شبكة ذي قار
عـاجـل










قبل أن نتحدث في الموضوع ، يتوجب أن نسمع رأي عدد من الأطراف والشخصيات الدولية والإقليمية والمحلية بشأن الأتفاق الأمريكي الإيراني الأخير الذي انتهى مرثونه المزري بعد عقد من السنين :

- يقول الخبير السياسي الفارسي " أمير محبيان " .. ( إن نتائج الأتفاق النووي لن تخص إيران فحسب إنما سيكون لها تأثير على المنطقة والعالم .. فإذا ألغيت العقوبات فستصبح إيران قوية جداً والدولة الأولى في المنطقة .. كما أن بإمكانها أن تصبح واحدة من الدول المؤثرة على صعيد العالم ) .!!

- ويقول " محمد علي مهتدي " المستشار في مركز دراسات الشرق الأوسط في طهران ( إن الأتفاق النووي سيفتح الباب مستقبلاً امام تعاون إيجابي اقليمي من اجل مكافحة الأرهاب .. وإذا كانت الولايات المتحدة جادة في مكافحة الارهاب في الشرق الاوسط، فأنها لا يمكنها ذلك إلا بمساعدة إيران .. وستكون هنالك فرصة للبلدين للعمل معاً على ( حل قضايا المنطقة ) مثل قضية داعش وتهريب المخدرات وقضايا اخرى ) .!!

- ويقول الباحث الإيراني " نجف علي ميرزائي " ، ( إن التعاون مع امريكا ممكن في ضرب داعش، لأن الامريكيين والاوربيين يعرفون ان ايران هي رأس الحربة في مواجهة الارهاب في المنطقة، ولولا ثقلها الأستراتيجي والأمني وتأمينها للممرات النفطية لما كان النفط يصدر إلى الغرب ) .!!

- ويقول السفير " جون بولتون " المندوب الامريكي الاسبق لدى الامم المتحدة ( ان الاتفاق كارثة ، يمهد الطريق امام ايران للحصول على السلاح النووي .. وإن تعليق العقوبات سيمكن ايران من التبادل التجاري مع كل القوى الاقتصادية في العالم ، ليس فقط للحصول على السلاح النووي إنما للهيمنة على منطقة الشرق الاوسط وإرهابها في انحاء العالم ) .!!

- ويقول الكاتب البريطاني الشهير " روبرت فيسك " ، ( إن امريكا قد اختارت ايران كي تصبح شرطياً في الخليج العربي ) .!!

- والحقيقة الشاخصة : هي ان حل مشكلات المنطقة الاقليمية لا يكون حلاً ايجابياً ما دامت امريكا قد سمحت لايران في ان تكون أحد أهم أركان حل المشكلات، في الوقت الذي تمثل فيه ايران المشكلة الأكثر خطراً في منطقة الشرق الاوسط .. الأمر الذي يعني ان الحسابات الأمريكية النفعية قد ورطت دول العالم دون أي اكتراث لمصالح وأمن واستقرار المنطقة والعالم.

- إن رفع العقوبات الاقتصادية يعد أخطر من السلاح النووي الايراني- حسب هانز بليكس- الرئيس السابق للوكلة الدولية للطاقة الذرية من وجهة نظر العرب .. حيث من المتوقع ان تصبح ايران قوة اقتصادية كبيرة في المنطقة ) .!!

خيار أمريكا الأفتراضي :

هو ( ان الصفقة مع ايران سيكون المجتمع الدولي قادراً على التأكيد على ان طهران لن تنتج سلاحاً نووياً .. ومن غير ذلك هو بقاء الوضع على ما هو عليه والمجازفة بأن تنجح ايران في امتلاك سلاح نووي أو استخدام القوة العسكرية لمنعها من ذلك بكل ما قد يجره هذا الأمر من تبعات الوضع في المنطقة اكثر خطورة .. وإن ايران بقوتها التقليدية تثير قلقاً كبيراً، لأنها تملك ما يكفي ويزيد لأثارة القلاقل، وإن استخدام القوة العسكرية بضرب منشأتها العسكرية ربما كان سيجعلها أخطر واشرس ) .!!

المنطق الامريكي هذا يدفع الى جملة من التساؤلات :

1- هل ان الاتفاق النووي سيقلص قدرات ايران ويقيد منشآتها ويحدد كميات اليورانيوم المخصب لديها، وفيما اذا كانت هناك ضمانات لمواصلة الحظر على تصدير الاسلحة التقليدية ( لخمس سنوات، وعلى الصواريخ لمدة ثمان سنوات ) ، وهو الأمر الذي يعتمد على التقيد بالشروط وتنفيذ الالتزامات وتطبيق نظام المراقبة.

2- هل ان التزام ايران الافتراضي ببنود الاتفاق النووي سيكبح نزعتها في التدخل السياسي والعسكري والآيديولوجي في الشؤون الداخلية للدول العربية ودول العالم الأسلامي؟، يقول رئيس الاركان الامريكي الجنرال " ريموند اوديرنو " ( ان هزيمة تنظيم الدولة الاسلامية قد يستغرق عشرة الى عشرين سنه، وذلك أبعد مما يتوقع البيت الابيض ) .. فهل أن سياسة محاربة الأرهاب الأمريكية قد تم التخطيط لهل لتستمر عقود؟! ، وعلى من تعتمد هذه الأستراتيجية في التنفيذ طيلة هذه السنين؟ وهل هنالك من يتوقع الكم الهائل من الدماء والدمار الذي سيحل بالدول العربية والأسلامية عدا إيران؟!

3- وهل ان رفع العقوبات الاقتصادية ستصب مواردها لصالح التنمية الاقتصادية والاجتماعية للشعوب الايرانية والاستقرار الاقليمي .. أم ان هذه الاموال ستستثمرها القيادة الفاشية المذهبية لصالح تدخلاتها الخارجية وتعزيزها لنفوذها في المنطقة؟!

4- إن الأعتراف العالمي ببرنامج إيران النووي على اساس ابعاده السلمية.. فماذا يحصل اذا اكتشف العالم ان البرنامج النووي الايراني قد اكتسب بعده العسكري النووي وبات ( يبتز ) دول المنطقة؟ ، هل سيرضخ هذا العالم ويتعامل مع الحالة الكارثة على أساس الامر الواقع؟ ، ثم ، من يتحمل المسؤولية ؟ ، امريكا ستقول، عندئذٍ ، ان المسؤول هو "اوباما" وهو راحل عن البيت الابيض .. وان الدول الاوربية هي التي تتحمل المسؤولية وفي اطارها الرسمي الوكالة الدولية للطاقة الذرية ( IAEA ) ، باعتبارها جهازاً دولياً متخصصاً تعامل مع الملف النووي تعاملاً ( تقنياً ) صرفاً، فيما تعاملت امريكا مع هذا الملف تعاملاً ( سياسياً ) بما يتلائم مع مخططاتها في المنطقة دون اي اكتراث لمصالح دولها .. ومن هذه الزاوية تحاول امريكا ان تدفع بالكارثة المحتملة جراء فعلتها لكي تلبسها بما يتماشى مع مقاسات غيرها وتحمل المجموعة الاوربية ( الوكالة الدولية للطاقة الذرية ) و ( مجلس الأمن الدولي ) احتمالات ما يحدث في المستقبل، الذي تم تحديده بخمس الى ثمان سنوات، وتتنصل هي من مسؤولية الإخلال بالتوازنات الاقليمية في القوة، التي ستؤدي الى إحتقانات وتوترات واحتكاكات تعكس واقع عدم الاستقرار في منطقة تعد من أشد مناطق العالم تأزماً .. وهذا ما تريده امريكا للأهداف التالية:

اولاً- ان تستمر امريكا في ابتزاز الدول العربية وخاصة الخليجية، من حيث التسليح والتسلح في نطاق استراتيجية التخويف من ( البعبع ) الفارسي، التي اعتمدتها منذ زمن بعيد وما زالت .. ومن هنا تحقق امريكا ما كان قد اكده اليهودي "هنري كيسنجر" عام 1973 في مؤتمر الطاقة الدولية بما أسماه تدوير ( البترودولار ) في الأقتصاد العالمي من خلال الأزمات المفتعلة والحروب المرسومة، فضلاً عن إنعاش الأقتصاد الأمريكي المتردي .

ثانياً- ابتزاز بلدان اوربا التي تعاني من ازمات اقتصادية خانقة واحتمالات تفكك قاعدتها المادية والنقدية جراء اوضاع اليونان وايطاليا واسبانيا والبرتغال، وكذا وحدتها السياسية البنيوية التي نجحت على اساس قاعدة الأقتصاد الأوربي في وحدة اليورو، والتي لا تحبذ أمريكا أن ينهض الاتحاد الأوربي ويحقق نجاحات في عملته القوية حيال الدولار من جهة، واجهاض تكاملها صوب الوحدة الأوربية لتكون معادلاً في تشكيل القطبية المتعددة.

ثالثاً- ان امريكا لا تخشى سلاح ايران النووي على امنها القومي ولا على الأمن الإسرائيلي .. لأن ( الردع ) لا ينسحب على كل من طهران وتل أبيب، إنما ينسحب على العواصم العربية، الأمر الذي يشجع ويدفع إيران الى ابتزاز الدول العربية سياسياً، كما يدفع تل ابيب الى مثل هذا الأبتزاز على حساب القضية الفلسطينية .. وهذا يعني ان طهران بلعبة ( الملف النووي ) قد انجزت مهمتها بتقسيم الشعب العربي الفلسطيني إلى واقعين جغرافيين سياسيين، والعمل على إنهاء كفاحه الوطني لصالح الكيان الصهيوني ، في الوقت الذي تكون فيه قد خففت من أعباء تحملت وزرها امريكا مادياً وعسكرياً وسياسياً طيلة عقود لحماية الأمن الأسرائيلي المزعوم .. بمعنى ان اطلاق العنان لايران لا يهدد الأمن الأسرائيلي .. وهذا مسار مشترك يستهدف انهاء القضية الفلسطينية التي عجزت امريكا و ( اسرائيل ) ، ومنذ اكثر من خمسة وستين عاماً، عن إجهاض الثورة الفلسطينية الرائدة.

رابعاً- ان الخطوة الامريكية التي مهدت لظهور القوة الايرانية اقليمياً هي خطوة باتجاه سباق للتسلح التقليدي وغير التقليدي المسيطر عليه .. ولاضير في ( حلب ) المنطقة العربية بطريقة التسليح النوعي في بناء المفاعلات النووية على اساس التوازن في الردع المتبادل .. الأمر الذي يسقط الدعوة العربية الى إخلاء المنطقة من كل انواع اسلحة الدمار الشامل التي تتساوق مع اطروحة الامم المتحدة في هذا الشأن، كما ترغم الكيان الصهيوني على تغيير ستراتيجيته القائمة على التفرد النووي واحتكار هذا السلاح ووسائل اطلاقه في المنطقة.

خامساً- ليست العبرة في امتلاك المعرفة النووية فحسب .. انما تكمن في القدرة على صنع الرأس النووي، بل وسائل ايصاله الى هدفه دون تبعات قانونية وتاريخية واخلاقية .. وتلك تقنية ليست سهلة فهي ترتبط اساساً بسياسة معينة يتحمل نتائجها صانع القرار والدولة التي خولته بذلك، كما يتحمل نتائجها مجلس الأمن الدولي والمنظمات المتخصصة التابعة للامم المتحدة كالوكالة الدولية للطاقة الذرية ... فهل أن إيران بحصولها على المعرفة النووية ستكون خارج نطاق المسؤولية الدولية؟ ، وإذا ما خرجت كنظيراتها من قبل ( الهند وبالكستان وكوريا الجنوبية والبرازيل وجنوب افريقيا ) ؟!

فمن المسؤول عن هذا الخرق؟ وكيف يمكن معاملة إختلال التوازنات في القوة الأقليمية؟ وكيف يمكن تسوية تأزمات العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف، مع مختلف الاطراف الاقليمية؟ ثم ، هل يحقق الردع الأمن والأستقرار في المنطقة؟!

سادساً- ان اي ملف نووي يحمل صفتين اثنتين: الصفة ( التقنية ) والصفة ( السياسية ) ، فلا يجب إغفال أي منهما في ملف المفاوضات النووية.. الملف النووي الايراني كرس الفرقاء المعنيون جهودهم خلال اكثر من عقد من السنين على الجانب ( التقني ) وإهمل نوعا ما، الجانب ( السياسي ) تماماً والمعبر عنه بالسلوك الإيراني الخارجي العدواني الذي يعتمد التمدد للوصول إلى اهدافه غير المشروعة.. الأمر الذي يطلق عليه بمفاوضات الصفقة .

سابعاً- هل ان ايران، بعد الأتفاق النووي، ستكون ايجابية .. بمعنى أنها ستعيد حساباتها مع محيطها الأقليمي في ضوء مبادئ حسن الجوار التي يقرها القانون الدولي، وتلتزم بالأتفاق ذاته وكذلك بشروط ومعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ثامناً- وإذا كان الأمر كذلك .. فهل تتخلى إيران عن أهداف سياستها التوسعية، التي تعلن أن بغداد عاصمة لأمبراطوريتها الأستعمارية البائدة؟ وأين موقع التزاماتها الأممية حيال هذه الاهداف؟ ، ألم يكن الركن ( السياسي ) غائباً عن الركن ( التقني ) في المفاوضات المراوغة التي استغفلت العالم طيلة أكثر من عقد من السنين؟!

تاسعاً- وإذا سَلَمنا جدلاً بفرضية ( اوباما ) آنفة الذكر، التي تؤكد على احتواء ايران بدلاً من تركها دون قيود قد تدفع بها الى امتلاك السلاح النووي او اشعال حرب اقليمية طاحنة .. فهل نجحت امريكا في وضع ايران في ( قفص ) ، كما أطلقت هذا التوصيف من قبل؟ ما هو شكل القفص .. هل هو ( تقني ) مضمون تتكفل به الوكالة الدولية للطاقة الذرية واستخبارات دولها، أم هو قفص ( سياسي ) محض تتحرر منه، حيث يترك العنان لها لكي تعبث كما تشاء في المنطقة وخارج حدود وقيود القانون الدولي؟!

عاشراً- فاذا كان القفص ( تقني ) ، فهذا شأن إستخباري يعود للدول المعنية بالمفاوضات اولاً وبمستشاري الوكالة الدولية للطاقة الذرية ثانياً .. وإذا كان القفص ( سياسياً ) فكيف يمكن ضبط السلوك السياسي الايراني حيال شعوب ايران ومحيطه والعالم إذا ما خرج عن المألوف وزاد من احتقان المنطقة بسياسة التمدد وفرض سياسة الامر الواقع بالضد من حقائق الجغرافيا وحقائق التاريخ .. وكذلك خلافاً للقانون الدولي ومبادئ ميثاق الامم المتحدة؟ وكيف ستتعامل امريكا مع هذا السلوك الذي بات مستشرياً في العراق وسوريا ولبنان واليمن والبحرين، ومحاولات التمدد جارية في ساحات عربية وغيرها؟! ثم ما هو الوضع القانوني والسياسي لحالات الخرق التي تمارسها ايران من خلال سياستها الخارجية منذ عام 1979 ولحد الآن ؟!

الخلاصة :

1- ان امريكا تتحاشى التعرض للسلوك السياسي الايراني العدواني .. لأن ما يقابله هو الخدمة التي تبديها ايران حيال تنفيذ سياسات امريكا في المنطقة وفي العمق الآسيوي.

2- ليس بمقدور الامم المتحدة ان تمارس دورها في تطبيق ميثاقها الذي يمنع العدوان ويحرم العدوان ويعاقب الدول التي تخرق ميثاقه الاممي .. لأن أمريكا تفرض سياساتها على الامم المتحدة وتمنعها من ان تؤدي مهامها ووظائفها حيال حالات الخرق وحالات العدوان على اعضائها .

3- الفيتو الامريكي والروسي باتا سيفان مسلطان على رقاب الشعوب، تمنعانها من التحرر والمطالبة بحقوقها، وتدفعان بها الى المزيد من الدمار والدماء وعدم الاستقرار تحت مزاعم المصالح ودواعي الامن القومي.. الأمر الذي يعطل الميثاق ويشل القانون الدولي ويكرس شريعة الغاب.

4- من الصعب الاعتقاد بان نظام الفاشية الطائفية في طهران سيتخلى عن هدف ( تصدير الثورة ) باعتبارها سياسة ستراتيجية آيديولوجية يعتاش عليها منذ عام 1979 ، والتساؤل هنا هل يتخلى نظام طهران عن تسويقاته في الحشد الخارجي ( الموت لامريكا ) و ( الموت للشيطان الاكبر ) و ( الموت لأسرائيل ) ؟ وهل سينجو من صراعات الداخل حين تتخلى ايران عن هذه التسويقات السياسية والاعلامية الكاذبة التي مارستها على مدار ستة وثلاثين عاماً؟ ، وهل تتوقع امريكا تغييراً داخلياً في ايران كما هي فرضية الأحتواء؟

النظام الإيراني سيتبجح بأن تشدده الخارجي هو الذي كسر حلقة طوق العقوبات الاقتصادية .. وعليه فأن تشدده لن يلين أو تلينه الأموال التي ستتدفق عليه .. وسيتبجح ايضاً بأن المليارات التي صرفها على المفاعلات النووية وتدخلاته الخارجية قد حصد نتائجها .. ولكن هذا التبجح لن يستمر طويلاً.. لأن الصراع هو أكبر من الملف النووي الإيراني، الذي يعد واحداً من أهم ملفات الخداع في العالم ومنها الخدعة الكبرى .. محاربة الأرهاب .!!






السبت ٢ شــوال ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / تمــوز / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب د. أبا الحكم نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة