لقد تحسس حزب البعث العربي الاشتراكي ضياع الانسان العربي في واقع التجزئة والتخلف والاستغلال الطبقي فكانت فكرة الوحدة بمفهومها الثوري الاشتراكي هي الجوهر الاخلاقي للانتماء القومي، وكانت الفكرة الانقلابية كفكرة حية هي الجوهر الاجتماعي للقيم الاخلاقية تحكم صراع الانقلابيين للوصول الى الاهداف الاساسية للثورة العربية في هذه المرحلة التاريخية الخطيرة من حياة الامة العربية .

أن الوحدة والحرية والاشتراكية هي طريق الانسان العربي للخروج من ضياعه وغربته ، وحزب الوحدة والحرية والاشتراكية الذي أستخلص هذا الجوهر الاخلاقي ليقود مسيرة الخلاص من الضياع والغربة كان لابد له من أن يجعل الاخلاص لهذه الفكرة الجدلية والحية القيمة الاخلاقية الاساسية بحيث يجوز معها أن يكون بعثيا من أجلها بالوعي وأن لم يكن بعثيا بمعنى الانتساب الحزبي .

الالتزام والانتساب :
الجماهير الشعبية المؤمنة بفكر الحزب وأهدافه هي المادة الاساسية والأولية لكل نضال من أجل هذه الاهداف . أما المنتسبون للحزب فهم الطليعة الاكثر وعيا التي أخذت على عتقها قيادة النضال وتحمل التضحيات من أجل هذه الاهداف. فالالتزام بالفكر والانتساب للحزب ليسا شيئين منفصلين أذ أنهما ينبعان من جوهر أخلاقي واحد ولكنهما يمثلان درجات متفاوته من الوعي . فالانتساب يمثل درجة أعلى من الالتزام بالفكرة .

فكلما تعمق مفهوم الانتساب للحزب بأقترابه من الفكرة الانقلابية، كلما أصبح الحزب أكثر قدرة على تعميق أرتباط الملتزمين به بالفكرة وتوسيع دائرتهم وصب تضحياتهم وجهودهم في الطريق السليم . ذلك لان الناس لا يتعرفون الى الحزب من خلال أيديولوجيته ومنطلقاته الفكرية فقط، بل وأيضا من خلال تماسهم وأحتكاكهم بالحزبيين وبمدى تمثل هؤلاء الحزبيين لافكار حزبهم وأخلافيته. وبكلام آخر، أن الالتزام هو نتيجة الوعي . وأشاعة الوعي هي مهمة الطليعة الواعية للجوهر الاخلاقي لفكرة البعث ، ونجاح هذه الطليعة في نشر الوعي مرتبط كل الارتباط بقواعد السلوك النابعة من القيم الاخلاقية الاساسية المتمثلة بالاخلاص للفكرة والتضحية في سبيلها .

يقول القائد المؤسس رحمه الله في حديثه عن المهمة الريئسة الملقاة على عاتق الحزبيين ، مؤكدا بأن المهمة الاولى هي :
( أن نوصل قضية الامة ، قضية الثورة العربية الى وعي الجماهير . نوصلها يوميا بالتوعية الشاملة المتكررة التي تقترن بالتنظيم والممارسة والتي يجب في يوم ما أن تتوج بأن يحمل شعبنا وجماهير شعبنا السلاح .. ) في سبيل البعث." فالوعي هو أساس القوة الجماهيرية " كما يقول رحمه الله أيضا ، فبالالتزام ينتقل الفرد العربي الى " صفحة جديدة ، صفحة الذين يجابهون المعضلات ببرودة العقل ولهيب الايمان ، ويجاهرون بأفكارهم ولو وقف ضدهم أهل الارض جميعا، ويسيرون في الحياة عراة النفوس هؤلاء هم الذين يفتتحون عهد البطولة ) في سبيل البعث.

وبالالتزام يدخل الفرد العربي الى ساحة المعركة بعد أن كان خارجها .
الانقلاب على الذات :
أيديولوجية الحزب كأيديولوجية تتطلب باديء ذي بدء الانقلاب على الذات أي الانقلاب الذي يحققه المناضلون على ذواتهم وهي تتعمق من خلال النضال الذي يقودونه نحو الاهداف التي يلتقون عليها . والانقلاب على الذات هو بحد ذاته قيمة أخلاقية ، لانه يمثل مناعة المناضل ضد الفساد الواقع.

لانه بالانقلاب فقط ، " حياة هؤلاء " أي المناضلين داخل صفوف الحزب . ستكون خطاً مستقيما لا فرق بين باطنها وظاهرها ولا تناقض بين يومها وأمسها فلا يقال عن أحدهم نعم أنه سارق ولكنه يخدم وطنه . ولا يقودون في الصباح مظاهرة ويأكلون في المساء على مائدة الظالمين . في سبيل البعث.

يقول القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله ( الانقلاب تعبيره العملي هو النضال. والنضال له معان كثيرة أوله معنى واسع لا ينحصر في النضال السياسي وحده . وقد يظن بأن النضال أسلوب للعمل وهذا الشائع والمطبق عند الكثرين ، في حين أن النضال بالنسبة للعربي ليس أسلوب فحسب وأنما هو غاية في حد ذاته ) في سبيل البعث .

والطهارة الثورية كقيمة أخلاقية ليست قرارا ذاتيا يتخذه المناضل بينه وبين نفسه ، ولكن الى جانب عنصر الارادة تدخل عناصر موضوعية تتعلق بضخامة التحدي ، وبالبية الحزبية ، وبنوع العلاقات التي تحكم التفاعل بين المناضل والحزب . أي أنه كلما كان التحدي الذي يواجه الحزب مصيريا كلما أصبحت الطهارة الثورية هي المقياس الاخلاقي . وكلما كانت البيئة الحزبية نشطة في مجالات التربية والتعبئة ، وكلما أصبح الانقلاب على الذات لدى المناضل أعمق وأكثر أشعاعا. وكلما كانت العلاقات بين الحزب وبين المناضل علاقات غير قسرية تحكمها قواعد النقد والنقد الذاتي من أجل التصحيح كلما أصبح من الاسهل مقاومة الفساد والرواسب الاجتماعية والسياسية .

يشير القائد المؤسس أحمد ميشيل عفلق رحمه الله الى هذه الناحية في مقالة عهد البطولة ، عندما يقول: ( عهد البطولة وأكاد أقول عهد الطفولة ، لان النشىء الذي يتأهب اليوم لدخول هذه المعركة له صدق الاطفال وصراحتهم ، فهو لا يفهم ما يسمونه سياسة ، ولا يصدق أن الحق يحتاج الى براقع ، والقضية العادلة الى تكتم وجمجمة .

... الصلابة في الرأي صفة من أجل صفاتهم فلا يقبلون في عقيدتهم هوادة ، ولا يعرفون المسايرة . فاذا رأور الحق في جهة عادوا من أجله كل الجهات الاخرى ، وبدلا من أن يسعوا لارضاء كل الناس أغضبوا كل من يعتقدون بخطئه وفساده . أنهم قساة على أنفسهم ، قساة على غيرهم ، أذا أكتشفوا في فكرهم خطأ رجعوا عنه غير هيابين ولا خجلين ، لان غايتهم الحقيقة لا أنفسهم . وأذا تبينواالحق في مكان أنكر من أجله الابن أباه وهجر الصديق صديقه.

هؤلاء اليوم قليلون وربما أصبحوا في الغد أقل أذا أصطدموا بالمتاعب التي تنتظرهم ، ورأوا الويلات تنزل بهم واللعنات تنصب عليهم . ولكن المستقبل لهم لانهم يفصحون عن مشاعر ملايين الناس الذين قص الظلم ألسنتهم ) في سبيل البعث .

التطابق بين الحزب والحزبيين :
فالمدرسة التي يتربى فيها الحزبيون لا يمكن أن تكون مدرسة نضالية تستنهض مكامن التقدم في الأمة ، مالم تكن مبنية على سلم من القيم الاخلاقية نابع من فكرة الوحدة الثورية الاشتراكية والانقلاب. والاخلاص لهذه الفكرة هو القانون الاخلاقي والتربوي الذي يجب أن يحكم تصرفات الحزبيين داخل الحزب وفي صفوف الجماهير .

ذلك أن التطابق بين القيم الاخلاقية للحزب وبين مسلكية الحزبيين هو الذي يخلق الثقة بالحزب لدى الجماهير، وبالتالي يعزز قدرة الحزب على التغيير والقضاء على النواحي السلبية وعلى الفساد داخل الحزب وداخل المجتمع .

ومن هنا نشأت فكرة التثقيف الحزبي والتربية الحزبية والتعبئة الجماهيرية والثورة الثقافية لتحقيق هذا التطابق وتعميق فهم الحزبيين للمهام التي يتصدون لها وتطويعهم للمناخ الذي يجب أن يولد فيه الصورة الجديدة للمجتمع ضمن النمط الاخلاقي الذس يستوحي فيه الحزب تاريخ الأمة ومستقبلها . فالحزبيون على الرغم من التقائهم على أفكار موحدة يحملون معهم الى حزبهم رواسب مجتمعاتهم وطبقاتهم الاجتماعية التي نشأوا فيها . فالحزبي القادم من مجتمع عشائري لا يمكنه أن يتخلص من الرواسب ما لم يكن على درجة عالية من الوعي والالتزام تطغي القيم الاخلاقية المستمدة من الفكري والنضالي للحزب على القيم الاخلاقية للمجتمع العشائري . وبالتالي يكون عنصرا مشعا في مجتمعه قادرا أن يتصدى فيه للقيم المتخلفه وأحلال القيم التقدمية محلها .

وفي كتابات الحزب أشارة واضحة الى هذه الناحية في أكثر من مكان . ويكفينا أيراد مقطع من مقالة ( في التثقيف الذاتي الثوري) : " أن الثقافة الثورية تسلح المناضلين بالتفاؤل العلمي في وجه الصعوبات ، وبالقدرة على نشر وأيضاح أفكار الحزب بين الجماهير ، فضلا عن أنها تزوده بمهارة خاصة في تشخيص أساليب التخريب والتأمر والرجعية وفضحها ، وبامكانية ربط العمل اليومي في المجال المعين بالنشاط الثوري العام في القطر وفي الوطن العربي . ولذلك يظل التثقيف الثوري أحد أهم واجبات المناضل الحزبي في جميع مراحل تطور الحزب " في التنظيم والتربية الحزبية .

التوافق بين الغاية والوسيلة :
أن من اهم المباديء الاخلاقية للحزب التوافق بين الغاية والوسيلة . وهذا المبدأ هو صلب الاسباب التي مكنت الحزب من الحفاظ على صورته الكلية وعلى مؤشرات وجوده فكريا وتنظيميا في وجه الاساليب اللا خلاقية التي كان يسلكها المتسلقون والانتهازيون والسارقون لشعارات الحزب.

فقد ظل الحزب بأستمرار يفضح الاساليب غير ثورية في الوصول الى السلطة ، ويفضح الاساليب غير الثورية في الحفاظ عليها . فأذا كانت السلطة هدفا ثوريا ، فأنه يجب بلوغها بالوسائل الثورية . واذا كانت السلطة ليست هدفا بحد ذاتها ، فأن وسائل الوقوف عندها دون الاهداف الاساسية التي أعتبرناها الجوهر الاخلاقي لفكرة الحزب هي أفتراق عن الغاية وبالتالي أفتراق عن الجوهر الاخلاقي للحزب .

أن هذا المفهوم الاخلاقي النابع من فكر الحزب الاصيلة الحية ومن تصوره الكلي لحقيقته وحقيقة الأمة العربية ، هو الذي يحدد قواعد السلوك الحزبية وأبعاد القيم الاخلاقية وفي رأسها الاخلاص لفكرة الحزب .

أن المفهوم الثوري للاخلاقية ، ينبع من الالتزام بمصلحة الطبقات الشعبية الكادحة فكرا وسلوكا ، نظريا وعمليا .. " فالنظرة الاخلاقية للبعث العربي بشكلها الحاضر تنحصر في الامر الاتي : مادام هذا النوع من العيش الطبيعي الكريم محرما على الأكثرية الساحقة من الشعب ، نتيجة للاوضاع الفاسدة ، فأن المؤمنين بحق الشعب لا يقبلون أن يشاركوا في عيش يعتبرونه الان غير مشروع ، ويرونه ظلما للشعب . لذلك فهم يفضلون عليه حياة المبدأ " في سبيل البعث .

أن الالتزام الكامل بأخلاقية الطبقات الشعبية الكادحة ، هي الوسيلة الوحيدة ( كيما نحقق على هذه البقعة من الارض التي هي بلادنا غايتنا وغاية كل أنسان ـــ الانسانية الكاملة . في سبيل البعث .