شبكة ذي قار
عـاجـل










لم تكن قرارات بول بريم راو مخططات نيغروبونتي طارئة او تمت في سياق خطوات الاحتلال الأمريكي للعراق؛ بل أن جميع الوقائع تشير إلى أن أهداف غزو واحتلال العراق قد درست على اعلي المستويات الأمريكية وان جماعات المحافظين الجدد قد قطعوا أشواطا بعيدة في التحضيرات لغزو العراق عندما تتاح للولايات المتحدة الفرصة التي واتتها حال أحداث 11 سبتمبر 2001 ثم الشروع بغزو أفغانستان ومن بعدها جرى التركيز والتوجيه نحو غزو العراق لتحقيق أهم هدفين للغزو وهما: الهدفين الرئيسيين للاحتلال:

النفط وتفتيت العراق ومكوناته الاجتماعية.

والشق الثاني جرى التمهيد له خلال اللقاءات والتنسيق بين وكالة المخابرات الأمريكية وعدد من أطراف المعارضة العراقية في اجتماعات لندن وصلاح الدين حيث قبل هؤلاء المعارضون تقاسم الأدوار في تأييد الغزو على أساس تمثيلهم للفئات الاجتماعية والقومية والدينية العراقية في ثلاث تكتلات أطلقوا عليها بـ "المكونات" وهي : المكون الكردي يقابله تقسيم عرب العراق على أساس طائفي يتم التقسيم بمسميات " المكون الشيعي" و"المكون السني"ومن خلال الإقرار والتداول والتنصيص الدستوري لمصطلح " المُكَّون" يعترف قادة هذه الجماعات إن شعب العراق بات فاقدا للوحدة الشعبية وحتى الترابية، وانه مجرد تجمع لثلاث مكونات لم تعد تشكل شعبا واحدا ولا رقعة جغرافية واحدة في إطار دولة أطلقوا عليها فيدرالية مرشحة أن يتسحب منها أي مكون عندما يتطلب الأمر له أو لرغبة قادته .

ولهذا حظيت المرجعيات الطائفية أو الدينية وحتى الإثنية برعاية مدير سلطة الائتلاف السفير بوب بريمر وفريقه الذي بدأ التنفيذ لكل المخططات حال وصول القوات الأمريكية وفي أول خطوة كان الدستور المعد سلفا هو الوثيقة القانونية التي شرعتها سلطة الاحتلال وقبلها تم تشكيل مجلس الحكم من حثالات خدم الاحتلال الخانعين للمخطط الأمريكي الجديد في العراق.

وتعكس مذكرات بول بريمر بجلاء ووضوح في كل ما سجله من تحركات وأقوال، بل في مجمل أفعاله، التي نفذها حال وصوله بغداد في رحلة سماها بالشاقة والخطرة يتحدث عنها في بغداد التي دخلها ما بين ( 13- 16) مايس 2003 قائلاً: ( وبغض النظر عن التخمينات القاسية التي انتشرت لاحقاً بشأن (الخلل) الذي حدث بعد انهيار الجيش العراقي اكتشفنا في صبيحة يوم وصولنا أن التوتر الراهن للأحداث لا ينطوي على أي غموض... لقد تمّ نقل المسؤولية إلى مكتب الأعمار والمساعدة الإنسانية).

ومن الطبيعي أن يولي بول بريمر وسلطة الاحتلال العسكري قبله اهتمامها للهدف الأول وهو النفط فخلال الساعات الأولى لدخول قوات الاحتلال إلى بغداد حمت قوات التحالف وزارة النفط وتركت باقي الوزارات والمؤسسات للعابثين فيها مشجعة على سرقتها وتخريبها، في حين واصلت الأقمار الصناعية والتوابع الأرضية الفضائية الأمريكية رصدها لحقول الرميلة النفطية في الجنوب التي قيل عنها كذباً إن القوات العراقية قامت بالتدمير لها وإحراقها، وأضافت تقارير الوكالات أنها ( لم تصب بأضرار بليغة، وفي مكان آخر كانت الأضرار التي لحقت البنية التحتية سليمة بسبب المعارك طفيفة جداً)، وبذلك طمأن الأمريكيون شركات النفط الطامعة في العراق إن الوضع النفطي سيكون مريحا بيد الشركات الغربية القادمة مع طلائع تقدم الجيش الأمريكي في غزو العراق.

المفاجأة الأمريكية في العراق التي اكتشفها قادة الغزو والاحتلال: هي أن قادة المعارضة العراقية القادمين مع دبابات الاحتلال إلى العراق كانوا قد وعدوا جيوش الأمريكيين بالاستقبال بالورود من قبل العراقيين والتعامل معهم كمحررين، وقد ظهر زيفهم وحتى عزلتهم منذ اللحظات الأولى التي وطأت بها أقدام الغزاة أرض العراق، وتكشف للأمريكيين زيف كثير من التقارير التي كانت تصلهم من احمد الجلبي وغيره عن سعة قواعدهم الاجتماعية والجماهيرية في العراق، وقد ظهر تماما إنهم كانوا غرباء فعلا عن العراق والعراقيين منذ أن فارقوا العراق منذ زمن بعيد وإقامتهم في العواصم الأوربية وإيران.

واجه العراقيون قوات الاحتلال بالرفض والمقاومة بكل الوسائل المتاحة بين أيديهم منذ أولى الصدامات التي حدثت عند الحدود العراقية الكويتية ، واستبسل المقاومون العراقيون في البصرة والناصرية والعمارة والنجف والناصرية، وكانت وحدات جيشهم تقاوم ببسالة قَلَّ نظيرها في معركة أم قصر وما بعدها من مواجهات خلال مراحل تقدم القوات الأمريكية نحو العاصمة بغداد .

لا شك اعتمد الأمريكيون على أدواتهم المحلية وجواسيسهم حال ثبوت أقدام قوات الاحتلال في بغداد ، ولم يطل الزمن حتى بدأ الأمريكيون بالهدم بمعول السلاح الطائفي فقد قالوا في وصف المشهد العراقي كما اشار إليه بول بريمر نفسه : ( ... البنتاغون توقع أن يستسلم معظم أفراد الجيش العراقي الذي يضم 400 ألف مجند شيعي من أصل 715 ألفاً، والمجندين الشيعة ليس لديهم أي ولاء لقادتهم، ولا حافزاً للحفاظ على سلامة الوحدات العسكرية لذا لم يبق بعد التحرير أي وحدة عراقية... ).

ولهذا تسارع تطبيق البنود المتفق عليها قبل الغزو والشروع بتفكيك المؤسسات الوحدوية لشعب العراق التي كانت تشمل كل أبناء العراق بغض النظر عن القومية والدين والمذهب والطائفة والقومية فكانت القرارات الأمريكية تعرف ماذا ستفعل في بنية الدولة العراقية والمجتمع العراقي وتكشفت الخطوات اللاحقة إن المشروع الأمريكي لا يقصد إسقاط النظام السياسي في العراق بل تفكيك وإسقاط الدولة العراقية والمجتمع فقامت بإلغاء أجهزة الأمن، وحلّ المؤسسات وتشمل وزارة الدفاع والحرس الجمهوري، ومنظمات حزب البعث المدنية والمسلحة كالجيش الشعبي وأشبال صدام إضافة إلى قرار شامل استهدف الجميع سُمي باجتثاث البعث.

وبحل الجيش واستهداف حزب البعث بشكل أساسي كأكبر قوة سياسية منظمة في العراق بدأ الأمريكيون اللعب على الوتر الطائفي مجسدا بأكبر طائفة في البلاد كان لممثليها ومرجعياتها السبق التاريخي بالتعاون مع قوى الاحتلال كمرجعيات النجف وحوزاتها التي اشرنا إليها في مقدمة هذه الدراسة عندما تعاونت مع الاحتلال البريطاني في بداية القرن الماضي وتواصلت بهذا الشكل أو ذاك في التنسيق مع المخابرات الأجنبية مقابل حصولها على ريع الأموال والخمس وما تستلمه من هبات وأموال من خزائن الدول الكبرى. كانت مرجعية علي السيستاني مهيأة لكي تقدم خدماتها لقوى الاحتلال من خلال آليات عدة وضعها الأمريكيون، منها الوعد بتشكيل جيش جديد يحقق رغبات وتوجهات الطائفة الشيعية ويقبل دمج قادة المليشيات الطائفية القادمين من إيران برتب عسكرية ومواقع التحكم بالجيش الجديد واستمالة عدد من كبار ضباط الجيش العراقي الذي تم حله للقبول بالمحاصصة والعمل مع القادة الجدد بصفة مستشارين أو في المواقع التي تتطلب الاستفادة من خبراتهم وتكوينهم العسكري السابق، في الوقت الذي أطلق العنان للأجهزة الإيرانية والأمريكية والإسرائيلية في تصفية كثير من القادة العسكريين العراقيين أو تصفيتهم أو اختطافهم أو اعتقالهم أو فرض ظروف النزوح والهجرة إلى الخارج.

يشير بول بريمر : ( ... ولأنه كان يتعين علينا أن نأخذ التركيبة الطائفية في البلاد وتاريخها فإن تشكيل جيش عراقي جديد ليس بالأمر السهل، فالأكراد يتمتعون بقدر من الحكم الذاتي والحماية الأمريكية)... ويشير إلى خطواته الأولى بهذا الصدد ( ... في لقاء له مع عبد العزيز الحكيم ولكسب تأييده وعده بأن يكون قائد الكتيبة الأولى شيعياً، وقد وفيت بالوعد)، وهكذا بدأ الأمريكيون بتكريس المقياس الطائفي في تشكيل الجيش الجديد الذي بدا وكأنه تجميع مليشياوي مترهل يقوده خبراء شركات الحماية الخاصة والفريق الذي جاء به نيغروبونتي فاستغلت هذه الظروف إيران لتدفع إلى واجهة وقيادة هذا الجيش عملائها ولتنصب دستوريا عليه قائدا عاما للقوات المسلحة أمثال نوري المالكي وبعده حيدر ألعبادي لفترة طالت عقدا من الزمن .

يقول بول بريمر عن لقائه الأول مع إبراهيم الجعفري قال له: ( ... نأمل أن يتعاون معنا زعماء مسئولون من الطائفة الشيعية لتحقيق هذا الأمر وأنه سيكون بمنزلة مأساة أن يرتكب الشيعة الخطأ ذاته كما حدث عام 1920)، وما قصده هنا أحداث ثورة العشرين التي شارك فيها كل العراقيين ضد الاحتلال البريطاني، وعنها كتب الدكتور إبراهيم خليل العلاف في مدونته ( .. في حزيران من كل عام يحرص العراقيون أشد الحرص على أن يستذكروا ثورتهم الكبرى... الثورة الرائدة عام 1920 فقد عرفوا بأن استقلالهم لا يمكن أن يتحقق إلا بتكاتفهم وتلاحمهم ووحدتهم، والمعروف أن نار المحتلين طالت الجميع، وانطوت سياستهم على خطر جسيم إذ اتبعوا (سياسة فرق تسد).

وخلافا لما حدث في ثورة العشرين ومواجهة الاحتلال البريطاني فان الدورة الاستعمارية الجديدة تعلمت من درس العراق حين أفتى علماء الدين بالقتال ضد الغزاة، فكان وقف الغزو البريطاني على اعتاب أبواب بغداد بمعركة وحصار الكوت الشهير، كما انتفضت النجف وشمال العراق في السليمانية والسليقاني والكلي والسندى، وقرى فيشخابور والزيبار، وعقره وأربيل والموصل والانبار وديالى، ورفع العراقيون العلم العربي ذا الألوان الأربعة التي ترمز لعهود الدولة الإسلامية المختلفة ، ولم تتمكن القوات البريطانية من السيطرة على العراق إلا بعد لجوئها الى استعمال القصف الجوي والمدفعي ولم تتوان قوات الغزو البريطاني عن استخدام الغازات السامة والمحرمة وتنفيذ المجازر والابادة الجماعية الواسعة ضد القبائل الثائرة في شمال وجنوب العراق بأوامر صادرة من وزير المستعمرات البريطانية آنذاك ونستون تشرشل .

تلك الصورة التاريخية لثوار العراق خافها بريمر لأنها تخالف وتعارض كل مخططات الولايات المتحدة لذا حذر منها وعمل على إجهاض أي صوت عراقي رافض للاحتلال، وخاصة بين رجال الدين ومن النجف خاصة. يتابع بريمر نهجه الطائفي على خطى البريطاني برسي كوكس وفريق الجنرال مود ومستشارة الاحتلال المس بيل وفريقها ويكتب بول بريمر عن تلك الفترة الحرجة من تاريخ العراق: ( ... في مساء يوم الجمعة 26 مايس 2003 كان من المتوقع لقاء سبعة ممثلين، والتي سميت بمجموعة السبعة الكبار وتضم أحمد الجلبي عن المؤتمر الوطني، وإياد علاوي زعيم حزب الوفاق الوطني الديمقراطي، والزعيمين الكرديين مسعود البرزاني وجلال لطالباني، ونصير الجادرجي من مجلس القيادة، وإبراهيم الجعفري من حزب الدعوة لأن عبد العزيز الحكيم كان مريضاً، وكانوا جميعاً من المنفيين عدا الجادرجي السنيّ الوحيد " .ويشير بول بريمر في مكان آخر من مذكراته إلى حقيقة هؤلاء المجتمعين معه ليكشف حقيقة هؤلاء المعارضين للنظام السابق قائلاً: ( ... المعارضون في الخارج كانوا يتلقون الدعم من الغرب، والدول العربية المعتدلة، وغالباً ما يتمّ ذلك من خلال الأجهزة الاستخباراتية) .

يتبع الحلقات التالية :
للدراسة مراجع ومصادر وإحالات كثيرة
ومواقع تواصل اجتماعي ومذكرات للعديد من الشخصيات ذات الصلة بالموضوع
 





الاربعاء ٢٠ شــوال ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٥ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب إعداد ا. د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة