شبكة ذي قار
عـاجـل










لا بد من إعادة قراءة وصية بول بريمر لتثبيت السيرة الذاتية لعملاء الاحتلال الأمريكي التي تركها في مذكراته لمن سيخلفه على تسيير السفارة الأمريكية في العراق وما جاء من بعض النصائح التي طلب من نيغروبونتي أن يدوّنها في مفكرته الشخصية عن كيفية التعاطي مع هؤلاء الذين أوكلت إليهم واشنطن إدارة العملية السياسية في العراق وذلك بملاحظة الوصايا التالية :

1ـ إياك أن تثق بأيّ من هؤلاء الذين آويناهم وأطعمناهم، نصفهم كذابون، والنصف الآخر لصوص.

2ـ مخاتلون لا يفصحون عما يريدون ويختبئون وراء أقنعة مضللة.

3ـ يتظاهرون بالطيبة واللياقة والبساطة، والورع والتقوى، وهم في الحقيقة على النقيض من ذلك تماما، فالصفات الغالبة هي: الوضاعة والوقاحة وانعدام الحياء.

4 ـ احذر أن تغرك قشرة الوداعة الناعمة فتحت جلد هذا الحمل الذي يبدو حميميا وأليفا ستكتشف انه ذئبا مسعورا، لا يتردد من قضم عظام أمه وأبيه، ووطنه الذي يأويه، وتذكر دائما: إن هؤلاء جميعا، سواء الذين تهافتوا على الفتات منهم، أو الذين التقطناهم من شوارع وطرقات العالم هم من المرتزقة ولاؤهم الأول والأوحد لأنفسهم.

5 ـ حاذقون في فن الاحتيال وماكرون كما هي الثعالب لأننا أيضا دربناهم على أن يكونوا مهرجين بألف وجه ووجه.

6 ـ يريدون منا أن لا نرحل عن العراق ويتمنون أن يتواجد جنودنا في كل شارع وحي وزقاق وأن نقيم القواعد العسكرية في كل مدينة، وهم مستعدون أن يحولوا قصورهم ومزارعهم التي اغتصبوها إلى ثكنات دائمية لقواتنا؛ لأنها الضمانة العملية الوحيدة لاستمرارهم على رأس السلطة، وهي الوسيلة المتوفرة لبقائهم على قيد الحياة، لذلك تجد أن هذه الوجوه تمتلئ رعبا ويسكنها الخوف المميت لأنها تعيش هاجسا مرضيا هو (فوبيا انسحاب القوات الأمريكية)، الذي لا ينفك عنها ليلا ونهارا، وقد أصبح التشبث ببقاء قواتنا أحد أبرز محاور السياسة الخارجية لجمهورية المنطقة الخضراء.

7 ـ يجيدون صناعة الكلام المُزَّوَق وضروب الثرثرة الجوفاء مما يجعل المتلقي في حيرة من أمره، وهم في الأحوال كلها بُلَداء وثقلاء، ليس بوسع أحد منهم أن يحقق حضوراً حتى بين أوساط زملائه وأصحابه المقربين.

8 ـ فارغون فكرياً وفاشلون سياسياً لن تجد بين هؤلاء من يمتلك تصوراً مقبولاً عن حل لمشكلة أو بيان رأي يعتد به إلا أن يضع مزاجه الشخصي في المقام الأول تعبيراً مرضياً عن أنانية مفرطة أو حزبية بصرف النظر عن أي اعتبار وطني أو موضوعي.

9 ـ يعلمون علم اليقين بأنهم معزولون عن الشعب لا يحظون بأي تقدير أو اعتبار من المواطنين لأنهم منذ الأيام الأولى التي تولوا فيها السلطة في مجلس الحكم الانتقالي المؤقت أثبتوا أنهم ليسوا أكثر من مادة إستعمالية وضيعة في سوق المراهنات الشخصية الرخيصة.

10ـ يؤمنون بأن الاحتيال على الناس ذكاء، وأن تسويف الوعود شطارة، والاستحواذ على أموال الغير واغتصاب ممتلكات المواطنين غنائم حرب، لذلك هم شرهون بإفراط تقودهم غرائزية وضيعة، وستجد أن كبيرهم كما صغيرهم دجالون ومنافقون، المعمم الصعلوك والعلماني المتبختر سواء بسواء، وشهيتهم مفتوحة على كل شيء: الأموال العامة والأطيان، واقتناء القصور، والعربدة المجنونة، يتهالكون على الصغائر والفتات بكل دناءة وامتهان، وعلى الرغم من المحاذير والمخاوف كلها فإياك أن تفرّط بأي منهم لأنهم الأقرب إلى مشروعنا فكراً وسلوكاً، وضمانةً مؤكدة، لإنجاز مهماتنا في المرحلة الراهنة، وإن حاجتنا لخدماتهم طبقا لإستراتيجية الولايات المتحدة، مازالت قائمة وقد تمتد إلى سنوات أخرى قبل أن يحين تاريخ انتهاء صلاحيتهم الافتراضية، بوصفهم (مادة استعمالية مؤقتة) لم يحن وقت رميها أو إهمالها.

من المؤكد أن العديد من الكتاب والمحللين أجادوا في تحليل مذكرات الحاكم الأمريكي بول بريمر للعراق بعد احتلاله عام 2003، وأوضحوا جوانب عدة مما جاء فيها.

الأحداث المؤلمة في العراق لازالت جاثمة على صدر العراقيين رغم مرور 12 سنة على الاحتلال فان الشعارات الطائفية والحديث عن مظلومية هذا الطرف أو ذاك كشفت رياء وكذب الكثيرين.

ولا شك أن التدهور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في العراق مرتبط بجملة من العوامل الاجتماعية والتاريخية في العراق ولكنها لم تصل إلى هذا القرار في السقوط بكل القيم إلا بسبب سياسات الاحتلال ودفعه كل الحالات إلى التعفن وبشكل مبرمج مستخدما عددا كبيرا من العملاء الذين تم تجنيدهم ومرافقتهم ليتم احتلال العراق والشروع بتنفيذ مخطط تفكيكه وتدميره بشكل كامل.

إن الحواضن الاجتماعية للعملاء لم تعد سرية وقد ظهرت كتابات عراقية ودولية فضحت تلك الزمر والبيوت الدينية والعشائرية والطائفية التي عاشت مرتبطة يرشى المستعمر فنسقت معه على حساب العراق شعبا ومجتمعا.

إن ما قدّمه بول بريمر من هدايا للمحتلين وما نفذه العملاء المحليين من جرائم لتثبيت ركائز الاحتلال لم تنطلق من فراغ بل اعتمد على جملة من الدراسات والتصورات الموضوعة منذ عقود حول مستقبل العراق. وبعد العدوان الثلاثيني والحصار على العراق ومن ثم غزوه واحتلاله إلا تنفيذ ما وضع منذ عقود حول العراق حتى باتت جرائم الحصار وما نتج عنه من تردي للأوضاع على كل المستويات وأعقبه الغزو والاحتلال بفرض القوة الغاشمة إلا حالة من الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية فقد مست الوجود العراقي برمته وسعت إلى تفكيك المجتمع والدولة العراقية وإحلال الخراب والخواء مكانهما.

كان هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق المعبّر الأدق عن الإستراتيجية الأمريكية حول العراق في مذكراته إذ قال: ( ... من يريد السيطرة على الأمة العربية الإسلامية عليه أن يدمر إرادة الأمة العراقية) .

وفي عام 1980 صرّح بريجينسكي مستشار الرئيس الأمريكي قائلاً: ( إن المعضلة التي ستعاني منها الولايات المتحدة هي كيف يمكن تنشيط حرب خليجية ثانية تقوم على هامش الحرب الخليجية الأولى التي حدثت بين العراق وإيران تستطيع من خلالها تصحيح حدود سايكس بيكو).

( ولم تكن إسرائيل بحاجة إلى مثل هذا التحريض فهي حليفة إستراتيجية لأمريكا وسياساتهما الإقليمية تكاد تكون متطابقة في جميع بنودها عدا بعض منها وهي هامشية، ففي عام 1982 نشرت مجلة (كيفونيم) وثيقة صهيونية بعنوان [ إستراتيجية إسرائيلية للثمانينات] وفيها الحديث عن أن العالم العربي بيت من ورق خلفه الاستعماران البريطاني والفرنسي في إطار تركيبات مجتمعية متناقضة أحياناً، وحفاظاً على كيانها لابد من تقسيم جديد وتجزئة هذه البلاد إلى كيانات هزيلة، واستثمار لبعض التكوين الاجتماعي - وهي النقطة المحورية في الخطة- ، وشمل مشروع التقسيم كل البلاد العربية لكن الأفضلية الأولى كانت لتقسيم العراق، ووُضعت الخطوط العامة لهذه الغاية) .

وفي عام 1992 وقبل احتلال العراق بسنوات أبتدع بول ولفوفيتز المحافظ المتشدد نائب وزير الدفاع الأمريكي سابقاً ومعه زلماي خليل زاده السفير الأمريكي في العراق وعدد من المحافظين في الإدارة الأمريكية خطة جديدة لمزيد من تجزئة الوطن العربي وفق أسس أثنية وطائفية لم يستثن بلد عربي منها، وكانت تتناغم مع الخطة الإسرائيلية، وفي عام 1998 ناقش الكونغرس وبعد شهادة من ولفوفيتز قانون تحرير العراق وتقرر صرف مبلغ 97 مليون دولار كمساعدات للمجموعات والورش العراقية التي تعاونت مع وكالة الاستخبارات الأمريكية... يومها طلب الشاهد حرفياً قائلاً: ( ساعدوا الشعب العراقي على إزالة سلطته). .

الخطة أقرت، وراحت القيادات تضع البرامج التطبيقية لها، وكان الغزو الأمريكي عام 2003 ومن الحتمي أن يكون المنفذون على قناعة كاملة بكل محاورها مبدعين في مجالات التنفيذ لها، ومن هنا كان اختيار بول بريمر السفير الأمريكي في الخارجية، ومن مهامه السابقة رئاستهً لمكتب موظفي وزير الخارجية هنري كيسنجر، وسفيراً فوق العادة لشؤون مكافحة الإرهاب خلال ولاية الرئيس ريغان، وسفيراً في أفغانستان و"لمؤهلاته" تلك كان ترشيحه للمنصب الجديد من قِبل ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي بوش وبول ولفوفيتز.

المذكرات غنية بالمعلومات بينما المؤرخون يعدون جميع المذكرات من المراجع الواجب التدقيق بها فكلها تعبر على آراء أصحابها، وتصاغ وفق هوى كل واحد منهم لكننا وجدنا فيها نقاط هامة تستدعي أن يتوقف المرء عندها لمقارنة الدقة في تنفيذ البرامج الموائمة للخطط الكلية لذا كان العنوان وكانت ضرورات وضع الرحال في المحطات.

أولى المحطات: كانت يوم بدء مهمته بتاريخ 12 مايس 2003 ليقول في المقدمة: ( لم نجد شخصية عراقية أمينة ووطنية تحكم عراق ما بعد صدام)، والغرابة تتجسد في تجاهله إلى إن الوطني الغيور لا يمكن أن يكون مطية للغزاة يسيرونه وفق رغباتهم ومطامعهم.

ثانيها: إجراءات التعيين والتنصيب والصلاحيات الممنوحة له، وعن ذلك يقول: ( لقد اتصل بي رئيس موظفي نائب الرئيس ديك تشيني وبول ولــفوفيتز وأعلماني بموافقة الرئيس على تعييني، واعتبرت المبعوث الشخصي للرئيس جورج بوش مرتبطاً مباشرة بوزير الدفاع رامسفيلد وبعده مباشرة بالرئيس، وكانت مسؤوليتي تتركز بمهمة مكتب إعادة البناء والمعونات الإنسانية بدلاً من الجنرال المتقاعد غاي غارنر) وفي مقابلة له مع الرئيس بوش سأله: ( لماذا ترغب في هذه المهمة المستحيلة؟!... فأجبته: لأنني أعتقد أن أمريكا قد قامت بعمل عظيم في تحريرها للعراقيين سيدي، ولأنني أعتقد أن بمقدوري تقديم المساعدة).

وفي لقاء ثانٍ معه وقبل مغادرته لبغداد دعاه إلى غذاء خاص وسأله: ( ماذا أستطيع أن أفعل لمساعدتك؟!... قلت: أحتاج إلى مساعدة في مجالين سيدي الرئيس، وأشرت أولاً إلى أنني لن أستطيع أن أحقق النجاح إذا كان هناك آخرون يقولون أنهم أيضاً يمثلون الرئيس، وكنت أخشى مسئول الأمن القومي زلماي خليل زاده الذي يحمل لقب المبعوث الرئاسي، وقلت أيضا: سيدي الرئيس إن هذا الأمر يعني أنه يجب أن تكون لي سلطة كاملة لحشد مصادر الحكومة الأمريكية لإنجاز مهمة إعادة الأعمار، وقال فورا: إنهم ذلك وأوافقك، وقلت: إنها مهمة شاقة وطويلة وأنا في حاجة إلى مساندتك لمنحي الوقت الكافي لتنفيذ عمل جيد).

وأمام تلك الصلاحيات شبه وسمي من أتباعه بالمندوب السامي كما كان ينعت زمن الاحتلال لإنكليزي السابق، وفي معرض تقييمه للوضع في العراق يكتب ( بينما حقق التحالف الذي تقوده أمريكا نصف أهدافه المعلنة بالنسبة لتغيير النظام عن طريق الإطاحة بصدام حسين)، يذكر هنا ما جاء في مقدمته ( إلا أننا لم نتمكن من الوصول إلى شخصية عراقية أمينة ونشيطة ومتميز بالوطنية يمكن أن تحكم عراق ما بعد المرحلة البعثية" مستشهدا بدراسة أعدتها مؤسسة رند للأبحاث" اقترحت لتحقيق التوازن في السنوات الأولى بعد الاحتلال يجب أن يكون هناك 20 جندياً لكل ألف مواطن، وسكان العراق يقاربون 25 مليون نسمة وبالتالي فالحاجة إلى نصف مليون، ويزيد هذا العدد ثلاث مرات على عدد القوات الأجنبية التي نُشرت في العراق).

يتبع الحلقات التالية :
للدراسة مراجع ومصادر وإحالات كثيرة
ومواقع تواصل اجتماعي ومذكرات للعديد من الشخصيات ذات الصلة بالموضوع
 





الاثنين ١٨ شــوال ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ٠٣ / أب / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب إعداد ا. د. عبد الكاظم العبودي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة