليها بعض من دول المنطقة لتحقيق مصالحها على حساب العراق وشعبه .





الثلاثاء ١٠ ذو القعــدة ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٢٥ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة