شبكة ذي قار
عـاجـل










الوحدة العربية من الأهداف المهة في سياق المسار التاريخي للأمة العربية ، وعلى الرغم من أهمية وجود أحزاب قومية تتبنى هذا الهدف فإنشاء حركة وحدوية يجب ألا يعني الاستغناء عن هذه القوى ، ولابد من تعبئتها وعدم التفريط بها بل يجب تعبئة تلك القوى والاستفادة منها في الجهد الجديد ، لذلك فان المطلوب هو قيام جبهة تضم كل القوى الوطنية وليس إنشاء حزب جديد، ويكون ذلك من خلال اللقاءات والحوارات التي يجب أن تتولاها نواة من الناشطين المؤمنين بهذه الدعوة لتحقيق انسجام في داخل التيارات القومية الموجودة أساسها موضوع رئيس هو مشروع التوحيد ، وينبثق من ذلك ميثاق عمل واضح يتناول قضية الوحدة كهدف رئيس موضحا الخطوات والمراحل والوسائل المؤدية إليها ، دون الدخول في تفاسير الإيديولوجيات لماذا ؟ لأن قضية الوحدة هي قضية قومية تخص جميع القوميين والوطنيين والمؤيدين للتقدم والنهضة ومن جميع التيارات والطبقات وفئات الشعب ،

وكل من يرغب ومستعد للعمل على هذا الأساس مرحب به ، وليس من المعقول إن هذه القوى ترفع شعارات الوحدة وتنادي بالعمل لتحقيقها ، وعندما يحين الوقت للالتئام في جبهة واسعة تراهم يتنصلون من هذا المشروع على حساب مصلحة الأمة ، وهذا يعني إن تلك القوى بعيدة عن الوحدة لأنها تتاجر بهذا الهدف الذي بات مهما وذا اثر كبير في وجودها الآن وفي المستقبل ، والى جانب هذه القوى المنظمة هناك الجمهور الواسع ومن الملايين الذين غالبا ما تجاوزتهم السياسة وغابوا عن الاهتمام وتم التعامل معهم كلا غير ذي بال ، ويعبئون وقت الحاجة لكسب التأييد العاطفي والتصويتي أيام الانتخابات بكل أشكالها ، إن هذا الجمهور الواسع يجب التوجه إليه والاتصال والتفاعل معه لأنه مصدر القوة وصاحب القرار وفيه تكمن القوة الحقيقية في التغيير والتقدم وتحقيق مشروع الوحدة ،

ولعل من أهم الأخطاء التي يعاني منها التفكير السياسي العربي هو انه لا يملك تصورا واضحا للقوة الهائلة لتي تكمن في جماهير الشعب ، والنظرة إليهم أنهم كما متخلفا فاقدا للإرادة ومكبلا بعوامل الفقر والجهل والمرض التي هي في الأساس نتيجة سوء تعامل الأنظمة مع هذه الوسط الكبير بالسلب ، وفشلها في تحقيق ما يتطلع إليه في الحرية والرفاه الاجتماعي والاستقلال والكرامة والسيادة الوطنية ، من هذا كان علينا أن نعرف السبل الكفيلة بتنمية هذا الشعب والطريق لتفجير طاقاته الهائلة بما يخدم مشروع الوحدة ، لأن حماس الشعب وحويته ومبادراته تخلق العجب الذي لم يكن في الحسبان ، لذلك نقول - إذا الشعب يوما أراد الحياة 000 فلابد أن يستجيب القدر . فمشروع الوحدة لابد أن يكون مشروع جماهير الشعب والقوة الوحيدة القادرة على تحقيقه فما هو السبيل لذلك : في النظم الشيوعية والتي يطلق عليها بالنظام الشمولي الذي هو في جوهره حكم النخبة رغم أن الكتابات الماركسية تؤكد دور الجماهير إلا انه في التطبيق العملي قننته في قوالب انتهت إلى اعتبار النخبة هم الشعب ، أما في الدول الديمقراطية ،

فالديمقراطية الليبرالية تعتبر الشعب مصدرا للشرعية والسلطة والشعب يعرب عن رأيه عن طريق الانتخاب ، ولكن هذا التنظيم الذي وضع في إطار مجتمع رأسمالي قد كون بمرور الوقت أطرا وأجهزة وقواعد عمل تؤدي عمليا إلى وضع السلطة بيد الأقلية القوية في المجتمع ، وهي التي تملك المال والإعلام والنفوذ فاستطاعت ترويض الجماهير بما فيهم العمال وقولبتهم في إطار معقد ينتهي بسلطة أصحاب القوة المالية ، وبذلك اتسعت المسافة بين الناخب والحاكم وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى تعميم هذا النمط من الديمقراطية الليبرالية في البلدان النامية ، من اجل الوصول إلى فئات موالية لها وهذا ما أرادته في العراق بعد احتلاله من قبلها ، لكن المطلوب ابتداع طريق جديد يضع الشعب في المكان الصحيح ويعتمد على قواه الحقيقية ولا يختصره في النخبة السياسية أو المالية أو العسكرية ، وهذه المشكلة هي التي تكمن في المحاولات المتعددة في دول العالم الثالث الناهضة لتطوير خط آخر وبمفهوم مختلف يجعل تمثيل الشعب في السلطة مسالة حقيقية ، وهنا يقول الدكتور سعدون حمادي رحمه الله :

إن الاتصال بالشعب عمل واسع ويحتاج إلى منهجية وتقوم هذه المنهجية على ركنين : الأول هو الاستماع إلى الشعب بكل ماتعنيه الكلمة وفي أدق التفاصيل ، والثاني هو التوضيح والشرح للشعب أدق التفاصيل ، وبصبر وبكل المعلومات والأدلة المتوافرة ، ويعني ذلك قيام حوار حقيقي . يرسي قناعات في الأوساط الشعبية بما يجعلها قادرة وراضية في قيام أية خطوة على طريق الوحدة ، وتكشف عن تآزرها وإسنادها لذلك ، وهنا لابد من تأكيد حقيقة قد لا تكون غائبة عن الحكام وأبناء الشعب في القطر الواحد ، وهي أن الوحدة يتطلب لها ثلاثة عوامل أساسية ، الأول وجود نظام حاكم يؤمن بالوحدة ويضحي بنفسه كما قلنا سابقا من اجل هذا الهدف النبيل ، والعامل الآخر هو وجود جماهير واسعة مؤمنة بالوحدة وتعدها أسمى ما يصل إليه التيار القومي العربي ، وهذا يتطلب حوارا حقيقيا مبنيا على اسس رصينة وخاليا من المصالح الفئوية أو الحزبية ، ويكون هذا الحوار قوة ضاغطة على الحكام في أن الوحدة هي السبيل لبناء نهضة عربية لها وزن بين أمم ودول العالم ، أما العنصر الثالث وهو الثروة ،

فلا يمكن لوحدة أن تقوم والحال العام لدعاته سواء من الأنظمة والحكام أو من الجماهير وقواعدها يغلبه العوز والفقر، لأن الوحدة عندما تحل في وسط جماهير الأمة فلابد أن تحقق دخلا مناسبا لكل فرد يجد فيه أن الوحدة كان خيارها صائبا لأنها أحدثت طفرة في الاقتصاد وحققت تراكما ماديا قادرا على تطوير الصناعة الوطنية والزراعة ، ورفع كفاءة الخدمات الصحية والتربوية والبلدية ، وفي كل مناحي الحياة الأخرى ، وان تفجير طاقات الأمة سيكون له مردودا اقتصاديا كبيرا يكون أساسا لبناء وتطوير كافة القطاعات في دولة الوحدة ، فيتم القضاء على البطالة وتستوعب جميع الأيادي العاملة في مصانع وقطاعات الدولة الجديدة ويحارب الفساد المالي والإداري ، ويبني نظام إداري وحكومي يلبي حاجة الشعب ويجد الكل إنهم متساوون في الحقوق والواجبات ، ناهيك من تحقيق مستوى من الوعي والخبرات العلمية والثقافية والسياسية وتطوير وتعزيز المفاهيم الاجتماعية بما تتلاءم وواقع الأمة ، إن الطريق الثالث الذي يفرض نفسه في الظهور أمام المنهج الشيوعي أو المنهج الليبرالي هو الطريق القومي المستند والمغذى بنظرية الحرية والاشتراكية في خصوصيتها القومية ، وهو طريق المعالجة الجادة والكفيلة بالخلاص من القطرية المقيتة والفردية والتسلط والطائفية التي تحاول تمزيق نسيج الأمة الواحد إلى طوائف ، تتطلع إلى دويلات ضعيفة متناحرة وهذا ما يقوي إسرائيل ويحافظ على مصالح أمريكا وحلفائها في المنطقة وبالأخص على الأرض العربية ، والتطور الذي نعنيه ليس هو مجرد التغيير بل هو التغيير المقرون بالغاية والمتجه نحو هدف وليس التغيير المجرد من الغاية والهدف ،

لقد ظهرت في الآونة الأخيرة عبارات تنتقص من القومية وأخرى تدعي أن عصر القومية قد انتهى لكن لم يكن هناك دليل واحد لدى هؤلاء الذين ينادون بذلك ، ولو اجري تحليل إحصائي لتصويت أعضاء الأمم المتحدة في مختلف القضايا التي عرضت على المنظمة الدولية من حيث الدوافع لوجدنا أن الدافع القومي كان وراء ذلك التحليل ، ولا يوجد دافع جوهري لمجمل العمل والتصرف غير خدمة المصلحة القومية ، أي تحقيق المزيد من القوة المادية والمعنوية للدولة المعنية أكمل وأحسن فهي مفتاح تقدم يفوق كثيرا ما نتصوره ونحن في حالة التجزئة والتخلف والضعف ، أن القوة التي تخلقها الوحدة شيئا آخر لها مدى ومحتوى ونتائج أوسع واكبر مما يستطيع الذهن المجرد أن يتصوره ، فالوحدة عالم آخر كل شيء فيه أقوى وأكمل وأحسن فالأنظمة العربية كلها الآن في وضع الأزمة والمعاناة والحالة غير الطبيعية وأنها تحاول أن تتعايش مع حالة الأزمة والبقاء والاستمرار مستخدمة لمدد طويلة قوانين الطوارئ لكن هذا المجال والأسلوب هو القناة والفتحة في جدار الأمة التي يدخلها الاستعمار الجديد من اجل ان يزيد التقسيم انقساما ويدفع بالورقة الطائفية لتكون هي البديل عن الوحدة والفكر القومي النير والخلاق وهذا ما حصل الآن ويحصل في مسلسل الإجهاز على الأمة وإعادتها إلى عصر ما قبل الصناعة ، وان الذين يوجهون كلمات الانتقاص للقومية يتجاهلون حقيقة الطبيعة البشرية التي تحتاج دوما إلى الحافز فهل هناك إنسان يعمل من دون حافز ؟

إن الشعور القومي هو الحافز الذي نتج منه التقدم الهائل الذي أحرزته الأمم في مختلف حقب التاريخ ، هذا هو معنى الشعور بالذات وهذا هو معنى وجود الهوية ، فالشعور القومي موجود عند جميع الأمم وهو الحافز للنشاط والإبداع والتقدم وان كان التعبير عنه يختلف من حالة إلى أخرى ، وان الدولة القطرية تدرك ذلك وتعرف أهمية الحافز لذلك نجدها تحاول جاهدة خلق حافز متلائم مع وضع التجزئة عن طريق مظاهر الوطنية القطرية ، والاهتمام بالتاريخ القديم لذلك القطر والإعلام لرئيس الدولة والتعبئة في المناسبات القطرية ولكنها لم تستطع أن تحقق نجاحا ، فالوطنية القطرية لم تنجح وأنها غير قادرة على الوقوف في عالم متغير دون الاستناد إلى هويتها القومية ، فالوطن العربي بموارده وسعته واتساعه وتنوعه والأمة العربية بتاريخها وتراثها الروحي ولغتها وثقافتها وحضارتها كل ذلك يشكل دنيا وعالم آخر تماما ، فشتان مابين دنيا ودنيا ، وشتان ما بين شعور وشعور .






الخميس ١ رمضــان ١٤٣٦ هـ   ۞۞۞  الموافق  ١٨ / حـزيران / ٢٠١٥ م


أكثر المواضيع مشاهدة
مواضيع الكاتب أبو مجاهد السلمي نسخة للطباعة عودة الى صفحة مقالات دليل كتاب شبكة ذي قار تطبيق شبكة ذي قار للاندرويد إشترك بالقائمة البريدية
أحدث المواضيع المنشورة